تأملات قرآنية من الايات السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة من سورة يس

لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ (6) لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (7) إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ (8) وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)

التأمل الأول:
إن الله تعالى يجعل بين أيدي الغافلين سداً ومن خلفهم سداً ليغشيهم كي لا يبصرون فيصبحوا غافلين ، باعتبار الغافل يغفل عن ما لا يبصره ، ولو بصره ورآه لما غفل عنه ، وهذا عادة يحدث مع الذين لا يؤمنون ، وبعض الغافلين عن كيد أعدائهم الذين لا يبصرون ما يُخطَّط للنيل منهم فإن الله سبحانه يجعل بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً ليحفظهم من هذا الكيد ، خصوصاً إذا كانت الغفلة قصوراً وليس تقصيراً ، وهذا ما يحدث مع الغافلين من الذين آمنوا ، بل إن هذا الحفظ يشمل حتى الذين لا يؤمنون إذا اقتضت الحكمة الإلهية لشمولهم بالرحمة الرحمانية التي تعم السماوات والأرض التي وسعها كرسيه عز وجل .

التأمل الثاني:
أحياناً يجعل الله تعالى السد من بين أيدينا ومن خلفنا ليغشينا فنغفل عن كثير من الأمور ولا نبصرها ، وذلك لتحقيق غاية معينة في غاية الأهمية ، فمثلاً يكون السد مانعاً من رؤية إمام العصر عليه السلام حتى لو مرّ بجانبنا ، لأن رؤيته قد تضر به ، وهذا لا يعني بالضرورة أننا لا نراه بجسمه ، وإنما لا نعرف أنه إمام الزمان عليه السلام ، وقد رُفِع مثل هذا السد أمام كثير من الأولياء والأتقياء الخُلّص فرأوا إمامَهم ، فهؤلاء لم يغفلوا عنه عندما لم يكن بقربهم فتشرفوا بلقائه .
أما الذين لم يوفقوا للقائه ورؤيته فهؤلاء بكل تأكيد منعتهم الأغلال التي في أعناقهم ، سواء كانت هذه الأغلال ثقيلة أم لم تكن ، ولكن بالتأكيد أصحاب الأغلال الخفيفة أقرب لهذا التوفيق ، أما الذين لا يؤمنون به فأغلال هؤلاء ثقيلة جداً تجعلهم في الغالب غافلين عنه عليه السلام .

التأمل الثالث:
هل يُعقَل أن الله تعالى الرحيم اللطيف يجعل الأغلال في الأعناق ويجعل من بين الأيدي سداً ومن الخلف سداً ويغشي الناس ويجعلهم لا يبصرون ليكونوا غافلين ؟! هل يبتدئ الله سبحانه بالانتقام من الناس بوضع كل هذه العقبات في طريق التكامل ثم يغفل الناس ويرسل لهم منذِرين فإن كانوا من الغافلين عاقبهم ؟! هل من المعقول أن الله عز وجل يجعل كل هذه المعوقات كي لا يؤمن الناس فيحق القول على أكثرهم بالعذاب ؟!
هذه الأمور لا يقبلها العقل والوجدان ، وبالتالي فإن كان هذا الجعل لهذه المعرقلات أبتداءاً منه سبحانه فهو لحكمة ولطف ، فربما أراد تعالى أن يوجّه بوصلة الناس الى المنذرين لأنهم الواسطة بينه جل وعلا وبين الناس ، وإن لم يكن إبتداءاً فقد كان استحقاقاً للغافلين وليس إعتداءاً .

التأمل الرابع:
من سمات تحضر الفرد ورقي تفكيره أن تكون له نظرة بعيدة المدى ، بمعنى أنه لا يرى بين قدميه فقط ، ولا إلى يومه أو غده فقط ، بل ينظر الى سنته بل وعقده القادم ، وكذلك بالنسبة للمجتمع والدولة ، فالمجتمعات والدول المتحضرة والمتقدمة تتميز برؤاها المستقبلية ، بحيث تنعكس على سلوكها الحاضر ، وكأنه لا سدود أمامهم ولا خلفهم ، ولا أغلال في أعناقهم ، أو لنقل يتجاوزون السدود والأغلال والمعوقات التي تعرقل مسيرهم ، ولا يغفلون عن مستقبلهم وما يمكن أن يقعوا فيه من مخاطر .
ومثل هذه الأغلال والسدود تكون طبيعية مجعولة من قبل الله تعالى لتمييز العامل من الخامل ولتستنهض الهمم وتحرّك العقول ، وليست لعرقلة حياة الإنسان .

التأمل الخامس:
يمكن تقسيم الخطط المستقبلية التي تتجاوز السدود والأغلال الزمنية الى قسمين :
1) خطط علمية بشرية دنيوية ، وهذه الخطط مطلوبة ولكن تبقى قاصرة نظرياً وقابلة للنقض ، باعتبار المستقبل خارج سيطرة المنظرين ، وأن الأغلال والسدود بيد جاعلها جل وعلا .
2) خطط علمية سماوية أخروية ، والاهتمام بهذه الخطط قليل رغم أنها توضع من قبل الله تعالى جاعل الأغلال والسدود ، وتهتم بعالم الآخرة الذي لا تهتم به الخطط في القسم الأول ، إضافة الى إهتمامها بالخطط المستقبلية الدنيوية .
وبما أن الذين لا يؤمنون غافلون عن البُعد الغيبي فيهتمون بالقسم الأول ، أما المؤمنون فيهتمون بالقسم الثاني الذي يحافظ على القسم الأول .

* مشاركتها ثواب لنا ولكم

للمزيد من التأملات القرآنية يمكنكم الانضمام الى قناتنا على التلكرام:
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M