تأملات قرآنية من الاية الثانية عشر من سورة يس

إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ (12)

التأمل الأول:
هناك الكثير من الناس يستغرب ويستبعد قضية إحياء الموتى ، وربما بعض هؤلاء من المسلمين رغم انهم يؤمنون بذلك نظرياً ، مع ان هؤلاء لا يستغربون من قضية هداية الكافرين حتى لو لم تقع أمامهم على أرض الواقع ، وهذه الهداية هي إحياء للموتى ولكن على المستوى المعنوي ، لأنهم الظاهر غافلون عن الجانب المعنوي وما يقدمه الإنسان وآثاره في الحياة وما أحصاه الله تعالى في إمام مبين ، فلا يشعرون بحجم الانقلاب الذي يحصل عند الكافر ليكون مؤمناً ، أما اهتمامهم فمُنصبٌ على الجانب المادي فيستصعبون إحياء الموتى على المستوى المادي ، وهو صعبٌ ، ولكن إحياء الموتى معنوياً صعبٌ أيضاً إن لم نقل أصعب .

التأمل الثاني:
يتضمن إحياء الموتى عدة أمور ، منها : إحياء التراث الذي قدّموه لمحاسبتهم ، فيُعاقَب المسيء ويُكافَأ المحسن ، فإن كان تُراثاً يستحق الإشادة فيكون الإحياء مكافأة له ، وإن لم يكن كذلك يكون الإحياء عقوبة له ، وهذا ما يقوم به بني البشر عندما يريدون الافتخار بإنجازات شخصية عظيمة ، إذ ينشرون تراثه وآثاره وأعماله التي قدمها ليحيوا ذكراه وكأنهم يحيونه بين الناس بآثاره ، وليثبتوا أنه حيٌ غير ميت بهذه الآثار ، وهذا ما يقوم به المؤمنون في ذكريات الأولياء عليهم السلام .
وحتى الذين يحيون شخصية ظالمة أو منحرفة أو فاسدة فإنهم يحاولون أن يركزوا على جوانب إيجابية من حياته ، وقد يصطنعون هذه الجوانب ليحيوا ذكراه .

التأمل الثالث:
عادة في الحياة الدنيا تُحي آثار البارزين الذين قدّموا شيئاً في حياتهم للناس ، وليس بالضرورة أن يكون ما قدموه خيراً بالفعل ، ولكن من المؤكد أنهم قدموا خيراً من وجهة نظر أنصارهم ومحبيهم ، أما غير البارزين وغير المعروفين فلا تُحيى آثارهم ، فإن كانت آثار هؤلاء إيجابية فيعتبر عدم إحيائها – ولو بما يناسبها – ظلماً لهم ولآثارهم ، وإن كانت آثار هؤلاء سلبية فمن حسن حظهم عدم إحيائها .
أما يوم القيامة فالكل تُحيى آثاره ، البارز وغير البارز ، سواء كانت آثاره إيجابية أم سلبية ، وبالتالي فعلينا أن نهيئ أنفسنا لإحياء آثارنا وما قدمناه ، هل هي إيجابية أم سلبية ؟ هل سنفتخر ونطالب بإحيائها أم نخجل منها ؟ نسأل الله تعالى الستر يوم تُبلى السرائر .

التأمل الرابع:
تربية قرآنية على كتابة وتوثيق كل شيء يخص علاقتنا بالآخرين ، ونحصيها فقرة فقرة ، سواء كانت علاقتنا بهم جيدة أم سيئة ، وخصوصاً عندما لا تكون هذه العلاقة واضحة المعالم منذ البداية ، وبما أن البشر غير قادر على كتابة وإحصاء كل شيء مع كل شخص – وربما مع كل جماعة ومؤسسة – فيكون التوثيق للقضايا ذات الأهمية القصوى ، التي نحتمل أن خراب هذه العلاقة يمكن أن تؤدي الى مشاكل ومحاكم وغيرها ، ويمكن أن تكون الكتابة والتوثيق دليلاً يضمن حقوقنا ويدحض إدعاءات الطرف الآخر .
ولو لم تكن هذه الكتابة والإحصاء مهمة لما سجلها الباري عز وجل رغم أن بيده ملك السماوات والأرض ، ولا يمكن لأحد أن يعترض على أمره وحكمه جل وعلا ، فكيف بنا ونحن لا نملك الحكم تجاه الآخرين .

التأمل الخامس:
تأكيد من الله تعالى على أن إحياء الموتى محصور به جل وعلا ، ويأتي هذا التأكيد عبر ( إنّ ) ، وعن طريق إضافة (نحن) ، هذا من الناحية اللغوية ، وهناك تأكيد عبر الآيات الكريمة التي وردت في إحياء الموتى كالتي ذكرت معاجز النبي عيسى عليه السلام ، حيث ينقل القرآن الكريم على لسان النبي عيسى عليه السلام ( وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ ) بمعنى أن الإحياء بيد الله سبحانه ولكن عن طريق عيسى عليه السلام .
وبالتالي فإن أي عمل منسوب الى الله عز وجل يمكن أن يكون عن طريق أحد مخلوقاته ممن أذِن له ، وهذه حكمته جل وعلا ، فهو سبحانه يكتب ويحصي ولكن عن طريق آخرين ، ويرزق عن طريق آخرين ، ويرحم ويعفو ويعذب عن طريق آخرين ، وهكذا .

التأمل السادس:
مما يخشاه الإنسان بصورة عامة ثلاثة أمور :
1) محاسبته على كل خطأ أخطأه .
2) تسجيل وتوثيق كل ما يقوم به ، بحيث ينزعج إذا ما قام شخصٌ بتسجيل مكالمته أو صوته أو صوّر له صوراً ومقاطع حتى لو لم يقُم بشيء قبيح .
3) إحصاء ما يقوم به ، خصوصاً إذا كان سلبياً ، إذ تُقيَّد كل معلومة وتُبوَّب ضمن جداول خاصة بحيث يمكن استخراج كثير من المعلومات عبر هذه الجداول واستنتاج كمٍّ هائل من النتائج .
وهذه الأمور الثلاثة كلها ستحصل في المعاد عند إحياء الموتى ، لذا فإن تأصيلها في قلوب الناس سيجعل منهم أفراداً مستقيمين .

* مشاركتها ثواب لنا ولكم

للمزيد من التأملات القرآنية يمكنكم الانضمام الى قناتنا على التلكرام:
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M