سورية بعد عام من التغيير.. دعم خارجي وهشاشة داخلية

  • بعد مضي عام على حكم سورية، يُعد تحصيل الشرعية الدولية والدعم من إدارة ترامب هو النجاح الأبرز لإدارة الشرع. في حين أن الإخفاق الأبرز تمثل في الإصرار على التفرد بصياغة ملامح المرحلة الانتقالية ما أدى إلى غياب المشاركة الاجتماعية الواسعة، والصدام مع المكونات القومية والطائفية (الأكراد والعلويون والدروز) ، إلى حد الفشل في توحيد الجغرافيا السورية.
  • في الجوانب الأمنية/الاجتماعية والاقتصادية/الخدمية، جرى التراوح بين الإنجازات والإخفاقات، ومن أهم التحديات التي تواجه الشرع غياب نظام حكم فاعل حتى اللحظة، وعدم القدرة على ضبط البنى العسكرية والأمنية، والتدخل الإسرائيلي، وغياب خطة واضحة وتدريجية للانتقال إلى اقتصاد السوق.

 

 

مرّ عام على التغيير في سورية وسيطرة هيئة تحرير الشام والفصائل الإسلامية المتحالفة معها على الحكم إثر إطاحة نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024. وقد تحقّقت خلال هذا العام بعض الإنجازات على المستويين الداخلي والخارجي، كما حصلت إخفاقات في مستويات أخرى كان لها أثر ملموس على الصعيد الداخلي السوري، وتكشّفت خلال هذه المرحلة جملة من التحديات سيكون لها تأثير واضح في مستقبل سورية.

 

الإنجازات

 

حقّقت إدارة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، على مدى عام من سيطرتها على الحكم في دمشق، بعض الإنجازات، وكانت على الشكل الآتي:

 

على الصعيد الاجتماعي

 

يُمثل انتهاء ممارسات الدولة البوليسية وقبضة الأجهزة الأمنية وإطلاق الحريات، سيما حرية الرأي والتعبير، من أهم إنجازات حكم الشرع. وترافقت هذه الأمور مع نجاح إدارة الشرع في الحفاظ على التماسك الاجتماعي نسبياً وعدم اندلاع حرب أهلية في سورية. ورغم حصول أحداث عنف في مناطق الساحل والسويداء وقعت فيها مجازر وانتهاكات جسيمة ضد المواطنين العلويين والدروز من قبل مجموعات مسلحة محسوبة على إدارة الشرع، إلا أن الأخيرة اعترفت بالفظائع التي اُرتكبت وشكّلت لجان تحقيق رسمية، وفي الإجمال تمكّنت من السيطرة عليها واحتوائها.

 

وفي السياق ذاته، ورغم المخاوف التي سادت بخصوص الخلفية الفكرية للفصائل الإسلامية التي سيطرت على حكم دمشق، فقد ساد احترام التنوع السوري وحقوق الأقليات الدينية، سيما المسيحيين، من حيث ممارسة الشعائر الدينية بحرية، إلى جانب احترام حقوق وحريات النساء، ومن ذلك -مثلاً- عدم التدخل في اللباس. كما يندرج ضمن هذا السياق مشاركة إدارة الشرع في مكافحة تنظيم “داعش” والانضمام بشكل رسمي إلى التحالف الدولي ضده.

 

العلاقات الخارجية

 

تمثل الإنجازات في هذا الصعيد ذروة نجاح إدارة الشرع، فقد أجاد الرئيس الشرع التعاطي ببراغماتية مع المجتمع الدولي عبر الانفتاح المطلق على الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، والتعاون المتزايد مع روسيا، والانفتاح على الصين. ويعتبر ترسيخ العلاقة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب وكسْب ثقتها إنجازاً مهماً في الظروف السورية الراهنة، ما أسهم في تجميد العقوبات الاقتصادية وفق قانون قيصر ثم رفعها. وقد استفادت إدارة الشرع من التوجهات الجيوسياسية للولايات المتحدة الأمريكية ومساعيها لبناء معادلات جديدة في المنطقة تُضعف من النفوذين الإيراني والروسي، كما استثمرت في رغبة الدول الإقليمية في التخلص من التمدد الإيراني، ورغبة الدول الأوروبية في إيجاد حل لموضوع اللاجئين السوريين.

 

الإنجازات الاقتصادية

 

شهدت سورية في الأشهر الماضية حراكاً إصلاحياً لإعادة رسم ملامح الاقتصاد بشكل تدريجي، وقد تجلى ذلك عبر الآتي:

 

  1. العمل على تحسين قطاعات الإنتاج الحيوية، مثل الصناعة والزراعة لتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية عبر تقديم تسهيلات وإعفاءات ضريبية، ومحاولة تأمين موارد الطاقة اللازمة لتشغيل القطاعين، وفتح المجال لعودة رؤوس الأموال التي تعرّض أصحابها للضغوط والابتزاز في عهد النظام السابق.
  2. في الجانب التجاري، يتمثل الإنجاز المهم في إعادة الحياة لخطوط الإمداد والنقل وسلاسل الإمداد والتوريد التي تعرضت لمشاكل عديدة في مرحلة الحرب السورية، وإلغاء منصة المستوردات التي كانت تثير قلق التجار، وفتح الاستيراد بالطريقة التي تناسب التاجر، والتوجه نحو اقتصاد السوق الحرة.
  3. الإنجاز الأهم كان في القطاع المالي، فقد تم رفع العقوبات الغربية عن سورية (وبخاصة العقوبات الأمريكية وفقاً لقانون قيصر)، وعودة سورية إلى نظام “سويفت” العالمي للتعاملات المالية الإلكترونية الدولية، ورفع الحظر عن شركات عالمية مثل “كاش” و”ماستر كارد” و”آيفون” و”غوغل”، والسماح بتداول العملات الأجنبية، وإلغاء قانون العقوبات الخاص بذلك. كما تم إعداد خطة عامة لإعادة هيكلة المصارف وتحديث إداراتها. ويُنظر لهذه الإجراءات على أنها خطوات جوهرية في إعادة دمج الاقتصاد السوري بمنظومة الاقتصاد الدولي.
  4. جرى رفع رواتب القطاع العام عبر زيادات متتالية في الأجور، بالترافق مع السطرة على سعر الليرة السورية، ما من شأنه المساهمة في تحسين القدرة الشرائية لشرائح عديدة في المجتمع.
  5. على صعيد الاستثمارات، تم وضع قانون استثماري جديد، ووقّعت إدارة الشرع مذكرات تفاهم استثمارية في مجالات الطاقة والموانئ والإسكان والاتصالات وغيرها، بلغت قيمتها الإجمالية نحو 28 مليار دولار. 

 

على الصعيد الخدمي

 

استطاعت الحكومة زيادة ساعات التغذية الكهربائية بعد عمليات صيانة مكثفة لمحطات توليد الكهرباء والشبكات، مستفيدةً من الدعم القطري لتزويد سورية بالغاز، وبداية وصول الغاز الأذربيجاني عبر تركيا سيما إلى حلب. كما تمت إعادة  تأهيل مطار دمشق الدولي وافتتاح مطار حلب بعد عملية إصلاح استمرت لشهور. وانتهت أزمات الوقود الدورية نتيجة المنح التي حصلت عليها الحكومة من قطر والسعودية وروسيا، وتوافرت في الأسواق مختلف أنواع السلع التي لم يكن استيرادها ممكناً في العهد السابق، وإن كان أسعار بعضها مازال مرتفعاً، كما أصبح متاحاً للناس شراء السلع بشكل مباشر من الأسواق دون الخضوع لقيود “البطاقة الذكية” التي كان معمولاً بها سابقاً.

 

الإخفاقات 

 

مقابل الإنجازات، أخفقت إدارة الشرع في أكثر من صعيد، وفق ما يأتي:

 

على الصعيد السياسي

 

يندرج ضمن هذا الإطار الإخفاق في الحصول على الشرعية السياسية الكاملة في الداخل، نتيجة توجه إدارة الشرع إلى احتكار السلطة، وعدم إشراك المجتمعات المحلية والقوى السياسية والاجتماعية في ترتيبات المرحلة الانتقالية، من خلال الإجراءات التي اتبعتها سلطة الشرع في تشكيل مؤتمر الحوار الوطني المنعقد في فبراير 2025، وصياغة الإعلان الدستوري وتشكيل الحكومة الانتقالية في مارس 2025، ثم إجراء الانتخابات التشريعية في نوفمبر 2025. وكشفت جميع هذه الإجراءات عن تشكيل حكم من لون واحد، سيطرت على مفاصله شخصيات مقربة من الشرع فكرياً وعقائدياً. كما منحت السلطة لنفسها حق احتكار الدولة من خلال الإعلان الدستوري وتبعاته، وأيضاً الاستحواذ على المفاصل الحكومية المؤثرة لصالح شخصيات من هيئة تحرير الشام ليس لديها الخبرة والمؤهلات الكافيتين، بما في ذلك السيطرة على المفاصل المتحكّمة بالاقتصاد السوري.

 

على الصعيد الاجتماعي

 

أخفقت إدارة الشرع في كسب ثقة مختلف المكونات السورية، الطائفية والعرقية، وضمان التعاون معها، ولا سيما بعد الانتهاكات التي حصلت في الساحل والسويداء، إضافة إلى التوتر المستمر مع الإدارة الذاتية الكردية رغم توقيع اتفاق العاشر من مارس بين حكومة الشرع و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد).

 

على الصعيد الأمني

 

لم تنجح إدارة الشرع في ضبط الأمن في البلاد، فقد انتشرت بكثافة أعمال القتل والانتقام والخطف، سيما في مناطق التماس الطائفي في حمص وحماة واللاذقية وطرطوس، لتصفية الحسابات لأسباب طائفية أو كعمليات ثأر من البيئات المؤيدة للنظام السابق، أو نتيجة خلافات عشائرية في دير الزور ودرعا. وتُسجل سورية، بحسب تقارير مؤشرات الجريمة والسلامة، أعلى نسب من حيث الجريمة بين الدول العربية، الأمر الذي ينعكس على الثقة بالسلطة الجديدة داخلياً، مع تأكيد التقارير أن الجريمة تشمل العنف السياسي والطائفي والممارسات الإجرامية المنظمة.

 

ويقف خلف هذا الوضع الأمني المعقد عدة عوامل، من أبرزها:

 

  1. انتشار السلاح بكثافة؛ فالسلاح الفردي وحتى المتوسط منتشر بكثافة مع وجود سهولة في اقتنائه مقابل المال، ولا يوجد برنامج حكومي واضح لنزع الأسلحة من الناس.
  2. ضعف الجهاز الأمني وافتقار عناصره إلى الخبرة في ضبط الأمن والقدرة على السيطرة، ولجوء الكثير من المجتمعات المحلية إلى الحماية الذاتية وعدم تفريطها بالسلاح المتوافر لديها.
  3. عدم جدية التعامل مع ملف العدالة الانتقالية، حيث يشوب تحرك إدارة الشرع في هذا الملف الغموض والبطء، الأمر الذي يتسبب بزيادة منسوب التوتر الاجتماعي وانتشار أعمال الثأر والانتقام، سيما من العناصر الأمنيين والعسكريين في النظام السابق.

 

على الصعيد الاقتصادي 

 

يتمثل الإخفاق هنا بعدم وضوح الرؤية الاقتصادية في سورية، وطريقة الانتقال من اقتصاد اشتراكي إلى الاقتصاد المفتوح، فقد تم رفع الدعم عن الكثير من السلع والمواد، وخصخصة قطاعات عديدة، وإجراء عملية تصفية لموظفي القطاع العام دون تأمين بدائل، الأمر الذي كان له تأثير مباشر على قطاعات اجتماعية كبيرة من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة. ورغم ما قامت به إدارة الشرع من رفع للأجور، غير أن رفع أسعار الخدمات الأساسية، على رأسها الكهرباء والاتصالات والإنترنت، وفرض بعض الرسوم، حدّت من الأثر الفعلي لهذه الزيادة على القوة الشرائية، وفرض معادلة اقتصادية تقوم على راتب أعلى نسبياً لكن بسلة استهلاك أضيق، الأمر الذي قد يُدخل الاقتصاد السوري في حلقة تضخمية جديدة.

 

ويقف خلف هذا المشهد الاقتصادي المرتبك جملة من الأسباب، أهمها:

 

  1. ضعف الخبرة والنقص في الكوادر المؤهلة لإدارة الاقتصاد، نتيجة وضع أشخاص مُوالين في المفاصل الاقتصادية دون التركيز على عاملي الكفاءة والخبرة.
  2. غياب الشفافية في القرارات الاقتصادية وتعدد مراكز القرار المالي، فمن الناحية النظرية تبدو الوزارات هي من تقوم بإدارة الوضع الاقتصادي، لكن على أرض الواقع تتحكم “الأمانة العامة” التي يترأسها ماهر الشرع، شقيق الرئيس، بالوزارات والموارد وبناء شبكة ولاءات جديدة.

 

التحديات 

 

تواجه إدارة الشرع جملةً من التحديات من شأنها التأثير في المسار المستقبلي لسورية، وأهمها:

 

تحدي إرساء حكم فعّال

 

لم تستطع إدارة الشرع بناء نظام حكم فاعل حتى اللحظة، فما زالت المرحلة الانتقالية في حالة سيولة وعدم وضوح، كما أن مؤسسات الدولة تبدو غير فاعلة فيالمجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية، وما يزيد من سوء الوضع عدم وجود خطط واضحة ولا موارد كافية على مختلف الصعد. ويندرج في هذا الإطار الفشل في إعادة بناء الحوكمة بوصفها المدخل الأول للإصلاح، وما يعطل هذا المسار تحويل المؤسسات إلى شبكات متداخلة من المصالح تديرها شخصيات موالية وليست كوادر كفؤة.

 

وفي السياق نفسه، يبرز تحدي إعادة بناء المؤسستين العسكرية والأمنية، ورغم محاولات الهيكلة والضبط لا يزال الخلل موجوداً ضمن هاتين المؤسستين نتيجة الخضوع لتوازنات القوى وتدخل أطراف خارجية، سيما تركيا، الأمر الذي يُنذر بإمكانية إندلاع صراعات بينيّة قد تقوض الاستقرار في سورية.

 

تحدي بناء الثقة وتوحيد الجغرافيا

 

تواجه إدارة الشرع تحدياً داخلياً يتمثل ببناء الثقة بين المكونات المختلفة، وتوحيد فئات الشعب الطائفية والعرقية، في وقت وصلت الأزمة مع مكونات كثيرة إلى طريق مسدود، نتيجة الاحتكاكات المباشرة مع بعض المكونات، الدروز والعلويين، وعدم التفاهم مع الأكراد على صيغة حكم واضحة في ظل رفع المكونات مطالب الفيدرالية واللامركزية، وهو ما ترفضه إدارة الشرع المدعومة إقليمياً في هذا التوجه. في حين تجد الأطراف المقابلة دعماً إقليمياً، سيما من إسرائيل وربما من إيران، ما يزيد من تعقيد الوضع واحتمالات تطوره للأسوأ.

 

ويشكل عامل الوقت عنصراً ضاغطاً على إدارة الشرع، إذ إن استمرار الأوضاع بدون حلّ من شأنه ترسيخ حالة الانقسام القائمة، ولا يوجد في الأفق أي مؤشرات عن إمكانية الخروج من حالة الاستعصاء الراهنة، ما يرشح الأمور إلى مزيد من الانقسام والتوتر في المرحلة المقبلة.

 

التحدي الاقتصادي والخدمي

 

تُواجه إدارة الشرع تحديات كبيرة في ملفَّي الاقتصاد والخدمات، حيث تحتاج سورية إلى إعمار شبه كامل للبنى التحتية، وتأمين للخدمات الأساسية المنهارة، وإدارة عودة المهجرين الذين بدأوا بالعودة إلى مناطقهم بشكل كثيف، وهذا الأمر يتطلب موارد هائلة وتنظيماً دقيقاً، وإنجازاً سريعاً دون إبطاء، لأن تداعيات عدم القدرة على تنفيذ هذه الاستحقاق ستتمثل بمزيد من الفوضى وعدم الاستقرار وتراجع فرص الخروج من الأزمة.

 

وتكمن المشكلة في هذا النمط من التحديات بتعقيده وتشابكه مع قضايا عديدة لا يمكن حلها بالنوايا الحسنة ولا الاحتفال بتوقيع مذكرات التفاهم، بل تتطلب إجراءات عملية وعلمية، مثل:

 

  1. تبني سياسات إدارية وهيكلية فعالة، بما يضمن نجاح المشاريع والخطط الاقتصادية بما يحقق الجدوى ويقلل من التكاليف.
  2. القضاء على الفساد في بنية مؤسسات الدولة الذي ينتشر بطريقة شبكية تستلزم جهداً كبيراً لتفكيكه، فيما تؤكد المعطيات أن أساليب بعض المؤسسات والشخصيات المقربة من الإدارة تنطوي على فساد معلن، فلا يزال الحصول على تسهيلات وخدمات معينة يتم عبر الرشى.
  3. إيجاد حلول لبعض الأزمات مثل نقص مصادر الطاقة لتأمين القوّة التشغيلية، وإيجاد علاج لمشكلة انخفاض العُملة التي تؤثر بشكل كبير في القدرة الشرائية، واستعادة الكوادر البشرية المهاجرة لتحريك عجلة الإنتاج، وحماية الصناعة الوطنية ودعمها بدل إغراق السوق بالمنتجات المستوردة، بما يُساعد على إيجاد حلول لمشكلة البطالة التي بلغت مستويات مرتفعة جداً وزادت معها نسب الفقر التي وصلت إلى حدود 90 بالمئة من المجتمع السوري.

 

ولا توجد مؤشرات في المديين المنظور والمتوسط على قدرة الإدارة الحالية على إيجاد حلول في مواجهة هذا التحدي، ما يعني استمرارها للعام المقبل على الأقل.

 

التحدي الإسرائيلي

 

تبنّت إسرائيل منذ سيطرة الفصائل الإسلامية على السلطة نهجاً وقائياً مباشراً، فقامت بتدمير الأصول العسكرية للجيش السوري، والتوغل في الجنوب السوري وبالقرب من دمشق، وأقامت قواعد ارتكاز لها في تلك المناطق، بهدف فرض واقع ميداني يضمن لها موقفاً تفاوضياً قوياً لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في سورية. وطورت إسرائيل أهدافها من تحقيق الأمن في الشمال إلى إضعاف الحكومة المركزية وجعلها غير قادرة على بناء دولة موحدة وقوية قدر الإمكان، وذلك من خلال دعمها الدروز والأكراد المطالبين بالفيدرالية أو الانفصال عن سورية. وقد وضع التحرك الإسرائيلي إدارةَ الشرع في موقف معقّد، في ظل اختلال موازين القوة وعدم القدرة على مواجهة إسرائيل، وحالة الاستعصاء السياسي الداخلي مع الدروز والأكراد، ما دفعها إلى اتباع استراتيجية الانكفاء وتجنب الصدام مع إسرائيل والرهان على تدخل إدارة ترامب لحل هذه الإشكالية.

 

ومن المرجح استمرار التحدي الإسرائيلي في المرحلة المقبلة، واحتمال تأثيره على الوضع الداخلي السوري ومحاولات تسوية العلاقة بين الفاعلين المحليين، ما يعقد إمكانية التوصل إلى اتفاق أمني بين سورية وإسرائيل برعاية أمريكية.

 

استنتاجات

 

بعد عام من حكم إدارة الشرع، يمكن القول إن إدارة الشرع حققت بعض الإنجازات، كان أهمها الانفتاح على الخارج وتصفير المشكلات مع دول الجوار، بيد أن هذه الإنجازات لم تأخذ صفة الثبات والديمومة لأسباب عديدة، أهمها أنها رهينة استمرار التوافق الدولي والدعم الإقليمي، وأي خلل ضمن هذه المعادلة سيكون له انعكاسات على تطور علاقات سورية بالخارج. وجرى أيضاً تحقيق إنجازات على صعيد بسط الأمن وتعزيز الحريات، إلا أن الوضع الداخلي سيبقى هشاً ما لم تغير إدارة الشرع مقاربتها للحكم في سورية عبر توسيع دائرة المشاركة في ترتيبات المرحلة الانتقالية. وبرغم التحسن في الوضعين الاقتصادي والخدمي، إلا أن التطور فيهما مرتبط بدرجة كبيرة باستمرار الدعم الخارجي، وتنفيذ الوعود التي قدمتها الأطراف الخارجية، وتعزيز الحوكمة الاقتصادية والمالية والإدارية لجذب رؤوس الأموال وتحفيز القطاع الخاص. ويمكن تشبيه التحديات التي تواجه إدارة الشرع بمنظومة مخاطر، بالنظر إلى الترابط بين جزئياتها، والتغذية التي يتلقاها كل جزء من بقية المنظومة، إذ يتغذى التحدي الإسرائيلي من الانقسامات الداخلية، في حين تتغذى الانقسامات من التردي الاقتصادي، وتؤثر جميع هذه العناصر في إمكانية بناء دولة فاعلة وتوحيد الجغرافيا السورية.

 

الخلاصة أنه بعد مرور عام على حكم إدارة الشرع، تبدو سورية مرشحة للبقاء في حالة من السيولة الجغرافية والأمنية والسياسية والاقتصادية، إذ لم تتبلور بعد مقاربة عملية للخروج من هذا الوضع ونقل البلد إلى حالة الاستقرار والبناء.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M