- ظهر مشروع نقل الغاز من نيجيريا إلى المغرب في ديسمبر 2016، ويهدف المشروع إلى نقل 30 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي إلى شمال أفريقيا (وصولاً إلى أوروبا) عبر أنبوب يخترق 11 دولة في الغرب الأفريقي.
- يتطلع المغرب إلى إسهام مشروع خط الغاز المغربي-النيجيري في توطيد نفوذه الاقتصادي والجيوسياسي في منطقة غرب أفريقيا. وقد سعى المغرب في رؤيته الجديدة المعدَّلة للمشروع إلى إدماجه بمقاربته الساحلية الأطلسية الهادفة إلى تمكين دول الساحل من النفاذ إلى الموانئ الأطلسية المغربية.
- برزت الأهمية المتزايدة لمشروع خط الغاز المغربي-النيجيري في السنوات الثلاث الأخيرة لسبيين أساسيين، هما: أزمة الغاز العالمية المتولدة عن الحرب الأوكرانية، وبدء تصدير الغاز الموريتاني-السنغالي، بعد اكتشاف الحقل المشترك بين البلدين والذي يُقدَّر مخزونه بنحو 700 مليار متر مكعب.
- باتت الإدارة الأمريكية تنظر إلى خط الغاز المغربي-النيجيري باعتباره مكوناً أساسياً من مكونات استراتيجيتها الاقتصادية الجديدة في أفريقيا، والتي تهدف في جزء منها إلى احتواء النفوذ الصيني المتنامي في القارة.
في إطار شروعها العملي في تنفيذ مشروع نقل الغاز من نيجيريا إلى المغرب عبر غرب أفريقيا، أرسلت السلطات المغربية مؤخراً -وفق مجلة “جون أفريك” الفرنسية- بعثةً رفيعة المستوى إلى الولايات المتحدة بهدف عرض المشروع على المستثمرين الأمريكيين لتسريع عملية استكمال تمويل هذا المشروع الذي سيُغيّر الوجه الجيوسياسي والتنموي للمنطقة، وسيُعزز النفوذ المغربي فيها.
طبيعة مشروع الغاز الغرب أفريقي
برز مشروع نقل الغاز من نيجيريا إلى المغرب عبر دول غرب أفريقيا في ديسمبر 2016، في خلال زيارة الملك محمد السادس إلى نيجيريا. ويهدف المشروع إلى نقل 30 مليار متر مكعب سنوياً من الغاز الطبيعي إلى شمال أفريقيا (وصولاً إلى أوروبا) عبر أنبوب يخترق 11 دولة في غرب أفريقيا، هي بِنين والتوغو وغانا وكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغامبيا والسنغال وموريتانيا (بالإضافة إلى النيجر وبوركينا فاسو ومالي). وتُقدَّر تكلفة المشروع بنحو 25 مليار دولار، على أن يمتد الأنبوب على طول 6800 كيلومتر، ويستفيد منه 400 مليون فرد، بما يجعل منه أحد أهم مشاريع الغاز على المستوى العالمي (انظر الشكل رقم 1).
شكل 1: مشروع خط أنابيب الغاز نيجيريا-المغرب
وقد تبنّت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (الإيكواس) هذا المشروع في ديسمبر 2024، ووقّعت مع المغرب عدة اتفاقيات بخصوصه، وتعهدت عدة أطراف بتمويله، من بينها البنك الإسلامي للتنمية وصندوق أوبك للتنمية الدولية والبنك الأوربي للاستثمار، بالإضافة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة (الاتفاقية الموقعة بين المغرب والإمارات في 8 ديسمبر 2023).
وبرزت الأهمية المتزايدة للمشروع في السنوات الثلاث الأخيرة لسبيين أساسيين، هما:
الأول، أزمة الغاز العالمية المتولدة عن الحرب الأوكرانية، وقد طاولت هذه الأزمة بصفة خاصة دول الاتحاد الأوروبي التي تراجع طلبها من الغاز الروسي من نسبة 45% من حاجياتها الفعلية عام 2021 إلى 19% عام 2024. وفي عام 2022 أطلق الاتحاد الأوروبي مشروع الاستقلال في الطاقة عن روسيا الذي يهدف إلى الاستغناء كلياً عن الغاز الروسي قبل عام 2027 حتى لو توقفت الحرب في أوكرانيا، بما يعني البحث عن مصادر بديلة عن السوق الروسية. وقد ارتفعت بقوة أسعار الغاز في أوروبا، ووصلت أزمة الطاقة مداها في عدد من البلدان، وبصفة خاصة الدول القريبة من روسيا مثل سلوفاكيا ومولدوفا والنمسا. ومن الواضح أن مشروع الغاز النيجيري-المغربي سيُشكل في حال إنجازه فرصةً ذهبية للدول الأوربية في بحثها عن مصادر قريبة للطاقة.
الثاني، بداية تصدير الغاز الموريتاني-السنغالي في 31 ديسمبر 2024، بعد أن اكتشف الحقل المشترك بين البلدين عام 2015 ويُقدَّر مخزونه بنحو 700 مليار متر مكعب، بطاقة إنتاج تقدر بنحو 2.5 مليون طن سنوياً قابلة للمضاعفة في المرحلة الثانية من المشروع. وقد توصل البلدان إلى اتفاق أولي مع المغرب لدمج المشروع في ترتيبات الأنبوب الرابط مستقبلاً بين نيجيريا والمغرب.
مراحل تنفيذ المشروع
في 13 مايو 2025 أعلنت ليلى بن علي، وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة في المغرب، الانطلاق الفعلي لمشروع الغاز الذي أصبح يسمى “أنبوب الغاز الأفريقي الأطلسي”، باعتباره مشروعاً اقتصادياً وصناعياً واستراتيجياً لغرب أفريقيا. ووفق الوزيرة المغربية، استُكملت دراسات جدوى المشروع والخرائط الهندسية، وبدأت عملياً المرحلة الأولى منه التي ستتم داخل المغرب بربط ميناء الناضور بالداخلة عبر القنيطرة والمحمدية، على أن تكون الداخلة هي المحطة المغربية الرئيسة في خط الأنبوب الأفريقي. وسيُكلف بناء منصة الغاز في الناضور ما يُقدّر بنحو 700 مليون دولار، وستكون مربوطة بالبنية التحتية الأوروبية من طريق إسبانيا، كما أن تكلفة تشييد خط الغاز ما بين الناضور والداخلة تقدر بنحو 6 مليارات دولار. ومن المتوقع أن تبدأ عملياً هذه المشاريع التحضيرية، على أن ينطلق العمل في خط الغاز النيجيري-المغربي في عام 2027، وسيستغرق تنفيذه أربع سنوات.
ويبدو أن المغرب تمكن من إقناع الإدارة الأمريكية بجدوى المشروع، الذي يندرج في إطار توجه الولايات المتحدة نحو استبدال سياسة العون الاقتصادي بالمقاربة الاستثمارية والتجارية المربحة.
وفي خلال اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في ربيع 2025 أعلن وزير المالية النيجيري أن الولايات المتحدة أظهرت اهتماماً كبيراً بالاستثمار في قطاع النفط النيجيري، وبالخصوص في مشروع نقل الغاز إلى المغرب. وقد أكدت الولايات المتحدة هذا الاهتمام في خلال منتدى الطاقة الأمريكي-الأفريقي (USAEF) الذي انعقد في مدينة هيوستن يومي 6 و7 أغسطس الجاري، عَادَّةً هذا المشروع مكوناً أساسياً من مكونات استراتيجيتها الاقتصادية الجديدة في أفريقيا. وقد أشارت مجلة أفريكان ليدرشيب African Leadership Magazine إلى أن الاهتمام الأمريكي بالمشروع يندرج في إطار سياسة الولايات المتحدة الهادفة إلى احتواء النفوذ الصيني في أفريقيا، خصوصاً أن الصين سبق أن أظهرت حرصها على الإسهام في تمويل مشروع خط الغاز النيجيري-المغربي.
الأبعاد الاستراتيجية لمشروع الغاز الأفريقي
يهدف المغرب من هذا المشروع الطموح إلى توطيد نفوذه الاقتصادي والجيوسياسي في منطقة غرب أفريقيا التي هي مجاله الحيوي المحوري. وقد سعى المغرب في رؤيته الجديدة المعدَّلة للمشروع إلى إدماجه بمقاربته الساحلية الأطلسية الهادفة إلى تمكين دول الساحل من النفاذ إلى الموانئ الأطلسية المغربية. وهكذا سيكون للمشروع دعامتان أساسيتان هما: توفير حاجيات دول غرب أفريقيا والساحل من الطاقة، وربط هذه البلدان بالموانئ المغربية، وبصفة خاصة ميناء الداخلة في جنوب الصحراء الذي يجري العمل على توسيعه ليكون القطب التجاري الأساسي لكل غرب أفريقيا.
ومن الواضح أن هذه الاستراتيجية تصطدم بالمشروع الجزائري المنافس الهادف إلى نقل الغاز من نيجيريا إلى الجزائر من طريق النيجر. وقد عَدَّت الصحافة الجزائرية أن المبادرة المغربية تهدف إلى عرقلة المشروع الجزائري الذي تَعده أكثر واقعية ومردودية، ويمكن بسهولة تمديده إلى الخط الموصول بإسبانيا وإيطاليا. وكانت صحيفة “فاينانشال تايمز” (في عددها الصادر في 7 يوليو 2025) قد طرحت أن الجزائر تشعر بأنها أصبحت معزولة دبلوماسياً في شمال أفريقيا نتيجة لدعم عدد متزايد من الدول الكبرى والقوى الإقليمية لخطة المغرب للحكم الذاتي في الصحراء، ومن ثمَّ فإن مشروع الغاز الأفريقي -وفق الصحيفة- سيؤدي إلى تفاقم هذه العزلة، وتوطيد موقع المغرب الجيوسياسي في المنطقة.
الخلاصة
بعد ثماني سنوات من اتفاق المغرب ونيجيريا على بناء خط أنبوب لنقل الغاز إلى المغرب عبر دول غرب أفريقيا، بدأ عملياً الشروع في هذا البرنامج الطموح من طريق مكون مغربي داخلي يتمحور حول ميناءي الناضور والداخلة، بالإضافة إلى رصد التمويلات الخارجية، في الوقت الذي أظهرت الولايات المتحدة اهتمامها بهذا المشروع الذي سيُغير خريطة النفوذ في الإقليم وسيؤثر في سياسات الطاقة العالمية.