حسابات مُتعارضة: أبعاد وتداعيات تدخل كوريا الشمالية عسكريًا في الحرب الروسية-الأوكرانية

أعلنت الخارجية الأمريكية، في 12 نوفمبر 2024، عن انخراط قوات عسكرية من كوريا الشمالية، قُدر عددها بما يزيد على 10 آلاف جندي، في عمليات القتال التي تخوضها روسيا في منطقة كورسك الروسية الواقعة على الحدود مع أوكرانيا. وفي تصريحات سابقة في أكتوبر الماضي، أفادت وكالة الاستخبارات الكورية الجنوبية، ومسئولون أمريكيون وغربيون، فضلًا عن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بأن كوريا الشمالية أرسلت عدة آلاف من قواتها المسلحة إلى روسيا لمساعدتها في حربها ضد أوكرانيا. وفي الوقت الذي تبنت فيه كل من موسكو وبيونج يانج موقفًا غامضًا، حيث لم يؤكدا أو ينفيا تلك الخطوة بصورة قاطعة، فضلًا عن صمت الصين وعدم إبدائها أي موقف علني واضح إزاءها، فقد أكدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون وكذلك حلف شمال الأطلسي (الناتو) صحة التقارير التي تحدثت عن انتشار قوات كورية شمالية في موسكو. وهو ما يطرح تساؤلات بشأن الدوافع التي تقف وراء المواقف التي أبدتها الأطراف المختلفة ذات الصلة بالأزمة الأوكرانية تجاه الخطوة الكورية الشمالية، وتداعياتها المحتملة إقليميًا ودوليًا.

1- كوريا الشمالية والبحث عن مكاسب محتملة: تبحث بيونج يانج عن مكاسب محتملة، مالية وتكنولوجية وسياسية، جراء مساعدتها موسكو في حربها ضد أوكرانيا، لا سيما في ظل الوضع الصعب الذي تواجهه الأولى بسبب العقوبات الدولية المفروضة عليها على خلفية برنامجها النووي، إذ تعاني من نقص في إمدادات الغذاء والأموال. حيث تضمن مشاركتها الفعلية في الحرب الحصول على مساعدات غذائية من روسيا، وأيضًا التقنية العسكرية الروسية اللازمة لتطوير برامجها الصاروخية، وخاصة في مجال الفضاء، فضلًا عن التزام متبادل من موسكو بالتدخل لمصلحتها في أي صراع محتمل قد تشهده شبه الجزيرة الكورية. وقد حققت كوريا الشمالية بالفعل مكاسب مالية نتيجة الحرب الروسية- الأوكرانية، تراوحت قيمتها ما بين 2-5 مليارات دولار من مبيعات الأسلحة، وخاصة الصواريخ الباليستية والذخيرة، إلى روسيا. ويتوقع أن تحصل بيونج يانج على مكاسب مالية تُقدر بنحو 250 مليون دولار سنويا مقابل إرسالها 10 آلاف جندي إلى موسكو. فضلًا عن اكتساب خبرات قتالية حديثة، بما يؤدي إلى تعزيز قدراتها العسكرية، لا سيما وأنها ما زالت في حالة حرب فعلية مع جارتها الجنوبية.

2- تحوط روسيا لتعويض خسائرها البشرية: ربما كانت موسكو تتحوط بشأن إمكانية تعرضها لصعوبات في ساحات القتال ضد أوكرانيا، وهو ما دفع رئيسها فلاديمير بوتين إلى القيام بزيارة نادرة إلى بيونج يانج في يونيو الماضي، وعقد معاهدة دفاع مشترك مع نظيره كيم جونغ أون، يحصل بمقتضاها على دعم عسكري من كوريا الشمالية في حالة تعرض بلاده لعدوان خارجي، وهو ما ينطبق في هذه الحالة على حربه ضد أوكرانيا. ويكمن أحد دوافع هذا التحوط من جانب روسيا، في الاستفادة من الدعم الكوري الشمالي في تجنب اللجوء إلى خيار التجنيد والتعبئة العامة، نتيجة تراجع أعداد الروس الراغبين في التجنيد. وهو ما يجعل إمداد القوات الروسية بتعزيزات جديدة، جنود كوريا الشمالية في هذه الحالة، يمثل أولوية لدى القيادة الروسية، ولا سيما بين القوات الهجومية التي تعاني من خسائر فادحة في صفوفها.

ومن ناحية أخرى، قد تنطوي مسألة استعانة روسيا بقوات عسكرية من كوريا الشمالية لمساعدتها في حربها ضد أوكرانيا على محاولة من جانب الدولتين لإبعاد أو عزل الصين عن التطورات التي تتصل بتوثيق علاقات الشراكة الاستراتيجية بينهما، ولا سيما في بعدها الدفاعي والعسكري. وهو ما قد يفسر تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لين جيان، تعليقًا على إرسال كوريا الشمالية قوات عسكرية إلى روسيا، بأن الصين ليست على علم بالوضع.

3- أوكرانيا وانتقاد عدم تحرك حلفائها الغربيين: يُعد انخراط كوريا الشمالية بشكل مباشر في الحرب الروسية-الأوكرانية تطورًا سلبيًا بالنسبة لأوكرانيا، لكونه يزيد من الضغوط التي تتعرض لها قواتها في ساحات القتال، وهو ما جعل كييف تنظر إلى هذا التطور باعتباره تطورًا مثيرًا للقلق، ما دفعها إلى انتقاد عدم تحرك حلفائها الغربيين في مواجهة نشر القوات الكورية الشمالية، ومحاولة حثهم على تقديم مزيد من الدعم لها، وعدم اتخاذ موقف المتفرج إزاء تلك التطورات. فقد دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي حلفاء بلاده إلى التوقف عما وصفه “المشاهدة” واتخاذ إجراءات لمواجهة وجود القوات الكورية الشمالية في روسيا قبل أن تبدأ هذه القوات في مواجهة كييف في ساحات القتال. كما تتخوف أوكرانيا، ومعها حلف الناتو، من أن تكون القوات الكورية الشمالية المتواجدة في منطقة كورسك، بداية لاستقدام المزيد من القوات الكورية الشمالية إلى روسيا. وحض الرئيس الأوكراني حلفاء بلاده على السماح باستعمال صواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي.

4- واشنطن وحلفاؤها الغربيون ورفض تصعيد الصراع: تُعد واشنطن وحلفاؤها الغربيون وحلف الناتو من أبرز الأطراف الفاعلة في الأزمة الأوكرانية، إذ عارضت الحرب الروسية ضد أوكرانيا منذ اندلاعها، وقامت بالاصطفاف وراء كييف وقدمت لها الدعم السياسي والعسكري والمالي، لمساعدتها على مواجهة آلة الحرب العسكرية الروسية. ويبدي حلفاء كييف، ولا سيما الولايات المتحدة وحلف الناتو، قلقًا واضحًا حيال ما قد يترتب على الخطوة الكورية الشمالية من مفاقمة الصراع، كما حذر زعماء غربيون من أن مثل هذه الخطوة من شأنها المخاطرة بتصعيد الصراع. فقد كانت الولايات المتحدة أول دولة عضو في حلف الناتو تشير إلى وجود أدلة بشأن تواجد قوات كورية شمالية في روسيا، ودعت إلى عدم التسرع بشأن الهدف من إرسالهم إلى هناك، قبل أن تؤكد في مرحلة لاحقة، في 13 نوفمبر 2024، على لسان وزير خارجيتها أنتوني بلينكن، أن هذه القوات تشارك بالفعل في العمليات القتالية ضد أوكرانيا، وهو ما يتطلب ردًا حازمًا، على حد قوله.

ومن جانبه، عبر حلف شمال الأطلسي (الناتو) عن مخاوفه بشأن ما سيترتب على تعميق التعاون العسكري بين روسيا وكوريا الشمالية من تهديدات لأمن منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وكذلك للأمن الأوروبي. وذلك على خلفية تأكيد الحلف على تواجد قوات كورية شمالية في منطقة كورسك الروسية التي تسيطر عليها جزئيًا القوات الأوكرانية. وذهب الحلف إلى أن انخراط هذه القوات في القتال سوف يمثل تصعيدًا كبيرًا في دعم كوريا الشمالية للحرب الروسية غير المشروعة، ودليلًا آخر على خسائر روسيا في جبهة القتال.

5- الصين والاستياء من تحركات بيونج يانج: رغم ارتباط الصين بعلاقات تاريخية وثيقة مع كوريا الشمالية تمتد إلى ما يزيد على سبعة عقود، وكون بكين الحليف الأقرب إلى بيونج يانج سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا واقتصاديًا، فقد برزت مؤخرًا مؤشرات ودلائل على غضب الصين إزاء بعض التحركات الخارجية للنظام الكوري الشمالي، ولا سيما المدى الذي وصل إليه تطور العلاقات بين روسيا وكوريا الشمالية، إذ أبدت بكين عدم ارتياحها بشأن قيام بيونج يانج بإرسال قوات عسكرية إلى روسيا للمشاركة في الحرب ضد أوكرانيا. كما تبنت الصين موقفًا حذرًا إزاء قيام الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في يونيو الماضي، بتعزيز العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من خلال توقيع الدولتين على معاهدة استراتيجية تتضمن بنودًا تتعلق بالدفاع المشترك.

وهناك عدة دوافع واعتبارات تُفسر تخوف الصين من قيام بيونج يانج بنشر قوات عسكرية لمساعدة روسيا وانخراطها بشكل فعلي في الأزمة الأوكرانية، يتمثل أبرزها، في: الأهمية الكبرى لكوريا الشمالية بالنسبة للصين، وما يترتب على الخطوة الكورية الشمالية من زيادة الاصطفاف والتواجد العسكري الغربي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، والتأثير على توازن القوى في شبه الجزيرة الكورية، واحتمال تورط الصين في الحرب ضد أوكرانيا، وتزايد سباق التسلح في المنطقة، فضلًا عن محاولة موسكو وبيونج يانج عزل بكين.

6- القوى الآسيوية الفاعلة والتخوف من التأثير على الأمن الإقليمي: هناك العديد من القوى الآسيوية الفاعلة في الأزمة الأوكرانية، والتي اتخذت موقفًا مناهضًا لروسيا ومؤيدًا لأوكرانيا منذ اندلاع الأزمة في عام 2022، ويأتي على رأس هذه القوى كوريا الجنوبية واليابان، اللتان تعتبران حليفتين رئيسيتين لواشنطن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. فقد كانت سيول أول من سلط الضوء على مسألة تواجد قوات عسكرية من كوريا الشمالية في روسيا للحرب ضد أوكرانيا. وقد رأت اليابان أن تنامي التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية “مثيرًا للقلق العميق”، وسيؤدي إلى تفاقم الوضع في أوكرانيا، ويؤثر في أمن المنطقة المحيطة باليابان. ومن هنا، فإن موقف سيول وطوكيو الرافض لتزايد التعاون العسكري بين بيونج يانج وموسكو يأتي نابعًا من مخاوف الدولتين حيال ما قد يترتب على هذا التعاون من انعكاسات وتأثيرات سلبية ليس فقط على الأزمة الأوكرانية، وإنما أيضًا على الأمن الإقليمي في منطقة شرق آسيا بشكل عام، وشبه الجزيرة الكورية بشكل خاص.

تُلقي التطورات الأخيرة في ملف الأزمة الأوكرانية، وتحديدًا قيام كوريا الشمالية بالانخراط العسكري المباشر في الحرب، وما أثارته من مواقف وردود أفعال إقليمية ودولية متباينة، مزيدًا من التعقيد على تلك الأزمة في ظل التشابكات المعقدة بين أطرافها الرئيسية، لا سيما وأن لكل طرف منها حساباته ومصالحه الاستراتيجية التي تؤثر في موقفه إزاء الأزمة، وهو ما ينعكس في العديد من التداعيات الإقليمية والدولية التي يُحتمل أن تترتب على التدخل العسكري المباشر من جانب كوريا الشمالية في الحرب الروسية- الأوكرانية.

فعلى المستوى الإقليمي، من المتوقع أن يؤدي التدخل العسكري المباشر من قبل كوريا الشمالية في الأزمة الأوكرانية إلى تنامي التواجد العسكري والأمني الغربي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، فقد تتجه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون والآسيويون نحو مزيد من الاصطفاف والتواجد العسكري في المنطقة، وهو تطور لا ترغب الصين في حدوثه، لتعارضه مع مصالحها الجوهرية في منطقة يُنظر إليها تقليديًا باعتبارها مجالًا حيويًا لنفوذها، ناهيك عن انعكاساته السلبية على الأمن والاستقرار في المنطقة.

ومن جهة ثانية، فإن من شأن التدخل المباشر لكوريا الشمالية في الحرب الروسية-الأوكرانية، أن يؤدي إلى تعزيز التحالفات العسكرية بين حلف الناتو والقوى الآسيوية الرئيسية الحليفة للغرب في آسيا ومنطقة الإندوباسيفيك، ولا سيما كوريا الجنوبية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا. وهو الأمر الذي يتوقع أن يُقابل بتحركات وخطوات مضادة من جانب الصين، ناهيك عن توتير علاقاتها مع الحلف والدول المشار إليها.

ومن ناحية ثالثة، يتمثل أحد التداعيات الإقليمية المهمة أيضًا في زعزعة الاستقرار الهش لتوازن القوى في شبه الجزيرة الكورية، حيث يمكن لهذا التطور الأخير أن يدفع الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية إلى تعزيز تحالفها العسكري في شرق آسيا، لمواجهة الطموحات المتزايدة لكوريا الشمالية في القيام بدور عسكري يتجاوز نطاق وحدود مجالها الجغرافي. كذلك، فإن مشاركة القوات الكورية الشمالية بصورة فعلية في القتال في أوكرانيا يمكن أن تكسبها خبرة قتالية واختبار أنظمة أسلحتها المتقدمة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحولات جذرية في التوازن الأمني في شبه الجزيرة الكورية. وبالتالي، احتمال تزايد سباق التسلح في المنطقة، ومن مؤشرات ذلك كشف سيول مؤخرًا عن صاروخ “هيونمو-5” الباليستي، الذي يمكنه اختراق التحصينات المقامة تحت الأرض.

ومن جهة رابعة، يشير قيام بيونج يانج بإرسال قواتها إلى روسيا بدون التشاور مع الصين، إلى تراجع النفوذ الصيني على كوريا الشمالية لصالح روسيا. ومما يدلل على ذلك قيام الدولتين بإرسال أكثر من 40 وفدًا دبلوماسيًا واقتصاديًا وعسكريًا إلى كل منهما في عام 2024، وهو ما يزيد على أربعة أضعاف عدد تفاعلات بيونج يانج مع بكين. ويهدد تنامي التعاون العسكري بين كوريا الشمالية وروسيا بتقويض مساعي الصين في ممارسة نفوذ أكبر على كوريا الشمالية. وبالتالي، فإن مشاركة القوات الكورية الشمالية في القتال من شأنه أن يعزز شراكة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، على حساب الشراكة مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.

ومن جهة خامسة، فإن من شأن تزايد التعاون العسكري الكوري الشمالي الروسي أن يؤثر على النفوذ الإقليمي للصين، سواء في منطقة شرق آسيا، أو في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ولا سيما من ناحية تزايد المخاطر والقيود التي تؤثر على تحركات السياسة الخارجية الصينية، ما يترتب عليه الحد من فرص وإمكانيات نجاحها في تحقيق أهدافها ومصالحها الخارجية.

وعلى المستوى الدولي، من المتوقع أن يؤدي التدخل المباشر لبيونج يانج في أزمة الحرب الروسية- الأوكرانية إلى تعميق حالة الانقسام والاستقطاب الدولي التي أحدثتها تلك الحرب منذ اندلاعها في عام 2022، في ظل استمرار الأزمة وإخفاق الجهود الدبلوماسية المبذولة من جانب بعض القوى الرئيسية في المجتمع الدولي بهدف التوصل إلى تسوية سلمية للأزمة، ولجوء بعض القوى الدولية المنخرطة في الأزمة وتفاعلاتها إلى آليات وأدوات جديدة للتعبير عن مساندتها لروسيا في هذه الحرب، والمثال البارز هنا التدخل العسكري المباشر من جانب كوريا الشمالية في الأزمة، والذي يهدد بحدوث مزيد من التصعيد من جانب قوى إقليمية أخرى بارزة ردًّا على التصعيد الكوري الشمالي. ويمكن الإشارة هنا إلى إعلان كوريا الجنوبية أنها تدرس إرسال أسلحة مباشرة إلى أوكرانيا، وهو ما قد يهدد بتصعيد التوتر وعدم الاستقرار على الصعيدين الدولي والإقليمي.

كذلك، من المتوقع ألا تصمت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون إزاء هذا التطور الأخير، والذي يعكس في أحد أبعاده تطورًا لافتًا في دور كوريا الشمالية، التي ربما تتحول بناء على تدخلها في الحرب الروسية- الأوكرانية، إلى فاعل دولي يؤثر على التفاعلات الدولية المهمة، وخاصة في ظل وجود إدارة أمريكية جديدة على رأسها الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي حاول إبان ولايته الرئاسية الأولى تهدئة الأجواء مع بيونج يانج، والتقى زعيمها كيم جونغ أون.

وبالنظر إلى علاقة التحالف الاستراتيجي بين الصين وحليفتها الرئيسية كوريا الشمالية، فقد حاولت الولايات المتحدة توظيف هذه العلاقة في محاولة للضغط على الصين لدفع بيونج يانج إلى الامتناع عن المشاركة النشطة في الحرب الروسية ضد أوكرانيا. إذ دعت واشنطن بكين إلى استخدام نفوذها على روسيا وكوريا الشمالية لمنع التصعيد بعد إرسال الأخيرة آلاف الجنود إلى روسيا لدعم الحرب ضد أوكرانيا. وهي الضغوط التي قابلتها الصين بتأكيد ثبات موقفها بشأن الأزمة الأوكرانية، والذي يرتكز على استمرار القيام بدور بناء بشأن إجراء محادثات سلام والتسوية السياسية للأزمة.

ومن ناحية أخرى، فإن التدخل العسكري المباشر من جانب كوريا الشمالية في الحرب الروسية- الأوكرانية من شأنه التأثير على مكانة ودور الصين العالمي. حيث تُعد كوريا الشمالية وروسيا حليفتين رئيسيتين للصين، وتتبنى الدول الثلاث رؤية للعلاقات الدولية تتناقض مع الرؤية الأمريكية للنظام الدولي الراهن، وترتكز على إقامة عالم متعدد الأقطاب. ومع ذلك، فإن من شأن قيام كوريا الشمالية وروسيا باتخاذ خطوات وتحركات تتعارض مع مصالح وتوجهات حليفتهما الرئيسية بكين، ولا سيما إزاء كيفية التعامل مع الأزمة الأوكرانية، أن يؤدي إلى تقويض مساعي الصين لإقامة نظام عالمي متعدد الأقطاب، بعيدًا عن سيطرة الولايات المتحدة على النظام الدولي الراهن.

وفي المجمل، يمكن القول إن التطورات الأخيرة التي تشهدها الأزمة الأوكرانية، ولا سيما التدخل العسكري المباشر من جانب كوريا الشمالية، والذي قد يترتب عليه توسيع دائرة الصراع، تُلقي بمزيد من عدم اليقين على المصير الذي ستؤول إليه الحرب الروسية-الأوكرانية في المدى المنظور، في ظل التشابك والتعقيد الذي يشوب الأزمة لجهة عدم حسم الحرب على الأرض. وكذلك، تعدد الفواعل الإقليمية والدولية المنخرطة في الحرب وتحديد مساراتها، وتبني هذه الفواعل مواقف متباينة انطلاقًا من حساباتها ومصالحها الاستراتيجية المتعارضة. فضلًا عن تولي إدارة أمريكية جديدة بقيادة الرئيس المنتخب دونالد ترامب مقاليد الأمور في البيت الأبيض، تضع على قمة أولوياتها إنهاء الحرب الروسية-الأوكرانية من دون الكشف عن كيفية تحقيق هذا الهدف.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M