قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ (19)
التأمل الأول:
هنا تتضح قوة الشحصية عند المرسلين ، فردة الفعل السيئة والتهديد بالقتل من قبل المنصوحين هي رسالة واضحة بأنهم مهزومون ومهزوزون إضافة الى أنهم مأزومون ، وقد استلم المرسلون هذه الرسالة كما هي ، لذا كان ردهم – أي المرسلين – بثقة واطمئنان ولم يكن خوفاً من الرجم والعذاب الأليم ، فالخائف يكون مرتبكاً ويظهر ذلك على مفردات كلماته التي يختارها في رده ، بل كان يحمل هذا الرد رسالتين :
الأولى علمية معرفية توضيحية : وهي أن تشاؤمكم ناجم عن نفسيتكم المريضة وأنفسكم الأمارة بالسوء التي ترفض التذكير .
الثانية تقريعية توصيفية : وهي أنكم مسرفون ولستم سويين ، وأن إسرافكم في الملذات جعلكم تتمسكون بدنياكم وتتطيرون من التذكير بالله عز وجل .
التأمل الثاني:
قد يرى البعض أن مواجهة من يهدد بالقتل برد قوي وجريء هو شكل من أشكال التهور ، لأنه قد يؤدي الى تنفيذ هذا التهديد ، ولنعرف رد المرسلين هل يعد من التهور أو من الشجاعة فعلينا أن نعرف بعض الأمور :
فمن الفروقات بين التهور والشجاعة أن المتهور يرد بعاطفته بعكس الشجاع الذي يريد بعقله ، وبالتالي فإنه – أي المتهور – لا يعطي لنفسه المجال للتفكير بتبعات الرد ونتائجه ، أما الشجاع فقد درس تلك التبعات ووجدها نافعة ومفيدة له أو لغيره ( فرداً كان أو مجتمعاً ، حاضراً كان أم مستقبلاً ) ، وليس بالضرورة أن يُستثنى القتل من حسابات الشجاع إن كان القتل يحقق نتائجاً لا تتحقق بعدمه ، كما فعل الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء ، كما أن ليس من الشجاعة جعل القتل إحدى تبعات فعل المتهور .
التأمل الثالث:
تحذير مبطن لمن يتعامل ويهتم بظواهر الأمور ، وهو التحذير من الإسراف ، لأن الإسراف يصنع أشخاصاً معارضين لدعوات الحق التي جاءها المرسلون ، باعتبار الحق يمنع أو يقلل من ذلك الإسراف ، وأن الإسراف هو تلبية رغبات النفس الأمارة بالسوء بشكل مفرط ، والحق يدعو الى مجاهدة هذه النفس كي يُسَيطَر عليها ، فمن كان يُسرف بالمال ويأتي رسول الحق ليدعوه الى دفع الحقوق الشرعية ومراعاة الفقراء وبناء المؤسسات العلمية النافعة ودور العبادة وغيرها من أشكال البِر فإنه يرفض ويعادي هذا الرسول ، ومن كان يُسرف بالأكل ويدعوه رسول الحق الى الاعتدال تكون ردة الفعل مشابهة للسابق ، ومن يسرف في حُكمه ويستغله استغلالاً بَشِعاً فإنه يهدد بالقتل كل من يدعوه الى التقليل من هذا الإسراف ، وهكذا هي نتائج الإسراف .
* مشاركتها ثواب لنا ولكم
للمزيد من التأملات القرآنية يمكنكم الانضمام الى قناتنا على التلكرام:
https://t.me/quraan_views