وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (9)
التأمل الأول:
قد لا نجد أحداً يقرأ هذه الآية الكريمة ويتصور أن الله تعالى يجعل سداً مادياً من بين أيدي الناس ومن خلفهم فيمنعهم من النظر ، وإنما غالبية الذين يقرأونها – إن لم نقل جميعهم – يفهمون أن المراد من السد هو السد والحاجز المعنوي وأن منع البصر هو البصر المعنوي أو ما يُعبّر عنه بالبصيرة .
وهذا يكشف عن البُعد المعنوي الموجود وبقوة في ثقافة وارتكاز غالبية المسلمين المهتمين بالقرآن الكريم – على الأقل على مستوى القراءة – ، وهذا يدل على وجود تربية معرفية مهتمة بالجانب المعنوي أكثر من اهتماهما بالجانب المادي (رغم أهمية الأخير ) ، وبالتالي فمن ينتقد الفهم المعنوي للحقائق القرآنية والإسلامية يكون نشازاً من بين المسلمين .
التأمل الثاني:
للبصيرة مستويات عند الناس ، كلما زادت قابلية الإنسان على رؤية الأمور المعنوية فإن ذلك يدلّ على قوة بصيرته ، والعكس بالعكس طبعاً ، فبعضٌ بلا بصيرة كالمشركين والكافرين ، وبعضٌ ذوو بصيرة ضعيفة الى درجة أنه لا يُبصر حتى السد الذي جعله الله تعالى ليغشيه ويحجب عنه ما خلف ذلك السد ، وربما هذا حال أغلبنا ، وبعضٌ قد يرى هناك سداً (معنوياً) ، ولكنه غير قادر على رؤية ما بعد السد ، وهؤلاء بصيرتهم متوسطة ، وبعضٌ تكون بصيرته نافذة ، كالعباس بن علي عليهما السلام الذي قال بحقه الإمام الصادق عليه السلام : ( كان عمنا العباس نافذ البصيرة صلب الإيمان ) ، وصلابة الإيمان تقوي البصيرة ، والبصيرة تصلّب الإيمان .
التأمل الثالث:
إن الله تعالى يعلم ما بين أيدينا وما خلفنا ، لذلك فهو يبصر ما بين أيدينا وما خلفنا ، ولا نعلم نحن ما بين أيدينا وما خلفنا إلا إذا شاء الله سبحانه ، لأننا لا نحيط بشيء من علمه إلا بما شاء ، هذا يعني أننا لا نعلم حتى ما بين أيدينا وليس فقط ما خلفنا إلا بمشيئة الله عز وجل ، وللواقع شواهد على ذلك ، إذ أن كثيراً من حوادث السير على سبيل المثال تكون أسبابها بين أيدينا إلا أننا لا نحيط بها علماً فيقع الحادث .
ومن الأسباب التي تجعلنا لا نحيط علماً بما بين أيدينا – فضلاً عن ما خلفنا – أن الله جل وعلا يجعل سداً وغشاوة يحجبان بصرَنا وعلمَنا ، ومتى ما رفع سبحانه هذا السد وهذه الغشاوة أبصرنا ، وقد نظن أننا مبصرون بإرادتنا وقدرتنا ، وفي الحقيقة أن هذا وهمٌ خاصة إذا قُلنا بأن الأصل هو وجود السد وأن رفعه هو الاستثناء وليس العكس .
* مشاركتها ثواب لنا ولكم
للمزيد من التأملات القرآنية يمكنكم الانضمام الى قناتنا على التلكرام:
https://t.me/quraan_views