تحولات الهوية الانتخابية: ثلاثية توعر طرق الخارطة السياسية في الانتخابات البرلمانية المقبلة

يُعدّ مفهوم الهوية الانتخابية مصطلحاً غيرَ راسخ، إذ لم يحظَ بتداولٍ واسعٍ في الحقلين البحثي والسياسي، وتمّت الاستعاضة عنه بمجموعةٍ من المفاهيم المنفصلة التي تعبّر مجتمعةً عن معناه، مثل: السلوك الانتخابي، والسلوك التصويتي، والخطاب الانتخابي، والهوية السياسية. إذ يركّز كلّ مفهومٍ من هذه المفاهيم على جانبٍ محدّد، وتشكل حالةُ التفاعل الجامعة بينها جميعاً ما يمكن تسميته بـ “الهوية الانتخابية”.

فبينما يعبّر السلوك الانتخابي عن الأفعال وردود الأفعال الناتجة خلال المرحلة الانتخابية والتي تؤدي إلى توجهٍ محدد، ويقترب منه السلوك التصويتي في الدلالة، نجد أن الخطاب الانتخابي يتمثّل في اللغة والشعارات المستخدمة لتحفيز الناخبين وجذبهم لتبنّي توجهاتٍ انتخابيةٍ معينة تؤدي في النهاية إلى انتخاب جماعةٍ سياسيةٍ بعينها. كما تمثّل الهوية السياسية شكلَ الانتماء أو الولاء السياسي الذي يمنحه الناخب لإحدى الجماعات السياسية.

ونظراً لأن الانتخابات تمثّل التعبير عن إرادة المواطنين في اختيار إحدى الجماعات السياسية (الأحزاب) أو مرشحيها، من خلال عملية التصويت التي تولّد السلوك التصويتي، وذلك ضمن إطار العملية الانتخابية الشاملة التي ينتج عنها السلوك الانتخابي، فإن الهوية الانتخابية تُشكّل الإطار الجامعَ والشاملَ لهذه الجزيئات والتفاعلات جميعاً، لتعبر عن النمط أو الشكل أو التفاعل أو الخيار الذي يُبديه الناخبون خلال الانتخابات.

وفي هذا السياق، يبرز سؤالٌ بالغُ الأهمية يتعلّق بالهوية الانتخابية، وهو: لماذا يفضّل الناخبُ مرشحاً على آخر؟ تفترض معظمُ الدراسات أن خياراتِ الناخبين في التصويت تعكسُ حكماً عقلانياً يقوم على المقارنة بين أمرين: ما يريده الناخب، وما يعدُ به المرشح، ممّا يُعظّم فرصَ تحقيق نتائجَ سياسيةٍ مرغوبة. وبناءً على ذلك، تذهب مجموعةٌ من الدراسات في العلوم السياسية والاجتماعية إلى أنّ نظرية الاختيار العقلاني في التصويت تفترض أن الناخبين يُقيِّمون السماتِ السياسيةَ للأحزاب أو المرشحين، ويُصنِّفون تلك السماتِ حسب درجة أهميتها، ثم يختارون المرشحَ الذي تتطابق سماتُه مع تفضيلاتهم الشخصية.

وفي الآونة الأخيرة، شهدت الساحة السياسية العراقية تحوّلات جذرية في الهوية الانتخابية للناخب، تأثّراً بعوامل داخلية وإقليمية متشابكة. لم يعد الوعاء الطائفي هو العامل الوحيد والحاسم في توجيه خيارات الناخبين، بل برزت عوامل جديدة تشكّل ما يمكن تسميته “ثلاثية التوعُّر”، والتي تعيد تشكيل الخارطة السياسية قبيل الانتخابات البرلمانية المقررة في عام 2025. وتتكوّن هذه الثلاثية من: تراجع قوة الوعاء الطائفي التقليدي، وتأثير تطبيق نظام المقاطعة الانتخابية، وصعود المطالب الاقتصادية والخدمية كعامل حاسم.

ومن خلال هذه الدراسة، نسعى إلى فهم التفاعلات الانتخابية في ظلّ هذه الثلاثية، واستشراف ما ستؤول إليه الانتخابات البرلمانية المقبلة، وانعكاساتها على المشهد السياسي في العراق.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M