قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)
التأمل الأول:
ردود فعل غريبة تجاه أفعال عقلانية طبيعية ، فعندما نقابل النصيحة والحجة بالعصبية والتهجم فهذا يعني قوة حجة الفاعل ( الذي قام بالنصيحة ) أو ضعف الراد ( المنصوح ) أو كلاهما ، فرد الفعل الطبيعي والأخلاقي للنصيحة هو الشكر على النصيحة حتى وإن كان المنصوح غير مقتنع بالنصيحة ، فلا نتوقع ردة فعل سلبية تجاه من ينصحنا بنظام غذائي صحي أو ترك التدخين أو ما شابه إلا ممن يحمل خلفية نفسية مضطربة ، أما الإنسان السوي فيشكر الناصح حتى وإن لم يأخذ بالنصيحة ، أما التطيُّر والتشاؤم فهي ردات فعل نفسية تعكس الصورة المتولّدة عن تلقي النصيحة ، وتدل على أرضية غير نظيفة لنفسية المنصوح ، ومع فرض أن هذا التطيُّر مبرر ، فما المبرر للرجم والعذاب لمن قدّم النصيحة ؟!
التأمل الثاني:
إن ردة الفعل السلبية تجاه النصيحة يحبط همّة الناصحين والذين يخططون لمنفعة الناس ، فكل من يرغب بنصيحة الآخرين يأتي في بالِه موضوع ردة الفعل الخاطئة ، فيتجنب المبادرة بالنصيحة ، وبالتالي فإن الرافضين للنصيحة سيضرون أنفسهم بعدم تقبل النصيحة ، وهذا قد يكون أهون باعتبار أن النصيحة من وجهة نظر الناصح تختلف عن وجهة نظر المنصوح ، ولكن الأشد ضرراً هو قتل ثقافة النصيحة بين أفراد المجتمع ، وهذا سيؤثر على المجتمع كلياً ، ويزداد الضرر كلما زادت أهمية موضوع النصيحة وقوة حجيتها ، فعندما تكون النصيحة مهمة وضرورية كهداية البشرية فإن رفضها بشكل سلبي سيؤثر بشكل كبير على هداية الناس ، خاصة إذا كان الرفض بشكل عنيف وإجرامي كالتهديد بالقتل ، وربما يكشف هذا عن أحد أسباب تَأَخُّر مجتمعاتنا .
التأمل الثالث:
يفترض أن لا يهتمّ الناصح ولا يهتز بردود الأفعال السلبية التي تبدر ممن ينصحهم ، خاصة عندما تكون النصيحة بأمور تؤثر سلباً على الفرد والمجتمع وعلى رأسها الأمور الأخروية ، إذ يكون ذلك دافعاً للنصيحة ، هذا فضلاً عن الأمور الدنيوية التي تعتبر مهمة والنصيحة فيها أمر ضروري حتى وإن كانت أقل مرتبة في الأهمية من الأمور الأخروية .
وعلى الناصح أن يكون ذا شخصية أقوى من شخصية المنصوح وعنده ثقة بنفسه أكثر منه ، فهو متفضل عليه بشكل من الأشكال ، وأن موقف المنصوح إذا كان سلبياً يُعتبر منبوذاً من قبل الجميع بما فيه المنصوح نفسه ، وبالتالي يكون ضعيفاً ، هذا مع فرض أن المنصوح سيهدد الناصح بالقتل ، بينما نسبة حدوث مثل ردة الفعل هذه تكون ضئيلة جداً ، وأن قبول النصيحة نسبتها كبيرة خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار احتمالية تقبل المنصوح لها مجاملة .
التأمل الرابع:
إن المصاب برصاصة في جسده تصدر منه ردود أفعال سلبية – يمكن أن تكون عبارة عن ضرب أو سب أو ما شابه – تجاه المعالج الذي يحاول إخراج هذه الرصاصة ، والمعالج يعرف تماماً أن ردة فعل المصاب تكون طبيعية ومتوقعة باعتبار أن الرصاصة متجذرة ومتجانسة ومتعلقة بجسده ، وإخراجها بمثابة قطع جزء من جسمه ، لذا فإنه يتحمل كل ما يصدر عن المصاب شفقة به ورحمة ، وبعد إتمام العملية فإن المصاب سيكون مُمتنّاً إذا ما أخرجت منه الرصاصة ، وقد يتعذر عن ما بدر منه .
وكذلك الأمر بالنسبة الى من تتجذر فيه العادات السيئة والاعتقادات المنحرفة ، فإنه يجابه النصيحة بردود أفعال سيئة لأنه يرى هذه العادات والاعتقادات جزءاً من كيانه ، لذا يكون التخلص منها مؤذياً ، أما الذين لم تتجذر فيهم فسوف تكون ردة فعلهم أقل خشونة وربما تكون إيجابية ، وعلى الناصح أن يكون بمثابة المعالج صابراً على ما يصدر من المنصوح .
التأمل الخامس:
عادة يُتَهَم المسلمون عموماً بأنهم إرهابيون ويقابلون الكلمة بالرصاصة وما شابه من إتهامات ، ونحن لا نريد أن نبرئ أكثر من مليار مسلم من هذه التُهَم ولكن في الوقت نفسه لا يمكن تحميل خطأ واحد بالألف لأمة كاملة ، فمن يحملون هذا الفكر لا يتجاوزون المليون شخص ، ولا تزر وازرة وزر أخرى ، وإن كانت هذه قاعدة عامة تشمل جميع الأمم فيجب أن تكون جميع الأمم مُتَهَمَة بما يفعل أفراد منها .
بل إن هذه الإتهامات الموجهة للمسلمين يقوم بها كثير من غير المسلمين ممن يدعون التحضر والحرية ، فكم من كلمة جوبهت بِسَيلٍ من التُهَم والتهديد بالعقوبات ( والعذاب الأليم ) ، كموضوع نفي محرقة اليهود على سبيل المثال لا الحصر ، بل ومعاقبة من يقولها ومن يرتبط به فعلاً لا تهديداً ، فالقوم أبناء القوم .
* مشاركتها ثواب لنا ولكم
للمزيد من التأملات القرآنية يمكنكم الانضمام الى قناتنا على التلكرام:
https://t.me/quraan_views