تأملات قرآنية من الاية التاسعة عشر من سورة يس

قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (19)

التأمل الأول:
إن ذكر الله تعالى والتذكير به سبحانه يزعج المسرفين ، فإن كان هؤلاء المسرفون يسرفون في المال والبذخ في حياتهم اليومية فإن ما يزعجهم هو الاقتصاد والترشيد والتقنين في سلوكيات حياتهم ، باعتبار أن الله عز وجل أرسل رسله ليقضي على الإسراف كإحدى الصفات الذميمة ، ومن وسائل القضاء على هذا الإسراف هو الاقتصاد والترشيد والتقنين ، ومن يكن لله تعالى ذاكرٌ فيفترض أن يكون مهتماً بالاقتصاد والترشيد والتقنين ، فمن لا يقتصد في ماله أو في الكهرباء أو الماء التي يستهلكها فإن ذكره لله تعالى غير واعٍ ، وعندما يُطلَب منه الاقتصاد والترشيد والتقنين سينتفض ويعترض رغم أنها من صفات المهتم بذكر الله سبحانه ، وينبغي أن يتصف المؤمن بهذه الصفات وكل صفة تساهم في التقليل من الإسراف والقضاء عليه .

التأمل الثاني:
إن الإسراف صفة مذمومة تدل على عدم الاعتدال في حياة الإنسان ، فهي واضحة في الصفات القبيحة أصلاً ، كالقتل مثلاً الذي تحدّث عنه القرآن الكريم وقال : ( مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا ) فكيف بمن يسرف في القتل ؟!
بل إن الإسراف مذمومٌ حتى الصفات التي تعتبر حميدة في ذاتها ، فإطعام الطعام صفة محمودة في الأصل ، ولكن إن أسرف الإنسان في هذه الصفة يكون مذموماً ، وهذا ما نشهده في مجتمعتنا الإسلامية للأسف في المناسبات الاجتماعية ( الأعراس والعزاء ) ، ومن يحاول أن يغيرها بكلمة أو فعل فسيُواجَه بالرفض وربما المقاطعة أو ما شابهها من وسائل الاعتراض .

التأمل الثالث:
قد يتمنى كثير من أبناء الدول الإسلامية لو أن لهم إقتصاداً قوياً تتوفر من خلاله مقومات القوة والاستقلال والتفوق ، أو على الأقل توفير فرص عمل تغنيهم عما في أيدي الناس ( وخصوصاً أعداء المسلمين ) ، ولكن الأهداف لا تأتي بالتمني وإنما بالعمل الدؤوب والسعي الحثيث ، وأولى خطوات بناء الاقتصاد القوي هو خلق ثقافة اقتصادية لدى الشعب من خلال تقبل النصيحة والتذكير بأهمية وجود إقتصاد قوي كي يضطر المسؤول لبناء ذلك الاقتصاد المرجو ، ولتحقيق هذه الثقافة لا بد أن نقضي على ثقافة الإسراف الذي يعتبر العدو اللدود للاقتصاد ، فالإسراف لا يمنع بناء الثقافة الاقتصادية الشعبية فقط ، وإنما يزيد من الاعتماد على الاقتصاد الأجنبي الذي يضره إزدهار إقتصادنا ، ووفقاً لذلك سندرك أن تعزيز ثقافة الإسراف تصب في مصلحة الاقتصاد الأجنبي إن لم نقل هو من يعزز هذه الثقافة السلبية الخاطئة عند أبناء مجتمعنا .

التأمل الرابع:
إذا اتفقنا على أن الإسراف في أي شيء – سيئاً كان أم جيداً – أمر مرفوض ، وأن المسرفين يرفضون كل دعوة وتذكير تقلل من ذلك الإسراف ، وأن الإسراف والتبذير أخوان وبالتالي فإن المبذرين والمسرفين إخوان الشياطين ، فستكون النتيجة أن الدعوة الى رفض الإسراف (والتبذير) أمرٌ مطلوب وممدوح ومحمود ، وهو مختلف عن البخل والحرص الذين يُعتبران مذمومين ، كما أن الكرم مختلف عن الإسراف ( والتبذير كذلك ) ، وعليه فإن الاقتصاد الذي يقضي على هاتين الصفتين المذمومتين مطلب قرآني إسلامي حضاري ، وهو شكل من أشكال نظم الأمور الذي أوصينا به ، على أن لا نفهم الاقتصاد هو التقشف إلا في حالات نادرة ، وإنما هو نظام يضع كل شيء في موضعه ، وهذا ما ينبغي أن نبدأ به في أسرنا ثم ننتقل لمجتمعنا .

* مشاركتها ثواب لنا ولكم

للمزيد من التأملات القرآنية يمكنكم الانضمام الى قناتنا على التلكرام:
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M