تفكيك الترسانة المالية لـ “حزب الله” اللبناني.. الخطوات والفاعلية

  • يُشكِّل تفكيك الترسانة المالية لحزب الله أساساً لنجاح وتدعيم عملية منع إعادة بناء القدرات العسكرية والأمنية للحزب، ومن هنا يمكن فهم الضغط الأمريكي من أجل السير في العمليتين جنباً إلى جنب.
  • بالرغم من أن الإجراءات من جانب مصرف لبنان ووزارة العدل اتُّخِذت تحت عنوان إخراج لبنان من اللائحة الرمادية ومحاربة غسل الأموال واقتصاد “الكاش”، ولم تسمِّ “حزب الله” ومؤسساته بالاسم عدا ما خص القرار الواضح بحظر التعامل مع “القرض الحسن”، فإن الحزب يدرك أن الدفاع عن مصادر تمويله يمثل معركة أساسية له، ليس للحفاظ على بنيته العسكرية فحسب بل أيضاً لبقاء الحزب قوة سياسية مهيمنة في البيئة الشيعية.
  • يبقى السؤال مشروعاً عن فعالية إجراءات تجفيف منابع تمويل حزب الله في ظل عدم استعادة الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، وعدم تكاملها مع نظام يكافح التهرُّب الضريبي. وإذا نجح الحزب في التحايل على هذه الإجراءات، فإن من سيدفع ثمن التشدد هم التجار والأشخاص الذين ليسوا في دائرة الاستهداف، وذلك في بلد يعتمد فيه نحو مليون أسرة على التحويلات من الخارج.

 

 

يحتل موضوع نزع سلاح “حزب الله” رأس أولويات المطالب الدولية والإقليمية من منظومة الحكم الحالية في لبنان، لكن تفكيك الترسانة المالية التي تُموِّل إعادة بناء المنظومات العسكرية والرعائية، يمثل ركناً أساسياً في عملية تفكيك البنية العسكرية والأمنية للحزب، الأمر الذي يزيد التحديات امام السلطات اللبنانية مع ضغط أمريكي هائل بات يطالب بإجراءات فاعلة وخطوات ملموسة لإنهاء النفوذ الإيراني في لبنان، من خلال نزع السلاح ومكافحة غسل الأموال وسياسات نقدية تُنهي اقتصاد “الكاش” المتورم الذي يستغله الحزب لضمان تدفق الأموال بطريقة غير مرئية.

 

تناقش الورقة خطوات تفكيك الترسانة المالية لحزب الله، وفاعليتها، وموقف الحزب إزاء تهديد شبكاته المالية.

 

الضغط الأمريكي

 

شكَّلت زيارةُ وفد الخزانة الأمريكية إلى بيروت في 9 نوفمبر 2025 ذورةَ الضغوط الجدية على لبنان لتفكيك البنية العسكرية لحزب الله، من خلال تجفيف منابع التمويل المتمثل بمؤسسات سوق النقد الموازي والاستفادة من اقتصاد الكاش (cash economy)، بالإضافة إلى مكافحة شبكات تصنيع الكبتاجون وتهريبه. وانعكست جدية الزيارة وأهميتها في شكل الوفد أولاً، كما “الإنذارات” التي حملها ثانياً. فمن حيث الشكل، ضم الوفد الأمريكي اثنتي عشرة شخصية تمثل الصف الأول في وزارة الخزانة ومجلس الأمن القومي، أبرزهم نائب مساعد الرئيس الأمريكي لشؤون مكافحة الإرهاب سيباستيان غوركا، الذي رأس الوفد، بالإضافة إلى وكيل الوزارة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية جون هيرلي، ورئيس هيئة الأركان في الاستخبارات الإرهابية والمالية بيل باريت، ومدير شؤون الشرق الأوسط في مكتب تمويل الإرهاب والجرائم المالية (TFCC) دانيال جاكسون، والاختصاصي في مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي رودولف عطا الله.

 

ولم تتوقف زيارات المسؤولين الأمريكيين منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في 27 نوفمبر 2024، وفي إثر انتخاب العماد جوزيف عون رئيساً للجمهورية في يناير 2025، وتشكيل حكومة نواف سلام. وركَّزت هذه الزيارات على موضوعَي سحب سلاح حزب الله والإصلاحات المالية، لكن الزيارة الأخيرة هي الأولى التي أبلغ القائمون بها المسؤولين اللبنانيين بكل وضوح أن الإدارة الأمريكية الحالية تَعتبر أن الإصلاحات المالية والنقدية المطلوب من لبنان تنفيذها، هي جزء لا يتجزأ من عملية نزع سلاح حزب الله ومنعه من إعادة بناء ترسانته العسكرية، وليست مجرد ممر إلزامي للبنان لاستيفاء شروط صندوق النقد الدولي ومساعدته اقتصادياً، ذلك أن جهود حزب الله لإعادة بناء قوته العسكرية أمر تحذر منه إسرائيل والولايات المتحدة، كما يعترف به الحزب نفسه على لسان أمينه العام الحالي نعيم قاسم قبل أقل من شهر على مقتل الأمين العام حسن نصرالله، ووصل بقاسم الأمر بعد عام على ذلك، أي في أكتوبر 2025، لأن يعلن جاهزية الحزب للدفاع عن لبنان.

 

دخل لبنان حالياً مرحلة الضغوط الأمريكية القصوى، مع كلام واضح لناحية ضرورة الانتهاء من السلاح جنوب نهر الليطاني قبل نهاية العام الحالي، واتخاذ خطوات تثبت الجدية في نزع سلاح الحزب شمال النهر، بالإضافة إلى استكمال إجراءات ضبط اقتصاد الكاش الذي بات 90% منه خارج سيطرة المصرف المركزي، وهو الانفلاش الذي يستفيد منه حزب الله لغسل الأموال والحصول أقله على نحو مليار دولار أمريكي أرسلتها إيران منذ بداية العام 2025.ذلك أنه بحسب أرقام البنك الدولي، فإن حجم الاقتصادي النقدي  (بما يسمى الدولار الوارد حديثاً Fresh Dollar)  والذي لا يخضع لرقابة المصرف المركزي، يوازي 10 مليارات دولار أمريكي سنوياً، مقابل 648 مليون دولار من التداولات بالعملات الأجنبيّة التي تجري من خلال النظام المصرفي.

 

سبقت هذه الزيارة إشارات متتالية دلت على تصاعد في حدة المطالب الأمريكية وجديتها، واتهامها الحكمَ، ممثلاً بالحكومة والرئاسة، بالمراوغة والبطء في تنفيذ قراري الحكومة في 5 و7 أغسطس الماضي القاضيين بنزع سلاح الحزب. ومثَّل الموفد الأمريكي توم برّاك قمة الصراحة بوصفه لبنان بأنه “دولة فاشلة”، وذلك خلال لقاء في مؤتمر “حوار المنامة” في 2 نوفمبر 2025.

 

لكن وفد الخزانة الأمريكية كان حاسماً خلال لقاءاته اللبنانية، خصوصاً مع رئيسي الجمهورية والحكومة، في أنه أمام لبنان 60 يوماً لتنفيذ رزمة إجراءات، يترابط فيها العسكري والمالي، ضد حزب الله، وأبرزها سحب السلاح، بما فيه ورش تصنيع المسيرات، وإقرار الإصلاحات المالية اللازمة لتجفيف تمويل الحزب، وضبط الحدود مع سورية، وبدء المفاوضات مع إسرائيل، بل دخل الوفد في مناقشة الاجراءات العملية لتطبيق ذلك. وأوضح ذلك أن ترسانة الحزب المالية، ومنها مؤسساته الرعائية والصحية والتعليمية، وعلى رأسها مؤسسة “القرض الحسن” (التي تقدم قروضاً من دون فوائد لأفراد المجتمع الشيعي)، لا تقل خطورة عن الترسانة العسكرية، خصوصاً أن عدد هذه المؤسسات يصل إلى نحو 40 مؤسسة يستفيد منها نحو ربع مليون شخص، يشكلون البيئة الموالية للحزب والمرتبطة به بشبكة معقدة من التقديمات والخدمات التي يصعب التخلي عنها في ظل العجز المالي الذي تعانيه الدولة اللبنانية، وعدم بدئها بأي خطة تَعافٍ، دعْ عنك إعادة الإعمار، في المناطق المتضررة من الحرب الأخيرة، ويُضاف إلى ذلك نحو 70 ألف عضو في حزب الله بين موظفين في تلك المؤسسات أو مقاتلين، بعضهم متعاقد أو متفرغ، يتلقون رواتبهم بشكل مباشر.

 

الإجراءات اللبنانية الرسمية

 

تمثل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة اللبنانية، مثل الأجهزة المالية المعنية وعلى رأسها المصرف المركزي، منذ أقل من عام، خطوات جريئة وغير مسبوقة في استهدافها شبكة الحزب المالية وقطع التمويل الإيراني ومكافحة غسل أموال تجارة الكبتاجون.

 

حرصت السلطات اللبنانية دوماً على التنسيق مع واشنطن في مسألة مكافحة غسل الأموال، ومنع حزب الله من استغلال النظام المصرفي لتمويل أنشطته. وشهد العام 2011 دمج البنك اللبناني الكندي بمصرف سوسيته جنرال، بعد وضع الأول على اللائحة السوداء الأمريكية بتهمة غسل أموال لحزب الله، كما شهد العام 2019 إجبار “جمال ترست بنك” على التصفية الذاتية بعدما اتهمته واشنطن بتسهيل الأنشطة المالية لحزب الله.

 

لكن الانهيار الاقتصادي الذي شهده لبنان في العام 2019، وتعثر المصارف وامتناعها عن سداد أموال المودعين، مقابل تورطها مع المصرف المركزي بتحويل أموال كبار المودعين والسياسيين الى الخارج، أدى إلى تغيير قواعد اللعبة التي تحكمت بالعلاقة بين المصارف والدولة اللبنانية عبر مصرف لبنان.

 

ولم يكن مضى نحو أربعة أشهر على تعيين كريم سعيد، حاكماً للمصرف المركزي، حتى صدر قرار عن المصرف في يوليو 2025 يحظر التعامل مع مؤسسة “القرض الحسن”، والتي تعد مصرف حزب الله وذراعه المالية في السوق المالي اللبناني. كما اتخد مصرف لبنان العديد من الاجراءات، مثل إصدار التعميم رقم 170 للتشدد في مراقبة مؤسسات تحويل الأموال وشركات الصيرفة، ومنع نقل الأموال إلى شخصيات وهيئات خاضعة للعقوبات الدولية. ومع مطلع أكتوبر الماضي، صدر تعميم عن وزير العدل اللبناني عادل نصار طلب فيه من كُتّاب العدل عدم إتمام أي معاملات أو عقود قبل التثبت من هوية صاحب الحق الاقتصادي، أي أن لا يكون الشخص المعني مدرجاً على لوائح العقوبات الوطنية والدولية، مع اشتراط التحقق من مصدر الأموال ووجود أي سماسرة.

 

أدت هذه الإجراءات إلى المزيد من الشفافية في السوق المالي، ودفعت شركات تحويل الأموال والدفع الرقمي إلى المزيد من التدقيق في المحافظ الالكترونية، وصولاً إلى إغلاق حسابات العديد من الأشخاص والجمعيات التابعة لحزب الله والتي تقوم بجمع الأموال تحت أي حجة، وأبرزها جمعية “وتعاونوا”. لكن هذه الإجراءات بقيت منقوصة. فبالرغم من حظر المصرف المركزي التعامل مع مؤسسة “القرض الحسن”، فإنه امتنع عن إغلاق فروعها، مُعتبراً أن رخصتها كجمعية تقع ضمن صلاحيات وزارة الداخلية. دفع ذلك الإدارة الأمريكية إلى أن تتابع عن كثب كل مصادر التسرب الممكنة لتمويل حزب الله، إلى حد أن الموفدة الأمريكية مورغان أرتاغوس خصّت في زيارتها إلى بيروت في أكتوبر الماضي وزيرة الشؤون الاجتماعية حنين السيد بزيارة لتسأل عن المبالغ التي يصرفها حزب الله على بيئته على شكل مساعدات، وذلك يشمل أيضا جمعيات قد تكون مرتبطة بحزب الله وتستفيد من مساعدات الوزارة. وتجلت هذه الضغوط من خلال إعلان وزارة الشؤون الاجتماعية في 14 نوفمبر أن جرحى تفجيرات أجهزة البيجر (وهم موظفون مدنيون ومقاتلون من حزب الله)، سيستفيدون من المساعدات النقدية التي تقدمها الوزارة، قبل أن تقوم بعدها بأربعة أيام بإصدار بيان يتراجع ضمنياً عن البيان الأول الذي تمت إزالته من الموقع الإلكتروني للوزارة. وبدا أن زيارة أورتاغوس كانت تهدف إلى “التقييد” على المؤسسات الاجتماعية التابعة للحزب، بشكل مُوازٍ لـ “حصرية” السلاح، وبحثت في بيروت إمكانات الدولة اللبنانية لتحل مكان المؤسسات الخدمية التابعة لحزب الله وتُعوض تقديماتها.

 

لم يقم المصرف المركزي بإعادة هيكلة المصارف، وظل النظام المصرفي، منذ العام 2019، خارج لعبة السوق، بدلاً من أن يكون أساس النهوض الاقتصادي، وبالتالي لم تنخرط المصارف في الدورة الاقتصادية، ما أدى إلى نشوء اقتصاد “الكاش” الذي بلغ حجمه مليارات الدولارات، و90% منه خارج سيطرة المصرف المركزي ولا يمكن تتبع أثره. وبالرغم من محاولات إعادة الانتظام من خلال فتح حسابات جديدة بالدولار الأمريكي، وترخيص مصرف لبنان للعديد من شركات الصيرفة وشركات تحويل الأموال والدفع الرقمي التي نجحت في احتواء نسبة لا بأس بها من الاقتصاد النقدي وتحويله إلى اقتصاد رقمي يمكن تتبعه، إلا أن ذلك لم يمنع حزب الله من استغلال هذه الشركات التي باتت تؤمّن التحويل من لبنان وإليه، عبر بطاقات الفيزا والماستر كارد، من أجل تأمين تدفق الأموال، فضلاً عن أن حجم اقتصاد الكاش (الاقتصاد النقدي) ما زال كبيراً. وهذا ما يُفسر اللهجة الحادة التي اعتمدها وفد الخزانة الأمريكي في زيارته الأخيرة لبيروت، والتي أسفرت عن قرار سريع لمصرف لبنان بفرض قيود على التحويلات داخل لبنان ومن خارجه لكل مبلغ يساوي 1000 دولار أمريكي وما فوق، ابتداءً من ديسمبر 2025، ما سيؤثر في عمل ما يقارب  250 شركة صرافة ومئات مكاتب التمويل والمحافظ الإلكترونية، أبرزها شركة Whish Money وشركة OMT لتي تعد وكيل شركة ويسترن يونيون العالمية.

 

ضبط الحدود والحرب على تجارة الكبتاجون 

 

يخوض الجيش اللبناني حرباً من دون سقوف ضد شبكات تصنيع وتهريب الكبتاجون، التي يرعاها حزب الله في البقاع اللبناني، وتحديداً في منطقة الشمال الشرقي، حيث الغالبية الشيعية، والتي ازدادت حدتها واتخذت مساراً نوعياً مع قرار الحكومة اللبنانية في أغسطس الماضي بتكليف الجيش بمهمة حصر السلاح بيد الدولة، وهذا ما يجعل هذه الحملات المتلاحقة للجيش جزءاً لا يتجزأ من عملية نزع سلاح حزب الله، لأن القضاء على بارونات شبكات تصنيع الكبتاجون وتهريبه تقع في صلب تجفيف منابع التمويل لحزب الله الذي استطاع إدارة شبكة واسعة لغسل الأموال وتصنيع الكبتاجون وتهريبه إلى دول الخليج العربية والأردن والعراق، وحتى دول أوروبية، وجني مداخيل سمحت لإيران ونظام الأسد وحزب الله بتخطي العقوبات الدولية.

 

أدت هذه الحرب إلى سقوط العديد من الرؤوس الكبيرة في تجارة الكبتاجون، التي تمتعت بحماية الحزب، وحماية الفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري السابق بقيادة ماهر الأسد، على الجانب السوري، مثل القبض على نوح زعيترفي البقاع في 20 نوفمبر 2025. ولا شك في أن سقوط نظام الأسد في سورية مثّل عاملاً أساسياً في تحقيق هذه النتائج وضبط الحدود. فقد تحققت في الأشهر الأخيرة خطوات ملموسة على طريق ضبط الحدود بين لبنان وسورية، خصوصاً مع مقتل العديد من كبار المهربين في لبنان، وقدرة الجانب السوري على الإمساك بالحدود وإفشال العديد من عمليات التهريب، بما في ذلك محاولة حزب الله استرجاع بعض السلاح الذي خزّنه في سورية. وعلى الرغم من عدم تحقيق خطوات حتى الآن في اتجاه ترسيم الحدود اللبنانية-السورية، فقد نجحت المملكة العربية السعودية نجحت في الدفع بتحقيق تعاون وتنسيق أمني عالي المستوى بين الجانبين اللبناني والسوري. وأدى ذلك إلى نتائج ملموسة منها ضبط 11مليون حبة كبتاجون في حمص مصدرها لبنان في 28 أكتوبر، وضبط كميات من الحشيش من قبل الجانب السوري قبلها بعشرة أيام، وإعلان الجيش اللبناني في 22 نوفمبر عن تفكيك معمل لتصنيع حبوب الكبتاجون في منطقة القصر بقضاء الهرمل شمال شرقي لبنان.

 

رد فعل “حزب الله” إزاء المسّ بسلاح المال

 

يدرك حزب الله جيداً أن التضييق على مصادر تمويله يمس جوهر بقائه، ولم يتوانَ عن التحذير مراراً بشخص أمينه العام وعدد من الإعلاميين والسياسيين المحسوبين عليه من المس بمؤسساته، وفي مقدمتها ذراعه المالية: مؤسسة “القرض الحسن”. وكان الأمين العام نعيم قاسم واضحاً في خطاب له في نهاية أكتوبر 2025، بتحذير كلٍّ من حاكم المصرف المركزي كريم سعيد ووزير العدل عادل نصار من الاجراءات التي اعتبرها موجهة ضد الحزب، مُتهماً الأول بأنه “موظف” عند الأمريكيين والثاني بأنه “ضابطة عدلية عند أمريكا وإسرائيل”. وبعد الإجراءات الجديدة التي اتخذها سعيد بعد زيارة وفد الخزانة الأمريكية، “نصح” قاسم في خطاب يوم 17 نوفمبر 2025، “الحكومة وحاكم مصرف لبنان والمعنيين، بوقف الإجراءات التي تضيّق على حزب الله وكل اللبنانيين”، مُعتبراً أن “القرض الحسن مؤسسة اجتماعية لكل ‏الناس وهي رئة التنفّس الاجتماعي في هذا الوضع الصعب”.

 

ووصل الأمر إلى أن مسؤولين في “حزب الله”، أبلغوا المسؤولين اللبنانيين بعد زيارة الوفد الأمريكي الأخيرة، بأن موقف الحزب صارم، إذ يَعتبر أن  موقفه تجاه مسألة “القرض الحسن” “لا يختلف عن موقفه من السلاح”، في تحذير واضح إلى احتمال صدور قرار بإغلاق المؤسسة المالية الأبرز للحزب. ووصل الأمر إلى حدّ أن صحيفة “طهران تايمز” هاجمت المصرف المركزي اللبناني بعد الإجراءات الأخيرة، واتهمته بتسليم “المفتاح” إلى الولايات المتحدة، وتحويل كل صراف إلى مكتب استخبارات صغير للأمريكيين.

 

استنتاجات

 

يُشكِّل تفكيك الترسانة المالية لحزب الله أساساً لنجاح وتدعيم عملية تفكيك ترسانته العسكرية ومنع إعادة بناء قدرات العسكرية والأمنية، وبالتالي فإن أي فشل في تجفيف مصادر تمويل الحزب لا يهدد عملية نزع السلاح فقط، بل من الممكن أن يجعلها من دون جدوى، ومن هنا يمكن فهم الضغط الأمريكي من أجل السير بالعمليتين جنباً إلى جنب. وقد يعني ذلك أن المواجهة بين المصرف المركزي والمصارف المدعومة من لوبي فاعل في واشنطن، ستشتد وتنتهي إلى ما يخدم الهدف الأساسي وهو تفكيك البنية العسكرية لـ”حزب الله””، ذلك أن الإصلاحات المالية والنقدية المطلوبة من لبنان لا تهدف إلى إخراجه من أزمته المالية ومن اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي (FATF) الدولية فحسب، بل أيضاً لاستعادة الدولة من خلال حصر السلاح بيدها وتفكيك البنية العسكرية لحزب الله.

 

وبالرغم من أن الإجراءات من جانب مصرف لبنان ووزارة العدل اتُّخِذت تحت عنوان إخراج لبنان من اللائحة الرمادية ومحاربة غسل الأموال واقتصاد “الكاش”، ولم تسمِّ “حزب الله” ومؤسساته بالاسم عدا القرار الواضح بحظر التعامل مع “القرض الحسن”، إلا أن الحزب يدرك أن الدفاع عن مصادر تمويله يمثل معركة أساسية له، ومن هنا فإن المواجهة للدفاع عن مصادر التمويل ستكون حتمية، لا لأنها ستعني تهديد إمكانية بقائه كقوة عسكرية فحسب، بل أيضاً كقوة سياسية في لبنان أو أقلّه كقوة سياسية مهيمنة في البيئة الشيعية، خصوصاً أن القرار الخاص بضرورة تشدد “كتّاب العدل” في إجراء المعاملات يمكن أن تشمل منع تسجيل ترشيح أشخاص محسوبين على “حزب الله” في الانتخابات النيابية المقبلة.

 

في خضم هذه المواجهة التي قد تتطور إلى تحركات في الشارع يحركها الحزب، يبقى السؤال مشروعاً عن فعالية هذه الإجراءات في ظل عدم استعادة الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، وعدم تكاملها مع نظام يكافح التهرب الضريبي. وإذا نجح الحزب في التحايل على هذه الإجراءات، فإن من سيدفع ثمن التشدد هم التجار والأشخاص الذين ليسوا في دائرة الاستهداف، وذلك في بلد يعتمد فيه نحو مليون أسرة على التحويلات من الخارج.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M