- كشف فتح إسرائيل للجبهة الإيرانية على نطاق واسع ونوعي، عن حدود التأثير الذي تملكه أوروبا في المنطقة، وأن الأوروبيين لا يمتلكون وسائل التأثير الكافية لتفعيل المسار الدبلوماسي لحل الصراع.
- يتوزع الموقف الأوروبي من الصراع الإسرائيلي-الإيراني حالياً بين ثلاثة أهداف: احتواء إيران دون عزلها، ودعم إسرائيل دون التصعيد، والتوافق مع واشنطن دون التبعية لها، وهي أهداف يصعب الموازنة بينها.
- من المتوقع أن يُلقي الصراع الإسرائيلي-الإيراني بتداعيات على العلاقات الأوروبية الإسرائيلية، وأن يُغير من موازين القوى في العلاقة المتوترة مع واشنطن، ويُعيد رسم علاقات مختلفة مع إيران.
- جعلت الحرب الإسرائيلية-الإيرانية أوروبا في وضع استراتيجي مُتراجِع، ما سيحُدُّ من قدرتها على التأثير في ملفات أخرى مثل الصراع في أوكرانيا والعلاقات عبر الأطلسي والعلاقات مع دول الشرق الأوسط.
أعاد الهجوم الإسرائيلي على إيران، والردّ الإيراني المضاد، رسم خريطة المواقف الأوروبية تجاه إسرائيل، بعد أسابيع من الخلافات الحادة بشأن الوضع في غزة، وصلت حد التلويح بالعقوبات الاقتصادية، وبلغت فرض عقوباتٍ على شخصيات من النخبة الإسرائيلية وتعليق مصالح مشتركة بين الطرفين. في الوقت نفسه يفرض توسُّع الصراع في الشرق الأوسط على الأوروبيين تحديات، تبدأ من المستوى التكتيكي في تحديد حدود التدخل والمشاركة ولا تنتهي عند مستويات استراتيجية أكبر، تتعلق بإعادة تشكيل المنطقة، في حال امتدت الحرب أو توسعت نوعياً، بدخول فاعلين آخرين، بكل ما يعنيه ذلك من أزمة عدم استقرار أمني واضطراب في إمدادات الطاقة وتهديد للمصالح الأوروبية.
خريطة المواقف الأوروبية
جاءت أغلب المواقف الأوروبية بشأن الضربة الإسرائيلية الأولى ضد إيران في 13 يونيو، في شكل دعوة لخفض التصعيد، مع دعمٍ ضمني لإسرائيل. في اتصال مع الرئيس الإسرائيلي، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، إنَّها “أكدت حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وحماية شعبها”. وفي الوقت نفسه، حثَّت “جميع الأطراف على التحلّي بأقصى درجات ضبط النفس والعمل على تهدئة الوضع ولمنع المزيد من التصعيد”. وفي بيان رسمي قالت الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، كايا كالاس، إن الاتحاد الأوروبي يؤكد التزامه الراسخ بالأمن الإقليمي، بما في ذلك أمن دولة إسرائيل، ويدعو جميع الأطراف إلى الالتزام بالقانون الدولي وضبط النفس والامتناع عن اتخاذ أي خطوات أخرى قد تؤدي إلى عواقب وخيمة، كاحتمال إطلاق مواد إشعاعية”. أما على مستوى الدول الأوروبية، فقد انقسمت إلى مجموعتين. المجموعة الأولى تضم أغلب دول أوروبا، حيث أعربت الدنمارك وإيطاليا وفنلندا وأيرلندا وكرواتيا وهولندا وسلوفاكيا والمملكة المتحدة عن مخاوفها إزاء الخطر الذي يشكله الهجوم الإسرائيلي على الاستقرار الإقليمي، دون توجيه إدانة مباشرة لإسرائيل وحكومة لنتنياهو.
في المقابل، تضم المجموعة الثانية كلاً من ألمانيا وفرنسا والتشيك، والتي قدمت دعماً واضحاً لإسرائيل، مشيرةً تحديداً إلى “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، ولكنها لم تصل إلى حد تأييد العمل العسكري الإسرائيلي، خاصة في ظل المخاوف من التصعيد المتزايد والحرب الإقليمية. وفي الوقت نفسه اتهمت إيران بمواصلة برنامجها النووي. في فرنسا، دافع الرئيس إيمانويل ماكرون، في ندوة صحافية، عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وأعاد التواصل المنقطع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عبر اتصال هاتفي. أما في ألمانيا، فقال المستشار فريدريش ميرز في بيان إن نتنياهو “أبلغه بالهجوم الإسرائيلي على إيران في مكالمة هاتفية”، مُشيراً إلى أن “إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها، وأن إيران لا ينبغي أن تطور أسلحة نووية”. ووصف وزير الخارجية التشيكي، يان ليبافسكي، الضربات الإسرائيلية على إيران بأنها “رد معقول، نظراً لطموحات طهران النووية ودعمها للجماعات التي تسعى إلى تدمير إسرائيل”، مُشيراً إلى أن بلاده “تتفهم إلى حد كبير العمل العسكري الذي يهدف إلى منع إنتاج القنبلة النووية في المنطقة”.
ومع هذا التباين في الموقف من الضربة الإسرائيلية الأولى بين الدول الأوروبية، هناك إجماع بينها حول المصلحة المشتركة في “الحاجة إلى خفض التصعيد”. فحتى الدول التي عبَّرت عن دعم واضح لإسرائيل في “الدفاع عن النفس”، على رغم مبادرتها بالحرب، دعت إلى خفض التصعيد. فقد طالب وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو في بيان ”جميع الأطراف ممارسة ضبط النفس وتجنُّب التصعيد الذي قد يعرّض الاستقرار الإقليمي للخطر”. كما دعا المستشار الألماني فريدريش ميرز إسرائيل وإيران إلى تجنُّب الإجراءات التي من شأنها تصعيد التوترات وزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط. وهو الموقف الذي عبَّرت عنه خارجية الاتحاد الأوروبي في بيان الممثلة، كايا كالاس، الذي أشار إلى أن “الأمن الدائم يُبنى بالدبلوماسية، لا بالعمل العسكري”، مؤكداً أن “الاتحاد الأوروبي سيواصل المساهمة في جميع الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تخفيف التوترات وإيجاد حل دائم للقضية النووية الإيرانية، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا من طريق اتفاق تفاوضي”. ويؤكد هذا الموقف الحَذِر على مساعي أوروبا لتحقيق التوازن في التحالف مع إسرائيل، مع الحفاظ على دورها كوسيط في الدبلوماسية في الشرق الأوسط.
في ضوء هذه الخريطة من المواقف الأوروبية، والتي تباينت تحت سقف إدانة إسرائيل، يبدو أن التناقض الإسرائيلي الأوروبي، الذي ظهر في خلال الأسابيع الماضية بسبب تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة، أقل شأناً من التناقض الأوروبي الإيراني، بشأن برامج طهران الصاروخية والنووي، لاسيما أن الموقف الأوروبي من إيران لا ينطوي فقط على مسألة الصراع مع إسرائيل، بل يمتد إلى تحالفات أوسع نطاقاً تتعلق بالصراع في أوكرانيا، والدعم الإيراني السياسي واللوجيستي لروسيا ضد أوكرانيا ومن ورائها الغرب، وكذلك بسياسات إيران في سورية ولبنان ودورها في البحر الأحمر من طريق جماعة الحوثي في اليمن. وبالتالي تبدو الاصطفافات الأوروبية التي برزت بعد الضربة الإسرائيلية لإيران، شبيهةً بالاصطفافات التي تشكلت في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، وكذلك بعد 7 أكتوبر 2023. وعلى نحوٍ ما نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إعادة ترميم العلاقات مع حلفائه الأوروبيين، عبر فتح جبهة مع خصم مشترك هو إيران، وبالتالي إفشال الضغوط الأوروبية على إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة، حيث يبدو واضحاً أن الضربة الإسرائيلية على إيران قد تُهمِّش الدبلوماسية الإنسانية وتُقوِّض جهود وقف إطلاق النار في غزة. وأظهرت الخطابات السياسية والإعلامية السائدة، أن نتنياهو قد نجح إلى حدٍّ ما في تحويل التركيز من نقد السلوك الإسرائيلي في غزة إلى التعبئة حول الصراع الإسرائيلي الإيراني، وهو ما يخدم أهدافه في الحفاظ على تماسك حكومته من طريق الدعم الداخلي والخارجي.
مسارات التدخُّل الأوروبي
عندما قامت إيران بالردّ على الهجمات الإسرائيلية في أبريل 2024 بواسطة هجمات صاروخية وبالمسيرات، كان مسار التدخلّ الذي سلكته الدول الأوروبية – وأساساً فرنسا وبريطانيا – هو مسار الدعم العسكري واللوجيستي، عبر الإمكانات التي تملكها في الشرق الأوسط. وقد أسقطت طائرات تايفون المقاتلة التابعة لسلاح الجو البريطاني عدداً من الطائرات الإيرانية من دون طيار، انطلاقاً من قاعدة أكروتيري الجوية الملكية في جزيرة قبرص وكذلك في رومانيا، كما قدَّمت المملكة المتحدة دعماً استخباراتياً واستطلاعياً. أما فرنسا فقد نشرت أصولاً بحرية لمساعدة إسرائيل، وشاركت في اعتراض الطائرات الإيرانية من دون طيار، وهو ما تكرر في خلال الردّ الإيراني على هجمات إسرائيل في أكتوبر 2024.
اليوم تبدو الدول الأوروبية – على رغم مواقفها السياسية الداعمة ضمنياً لإسرائيل – أقل حماساً للتدخل عسكرياً حتى بشكل غير مباشر. في اليوم الأول للتصعيد، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن بلاده ستدافع عن إسرائيل إذا تعرَّضت لهجوم من إيران، مضيفاً إن فرنسا ليس لديها أي نية للمشاركة في أي عملية هجومية، وداعياً إلى “مسار دبلوماسي”. ومع ذلك لم تشارك فرنسا كما جرى في المرات السابقة في مساعدة إسرائيل على صدّ الردّ الإيراني. كما أكدت المملكة المتحدة أنها لا تشارك في مساعدة إسرائيل في صدّ الهجمات الإيرانية المضادة.
ويبدو هذا التحوُّل مدفوعاً بأكثر من سبب. فهناك، أولاً، الخشية من أن تكون طرفاً في الحرب، حيث حذَّرت إيران الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا من أن قواعدها العسكرية وسفنها ستكون مستهدفة إذا ساعدت في منع الرد الصاروخي والطائرات من دون طيار الإيرانية على الهجوم الإسرائيلي، مما يهدد بتوسيع نطاق الصراع؛ إذ من المتوقع في حال دخلت أوروبا والولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل أن تلعب طهران جميع أوراقها الممكنة، ويخرج الصراع عند ذلك الحد عن حدود السيطرة، مع مخاطر التسرُّب الإشعاعي أو الأزمة النفطية. وهناك، ثانياً، الموقف الأمريكي، الذي خلافاً للمرات السابقة، أكد أن الولايات المتحدة غير متورطة في القصف الإسرائيلي للمواقع النووية الإيرانية. وأصدر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بياناً بعد وقت قصير من بدء الضربات، قال فيه إن إسرائيل اتخذت “إجراء أحادي الجانب”، وحذر إيران من الاعتداء على الولايات المتحدة.
لكن هذا الامتناع عن التورط العسكري من الجانب الأوروبي، سيكون محكوماً بمدى تطور الصراع بين إيران وإسرائيل، ومن المؤكد أنه سيتحول إلى انخراط دفاعي إلى جانب تل أبيب في حال سارت التطورات في صالح إيران. وفي هذا السياق، نقلت بريطانيا أصولاً عسكرية إضافية، بما في ذلك طائرات مقاتلة، إلى الشرق الأوسط لتقديم الدعم الطارئ في جميع أنحاء المنطقة. وتعكس هذا الاستراتيجية التي تنتهجها أوروبا نهج الاحتواء دون مواجهة، وإرسال إشارة الردع لإيران ولكن مع تجنُّب التورط في حسابات الهجوم الإسرائيلي.
المسار الثاني المتاح حالياً للتدخل الأوروبي هو مسار الدبلوماسية. وقد عرضت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إجراء محادثات فورية مع إيران بشأن برنامجها النووي، بهدف تهدئة الصراع المتفاقم. وقال وزير الخارجية الألماني يوهان فادفول، في خلال زيارة للشرق الأوسط، إنَّه يحاول المساهمة في تهدئة الصراع بين إسرائيل وإيران، مُشيراً إلى أن طهران فشلت في السابق في اغتنام فرصة المحادثات البناءة، وأن الشرط الأساسي للتوصل إلى تهدئة هو ألا تشكل إيران أي خطر على المنطقة، أو على إسرائيل، أو على أوروبا. وتواصل الرئيس الفرنسي مع الرئيس الإيراني بعد الردّ الإيراني الأول، ودعاه إلى “العودة إلى طاولة التفاوض واستئناف الحوار”. في الوقت نفسه تعبّر المؤسسات الأوروبية عن موقفٍ واضحٍ حول طبيعة الحلّ للمسألة النووية الإيرانية، كونها تحتاج حلاً تفاوضياً ولا يمكن حلها بفائض القوة، كما أكدت ذلك الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، كايا كالاس.
في المقابل، لا يملك الأوروبيون وسائل التأثير الكافية لتجسيد مسارهم الدبلوماسي في الصراع. أولاً، لأن مصداقية أوروبا باعتبارها وسيطاً صارت على المحك، لاسيما بعد أن امتنعت عن إدانة الإجراء العسكري الذي اتخذته إسرائيل في 13 يونيو، بل قدَّمت دعماً ضمنياً لها من طريق تجاهل مبادرتها بالحرب والتأكيد على “حقها في الدفاع عن النفس”، على رغم أن مسار التفاوض حول ملفها النووي ما زال قائماً. وبالتالي، يبدو موقف أوروبا ضعيفاً لدى الجانب الإيراني، فضلاً عن أن طهران تدرك جيداً أن تأثير أوروبا على سياسات حكومة بنيامين نتنياهو ليس فارقاً، عدا عن أن أوروبا لا تزال تشعر بقلق بالغ إزاء قدرات طهران الصاروخية والنووية ونفوذها في المنطقة، وهذا القلق يجعلها متوافقة مع الأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية والأمريكية، حتى مع استمرار الخلافات التكتيكية.
وثانياً، لأن أوروبا تمرّ حالياً بأكثر فترات ضعفها وتراجُع نفوذها الجيوسياسي، وغير قادرة على التأثير على مسار الصراع، لاسيما في ظل الخلافات الواسعة مع الولايات المتحدة بإدارة الرئيس ترمب. وبدا ذلك واضحاً مع انطلاق المحادثات النووية الإيرانية في عُمان في شهر أبريل الماضي، إذ اُستُبعِدَ الأوروبيون من المحادثات على رغم مشاركتهم الفاعلة في اتفاق لوزان النووي 2015 في عهد إدارة باراك أوباما. وبالتالي، فإن أغلب أوراق التأثير، العنيفة والسلمية على حدٍّ سواء، تبدو بيد الولايات المتحدة، فيما سيكون دور الأوروبيين مجرد مساند للسياسة الأمريكية أو تابع لها.
التداعيات المحتملة
كشف فتح إسرائيل للجبهة الإيرانية على نطاق واسع ونوعي عن حدود التأثير الذي تملكه أوروبا في المنطقة، على رغم أنه عزز بشكل واضح وسريع التحالف الثلاثي الألماني-الفرنسي-البريطاني، الذي بدأ في التبلور مؤخراً على أكثر من صعيد، وفي أكثر من ملف في مواجهة السياسات الأمريكية. ويبدو الموقف الأوروبي موزعاً بين ثلاثة أهداف، هي: احتواء إيران دون عزلها، ودعم إسرائيل دون تأييد التصعيد، والتنسيق مع الولايات المتحدة دون التنازل عن الاستقلال الاستراتيجي، وهي أهداف يصعب الموازنة بينها. لذلك، من المتوقع أن يلقي الصراع الإسرائيلي-الإيراني بتداعيات على العلاقات الأوروبية الإسرائيلية، وأن يُغير من موازين القوى في العلاقة المتوترة مع واشنطن، وكذلك يعيد رسم علاقات مختلفة مع إيران:
- العلاقة مع إسرائيل: في المدى القصير، من شأن الصراع مع إيران أن يعزز العلاقات الإسرائيلية الأوروبية، وأن يخفف من حدة النقد الأوروبي لإسرائيل بشأن الوضع في غزة، وسيوقف المساعي الأوروبية لتعليق اتفاقية الشراكة الاقتصادية مع تل أبيب. ومن الثمار المباشرة لذلك، القرار الفرنسي بتأجيل مؤتمر الأمم المتحدة لإحياء حل الدولتين، الذي تُعارضه واشنطن وتل أبيب بقوة. لكن تبقى المخاوف الأوروبية قائمةً من تجاوزات إسرائيل ورغبة في تجنّب التحالف الكامل مع حكومة نتنياهو. لكن في المدى البعيد، ربما يُنذِر هجوم إسرائيل على إيران بمزيد من تآكل الدعم الشعبي والسياسي الأوروبي، وخاصة في دول مثل أيرلندا وإسبانيا وبلجيكا، حيث لا تزال أوروبا ملتزمة بأمن إسرائيل، لكنها تشعر بإحباط متزايد إزاء قراراتها الاستراتيجية وتجاهلها لجهود خفض التصعيد. وهذا قد يُضعِف التعاون الثنائي ويُحد من دور أوروبا في الوساطة بالصراع.
- العلاقة مع إيران: من المحتمل أن يُنهي الموقف الأوروبي بشأن الهجوم الإسرائيلي على إيران ما تبقى من نفوذ أوروبي على طهران. حتى قبل الهجوم، كانت أوروبا في خلال الشهور الماضية تجد صعوبة متزايدة في التأثير على طهران. فإطار خطة العمل الشاملة المشتركة قد انتهى فعلياً، فيما تبدو إيران أكثر انحيازاً إلى روسيا في الصراع الأوكراني. مع إدراكٍ متزايدٍ لدى طهران بأن أوروبا ضعيفة، وأن الجهة التي يجب التفاوض معها مباشرة هي الولايات المتحدة. لذلك فإن استراتيجية أوروبا في التعامل مع إيران التي كانت تنهار منذ إلغاء الرئيس ترمب لاتفاق لوزان في ولايته الأولى، يبدو أنها قد وصلت إلى نهايتها. ويحل محلها في المقابل موقف دفاعي أكثر، يركز على الاحتواء والعقوبات وإدارة الأزمات، مع تزايد الزخم داخل الاتحاد لإعادة فرض أو تشديد العقوبات. لكن في ظل غياب النفوذ العسكري أو السياسي، يتضاءل تأثير الاتحاد الأوروبي على إيران بشكل حاد.
- العلاقة مع الولايات المتحدة: توفر الحرب بين إسرائيل وإيران فرصة للولايات المتحدة وأوروبا لتجاوز الخلافات، بسبب التوافق الاستراتيجي تجاه إيران وهدفه الأساسي في منع إيران من تطوير برنامجها النووي، وحماية أمن إسرائيل، وردع الصراع الإقليمي. وكذلك، في ظل وجود فرصة لزيادة التنسيق داخل حلف شمال الأطلسي، على رغم أن أوروبا أكثر حذراً في استفزاز إيران، بينما تبدو الولايات المتحدة أكثر تسامحاً مع الموقف الهجومي الإسرائيلي. لكن الصراع من المحتمل أن يزيد من التبعية الأوروبية للولايات المتحدة، لاسيما في السياسات الموجهة للمنطقة، لجهة النفوذ السياسي والعسكري الواسع والمؤثر، الذي تملكه واشنطن. ومن المتوقع أن يُعمِّق الصراع من حدة المخاوف الأوروبية إزاء الاعتماد المفرط على القيادة الأمريكية في الشرق الأوسط. وتتزايد الدعوات إلى سياسة خارجية أكثر استقلالية للاتحاد الأوروبي – وخاصة من فرنسا – على الرغم من افتقارها إلى الإجماع والقدرة على مستوى الاتحاد الأوروبي. فقد جعلت الحرب الإسرائيلية-الإيرانية أوروبا في وضع استراتيجي يزيد من فرص تراجعها، وهذا سيؤثر في قدرتها على التأثير في ملفات أخرى مثل الصراع في أوكرانيا والعلاقات عبر الأطلسي والعلاقات مع دول الشرق الأوسط.