تأملات قرآنية من الآيتين السادسة والسابعة من سورة يس

لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7)

التأمل الأول:
الغفلة تكون في الغالب لسببين ، إما لقصور أو تقصير ، فَلِكَون الإنسان بطبيعته غير مؤهل لمعرفة الله عز وجل معرفة تجعله لا يغفل عنه سبحانه فيكون قاصراً في معالجة هذه الغفلة ، وهذا بالتأكيد لا يعني أنه يتهاون عن علاجها ، إلا أنه مُسامَحٌ ما دام غير مقصر في التخلص من الغفلة ، وما دام مواظباً على علاج هذه الغفلة بمقدار طاقته وقدرته ، فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها .
وعلى ما يبدو أن الغالبية هم مقصرون وليسوا قاصرين في التعامل مع غفلتهم للقضاء عليها ، والواقع يثبت ذلك ، فغالبية الناس – بما فيهم المؤمنون – لا يتسابقون ولا يهتمون للخلاص من غفلتهم ، خاصة أولئك الذين ينحدر مستواهم الإيماني .

التأمل الثاني:
إن الغافلين على صنفين :
1) الأول : غافل ولكنه مستعد في داخله للعودة الى الله تعالى ، بحيث إذا جاءه منذر ونذير يعود ويتوب الى الله سبحانه ، ولا يجد حرجاً في ذلك ، إلا أن غفلته تبقى ولكن بنسبة أقل ، وقد يستيقظ من نومة الغافلين الى درجة أنه يكون منذراً لغيره من الغافلين .
2) الثاني : غافل إلا أنه غير مستعد في باطنه للرجوع الى الله سبحانه ، فإذا جاءه النذير رفض إنذاره واعترض ، وقد يصل الأمر الى معاداة المنذر ومحاربته وتسقيطه وتشويه سمعته وربما الى قتله كما حصل مع كثير من النبيين والوصيين ، وقتل حتى من يحمل فكرهم في الإنذار .
ولكي تُرفَع نسبة الصنف الأول لا بد من تكثيف الإنذار من خلال تفعيل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل مدروس وصحيح، وإلا ستكون نسبة الصنف الثاني من الغافلين أكبر وخطرهم وأكبر .

التأمل الثالث:
تكون الغفلة عند أكثرنا دفينة ، بمعنى انها موجودة وإن كان صاحبها في الواقع غير غافل ، بعبارة أدق : أن الغفلة من حيث الأساس موجودة ، متى ما توفرت عواملها ومقوماتها بانت آثارها على السلوك والتصرفات ، ومن أبرز آثارها المعاصي وترك الواجبات أو التهاون بها ، وبالتالي تحق العقوبة ( أخروياً وربما دنيوياً وأخروياً ) على الغافل كنتيجة لغفلته ، وتتناسب العقوبة بشكل طردي مع مستوى الغفلة ، تزداد بزيادتها وتنقص بنقصانها ، وتنعدم بانعدامها ، ولو كان هناك إيمان حقيقي لاقتُلِعَ أساس الغفلة ولم يَعُد هناك أي دور لعوامل الغفلة ومقوماتها ، فمهما كانت الظروف فسوف لن يغفل صاحب هذا الإيمان ، وذلك لِتَعَلُّق قلبه بالله عز وجل وهذا هو الإيمان الحقيقي الذي لا يتمتع به إلا المعصومون عليهم السلام .

التأمل الرابع:
إحدى أهم مؤشرات ونتائج الغفلة هو انعدام الخشوع في الصلاة الذي يكشف لكل من يرغب بتقييم نفسه في سُلَّم الغافلين ، وهذا لا يعني بالضرورة أن من يخشع ليس بغافل ، وإنما العكس هو الصحيح وهو المطلوب ، فالغافل لا يمكن أن يكون خشوعه تاماً ، لأن الخشوع متعلق بالإيمان بمن يقف أمامه ، والمؤمن الحقيقي العارف بالله سبحانه لا يمكن يفقد الخشوع لأنه من علامات الإيمان .
ويمكن تعميم ذلك على أداء الواجبات وترك المحرمات ، فالمؤمن لا يغفل عن وجود الله تعالى ومراقبته له ، لذا فإنه يراقب نفسه بدرجة عالية كي يحافظ على إلتزامه بأحكام دينه ، وبمقدار هذا الالتزام يكون الخشوع ( إذا اعتبرنا الخشوع نتيجة لأفعالنا ) ، أما الغافل فلا يكترث لمراقبة الله عز وجل وبالتالي يستحق العذاب والعقوبة .

التأمل الخامس:
هناك فقه فردي وفقه اجتماعي ، الأول يتعامل مع الأفراد ، والثاني يتعامل مع المجتمع كمجتمع ، أي ينظر الى المجتمع كفرد مكلف وليس كمجموعة من الإفراد ، والتعامل مع الفرد بالتأكيد يختلف عن التعامل مع المجتمع في الآليات والأسلوب والأدوات ، فعندما تريد إنذار فرد غافل تستخدم معه الوسائل التقليدية المتعارفة كالكلام واستخدام بعض العبارات المناسبة ، أو عن طريق كتاب أو مقالة وغيرها ، أما إنذار قوم أو مجتمع فله وسائل مختلفة خاصة إذا كانت الغفلة موروثة ومتجذرة ، فتُشَرَّع قوانين مثلاً لمنع المجتمع من الانحرافات الناتجة عن الغفلة ، كالأعراف المتوارثة الخاطئة ، أو وضع مناهج تربوية تقويمية تُصحِّح الخلفيات الفكرية المنحرفة ، وغير ذلك من الأساليب ، أما إذا أهملنا إنذار المجتمع فسيصعب إنذار الفرد وتخليصه من غفلته ، وبالتالي سيقع الجميع في المحذور من دون أن نعرف الأسباب .

* مشاركتها ثواب لنا ولكم

للمزيد من التأملات القرآنية يمكنكم الانضمام الى قناتنا على التلكرام:
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M