وليد فارس
تبيّن للمراقبين في واشنطن والعواصم الغربية، أن موجةً عصفت بالرأي العام العربي والشرق أوسطي منذ بضعة أشهر، ركّزت على ضرب صورة واشنطن عامة وصورة إدارة الرئيس دونالد ترمب خاصةً، في ما يتعلق بسياستها تجاه الشرق الأوسط وفقدان أي أمل بأن يكون لأميركا قدرةً على إيجاد حلّ للأزمات القائمة.
وتبدو هذه الحملة واضحةً في الإعلام المرئي والمسموع والصحافة المكتوبة في العالم العربي، وأكثر وضوحاً في عالم التواصل الاجتماعي، ومن أهم النقاط التي تنتشر مع هذه الحملة المنظمة هي أن الإدارة الأميركية لا تريد حلّ المشكلات التي يعاني منها مواطنو الشرق الأوسط، وأنها، كما تدّعي أبواق الحملة، تتفاوض سراً مع النظام الإيراني لتنفيذ صفقات عدّة ستُعقد في المنطقة على حساب أصدقاء وحلفاء أميركا.
الموجة التي غطّت الفضاء الإعلامي حاملةً أفكار هذه الحملة باتت قوية لا سيّما مع انعدام الردّ الإعلامي الأميركي، بسبب تعطيل قدرات واشنطن الإعلامية أو خرقها من قبل القوى الراديكالية المعادية لها. وإضافةً إلى انقسام الصحافة الأميركية بين أكثرية معادية لإدارة ترمب وأقلية تؤيد الإدارة في سياستها الخارجية، غير أنها تفتقد إلى الخبرة في مواجهة الأخطبوط الإعلامي المعادي للولايات المتحدة في الخارج.
جذور الحملة
وإذا دقّقنا بالوسائل الإعلامية والمقالات الصحافية التي تُدفع إلى الرأي العام العربي، ننتبه إلى أن جذور هذه الحملة تأتي من ذات القوى المعادية لأميركا والغرب منذ سنوات، ألا وهي النظام الإيراني ومنظومة “الإخوان المسلمين”.
الفارق بين المنصتين الإيرانية والإخوانية، هو أن الأولى توّجه إعلامها مباشرةً إلى كل ما هو أميركي بما فيه الإدارة، بينما تركّز الثانية على إدارة ترمب، بينما لا توضح هذا البُعد في إعلامها الناطق باللغات الأجنبية.
المنصات الإعلامية المؤيدة لإيران في العالم العربي عموماً والعراق وسوريا ولبنان خصوصاً، تبثّ تقارير ومعلومات تجزم فيها بأن أميركا باعت حلفاءها، سواء كانوا في الخليج أو المعارضات المضادة للميليشيات في العراق ولبنان، وأن إدارة ترمب عقدت هذه الصفقات وستبوح بها بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ولعل هدف هذه المقولات هو أولاً، بثّ المعنويات والروح لدى القواعد القتالية والنظامية للميليشيات المنتشرة في المنطقة بعد الضربات التي تلقّتها في العراق، وصولاً إلى استهداف قائد كل هذه الميليشيات قاسم سليماني. فالوضع المعنوي لميليشيات إيران هبط إلى الحضيض بعد عملية سليماني واتّخاذ الرئيس ترمب موقفاً حاسماً تجلّى بعدم الانسحاب من العراق قبل تقليص نفوذ طهران فيه.
إضعاف الثقة
وقبل أن ينتشر كورونا في العالم، شعرت القيادة الايرانية بأن هذه الإدارة ستبدأ الهجوم المعاكس في المنطقة بعد الانتخابات الرئاسية، لذلك شنّ النظام حملةً نفسية وإعلامية لتقوية معنويات قواعده في كل المنطقة تحسّباً.
وهناك أيضاً سبب آخر لهذه الحملة وهو إضعاف ثقة قوى المعارضة في العراق وسوريا ولبنان، وإضعاف متانة علاقة التحالف العربي بالإدارة الاميركية، وإحداث إرباك في صفوف هذا التحالف العريض من أجل عدم التعبئة ضد المصالح الإيرانية حتى في مرحلة ما بعد الانتخابات الأميركية.
وتلبيةً لخطة استراتيجية مبنيّة على أساس الهدفين المذكورين، بدأت طهران وحلفاءها عبر الإعلام المحلي والإقليمي وبمساعدة شركائها الدوليين ببثّ هذه الحملة التي أرادوا من خلالها الإيهام بأن “الرئيس ترمب ضعيف ومتردّد وغير قادر على الحسم في المواجهة مع إيران” وقدّموا أمثلة تتعلّق بلبنان وسوريا وطهران.
وجدير بالذكر أن “حزب الله” استعان بحلفائه السياسيين في بيروت للقول للقواعد الشعبية المعارِضة إنّ أميركا تخلّت عنهم وإنها بصدد إجراء مفاوضات مع الإيرانيين. وكان لهذه الحملة مفعول كبير، إذ تبيّن أن غياب المواقف الأميركية وضعف قيادة المعارضة سواء في العراق أو لبنان أسهما في جعل الناس العاديين يصدّقون أن الولايات المتحدة قرّرت التراجع والتفاوض مع طهران، وأن أي عمل سياسي مناوئ للمشروع الإيراني المتمثل بـ”حزب الله” في لبنان سيرتدّ على أصحابه. وبُثّت هذه الأضاليل في وسائل إعلام لبنانية وأجهزة معينة من أجل تمييع تحركات المعارضين الذين يطالبون بتنفيذ القرارات الدولية.
تعاون إيراني – إخواني
وألقت وسائل الإعلام الأخوانية بما فيها قناة “الجزيرة” بثقلها إلى جانب الحملة الإيرانية، مؤكدةً أن واشنطن تخلّت عن حلفائها السعوديين والمصريين والإماراتيين، مركّزةً على الموقف الأميركي شبه المحايد في ليبيا لإقناع قواعد التحالف العربي بأن واشنطن لن تختار “الجيش الوطني الليبي” على حساب “الإخوان”. ووصل هذا الضغط إلى الخليج حيث لاحظت أوساط أميركية تردّد بعض المحلّلين في المنطقة وشكوكهم بإمكانية أن تكون أميركا حليفاً استراتيجياً يُعوَّل عليه، وبدأنا نسمع كلاماً يفصح عن عدم الثقة بإمكانية نجاح إدارة ترمب في الانتخابات، بالتالي ضرورة التمهّل والبحث عن بديل لهذا الشريك.
الجواب الاستراتيجي الشامل لهذه المقولات التي تبثّها إيران وجماعة الإخوان، هو أن هذه الحملة جزء من المواجهة وتُسمّى بالبروباغندا النفسية التي تعتمد على إيهام الرأي العام بأن حليفه الاستراتيجي غير مقتنع به من أجل تخفيف الاندفاع نحوه والتمسّك بشراكته.
من جهة ثانية، يُصار إلى رسم صورة لدى الأميركيين بأن شركاءهم في المنطقة غير مقتنعين بهذه الشراكة والعلاقة، ما يسبّب تردّداً في واشنطن كما هو حاصل الآن في قضايا عدّة، من ليبيا إلى العراق والخليج، ما يعني أنه يكفي محور إيران ترديد إشاعات في وسط حلفائه حتى تتحوّل هذه الإشاعات إلى مركز القرار في الولايات المتحدة، بالتالي يكسب المحور الإيراني معركةً نفسية لا تكلّفه شيئاً، لذلك، يجب على طرفَيْ الشراكة، العرب وأميركا، أن يَعِيا هذا الخطر وأن يُظهرا لقواعدهما والرأي العام الأميركي أنّ هذه الشراكة مستمرة مع هذه الإدارة حتى الانتخابات وبعدها إذا جُدِّد لها، والمطلوب عدم الاستسلام لرواية سيرابية إيرانية.
رابط المصدر: