- يُعَدّ إعلان قمة لاهاي زيادة الإنفاق الدفاعي لحلف الناتو إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً تحولاً تاريخياً لجهة حجم الإنفاق المتفق عليه، ولجهة الاستجابة الأوروبية لمطالب الرئيس ترمب، فضلاً عما تضمَّنه الإعلان من تأكيدٍ على التزام واشنطن بالحلف، وبخاصة ركيزة الدفاع الجماعي.
- تُمثِّل زيادة نسبة الإنفاق الدفاعي لدول حلف الناتو شرخاً هيكلياً في العلاقة بين الحلف وروسيا، وربما تنقل حالة التوازن بينهما من ردعٍ مُقلق إلى المواجهة الهجينة. وقد يؤدي ذلك إلى مزيدٍ من التقارب بين روسيا والصين، ويُسرِّع في تشكيل الكتلة المضادة للغرب.
- من المتوقع أن يُحدِث رفع الإنفاق الدفاعي الأطلسي تغييراً جذرياً في المعادلة الاستراتيجية العالمية، وربما يكون ذلك بداية عصرٍ مُكثف من التنافس العسكري الصناعي، وزعزعة الاستقرار الإقليمي والانقسام العالمي.
تَعهَّد قادةُ الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، خلال قمة الحلف الأخيرة، التي انعقدت في 24-25 يونيو 2025 في لاهاي بهولندا، باستثمار 5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً في الإنفاق المتعلق بالدفاع والأمن بحلول عام 2035. يُمثِّل هذا التعهد تحولاً تاريخياً يعكس طبيعة التهديدات الأمنية المتزايدة في أوروبا وموازين القوى الحالية بين ضفتي الأطلسي (الولايات المتحدة وأوروبا)، كما يمثل التزاماً سياسياً بوحدة الحلف الذي تعرَّض منذ عودة دونالد ترمب إلى السلطة للكثير من الهزاتّ. لكنه في الوقت نفسه يكشف عن اتجاه مستقبلي على المستوى الدولي، نحو العسكرة المفرطة وإعادة إنتاج اقتصاديات الحرب التي كانت سائدة في زمن الحرب الباردة.
تسعى هذه الورقة إلى تحليل طبيعة هذا التحول البنيوي والمالي داخل حلف شمال الأطلسي في أفق عام 2035، وكذلك تحديد تداعياته على الأمن في القارة الأوروبية وعلى العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا، فضلاً عن انعكاساته على التنافس الجيو-الاقتصادي الدولي.
نتائج قمة الحلف
وفقاً للتعريف الرسمي الذي يعتمده حلف شمال الأطلسي فإن الإنفاق الدفاعي هو المدفوعات التي تُسددها حكومات الدول الأعضاء لتلبية احتياجات قواتها المسلحة، أو قوات دول الحلفاء، أو قوات التحالف المشتركة. وتتكون احتياجات التحالف من التمويل المشترك للحلف والصناديق الائتمانية التي يُديرها. ومنذ عام 2014، اتفقت الدول الأعضاء، عبر تعهُّد ويلز للاستثمار الدفاعي، على إنفاق ما لا يقل عن 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. لكن بحلول عام 2018، لم تُحقق الهدف سوى ثماني دولٍ من إجمالي 32 دولة. ومنذ وصول الرئيس ترمب إلى السلطة في الولايات المتحدة، شرع في مطالبة بقية الدول بزيادة مساهمتها المالية إلى حدود 4% من الناتج المحلي الإجمالي، لأن بلاده تتحمل القدر الأكبر من العبء داخل الحلف. وبسبب هذا العبء، وصل الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت إلى حد مناقشة فرضية انسحاب بلاده من الحلف، “لأنه لا يرى أي جدوى من التحالف العسكري” الذي وصفه بأنه “استنزاف للولايات المتحدة”.
ومنذ إعادة انتخابه في نوفمبر الماضي، وقبل تسلمه الحكم، أعلن ترمب عن أنه سيطلب من الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي زيادة الإنفاق الدفاعي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي. وهو الطلب الذي عَدَّته الدول الأوروبية في يناير الماضي “صعباً وغير واقعي”، على الرغم من أن السياقات المضطربة التي تعيشها أوروبا منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، قد مهَّدت الطريق لسلوك سياسات دفاعية أكثر انفاقاً، لاسيما على المستوى الأوروبي الاتحادي، والتي بلغت ذروتها في خطة إعادة تسليح أوروبا لعام 2030، التي قدمتها المفوضية الأوروبية في شهر مارس الماضي. لذلك فإن إعلان قمة لاهاي الأخيرة يعد تحولاً تاريخياً لجهة حجم الإنفاق المتفق عليه، وكذلك لجهة التحول السريع للموقف الأوروبي تجاه الاستجابة لمطالب الرئيس ترمب، فضلاً عما تضمنه الإعلان من تأكيدٍ على التزام الولايات المتحدة بالحلف، وبخاصة ركيزة الدفاع الجماعي.
وهكذا، تمخَّض عن قمة الحلف الأخيرة ثلاث نتائج استراتيجية رئيسة، هي:
أولاً، زيادة الإنفاق الدفاعي، من طريق التزام الدول الأعضاء باستثمار 5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً في متطلبات الدفاع الأساسية، بالإضافة إلى الإنفاق المتعلق بالأمن، بحلول عام 2035. وستشمل الاستثمارات القوات والقدرات والموارد والبنية التحتية والجاهزية القتالية والمرونة اللازمة للردع والدفاع، بما يتماشى مع المهام الأساسية الثلاث للحلف: الردع والدفاع، ومنع الأزمات وإدارتها، والأمن المشترك. وستتوزع الـ5% على فئتين أساسيتين من الاستثمار الدفاعي، إذ ستُخصص نسبة 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً لتلبية متطلبات الدفاع الأساسية للموارد، فيما ستُخصص 1.5% لحماية البنية التحتية الحيوية، والابتكار، وتعزيز القاعدة الصناعية الدفاعية. فضلاً عن الالتزام بتوسيع التعاون الصناعي الدفاعي عبر الأطلسي على نحو أسرع، وتسخير التكنولوجيا الناشئة والابتكار لتعزيز الأمن الجماعي، وكذلك العمل على إزالة حواجز التجارة الدفاعية بين الحلفاء.
ثانياً، ترميم التحالف عبر الأطلسي، من طريق إعادة التأكيد على دعم أوكرانيا ومواجهة روسيا. فقد أكد إعلان لاهاي أن الدافع الأساسي وراء زيادة الإنفاق هو “مواجهة التهديدات والتحديات الأمنية العميقة، لاسيما التهديد طويل الأمد الذي تشكله روسيا على الأمن الأوروبي والأطلسي، والتهديد المستمر للإرهاب”. وهو ما يُعد تأكيداً على العقيدة الأصلية التي تأسس عليها حلف شمال الأطلسي. كما أكد الإعلان على التزام الحلفاء “بتقديم الدعم لأوكرانيا، التي يُسهم أمنها في أمن التحالف”، ولهذا الغرض ستُحتسب المساهمات المباشرة في دفاع أوكرانيا وصناعتها الدفاعية ضمن إنفاق الحلفاء الدفاعي.
ثالثاً، تبديد الشكوك حول التزام الولايات المتحدة بالحلف. فقد أكد الإعلان في مفتتحه على “الالتزام الراسخ بالدفاع الجماعي، كما هو منصوص عليه في المادة الخامسة من معاهدة واشنطن – بأن أي اعتداء على أحد الأعضاء هو اعتداء على الجميع”. وقال الرئيس الأمريكي إنه يُغادر قمة حلف شمال الأطلسي برؤية “مختلفة بعض الشيء” للتحالف، حيث أشاد بهدف الإنفاق الجديد ووعد بالقول “نحن هنا لمساعدتهم على حماية بلادهم”.
وفي ضوء هذه النتائج الاستراتيجية الثلاث، يبدو أن إعلان لاهاي يُمثِّل حصيلة صفقة مقايضة بين أوروبا والولايات المتحدة، فقد تنازلت الدول الأوروبية للرئيس ترمب في مسألة عتبة الإنفاق الدفاعي، عبر الموافقة على 5% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، وهي نسبة كانت تراها غير واقعية، في المقابل تنازل ترمب عن فرضيات التراجع عن الالتزام الدفاعي داخل الحلف. ومع أن الرئيس الأمريكي حقق انتصاراً كبيراً في مسألة عتبة الإنفاق، والذي وصفه بأنه “فوز هائل للولايات المتحدة”، إلا أن الدول الأوروبية حققت مكاسب أساسية، أهمها انتزاع تعهد من الولايات المتحدة بالالتزام بالمادة الخامسة من ميثاق الحلف الأطلسي، والتأكيد على عقيدة الحلف الأساسية في اعتبار روسيا التهديد الرئيس، وكذلك في وضع أوكرانيا ضمن الأجندة الدفاعية للحلف، على رغم الفشل في مسألة ضمّها إلى الحلف بسبب الرفض الأمريكي.
وبشكل أكثر وضوحاً، فقد نجحت أوروبا في لعب سياسة الصفقة التي يتبعها ترمب في إدارة سياسته من طريق شراء مكاسب استراتيجية من الولايات المتحدة، مقابل التعهُّد بزيادة مساهمتها الدفاعية. وسواء تحققت أهداف الحلف العملية في أفق عام 2035 أو لم تتحقق، فإن قمة الحلف حققت أهدافاً سياسية تتعلق بالوضع الراهن: أوروبياً فيما يتعلق بالصراع مع روسيا، وأمريكياً فيما يتعلق بتعزيز موقع الرئيس ترمب السياسي على المستوى الدولي أو أمام قاعدته الشعبية في الولايات المتحدة.
التداعيات والتوقعات
ينطوي إعلان قمة لاهاي على تداعيات مُركَّبة، تتعلق بالعلاقات الأمريكية-الأوروبية وبالعلاقات مع روسيا والوضع الأمني في القارة وطبيعة التنافس الجيو-الاقتصادي الدولي، فضلاً عن التداعيات الداخلية الأوروبية، ولاسيما المتعلقة بالتوازنات الاقتصادية والاجتماعية التي ستتأثر بهذه القفزة غير المسبوقة في الإنفاق الدفاعي.
أولاً، العلاقات الأمريكية-الأوروبية: بشكلٍ عامٍ من شأن التوافقات التي حصلت في قمة الحلف أن تُحسِّن العلاقات الأمريكية-الأوروبية المتوترة منذ عودة ترمب إلى السلطة بسبب الخلافات حول أوكرانيا وحول القضايا التجارية. إذ سيُقلل هذا التوافق من مخاوف أوروبا الدفاعية تجاه عدم التزام واشنطن بالدفاع الجماعي، في الوقت الذي ستزيد فيه استفادة الولايات المتحدة من توسع سوق توريد الأسلحة في أوروبا. لكن هذا التحسُّن سيكون نسبياً بسبب عدم وجود موقف أوروبي موحدّ. فمن المتوقع أن تتعزز العلاقات بين ترامب والجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي (بولندا ودول البلطيق)، والتي بحكم موقعها في مواجهة روسيا تدعم زيادة الاستثمارات العسكرية، وفي المقابل لا يبدو أن العلاقات مع دول أخرى أساسية مثل فرنسا، في طريقها للتحسُّن، بسبب رغبة باريس مثلاً في ربط المسألة الدفاعية بالمسألة التجارية.
وقد طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون -في ختام قمة لاهاي- نظيره الأمريكي بوقف حربه التجارية ضد حلفاء الولايات المتحدة، بعد أن وافقت الدول الأعضاء على زيادة الإنفاق الدفاعي، ذلك أن زيادة الإنفاق تحتاج إلى اقتصادات مستقرة وليس حروباً تجارية بين الحلفاء. كما توجد دول أوروبية أخرى مثل إسبانيا التي ترفض أساساً زيادة الإنفاق. وقد حصل رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز في خلال القمة على استثناءٍ، قائلاً إن إسبانيا ستنفق ما يصل إلى 2.1% فقط، وهو ما وصفه بأنه “كافٍ وواقعي”. ورداً على ذلك، قال الرئيس الأمريكي إن الولايات المتحدة ستجعل إسبانيا تدفع “ضعف المبلغ” في محادثات التجارة الجارية.
ثانياً، العلاقات الأطلسية-الروسية: فضلاً عن زيادة مستوى الإنفاق داخل الحلف الأطلسي، يحدد إعلان لاهاي العدوَّ الأساسي للحلف الأطلسي في روسيا. فالتوسع الكبير في التسلح، سيُمثّل شرخاً هيكلياً في العلاقات بين الحلف وروسيا، وينقل التوازن الاستراتيجي القائم من ردعٍ مُقلق إلى ما يُشبه المواجهة الهجينة. وبينما سيُعزز هذا الإنفاق القدرةَ العسكرية لحلف الناتو، فإنه سيزيد أيضاً من خطر التصعيد، ويُقوِّض الاستقرار، ويُغذي تماسك النظام في روسيا.
وقد عدَّت روسيا هذه الخطوة استعداداً للحرب ضدها، وهو ما يعزز عقيدة موسكو حول “توسع الناتو” والعدوان الغربي، والتي بنى عليها الرئيس فلاديمير بوتين قرار غزو أوكرانيا، وهذا سيجعل روسيا تتجه إلى زيادة ميزانيتها العسكرية، لتحقيق قدرٍ من التوازن مع الإنفاق الدفاعي الأطلسي. كما من المتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادة التوتر الأمني في أوروبا، والذي من شأنه أن يزيد من احتمالية خطر وقوع مواجهات عرضية أو سوء تقدير عسكري، وبخاصة في النقاط الساخنة مثل ممرّ سووالكي والبحر الأسود والمجال الجوي فوق منطقة بحر البلطيق والقطب الشمالي، حيث يقوم كلا الجانبين بتوسيع وجوده العسكري. وفي المقابل يمكن أن يؤدي تعزيز قدرات حلف شمال الأطلسي إلى مزيدٍ من التقارب بين روسيا والصين، وهو ما من شأنه أن يُسرِّع في تشكيل الكتلة المضادة للغرب، والتي تضمّ إلى جانب موسكو وبيجين، كلاًّ من إيران وكوريا الشمالية، أي نقل هذه التحالفات إلى مستوى عسكري.
ثالثاً، التوازنات الداخلية الأوروبية: يُشكِّل التعهد برفع الإنفاق الدفاعي تحولاً جذرياً في الحوكمة الاقتصادية الأوروبية، مما سيُجبر الحكومات على تقديم تنازلات صعبة للموازنة بين الأمن والتماسك الاجتماعي والاستثمار الاستراتيجي طويل الأجل. فزيادة الإنفاق الدفاعي يُخاطر بتقويض النموذج الاجتماعي الأوروبي، وإثارة تقلبات سياسية داخلية، وتعريض طموحات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والبيئية للخطر. وفي حال لم تفرض الحكومات ضرائب الجديدة أو لم تطلب ديوناً، فإن ذلك سيؤدي إلى تخفيضات في الرعاية الصحية والمعاشات التقاعدية والتعليم، وانخفاض التمويل المخصص للتحول إلى الطاقة الخضراء والإسكان الاجتماعي، وزيادة عدم المساواة وإضعاف شبكات الأمان الاجتماعي، وذلك قد يقود إلى مخاطر عالية أهمها: تعزيز الأحزاب الشعبوية اليمينية واليسارية، ورفع درجة عدم الاستقرار بسبب الاحتجاجات والإضرابات، وعدم الاستقرار الانتخابي وبروز برلمانات أكثر تجزئة. وترتفع حدة هذه المخاطر على نحو كارثي في البلدان المثقلة بالديون، مثل إيطاليا وفرنسا وبلجيكا.
كما من المتوقع أن تخلّف زيادة الإنفاق الدفاعي تداعيات هيكلية على النموذج الصناعي، من طريق تحول القطاع الدفاعي إلى الركيزة الأساسية للصناعة، وذلك من شأنه أن يؤدي إلى تعاظم نفوذ الشركات الدفاعية واختلال التوازن الاقتصادي وأولويات البحث والتطوير المدنية، إذ إن الموارد ستتحول بعيداً عن الابتكار المدني في قطاعات واعدة مثل الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، والتكنولوجيا الخضراء. وقد يتم تأخير مشاريع التحول في مجال الطاقة، وشبكات السكك الحديدية، والبنية الأساسية الخضراء، أو تقليصها، أو تخفيض أولويتها. إلى جانب التداعيات على التماسك الأوروبي، إذ قد تتمكن الدول الأوروبية الأكثر ثراءً من تحمل تكاليف زيادة الإنفاق بشكل أكبر وأكثر مرونةً من الدول الأقل دخلاً، وسيكون ذلك على حساب وحدة الاتحاد الأوروبي، التي تعاني أصلاً من شروخٍ عميقةٍ.
رابعاً، التنافس الدولي: من المتوقع أن يخلق رفع الإنفاق الدفاعي في الحلف الأطلسي تغييراً جذرياً في المعادلة الاستراتيجية العالمية، وربما يكون بدايةَ عصرٍ مُكثف من التنافس العسكري الصناعي، وزعزعة الاستقرار، والانقسام العالمي، حيث تُعطي نزعة العسكرة لدى القوى الكبرى الأولوية للردع والتحالف على حساب الأمن التعاوني والدبلوماسية.
وعلى المستوى العسكري، من شأن هذه الزيادة أن تؤدي إلى زيادات متبادلة في الإنفاق الدفاعي من جانب القوى المتنافسة، وأساساً الصين، وزيادة سعي الدول إلى الضمانات النووية، وهو ما يزيد من احتمالية خطر وقوع نزاعات مباشرة أو بالوكالة. كما من المتوقع أن نشهد إعادة إنتاج حرب باردة جديدة، وفقاً لتقسيمات وتحالفات جديدة، فقد تميّزت الحرب الباردة بين 1945 و1991 بالوضوح الأيديولوجي والتكتلات المركزية، لكن الحرب الباردة في المستقبل سوف تتسم بالتنافس في مجالات متعددة، إلى جانب الهشاشة الاقتصادية والتفتت السياسي.
والأهم أن زيادة الإنفاق الدفاعي قد تدفع إلى حروب جيو-اقتصادية، سمتها الأساسية تشديد ضوابط التصدير والحمائية التكنولوجية وتجزئة سلاسل التوريد العالمية لأشباه الموصلات والمعادن النادرة. كما أنها ستدفع زيادة مقدرات وإمكانات البحث والتطوير العسكري، لاسيما في مجالات الحوسبة الكمومية وأنظمة القيادة بمساعدة الذكاء الاصطناعي والمراقبة والملاحة الفضائية.
وأخيراً، هناك التداعيات الاجتماعية الهائلة، إذ ستقود عسكرة الاقتصادات والتنافس إلى تحويل الموارد من التنمية الاجتماعية، وبخاصة في الاقتصادات ذات الدخل المتوسط، مما سيخلق واقعاً تنموياً جديداً، سمته الأساسية اللامساواة وزيادة مستويات عدم الاستقرار، فضلاً عن الانعكاسات السلبية على سياسات المناخ، إذ يمكن أن تُخاطر القوى الكبرى بالدخول في مسار اقتصادي عسكري كثيف الكربون، في الوقت الذي تتخلى فيه الدول الغربية، التي تقود السياسات المناخية، عن التزاماتها.