بقلم : محسن الكومي – المركز الديمقراطي العربي
- هل تمكن اليوتيوب من السطو على بيوتنا فأصبح يهدد عرين القيم والأخلاق ؟
- هل تراجعت الروابط الاجتماعية أمام الزحف اليوتيوبي المتتالي ؟؟
أصبح الجميع منزعجا في الفترات الأخيرة من تنامي الانغلاق والانعزال بين الأبناء نتيجة اعتكافهم الطوعي والذي اختاروه لأنفسهم فور وقوعهم في مصيدة الأنترنت ،فأصبح البعض منا يردد أنه رسب في اختبار التربية والتأهيل للأبناء نتيجة انشغالهم بالانترنت وأنه لم يعد يستطيع مقاومة الزاحف العنيد ؛ومما زاد الأمر تعقيدا أننا أصبحنا نقدم لهم الانترنت كوسيلة تعليمية وخاصة في هذه الفترة من تبعات”كوفيد19″ والتي أرغمتنا على أن نقدم الانترنت طواعية بغية النجاح .
ولكن على الجانب الآخر !
- هل احتجت يوما لمعرفة طريقة يمكنك من خلالها تغيير قطعة في جهازك ؟
- هل تعطلت سيارتك يوما وبحثت عن طريقة يمكنك أن تحل العطل ؟
- أو هل احتجت طريقة لتعلم كيف يمكنك اعادة ضبط جهاز الكومبيوتر ؟؟
- أو لديك ضيوف وتسمع عن نوع من الطعام وما استطعت أن تقوم بطهيه ! ترى ما هي الوسيلة التي اتبعتها للتعرف على هذه المعارف والمهارات ؟؟
أسئلة أظنها سهلة الإجابة! حيث ستكون الإجابة لدينا جميعا ! نعم دخلت على محرك البحث في اليوتيوب وحصلت الفائدة المرجوة .بل وتعدى الأمر ذلك فأصبحت وصفات التجميل والرشاقة والتغذية يمكنك تحصيلها من اليوتيوب .
بهذه الإجابة استطاع الجميع معرفة ما خفي عنهم من طرق وأساليب وحيل ، بل تعدى الأمر إلى مراجعة الدروس العلمية والمحاضرات من خلال معلمين مختلفي المستوى وبأكثر من لغة للدرس الواحد كل هذا يكمن في ظل التسارع حول امتلاك التكنولوجيا وفتح قنوات التعليم الجديد والتي تبوء فيها العالم الافتراضي الرقمي مكانة بارزة ،فما كان محجوب عن اولادنا “استخدام الانترنت” نظرا لنشأتنا وحفاظا عليهم ووفق تربيتنا وخلقنا المحافظ أصبحنا الأن نعرضه مرغمين على تقديمه طواعية ، وبدأ الأولاد شيئا فشيئا يتقدمون نحو الانترنت خطوات ،والسبب هو التعلم عن بعد وهذا ليس عيبا في حد ذاته ولكنه يحتاج إلى تعديل وضبط وربما يكون عنوان المقال فكرة يتبناها العديد من علماء التكنولوجيا ومطوري البرامج ،بل وتتبناها المؤسسات التعليمية على اختلاف مستوياتها ،بل وتتبناها الأسرة كمحضن تربوي تعليمي أصيل .
تاريخ ونشأة يوتيوب :
- يعتبر اليوتيوب أحد أهم محركات البحث بعد جوجل في العالم ويعتبر من أشهر مواقع التواصل الاجتماعي والتي بدأت فكرتها على يد عالم الاجتماع “جون بارنز”سنة 1954 وهي التراسل بين مجموعة من المشتركين على مستوى العالم عن طريق البريد العادي ، ولما بدأ دخول الانترنت نشأت معه مواقع التواصل بشكلها الالكتروني الرقمي عام 1994 لتتوالى المواقع إلى أن ظهر المارد على الشبكة العنكبوتية “يوتيوب” حيث كانت نشأته في فبراير من عام 2005 لتمثل قفزة جديدة في العالم الرقمي ، حيث يعتبر عمره من عمر مراهقين العالم حاليا ، نشأ هذا المراهق على يد ثلاث شركاء بشركة دفع الكتروني يمثلون جنسيات مختلفة (امريكي – تايواني –بنجلاديشي) إلا أن جاود كريم البنجلاديشي قد تفرغ لدراسته ليكون تشاد هيرلي الأمريكي و ستيف تشين التايواني المؤسسين الحقيقيين للموقع والذي انطلق في نفس العام من ولاية كاليفورنيا بأمريكا وفي 2006 حقق قفزة عالية من المتابعة حيث خلال عام واحد من الانطلاق كان خامس موقع يتابع بالعالم ، وفي اكتوبر 2006 تعلن شركة جوجل عن شراء هذا العملاق بمبلغ 1.6 مليار دولار ليتحول إلى شركة ومؤسسة بإدارة منفصلة ، فقد كان الموقع وقتها يحصل على 100 مليون مشاهدة يوميا وكان يضاف إليه 65 ألف مقطع فيديو كل 24 ساعة وعدد زواره كان 20مليون زائر في الشهر وحوالي 700ألف زائر يوميا، وأما الأن وقد اشتهر الموقع فكان محط أنظار الكل ،فأصبح له رواده الخاصين وصانعي المحتوى والمتنوعين بين الجدية والتفاهة وبين العلم والجهل وبين الحقيقة والخرافة وبين الأصالة والاسفاف .
أرقام حول اليوتيوب
لا تزال لغة الأرقام تلعب جانبا هاما من جوانب الاقناع والتأثير كونها تجسد الحقائق وتعيد عرضها بطريقة واضحة ؛ليسهل معها التقييم والمقارنة وعلى هذا حتى نستفيد من مقالنا هذا في فهم وتقييم قوة المحتوى الذي نشاهده وفي أننا كعرب نمثل جزءا من هذه الاحصائيات وعليه نعرض الآتي حول حقائق وأرقام اليوتيوب ؛ والذي تجاوز عدد موظفيه 2000 موظف من جميع أنحاء العالم.ووصل عدد المستخدمين الشهري مليار و 900 مليون مستخدم، وقد امتلك الموقع قوة جذب خرافية درجة سطوته على أكثر من ثلث مستخدمي الإنترنت حول العالم ، ليتمكن من خلال صانعي المحتوى والذي وصل عددهم للأن 50 مليون صانع محتوى من رفع أكثر من 400 ساعة في كل 60 ثانية ، ليستهلك المشاهدون له عدد ساعات مشاهدة تقدر يومياً بأكثر من مليار ساعة، وتحتل وسيلة الهواتف الذكية كجهاز استقبال أكثر من 50% من مشاهدات اليوتيوب ، بواقع 500 مليون مشاهدة.بمتوسط مشاهدة 40 دقيقة في الجلسة الواحدة ؛ليصل إجمالي عدد مقاطع الفيديو التي يتم مشاهدتها يومياً على يوتيوب 5 مليارات مقطع،و قد حقق الموقع أرباحا تقديرية لعام 2015 وصلت الى ثماني مليارات دولار ، في حين قد حقق أحد صانعي المحتوى وعمالقة قنوات اليوتوب في العام نفسه مبلغ 12 مليون دولار. وفي عالم التسابق نحو جمع المشاهدات وزيادة المتابعين نجد أن هناك أكثر من 1500 قناة تعدى عدد مشاهديها المليون مشترك .
وسط هذه الأرقام الهائلة والمبالغ الطائلة يبرز سؤال هام !
هل يمكن أن يكون اليوتيوب وسيلة تعليمية ويتحول إلى جامعة أو كلية ما دام بهذه القوة ؟ وهل وهل تستطيع المحتويات العلمية الرصينة أن تسابق المحتوى الرقمي الساقط ؟ وهل من الممكن تحويل وتطويرما يقدم من مجتوى علمي متميز حاليا ليصبح أكاديميا ،مبوبا وفق العلم المطلوب تحصيله .
الفكرة ليست خيال !
في عام 2006 وفي نفس عام شراء جوجل لليوتيوب وبعد مرور عام على نشأة المارد الجديد أو المراهق الناشيء والذي تعدى عمره من يشاهدوه ؛ نشأت شركة “خان أكاديمي” وهي مؤسسة تعليمية غير هادفة للربح وكانت البداية أيضا في كاليفورنيا ،حيث تمكن الباحث والعالم سلمان خان صاحب الأصل البنجلاديشي والمولود في 1977 وهو تربوي أمريكي من تأسيسها بعدما نال من الإعجاب والاستحسان من فقراء ومعدومي مسقط رأس أبيه في قريته والتي كان يبث دروس الرياضيات لأبنة عمه لتستفيد هي وفقراء القرية من علوم الرياضيات مكملين بذلك مشوارهم التعليمي القاسي وسط فقرهم البالغ ،مما زاد شهرة الرجل وحول دروسه إلى فيديوهات يبثها بطريقة تفاعلية زاد معها شوقه لمساعدة الباحثين عن العلم وخاصة الفقراء منهم ،لتتحول مسئوليته المجتمعية تجاه رفقاء ابنة عمه إلى مؤسسة تعليمية بارزة حيث هدفها المعلن “توفير تعليم عالى الجودة لأي أحد وفي أي مكان ” واستطاع بث حوالي 3600 محاضرة صغيرة عبر الانترنت ليصل عدد مشاهدي قنواته التعليمية في عام 2011 فقط الى 45 مليون متعلم أي استطاع في خمس سنوات أن يقفز بهذه الصورة في عدد المتابعين لمواده التعليمية والتي تبث بتسع لغات عالمية في مواد الفيزياء والرياضيات والاحصاء والاقتصاد والفلك والكيمياء وعلوم الأحياء بعدما كانت بدايته شخصيا مع ابنته عمه مقتصرة على الرياضيات ليحقق في عام 2016 ما يقارب من “44823044” أي ما يقارب من خمسة واربعين مليون دولار في عام واحد .
كيف يكون اليوتيوب مصدرا تعليميا تربويا ؟
لم تكون تجربة خان وحدها مضرب المثل بل هناك تجارب أكاديمية عديدة ؛ حيث تسارعت كبرى الجامعات لتجعل من هذا المراهق “اليوتيوب” والذي فاق عمره حسب دقائق العرض مجتمعة دهورا متكاملة، ليشكل موردا للتعلم واكتساب المعلومة ومنها مثلا جامعة كاليفورنيا ، جامعة UC بيركيلي أيضا وعلى مستوى الشرق يوجد مجمع رقمي على اليوتيوب لأشهر جامعات الهند مثلا NPTEL والذي يضم اكثر من 5000 ساعة تعليمية في مختلف المجالات ليحصل على عدد مليون ونصف المليون متابع لقنواتهم التعليمية التي تبث بأكثر من لغة أكثرها الإنجليزية .
إذا ماذا ينقصنا نحن العرب ؟
نحن يا سادة بحاجة إلى أن نتعامل مع هذه الصيحة بصورة جدية وخاصة بعد الممارسة العملية التي تمت من خلال التعليم عن بعد و كثرة شكاوى أولياء الأمور من التعلم الرقمي وأنه لم يجدى نفعا في بعض المواد وأنه لم يقدم بطريقة جذابة للطلاب كما كنا نظن لذا نود أن نؤكد على أفكار للتعامل مع هذه الصيحة والتي أصبحنا مجبرين عليها من خلال خطوات عملية جادة ومنها :
- قيام كل جامعة بإنشاء محتوى تعليمي رقمي تفاعلي مفتوح مجمع ومتكامل مراعيا العدالة الرقمية واختلاف المستوى معيشي للطلاب بيحث يقدم مغايرا لما يقدم على المنصا التعليمية في الجامعات متعديا حدود مادة معينة او مستوى تعليمي معين وبعيدا عن خصوصية محتوى الكتاب الجامعي والذي قد يكون قاصر على ما تم شرحه داخل القاعات والمحاضرات ؛ بل المطلوب أن تكون هناك موائمة بين النظري الأكاديمي وبين ما هو مطبق في واقع العمل والتوظيف بحث لا يجد الخريج بونا شاسعا بين ما درسه وبين ما وجده في سوق العمل ، فمثلا ما يقدم في مادة المحاسبة والتكاليف ينبغي ربط هذه المادة عمليا بالتوضيح التام للتكاليف وآليات احتسابها في المشروعات على أرض الواقع للتأهيل لسوق العمل ، مادة التخطيط للموارد البشرية ينبغي أن يكون هناك محتوى مسجل رقمي في كافة التمارين والمسائل التي يمكن اعتبارها مادة تطبيقية على أرض الواقع تمزج بين الجانب النظري الأكاديمي وبين واقع الوظائف والعمل الفعلي ليتمكن الطالب من الربط بين الجانب الأكاديمي وما يواجهه في سوق العمل الفعلي ؛ أيضا مادة القانون في جانب كتابة المذكرات القانونية ينبغي ان يكون هناك محتوى رقمي عملي ذات جودة عالية في التصوير والإخراج والتفاعل بحيث يتدرب من خلالها الطالب على التطبيق العملي لكيفية صياغة المذكرات القانونية ، جامعا للحالات التمثيلية العملية .ربما تكون هذه نماذج لبعض المواد والتي يمكن أن يقارن الطلاب بين ما تعلموه داخل أروقة الجامعات وبين ما وجدوه في حلبات المصارعة الوظيفية بعد التعيين .
- دور المدارس والمؤسسات التعليمية والشركات العاملة في نطاق التربية والتعليم والتي ينبغي أن تتسابق أيضا لعرض المحتويات التعليمية بطريقة جذابة بحيث تتماشى مع عمر الطلاب ووفق مراحلهم التعليمية فكما يتسابق الصغار على قنوات فيها من الاسفاف وضحالة المحتوى بل وتفاهة المضمون ليصل مثلا عدد متابعي قناة عرض العاب على اليوتيوب إلى حوالي 14 مليون متابع فيما يبلغ عدد مشاهدي حلقة من حلقات هذه القناة إلى ستة ملايين وستمائة الف متابع في أحد عشر شهرا، في حين قناة تعليمية تقدم محتوى متسلسل ،يتسم بالمنهجية الراقية في تعلم اللغة الانجليزية لم يصل عدد المشاهدات أكثر من 230 الف مشاهدة فقط وعلى هذا ينبغي التطوير لعرض المحتوى التعليمي التربوي ليقدم بصورة شيقة تنافس ما قد يقدم من عروض قد تكون ساقطة أو مخالفة لقيمنا الراسخة
- دور الأسرة المحوري وهو دورأصيل يشكل الركن الأعظم من أركان التربية والتنشأة والذي يتركز في :
- تحديد اهتمامات الأسرة بحيث يكون التحديد للمتابعة والمشاهدة متسلسل وثري ومشوق بعيدا عن عشوائية الاختيار.
2- الضبط ومراجعة المحتوى . ينبغي على الأسرة أن تضبط هذا المحتوى وتختار ما هو هاجف تربوي نابفع بل ويمكنها من عمل جلسات محاكمة لبعض القنوات والتي لا تقدم نفعا وتعد من قبيل مضيعة الوقت فينبغي على الأسرة أن تراجع ما يشقدم على مشاهدته الأبناء بل يقدمون تقييما وتقاريرا لبعضهم البعض في كيفية مراجعة المحتوى وتقييمه بحيث تكون هذه عادة في كل الأبناء كيف له أن يراجع محتوى ويقيمه من خلال عدة معايير مبسطة ويمكن من خلالها التقييم وليكن منها :
- القيم المستوحاة من العرض
- مقدار الوقت المستغرق
- الفائدة المرجوة من المشاهدة
3- الموثوقية والاعتماد على قنوات تعليمية موثوقة التعلم بعيدة عن الانحرافات وما أكثرها على قنوات اليوتيوب حيث اختلاط المعلومات والمفاهيم والأغلاط الفكرية.
4- التطبيق الفوري والعملي المباشر، حيث لا يأتي التعلم إلا بالتكرار والتطبيق ؛ فينبغي من المشاهد لجزء تعليمي محدد أن يطبق فور المشاهدة وخاصة في محال اللغة ، وما أكثر الحالات التي شاهدنا فيها حلقات تعليمية في مجالات كثيرة وطبقنا عمليا ونجحنا في التطبيق وخاصة في مجال الجاسب الآلي وما شابهه وأيضا محال الطبخ بالنسبة للنساء والبنات .
5- التركيز وعدم التشتت بكثرة الاشتراك في عدد كبير من القنوات على اليوتيوب بل نحتاج الى تركيز داخل الأسرة حيث يكون الهدف تعليمي تربوي بالمقام الأول لذا ينصح بالاشتراك بعدد قليل من القنوات للموضوع نفسه حتى يتمكن من يريد التعلم في مجال محدد أن يحصل على ما يريد وفق ما اختار
وعلى هذا فمن الممكن أن تتطور الفكرة وتصبح فيما بعد نموذجا تعليميا فريدا يمكن من خلاله أن تتحول الفيديوهات المجمعة في مجال تخصص معين ،ليكون شهادة جامعية معترف بها تتسم بالعملية والتطبيق بعيدا عن التنظير الأكاديمي ؛ حيث توجد تجارب عديدة للمتابعة على القنوات اليوتيوب وكانت سببا في تألق البعض ومنهم نماذج فريدة لمطوري مواقع الانترنت والمبرمجين تدربوا وتعلموا تطبيقات من خلال مواقع الانترنت وخاصة في مجال الصيانة والتركيب ولم يكن ذلك إلا من خلال اليوتيوب ذلك الذي لم يتعدى عمره الأن عمر المراهقين .
رابط المصدر: