مروة الاسدي
لم تعد ظاهرة “التنمر” قاصرة على المضايقات المباشرة التي يتعرض لها المراهقين من قبل زملائهم، بل ازدادت لتشمل المضايقات الالكترونية، لا يعد التنمر سلوكاً جديداً وغير معهود بين أفراد المجتمع، فلطالما عانى الأطفال والمراهقون من إيذاء أقرانهم. ويتخذ “التنمر” أشكالاً عدة، من بينها السب والإيذاء البدني والزجر والتهديد والابتزاز والتلاعب، وقد يكون التنمر أحياناً من خلال التحرش الجنسي. ومع انتشار الشبكة العنكبوتية والهواتف المحمولة، انتشرت أيضاً ظاهرة “التنمر الالكتروني”.
ومن أبرز أشكالها اختراق الحسابات الشخصية على مواقع التواصل الإجتماعي ونشر الأكاذيب والقصص المغلوطة عن أصحاب الحسابات واستخدام الألفاظ القاسية والشتائم عبر غرف الدردشة واستدراج الشخص من أجل الدخول على روابط تحتوي على فيروسات. عدا عن ذلك يتم إرغام أشخاص وبطريقة لا أخلاقية للبوح بالبيانات الشخصية الحساسة والسطو على الصور الشخصية ونشرها على حسابات لأشخاص آخرين.
ويعد “التنمر الالكتروني” الذي يتعرض له الأطفال والمراهقون عبر الأجهزة الالكترونية أكثر خطورة مما يواجهونه من مضايقات مباشرة في البيئة المدرسية، حيث يشعر الطفل أو المراهق بالقلق عندما تصله رسائل تهديد عبر البريد الإلكتروني من مجهول، ويبدأ بالشك في جميع المحيطين به، فيدخل في حالة من الخوف من التعامل معهم وقد يتطور الأمر إلى العدائية والنفور. كما أن التصدي للمتنمر يكون أصعب كثيراً فهناك حاجة إلى الكشف عن هويته أولاً كي يبدأ في التصدي له على النحو الصحيح. ويكفل التنمر الإلكتروني لمرتكبيه حرية في التصرف وملاذاً للإفلات من العقوبة مما يجعلهم أكثر جرأة على ارتكاب الحماقات ضد الآخرين.
ويعني التنمر الإلكتروني استخدام الإنترنت وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك من أجل إيذاء آخرين بشكل متعمد. وقد انتشرت هذه الظاهرة بشكل ملفت في المجتمع خاصة بين الشباب في المدارس.
عادة ما يشعر ضحايا التنمر الإلكتروني أو Cyber-Mobbingبالغضب وفي بعض الحالات بالخوف أيضا، عندما يتم استهدافهم من قبل أشخاص يحاولون تهديدهم أو كشف أسرارهم أو نشر صورهم الخاصة وغير ذلك مع الاعتداءات، التي عادة ما تمر عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها الفيسبوك. وتنتشر هذه الظاهرة بشكل كبير، خاصة عند الشباب المراهقين، دون الوعي بخطورة هذه الاعتداءات، التي يترتب عنها عواقب وخيمة قد تصل إلى استخدام العنف أو اضطرار بعض التلاميذ أحيانا لتغيير المدرسة والشعور بالعزلة والدونية.
ويمارس التنمر الإلكتروني أيضا عبر التحرش والمطاردة الإلكترونية وتشويه السمعة عن طريق إرسال أو نشر شائعات وافتراءات. وهناك أيضا طرق أخرى للتنمر الإلكتروني مثل الكشف عن معلومات شخصية للضحية على مواقع التواصل الاجتماعي أو المنتديات، كما يقوم البعض بانتحال شخصية الضحية وإنشاء حسابات وهمية ينشرون عبرها معلومات تثير الكراهية وتحرض الآخرين على التعاون ضد المستهدف وإلحاق أضرارا إضافية به.
وفي حالة التعرض لهذه المضايقات ينصح الخبراء بالتحدث أولا مع المدرسين وإدارة المدرسة، التي قد تتخذ الخطوات اللازمة في حالة معرفة المسؤولين عن هذا الاعتداءات. هذا جاء ما في التقرير الذي نشره موقع ” كليك سايف” الإلكتروني. والذي يضيف بأن هناك الآن تشريعات وحملات توعية تسعى لمكافحة هذه الظاهرة في المدارس الألمانية. وقامت ألمانيا أيضا بسن قوانين ضد التحرش بالأطفال على شبكة الإنترنت وتحمي ضحايا المطاردة الإلكترونية من جميع الفئات العمرية.
ولكن رغم حملات التوعية والإجراءات القانونية الصارمة تبقى هذه الظاهرة حاضرة بقوة في المدارس الألمانية، نظرا لعدم وعي الأطفال والشباب بخطورة وعواقب هذه الاعتداءات ” الإلكترونية” على الضحايا.
ارتفاع معدلات التنمر الإلكتروني ضد الأطفال في العالم
كشفت دراسات حديثة عن ارتفاع معدلات التنمّر الإلكتروني في العالم ضد الأطفال والإناث بشكل خاص، مرجعة جل أسبابها إلى التفكك الأسري والمعاملة السلبية من الوالدين، إضافةً إلى العاملين ورؤسائهم وبين الأزواج والأصدقاء وذلك في مراحل متقدمة من التنمر.
وأوضحت مديرة إدارة الوقاية والبحوث العلمية ببرنامج الأمان الأسري الوطني في السعودية الدكتورة فاطمة الشهري في ورقة العمل قدّمتها خلال ملتقى الوقاية من العنف والتنمر أنّ معظم الدراسات الاجتماعية حيال موضوع العنف والتنمّر اتفقت على أنّه ناتج من التفكك الأسري، والمعاملة السلبية التي تتسم: بالقسوة، والإهمال، واللامبالاة، والتسلط، والتساهل، والرفض والحرمان العاطفي، إضافةً إلى مشاهدة العنف في المنزل. بحسب أرابيان بزنس.
وحدّدت مراحل علاج ” حالة التنمر” بثلاثة خطوات مبينةً أنّ العلاج للمتنمر يشمل الحوار والانصات والتشجيع وتعزيز الثقة بالنفس وممارسة الأنشطة البدنية، وللمعتدي تشمل توضيح العواقب لاستخدام العنف وإدماجه في الأنشطة التشاركية والقيادية، وللمشاهد الإبلاغ عن الحالات التي يشهدها، والتعايش مع المتعرضين للتنمّر والتعاون.
ومن جهتها قالت الأستاذ المساعد في كلية التربية بجامعة الملك سعود د. هيلة السليم إنّ النتائج العلمية الأخيرة أثبتت ارتفاع معدل انتشار التنمّر الإلكتروني عالمياً، وأنّ 43 % من المستخدمين تعرضّوا للتنمّر عبر الانترنت، وواحداً من كل أربعة مراهقين تعرّض للتنمّر عبر الانترنت خلال الـ 12 شهراً الماضية، مشيرةً إلى أنّ الأطفال والإناث هم الأكثر تعرّضاً للتنمّر الإلكتروني.
وأبانت أنّ التنمّر الإلكتروني يؤدي إلى عددٍ من الآثار السلبية الخطيرة، مشيرة إلى أن دراسة علمية أفادت أنّ 41 % من المتعرّضين للتنمّر الإلكتروني شعروا بالكآبة أو الحزن، فيما يشعر 31 % بالخوف والقلق المستمر، ويؤدي في بعض الأحيان إلى سلوكيات إيذاء النفس والأفكار الانتحارية.
من جهته أكّد الأستاذ المشارك في كلية التربية بجامعة الملك سعود د. علي الصبيحين خلال ورقته في الملتقى، أن حدوث التنمّر في أماكن خفية، ويصل لمراحل متقدّمة من الأصدقاء والازواج، وحتى بين العاملين الأفراد ورؤسائهم سواءً كان ذكراً أو أنثى، وبالتالي يصل الموظّف إلى اضطرابات نفسية ويشعر بالضيق والتوتّر ويحاول التخلص من هذا الشعور بأي طريقة، وربما تكون سلبية.
سبب جديد لتعرض المراهقين للتنمر الإلكتروني
قضاء ساعات طويلة على الشبكات الاجتماعية قد يزيد من خطر تعرض المراهقين لـ “التنمر الرقمي”، حسب ما تشير دراسة أوروبية حديثة، الدراسة التي نشرت في مجلة “بي أم سي بابلك هيلث” العلمية، وجدت أن التنمر عبر الإنترنت قد يرتبط بزيادة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و17 عاما.
ويقصد بالتنمر الرقمي، استهداف آخرين بمحتوى على الإنترنت يهدف إلى التحرش بهم عبر إحراجهم أو مضايقتهم أو إهانتهم، الدراسة التي قام بها باحثون بجامعة أثينا الحكومية تقول إن الأطفال يصبحون أكثر عرضة للتنمر الرقمي من خلال الرسائل العنيفة والمنذرة والعزل الاجتماعي ونشر الشائعات والبيانات الخاصة المحرجة إذا استخدموا منصات التواصل الاجتماعي لأكثر من ساعتين يوميا، بعيدا عن أيام العطلات.
وتقول أرتميس تسيتساكا التي شاركت في كتابة الدراسة إن ما خلص إليه هذا البحث يمثل “تحديا للدراسات السابقة التي كانت تقول إن مجرد وجود حساب على منصات التواصل الاجتماعي يزيد من تعرض الطفل للتنمر الرقمي”، ووجدت الباحثون في جامعة أثينا أن نسبة عالية من الأطفال في سن المدارس في رومانيا (37.3 بالمئة) واليونان (26.8 بالمئة) وألمانيا (24.3 بالمئة) تعرضوا للتنمر على الإنترنت أكثر من أقرانهم في هولندا (15.5 بالمئة) وأيسلندا (13.5 بالمئة) وإسبانيا (13.3 بالمئة).
وتضيف تسيتساكا: “وجدنا أن عوامل عدة، بالإضافة إلى إمضاء الوقت على الشبكات الاجتماعية، قد تساهم في التعرض للتنمر الرقمي وتشرح الاختلافات في النسب بين دولة وأخرى”، وتؤثر الأمية الرقمية والتشريعات المتعلقة بشبكات التواصل الاجتماعي ونسب استخدامها في الدول المختلفة وكذلك الهوة في فهم طبيعة تلك الشبكات بين الوالدين والطفل، على احتمال التعرض للتنمر الرقمي، حسبما توصل إليه الباحثون، وتقول مجلة “بي أم سي بابلك هيلث” إن زيادة استخدام الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي خلق بيئة جديدة للتطور الشعوري والاجتماعي لدى الأطفال.
تطبيق لإبعاد المراهقين عن التنمر الإلكتروني
هل سبق لك أن أعدت التفكير في شيء كتبته على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تنشره؟ هذا ما يقدمه تطبيق إلكتروني يهدف إلى إقناع الشباب بالابتعاد عن التنمر على الانترنت.
يهدف تطبيق إلكتروني إلى مكافحة التنمر على شبكة الانترنت من خلال إقناع المراهقين بإعادة التفكير بما يكتبونه قبل نشره. والتطبيق الذي يحمل اسم “ري ثينك” (فكر مرة أخرى) من ابتكار الطالبة في جامعة هارفارد الأمريكية، تريشا برابهو (19 عاماً). وجاءت فكرة التطبيق، كما تقول برابهو، بعد أن قرأت تقريراً يتحدث عن انتحار فتاة صغيرة جراء تعرضها للتنمر الإلكتروني من قبل زملائها في المدرسة.
ونقل الموقع الإلكتروني “فيز دوت أورج”، المتخصص في الأبحاث العلمية، عن برابهو قولها :” رأيت اننا إذا استطعنا تعريف المراهقين بمخاطر التنمر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتمكينهم من اتخاذ القرار الصحيح، فإننا بذلك نعطيهم فرصة أخرى للتفكير قبل الانغماس في إرسال التدوينات المسيئة “. وانخرطت برابهو في دراسة علوم الاجتماع وطب النفس للوصول إلى أسباب هذه المشكلة من الناحية النفسية، وتوصلت إلى أن منطقة القشرة الجبهية في مخ الانسان هي المسؤولة عن اتخاذ القرارات الرشيدة، وأن هذا الجزء من المخ لا يكتمل نموه بشكل كامل لمن تقل أعمارهم عن 25 عاماً. واحتفلت برابهو في نيسان/أبريل الماضي بحصول تطبيقها على جائزة للإبداع من جامعة هارفارد التي تدرس فيها.
ويأخذ تطبيق “ري ثينك” شكل لوحة مفاتيح رقمية افتراضية تستخدم بدلاً من لوحة المفاتيح القياسية على الأجهزة الذكية، وتظهر للمستخدم كلما أراد الكتابة على مواقع البريد الإلكتروني أو التواصل الاجتماعي. وتستخدم لوحة المفاتيح “ري ثينك” تقنيات الذكاء الاصطناعي في التعرف على أي عبارات أو ألفاظ مسيئة، ثم توجه تحذيراً للمستخدم بهدف إعطائه فرصة للتراجع عن هذه العبارة أو الكلمة المسيئة.
ويتوافر الإصدار العام للتطبيق مجاناً على شبكة الانترنت، ويعمل على أنظمة التشغيل (آندرويد و آي أو إس). ومنذ إطلاقه في عام 2015، بلغ عدد الأشخاص الذين قاموا بتحميله أكثر من 2.5 مليون شخص حول العالم. ويتيح التطبيق خدمة إضافية في صورة طرح مبادرة لتشجيع الطلاب على القيام بدور السفراء في الحرب ضد التنمر على الانترنت، حيث يوفر لهم المواد العلمية والمناهج التربوية، وإمكانية التواصل مع خبراء في مجال التنمر الإلكتروني.
مزايا جديدة من إنستغرام لمكافحة التنمّر الإلكتروني
يعتقد تطبيق إنستغرام أن أداة مكافحة التنمر الإلكتروني الجديدة التي يعمل عليها، يمكن أن تساعد في الحد من الإساءات على المنصة، وتتعرض إنستغرام اليوم لضغوط كبيرة مع مشكلة التنمر لا سيما بعد انتحار المراهق البريطاني مولي راسل بسبب هذه الأزمة.
ولإنستغرام تجربة طويلة في هذا المجال بحيث إنها كانت تستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف إلى عبارات التنمر الالكتروني في التعليقات والصور والفيديوات وتعمل على محاربتها سواء من منع ظهورها لعدد أكبر من المستخدمين أو حتى حذفها.
واليوم تطورت قدرات التطبيق في استخدام الذكاء الاصطناعي لدرجة أنها أصبحت تخبر المستخدم إن كان تعليقه يعتبر على أنه تنمر الكتروني قبل نشره حتى! هذا يعني أثناء كتابة التعليق تقوم خوارزميات الذكاء لدى انستغرام بفحص محتوى الكلام وتفسيره قبل نشره وذلك في محاولة منها لردع المستخدم من نشر التعليق إن كان مسيئاً.
وبحسب ما ذكره موقع ” بي بي سي” البريطاني، فقد أجرت إنستغرام اختبار على هذه الميزة الجديدة وأظهرت تجاوباً من المستخدمين الذين يتراجعون عن تعليقاتهم إن أظهرت لهم أنها تعتبر تنمراً إلكترونياً أو سخرية واستهزاء من صاحب المنشور.
وإضافة الى ما سبق فعندما يتعرض الشخص إلى تنمر من أحد المستخدمين، فإنه كثيراً ما يمانع حجبه أو إلغاء متابعته حتى لا يتسبب ذلك بتصعيد الموقف وزيادة حدة موجة التنمر ضده، لذا تعمل الآن إنستغرام على تطوير ميزة جديدة تسمح للأشخاص بتحسين تجربة التصفح وبدون أن يعلم المتنمر بأنه المستهدف. الميزة الجديدة تدعى Restrict وتقوم على تقييد حساب أي مستخدم وتالياً فإن تعليقاته المنشورة على منشورات الشخص المتعرض للتنمر ستظهر لصاحب التعليق فقط، ويمكن يدوياً الموافقة على عرض التعليقات في كل منشور بشكل منفصل ليتاح للجميع رؤيته. كما أن تقييد المستخدم سيمنعه من معرفة إن كنت متصلاً الآن أو متى قرأت رسائله الخاصة. إنها حالة وسط بين المتابعة والحذف لعلها تقدم حلّاً مقبولاً للجميع، هذه المزايا ستظهر تدريجياً لكافة المستخدمين.
التنمّر الإلكتروني وآثاره على حقوق الإنسان
يتفق معظم المتخصصين في مجال الصحة على أن الإجهاد هو العامل الأكبر الذي يؤثر على معدل الوفيات في المجتمع الحديث. ويمكن أن يكون للإجهاد، إذا تركت بدون علاج، آثار ضارة على كل من الصحة البدنية والعقلية، ويمكن أن يؤدي إلى ظروف صحية مثل أمراض القلب والأرق والاكتئاب. ولا عجب أن يصل الإجهاد إلى مستويات وبائية عندما ينظر المرء إلى الحجم الهائل من المحفزات التي تصل إلى وعينا على أساس يومي، ناهيك عن المطالب المتزايدة في عصرنا والتغيرات المتقلبة في النظم السياسية والاقتصادية.
فعلى المستوى المجتمعي، غالباً ما يتم النظر إلى الإجهاد على أنه قضية تؤثر حصراً على البالغين، مع استبعاد الشباب في كثير من الأحيان من دائرة المحادثة. ومع ذلك، فإن الشباب يتعرضون لضغوط هائلة للنجاح أكاديمياً، حيث أن الامتحانات تزداد صعوبة وتكراراً. كما أن تزايد جموع المواهب العالمية وعدم اليقين الاقتصادي يسهمان في زيادة الضغوط على الشباب لكي ينجحوا ولكي يقوموا بالتنافس مباشرة مع أقرانهم.
وبصرف النظر عن الضغط الأكاديمي، فإن الشباب لديهم قضايا أكبر للتعامل معها: تحويل مستويات الهرمون، ومسائل الهوية وممارسة حياتهم علناً عبر الإنترنت.
الهوية الرقمية هي مفهوم جديد نسبياً، لذلك ليس هناك سابقة حقيقية يمكن تتبعها فيما يتعلق بدمج التكنولوجيا في حياتنا اليومية وسبل التمييز بين شخصياتنا على الإنترنت وشخصياتنا الواقعية خارج الإنترنت. وبينما تعتبر الإنترنت أداة قوية يمكن استخدامها لربط الاشخاص والمجتمعات المتشابهة من الناحية الفكرية، إلا أنها تستخدم في كثير من الأحيان كمنصة للتشهير والمضايقة وإساءة معاملة الناس داخل حرم منازلهم.
تشير الأبحاث إلى أن ما يصل إلى 7 من كل 10 شباب قد تعرضوا للإساءة عبر الإنترنت في مرحلة ما.1 غالباً ما يعامل مصطلح “التنمر الإلكتروني” كظاهرة متميزة، ولكنه امتداد للتنمر الذي يعتبر مشكلة قديمة. فالتنمر يعود إلى النزعات الاجتماعية الخفية للأحكام المسبقة والتمييز، وغالباً ما يؤثر على الأشخاص الذين يتمتعون بخصائص محمية كالعرق والدين والحياة الجنسية والهوية الجنسانية والإعاقة، أكثر من غيرهم.
تقليدياً، كان التنمر يتركز حصرياً في محيط البيئة التعليمية، مع بقاء بيت المرء كملاذ آمن. ولكن اليوم، من الممكن أن يتعرض الشاب للتنمر ليس فقط في المدرسة ولكن أيضاً في سيارة العائلة أو في المنزل، وعند تواجده بمفرده في غرفة نومه، وحتى في حضور الآباء أو أولياء الأمر دون أن يكون هؤلاء البالغين على علم أبداً بما يحدث. وبعد أن أصبحت تكنولوجيا الاتصالات تشكل جزءاً لا يتجزأ من الحياة العصرية، فإن بعض الشباب لديهم فرصة ضئيلة جداً للهروب من الإساءة، ويبقى العديد منهم في حالة مستمرة من التوتر والقلق. واحد من كل ثلاثة ضحايا للتنمر قد تعرض لاذى ذاتي من جراء ذلك، وأقدم 1 من كل 10 على محاولة الانتحار.
وقد وُجِدَ على نحو دائم أن واحداً تقريباً من كل إثنين من الشباب الذين تعرضوا للتنمر لم يخبر أحداً أبداً بذلك، بدافع الخوف أو الحرج أو عدم الثقة بأنظمة الدعم. إن سوء المعاملة، سواء كانت على الإنترنت أو خارجها، تترك أثراً مدمراً على الصحة النفسية والجسدية للشباب، وتولد موجات إضافية من الإجهاد.
على مدى فترة استغرقت أربع سنوات، وبعد تحليل 19 مليون تغريدة، وجد تقرير “Ditch the Label and Brandwatch” أن هناك ما يقرب من 5 ملايين حالة من حالات كراهية النساء على تويتر وحده. وقد وجد أن إثنين وخمسون بالمئة من إساءات كره النساء المسجلة قد كتبت بواسطة نساء، وغالباً ما استهدفت المظهر والذكاء والتفضيلات الجنسية للنساء الأخريات. ووجد التقرير أن هناك 7,7 ملايين حالة من حالات العنصرية، و390,296 حالة من رهاب المثلية، و19,348 رسالة تتعلق برهاب المتحولين جنسياً قد تم إرسالها على تويتر.3 وقد تم فحص البيانات العامة فقط، لذلك عندما يتم استنتاج الأرقام من الإنترنت بأكملها لتشمل قنوات الاتصال العامة والخاصة على حد سواء، فإن مستوى خطاب الكراهية على الإنترنت سيكون ساحقاً.
وبالنسبة لنا جميعاً، فإن هويتنا مقدسة وهي شيء نقضي حياتنا كلها في صياغته وتطوره. بالنسبة للشاب، فإن الهوية مزاجية وتمثل شيئاً لا يزال غير مكتشف إلى حد كبير. تأتي تأثيرات الهوية إلى حد كبير من الخصائص المحمية، وعلى هذا النحو، يعلق الشباب أهمية كبيرة على هويتهم الدينية والثقافية، أو جنسهم، أو هويتهم الجنسانية، أو إعاقتهم. وغالباً ما تستخدم هذه الخصائص للتنمر على شخص على الإنترنت. ويولد الإيذاء في أغلب الأحيان استياءً داخلياً لذات المرء. ومن المرجح للشاب الذي يعاني من العنصرية على الإنترنت أن يعتبر لونه مشكلة، وقد يرغب في تغيير هذا الجانب من نفسه من أجل تجنب سوء المعاملة.
ووجد نفس التقرير أنَّ أولئك الذين يناقشون السياسة والرياضة على الإنترنت هم الأكثر عرضة لتلقي إساءة على تلك المنصة، مما يسلط الضوء على ثقافة التعصب وعدم الاحترام تجاه عدم تجانس الآراء. إن نوع الخطابة المستخدمة طوال الحملة الرئاسية لعام 2016 في الولايات المتحدة الأمريكية قامت بتطبيع السلوكيات المسيئة إلى حد ما وأرسلت رسالة واضحة: أنه من المقبول أن نهاجم رقمياً أولئك الذين لديهم منظور أو رأي مختلف. وهذا يقوض الحق في حرية التعبير الذي ينبغي أن نملكه جميعاً، ويهيئ بيئة يتم فيها قمع حق التعبير عن الذات بالنسبة للآخرين – الذين هم في كثير من الأحيان فئات مهمشة.
يعد التنمّر القائم على المظهر أحد أكثر جوانب إساءة الاستخدام شيوعاً على الإنترنت وخارجها. ففي عالم مزدحم، يسوده هاجس المشاهير، يقع الشباب تحت ضغوط هائلة من وسائل الإعلام والمؤثرين والمحتوى الإعلامي الذي يستهلكونه للظهور والتصرف بطريقة معينة. إن قيمة الجاذبية هو شيء يتم تعلمه وإعادة تأكيده باستمرار في سن مبكرة جداً، لذلك تزداد القضايا مثل اضطراب التشوه الجسمي، واضطرابات الأكل بينما يتطلع الشباب ليبدو وكأنه نسخة معدلة من نماذج القدوة التي يرونها في وسائل الإعلام. في استبيان حديث لمؤسسة “Ditch the Label”، تبين أن واحداً من كل إثنين من الشباب يرغب حالياً في المضي قدماً في استخدام وسائل مثل الجراحات التجميلية لتغيير مظهره.
كما يلجأ العديد من الشباب إلى وسائل التواصل الاجتماعي للبحث عن المصادقة من قِبل أقرانهم. ويعتبر هذا الاتجاه إشكالية لأن الثقة بالنفس واحترام الذات تصبح سمات مشروطة يتم تعريفها بشكل كبير من منظور خارجي. كما أنه يجعل الشباب عرضة للإهانات القائمة على المظهر على الإنترنت، ويخلق ثقافة سطحية من القيم القائمة على المظهر. وقد حدثت زيادة على الإنترنت في الثقافات الفرعية للمجتمعات التي تشارك صور الناس وتقيّم مستوى جاذبيتهم. وكثير من الشباب يشتركون طوعاً في هذه المجتمعات على أمل أن يتم تقيّمهم، مع وضع احترامهم للذات على المحك. ولسوء الحظ، ليس من غير المألوف أن يتم نشر الرسائل المسيئة، ومهاجمة مظهر الشخص، سواء بعلمه أو بدون علمه.
يقوم الإنترنت بفرض تحديات فريدة فيما يتعلق بسوء المعاملة. فعلى سبيل المثال، لا توجد قيود جغرافية على العضوية أو الاتصال؛ فمن الممكن الآن لشخص ما أن يتلقى إساءة تتعدى مجتمعه الواقعي خارج الإنترنت. وكثيراً ما يقمع التنمّر الإلكتروني كرامة المتلقين بطريقة علنية بشكل لا يصدق، حيث يستطيع الآخرون المساهمة في السخرية وتقييمها من خلال التروّق والرد على المحتوى المسيء والمشاركة فيه.
لا يأتي كل التنمّر الإلكتروني من قبل الناس الذين يعرفون المتلقي؛ وغالباً ما يتم إرساله من مجهول، مما يترك مزيداً من الآثار على التحقق من سوء المعاملة خارج الإنترنت أيضاً. يمكن للتنمّر الإلكتروني المجهول أن يقوض إلى حد كبير الشعور بالثقة والأمان بالنسبة لأولئك الذين يتلقونه، لأنه يصعب إثباته دون تدخل السلطات التي نشأ فيها واقعة سوء المعاملة. ويمكن أن يخلق حالة من جنون الشك والاضطهاد، وغالباً ما يكون أقوى من سوء المعاملة من شخص ما معروف للضحية.
وفي الحالات الأكثر تطرفاً للتنمّر الإلكتروني، تَعَرَّض الأمن الشخصي للمتلقين وخصوصيتهم للخطر من خلال المشاركة غير المصرح بها لمعلوماتهم الشخصية، مثل عنوانهم ورقم هاتفهم والتفاصيل الأسرية الحميمة التي تخصهم. “الانتقام الإباحي” هو مصطلح يستخدم لوصف فعل مشاركة المحتوى الإباحي الذي يتضمن شخص ما دون موافقته في محاولة للتشهير به وإحراجه علناً ولدى أصدقاءه وأفراد أسرته المقربين. وقد تم اتخاذ خطوات لإدخال عقوبات قانونية أشد صرامة ضد الانتقام الإباحي، حيث يمكن أن يكون لهذا الفعل آثار مدمرة على ضحايا هذا النوع من سوء المعاملة. على المستوى المجتمعي، غالباً ما يتم إلقاء اللوم على ضحايا الانتقام الإباحي بسبب سوء معاملتهم لأنفسهم، ويقال لهم أنه لم يكن يتعين عليهم أبداً القيام بإرسال صورهم أو مقاطع الفيديو العارية الخاصة بهم. ويشكل ذلك تحدياً لأنه يزيد المشكلة تعقيداً ويبرر في الأساس سلوك المعتدي. وهو يوسم استكشاف الحياة الجنسية بالعار، والتي ينبغي أن تكون عنصراً صحياً في العلاقات الحديثة.
إن وجود الإنترنت أدى إلى تآكل الحواجز الاجتماعية والاقتصادية التاريخية التي تحول دون الاتصال، مما أتاح الوصول إلى أي شخص عبر الإنترنت – من الأصدقاء والعائلة إلى المشاهير وقادة العالم. إن قنوات الاتصال المفتوحة هي عموماً جيدة للنهوض بالإنسانية، لأنها تشجع على المزيد من التعاون والتعلم المشترك. ولكن الآن، يمكن لأي شخص لديه وجود في مواقع التواصل الاجتماعي أن يكون عرضة للتنمّر الإلكتروني وسوء المعاملة عبر الإنترنت. إن الطبيعة الشفافة والفيروسية للإنترنت لديها القدرة على تغيير مزاج الأشخاص وحتى مصيرهم على المدى الطويل في غضون بضع ثوان، بغض النظر عَمَّن هم أو عن تجارب حياتهم. أما بالنسبة لنماذج الأدوار المجتمعية، فلا يتعلق الأمر بعملية تعلم كيفية منع التنمّر عبر الإنترنت بقدر تعلقه بتعلم كيفية التعامل معه بطرق إنتاجية وتمكينية، دون السماح للإساءة الفعلية أو الاستباقية بقمع أفكارهم أو سلوكياتهم.
لكل شخص الحق في الحريات المدنية والعيش حياة كريمة في مساواة مع الآخرين. من الأهمية بمكان إعادة صياغة المسألة لفهم أن الشخص لا يساء إليه أبداً بسبب عرقه أو جنسه أو دينه أو إعاقته، على سبيل المثال. بل يتعرض الشخص للتنمّر بسبب الموقف السلبي للمعتدي أو ظروفه. ويتمثل الفرق الرئيسي في أن المواقف والظروف يمكن أن تتغير بمستويات مناسبة من الدعم والتعليم. فالهوية ليست شيئاً يمكن أن يتغير أو يتأثر بالسلوك المسيء، ولا ينبغي لأحد أن يحاول أبداً القيام بذلك.
ويجب تشجيع الشباب على التعبير عن أنفسهم بحرية، وممارسة حقوقهم في جميع البيئات رقمية كانت أو غير رقمية. ويجب تمكينهم من المساهمة في مجتمع ديمقراطي وعالمي من خلال مشاركة أفكارهم وآرائهم دون مهاجمة الآخرين الذين لديهم آراء متباينة.
إن العالم الذي يتصف بالعدالة والإنصاف حقاً يتطلب ثقافة من الاحترام والتفاهم المتبادل. إن العالم المترابط يتطلب وجود معايير اتصال يلتزم بها الجميع. ومع وضع هذا الهدف بعين الاعتبار، فلا تزال أمامنا رحلة طويلة.
أبطال الانترنت: مشروع للتصدي للمضايقات الالكترونية
وتبدو هذه الظاهرة منتشرة بشكل كبير في ألمانيا، لذلك انطلق مؤخراً مشروع مدرسي يدعى “أبطال الانترنت”، تتم من خلاله النقاش حول كيفية التعامل مع عالم الانترنت ويتم تمويل هذا المشروع من خلال الاتحاد الأوروبي ويرافقه علمياً باحثون في تطوير علم النفس من جامعة برلين الحرة. وبدأت المدارس الألمانية في برلين بتفعيل هذا المشروع، حيث شارك فيه مؤخراً في مدينة برلين قرابة تسعة آلاف تلميذ وتلميذة تتروح أعمارهم بين 13 و15 سنة. وكل من هؤلاء التلاميذ لديه تعرض غالباً من قبل للمضايقات الالكترونية.
المعلمة مارغريت ايفرسن من مدرسة “صوفي شول” تطرح النقاش حول هذا الموضوع للمرة الثانية بين تلاميذها في الشعبة الثامنة في حصة “الأخلاق” ولكن التلاميذ لا يفتحون المجال بسهولة للدخول في “عالمهم الافتراضي الخاص” وهذا مايجعل المهمة صعبة وبالتالي تكون المسألة أكثر تعقيداً.
وبهذا الخصوص تقول مارغريت ايفرسن: ” يشعر التلاميذ أن التداول في شبكة التواصل الإجتماعي يعنيهم هم وحدهم ويعتبرونه عالمهم الخاص، ولا يحق لأحد آخر التدخل به وخاصة الأهل والمدرسون.”
المعلمة مارغريت ايفرسن أصبحت خبيرة الآن في التعامل مع الشبكة العنكبوتية، ولكسر الصمت المحيط بالمضايقات الالكتروية، تعول إفرسون على التعاون مع التلاميذ بدلاً من الصدام معهم. وبدلاً من النقاش حول من الجاني ومن الضحية، تسعى معلمة الأخلاق مبدأيا إلى تقوية خبرات التلاميذ في التعامل مع الانترنت. ولذلك فهي تتحدث معهم عن كيفية تأمين معلوماتهم على الشبكة العنكبوتية. وبالطبع، ليست هذه بالمهمة السهلة عليها، لأنها بدأت في التعامل مع الشبكات الاجتماعية وهي في منتصف الخمسينات. بهذا الصدد تقول المعلمة ايفرسن: “هنا تبدأ المشكلة، أنك تقف أمام التلاميذ الذين يعرفون أكثر منك كمعلم فيما يتعلق بتقنية الشبكة العنكبوتية الحديثة وكيفية استخدامها.”
ايفرسون حصلت على المساعدة من بافلا تساغورشاك، الطالب في قسم علم النفس التنموي في جامعة برلين الحرة. فقد قام تساغورشاك مع زملائه بعمل البرنامج الخاص بمشروع أبطال الانترنت، كما أنه أيضاً يقدم تدريباً خاصاً في هذا الإطار للمعلمين. فهناك مشكلة حقيقية بين المعلمين والأهل من جهة والتلاميذ والمراهقين من جهة أخرى، حيث يعيش كل منهم في عالمه التقني الخاص. ويعتبر الأطفال والمراهقون في هذا العصر أكثر معرفة في عالم الإنترنت عن ذويهم، لذلك تواجه الهيئات التدريسية صعوبة بالنقاش حول المشاكل التي تتسب عن طريق الشبكة العنكبوتية.
لذلك فعلى الأهالي والهيئة التدريسية في المدارس أن يصبوا إلى المعرفة التقنية الحديثة لكي يكونوا على مقدرة في النقاش مع أطفالهم حول المشاكل التي تنتج عن طريق هذه التقنية وبهذا الصدد يحدثنا بافلا تساغورشاك قائلاً: ” ليس المطلوب أن يبدأ المعلمون أو الأهل الغوص في عالم الإنترنت ليصبحوا علماء به ولكن على الأقل يجب معرفة بعض الشيء فيما يتعلق بطريقة استخدام هذه التقنيات وفهم المصطلحات المستخدمة”، وتشير الدراسات الإحصائية إلى أنه كلما زادت المعرفة العالية في تقنيات الشبكة الالكترونية عند المعلمين كلما كان انفتاح التلاميذ تجاه معلميهم أكبر وبالتالي يكون التجاوب معهم فيما يخص “التنمر الالكتروني” أفضل.
رابط المصدر: