تأملات قرآنية من الايتين الخامسة عشر والسادسة عشر من سورة يس

قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (15) قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (16)

التأمل الأول:
على الإنسان الرسالي أن يكون قوياً واثقاً من نفسه ومن مبادئه ورسالته التي يحملها وعلاقته بربه عز وجل الذي يرى أنه هو من كلّفه بهذه التكاليف الرسالية ، فلا تؤثر به ردود أفعال المعارضين ، خاصة إذا كان ينظر إليهم نظرة أبوية رحيمة ، باعتبار الاعتراض والرفض أمر طبيعي ويدل أحياناً على وعي المتلقي المعترض ، لأنه يريد أن يؤمن وفق دليل وإثبات ولا يقبل بالإيمان العاطفي والشكلي .
فما دام ربنا يعلم أننا نقوم بما كلفنا به ، وأننا نعلم أن ما نقوم به هو تكليف إلهي وليس لتحقيق مناصب أو مكاسب أو نفوذ أو تسلط ، فلا يهمنا تكذيب المكذبين ، فأداء الرسالة تكليف خارجي أو اجتماعي ، وإيماننا بأن فعلنا يقع ضمن دائرة الرضا الإلهي هو تكليف داخلي أو فردي ، وينبغي أن لا يؤثر أحدهما على الآخر .

التأمل الثاني:
علينا أن نميّز بين تكذيب المرسِل (بالكسر) وهو الرحمن سبحانه وبين تكذيب المرسَل (بالفتح) وهم المرسلون ، فليس من الصحيح مساواة الحالتين معاً ، فمن كذّب المرسِل (بالكسر) فقد كفر ، أما من كذّب المرسَل (بالفتح) فربما آمن بالمرسِل (بالكسر) إلا أنه لم يؤمن بالمرسَل (بالفتح) ، هذا ما ينبغي أن يعمّ كل مواقفنا وتقييمنا للآخرين .
أما على المستوى العملي فإن تكذيب المرسَل (بالفتح) سوف لن ينفعه الإيمان بالمرسِل (بالكسر) ، وهو كمن نطق الشهادة الأولى وآمن بها ولم ينطق الشهادة الثاني ولم يؤمن بها ، ولو عرف اللهَ حق قدره لآمن بمن أرسله ، وأن إنكار ونفي إنزال أمرٍ سماوي من الرحمن جل وعلا هو دليل على أنه لا يعرف الرحمن حق معرفته .

التأمل الثالث:
الحوارية بين المرسلين ومن أُرسِلوا إليهم – والتي استمرت لعدة آيات – كانت مَبنيّة على مشتركات بين الطرفين ، وعدم الاعتماد على هذه المشتركات سيهدم ذلك الحوار ، فالطرفان يؤمنان بالله عز وجل ، وهذه أرضية مناسبة لبدء الحوار ، ولو لم يشتركا لأصبحت مهمة الإقناع أصعب ، فطرفٌ يصف الله تعالى بالرحمن ، وطرفٌ يعتبره سبحانه ربّاً ، أما التكذيب فَنَشَأَ عندما فُقِدَت الأرضية المشتركة ، فطرفٌ يقول إننا مرسلون وربنا جل وعلا يعلم بذلك ، والطرف الآخر يقول ما أنزل الرحمن من شيء ، وهذا يعني أنكم تكذبون .
مما تقدّم نفهم أن إطلاق أي حوار أو أية محاولة للحوار يجب أن يكون من أرضية مشتركة ، ومنها يكون الانتقال الى أرضية جديدة والتأسيس لإثبات أنها مشتركة أيضاً ، فإن ثبت إشتراكها بين الطرفين أصبحت منطلقاً لأرضية جديدة أكثر عمقاً من التي سبقتها ، وإن لم نستطع إثبات ذلك سيتعرقل الحوار ويتأخر نضوج الثمار .

* مشاركتها ثواب لنا ولكم

للمزيد من التأملات القرآنية يمكنكم الانضمام الى قناتنا على التلكرام:
https://t.me/quraan_views

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M