نيخيل إينامدار
تواجه الصين اليوم رد فعل عالمي غير مسبوق نتيجة انتشار مرض كوفيد 19 وإصابة الملايين به في شتى أرجاء المعمورة، مما قد يزعزع موقعها بوصفها “مصنع العالم”.
وتتحيّن جارة الصين، الهند، الفرصة وتعمل حثيثا لملء الموقع الذي يأمل الهنود أن تخليه الصين عاجلا وليس آجلا.
وقال وزير المواصلات الهندي نيتين غادكاري في مقابلة صحفية أجراها مؤخرا إن موقف الصين الدولي الضعيف قد يساعد بلده في جذب الاستثمارات الخارجية. وتقوم ولاية أوتار براديش الشمالية – التي يساوي عدد سكانها عدد سكان البرازيل – بالفعل بتشكيل فريق عمل اقتصادي لجذب الشركات الراغبة في التخلي عن الصين.
كما تعد الهند أراض تبلغ مساحتها ضعف مساحة لوكسمبورغ (لوكسمبورغ من أصغر الدول الأوروبية، إذ لا تتجاوز مساحتها 2586 كيلومترا مربعا) لعرضها على الشركات الراغبة في نقل نشاطاتها الصناعية إلى خارج الصين، وبدأت بالتواصل مع ألف من الشركات الأمريكية متعددة الجنسية، حسب ما أوردت بلومبرغ.
وقال ديباك بغلا، المدير التنفيذي لمؤسسة “إنفست إنديا”، وهي الهيئة الحكومية المعنية بالترويج للاستثمار في الهند، لبي بي سي “هذه الاتصالات جارية على قدم وساق منذ أمد بعيد، وستسرع أزمة “كوفيد-19″ عملية خروج العديد من هذه الشركات من الصين”.
كما قال المجلس التجاري الهندي الأمريكي، مجموعة الضغط ذات النفوذ الواسع والمعنية بتعزيز وتوسيع النشاطات الإستثمارية بين البلدين، إن الهند صعّدت جهودها في اجتذاب الاستثمارات الخارجية في الآونة الأخيرة.
وقالت نيشا بيسوال، رئيسة المجلس والمساعدة السابقة لوزير الخارجية الأمريكي لشؤون آسيا وسط وجنوبي آسيا، لبي بي سي “نرى الهند الآن تولي أهمية قصوى لجذب خطوط الإمداد على المستويين المركزي والحكومي”.
وأضافت “قد تكون الشركات التي لديها نشاط صناعي في الهند أصلا من الأوائل في نقل مصانعها من الصين وتصعيد نشاطها في الهند”.
ولكنها أشارت إلى أن الأمر ما زال في مرحلة التقييم، وليس من المتوقع أن تتخذ القرارات بشأنه بتسرع.
ففي بيئة تضررت فيها الميزانيات بشدة، ليس من اليسير نقل سلاسل الإمداد الضرورية للإنتاج الصناعي.
وقال الخبير الاقتصادي المستقل روبا سوبرامانيا إن “العديد من هذه الشركات تواجه مصاعب مالية نتيجة للوباء، ولذا ستتوخى الحذر قبل القيام بنقل نشاطاتها”.
وقال راحول جاكوب، الخبير في الشأن الصيني والمدير السابق لمكتب صحيفة فاينانشال تايمز في هونغ كونغ، إن الخطوة التي أقدمت عليها الحكومة الهندية في تخصيص الأراضي للشركات الأجنبية هي خطوة في الاتجاه الصحيح، لكن من غير المرجح أن تنقل الشركات الكبرى نشاطاتها إلى الهند لمجرد توفر قطع الأرض.
وأضاف “خطوط الإنتاج والإمداد أكثر تعقيدا بكثير مما يفهمه معظم الناس، ومن العسير جدا تفكيكها بين ليلة وضحاها”.
وقال “توفر الصين بنى تحتية متكاملة مثل الموانئ والطرق، ولديها قوة عاملة من الطراز الأول وخدمات لوجستية متطورة، وكل هذه العوامل تعد أساسية للالتزام بالمواعيد الدقيقة التي تعمل بموجبها الشركات العالمية”.
وهناك سبب آخر لتردد الشركات العالمية في اختيار الهند، ألا وهو عدم اندماجها مع خطوط الإمداد الرئيسية بشكل سلس.
وكانت دلهي قد انسحبت في العام الماضي من اتفاقية تجارية مشتركة ومحورية وقعت عليها 12 دولة آسيوية، وتًعرف بالشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة واستغرق التفاوض بشأنها سبع سنوات. وستجعل قرارات بهذا الشكل من الصعب للمصدرين الهنود من الوصول إلى الأسواق الخارجية دون عوائق وتوفير التبادلية لشركائها التجاريين.
وقال باراغ خانا، مؤلف كتاب “المستقبل آسيوي” لبي بي سي “لماذا أصنع مادة أريد بيعها لسنغافورة في الهند؟ إن الانخراط في اتفاقيات تجارية بشكل بنيوي لا يقل أهمية عن طرح أسعار مخفضة”.
وأضاف أن التكامل الإقليمي يتخذ أهمية خاصة بينما يبدأ النشاط التجاري العالمي باتباع نموذج “البيع في البلد المنتج” الذي تركز بموجبه الشركات على بيع منتجاتها في بلد المصدر عوضا عن الاعتماد على نقل الإنتاج إلى بلدان أخرى.
كما تشعر الشركات العالمية بالقلق من علاقة الهند المتأرجحة مع الاستثمارات الخارجية المباشرة وقوانينها التجارية غير المتكافئة.
وتشعر الكثير من هذه الشركات بأن الهند استغلت الوباء لبناء جدران حمائية حول نفسها، من منع شركات التجارة الإلكترونية من بيع المواد غير الضرورية في البلاد إلى سن قوانين تعرقل انتقال رؤوس الأموال من الدول المجاورة إلى الهند.
وجعل رئيس الحكومة الهندية نارندرا مودي في خطاب ألقاه مؤخرا من “أصروا على المنتج المحلي” شعارا له. وتنص مقترحات قدمتها الحكومة مؤخرا لتحفيز الإقتصاد على زيادة الحد الأدنى لمشاركة الشركات الأجنبية في التنافس من أجل الفوز بعقود هندية.
وقال بيسوال “ستتعزز آمال الهند في إقناع عدد أكبر من الشركات الدولية في تأسيس مقرات لها في البلاد إذا حسّنت قوانينها في مجال الاستثمارات”.
إذن ما هي الدول التي قد تستفيد من الوضع الحالي عدا الهند؟
تبدو فيتنام وبنغلادش وكوريا الجنوبية وتايوان هي الدول الأكثر حظا في الإستفادة من رد الفعل الدولي الحالي ضد الصين.
وأشار جاكوب إلى أن تايوان وكوريا الجنوبية تحتلان “مواقع التقنيات المتقدمة من الطيف”، بينما تحتل بنغلادش وفيتنام المواقع الأدنى.
يذكر أن الشركات الدولية متعددة الجنسيات كانت قد بدأت بالفعل في نقل نشاطاتها إلى هذه الدول من الصين منذ عقد من الزمن نظرا لارتفاع أسعار العمالة في الصين ولأغراض بيئية. وكانت عملية النزوح هذه قد تسارعت في السنوات الأخيرة مع تصاعد التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة.
فمنذ يونيو 2018، قبل شهر واحد من اندلاع الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ارتفعت نسبة الصادرات الفيتنامية إلى الولايات المتحدة بنسبة تزيد عن 50 في المئة والصادرات التايوانية بنسبة 30 في المئة، حسب تقديرات صحيفة ساوث تشاينا مورنينغ بوست الصادرة في هونغ كونغ.
وينظر إلى الهند على أنها خسرت السباق بسبب إخفاقها في خلق الظروف التي تسمح للشركات الدولية ليس لتجهيز السوق المحلية فحسب، بل لاستخدام البلاد كقاعدة إنتاجية للتصدير إلى بقية بلدان العالم.
ولكن بعض الولايات الهندية بدأت في الأسابيع الأخيرة في اتخاذ خطوات من شأنها التصدي لمخاوف هذه الشركات من العمل في البلد، وعلى رأسها تغيير قوانين العمل البالية التي سنّت أصلا للقضاء على استغلال العاملين.
فعلى سبيل المثال، علّقت ولايتا أوتار براديش وماديا براديش العمل بالعديد من بنود حماية العاملين واستثنتا المصانع من التقيد بشروط السلامة الأساسية كالنظافة والتهوية والإضاءة وتوفير المرافق الصحية.
والغرض من ذلك هو تحسين البيئة الاستثمارية وجذب رأس المال الأجنبي.
لكن جاكوب قال إن قرارات كهذه قد تأتي بنتائج عكسية وقد تكون أكثر ضررا، ويضيف “ستشعر الشركات الدولية بالتحفظ إزاء هذه الإجراءات، فهي تعمل بموجب تعليمات صارمة إزاء العمالة والبيئة وشروط السلامة بالنسبة لمورديها”.
وكان انهيار مصنع رانا بلازا للملابس في بنغلادش في عام 2013، الذي كان يزود شركات مثل وول مارت، نقطة تحول في هذا المضمار. فقد أجبر الحادث بنغلادش على تحسين بنيتها التحتية الصناعية بشكل جوهري والإرتقاء بشروط السلامة من أجل اجتذاب المزيد من الاستثمارات.
وقال جاكوب “على الهند اتباع معايير أفضل، فالأفكار المطروحة محض نظريات جاء بها بيروقراطيون جاهلون بواقع التجارة الدولية”.
لكن المشاعر المعادية للصين في تصاعد، بدءا من الميل الأمريكي لفرض المزيد من العقوبات على بكين، مرورا بقيام اليابان بدفع الأموال لشركاتها من أجل الخروج من الصين، ووصولا إلى الضغوط التي يمارسها برلمانيون بريطانيون لمنع شركة هواوي من المشاركة في تشييد البنية التحتية لتقنية الجيل الخامس في البلاد.
ويقول بعض الخبراء إن الوقت قد حان للهند لإجراء إصلاحات بنيوية أساسية واسعة النطاق واستغلال التغيرات الجيوسياسية الراهنة من أجل تحسين علاقاتها التجارية مع العالم الخارجي.
رابط المصدر: