في ضوء ما يتمتع به العراق من موقع جغرافي استراتيجي، وما يمتلكه من قدرات وإمكانات بشرية وطبيعية، فقد شكّل ذلك عاملاً مزدوج التأثير، وجعله من جهة يمثل محوراً حيوياً للتفاعلات الإقليمية والدولية، ومن جهة أخرى عرضةً مستمرة لتهديدات الإرهاب والتطرف العابر للحدود. ويبرز في هذا السياق الخطر المتزايد لاندفاع فئة من المراهقين والشباب نحو تبنّي أفكار متطرفة، بدافع الاعتقاد بأنها قد تمثّل مخرجاً من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يعيشونها والذي يشكل واحداً من أهم العوامل الدافعة إلى الإرهاب في أكثر من منطقة من مناطق العالم.
وقد كان من أبرز التحديات الأمنية التي واجهها العراق خلال العقد الأخير تصاعد أنشطة الجماعات الإرهابية، وفي مقدمتها تنظيم داعش الإرهابي، الذي تراجع حضوره الميداني بعد الهزائم الكبيرة التي ألحقتها به القوات المسلحة العراقية، ولم يتبقَّ منه إلا مجموعات محدودة تضم أطفالاً ونساءً وأجانب منتمين إلى التنظيم. وتمركزت هذه المجموعات في معقلها الأخير داخل مخيم الهول، الذي يُعدّ أحد أكبر مخيمات النزوح في المنطقة، ويشكل بؤرة تجمع رئيسة للنازحين العراقيين والسوريين، فضلاً عن عوائل التنظيم بعد المعارك التي شهدها العراق وسوريا.
تمثّل الطبيعةُ الجغرافية للمخيّم — لقربه من الحدود العراقية — عاملاً مباشراً يُهدّد الأمن الوطني العراقي، ولا سيّما في ظلّ وجود مخيّماتٍ أخرى محيطةٍ به تتبنّى أنماطاً فكريةً متطرّفةً متقاربة، مما يزيد من خطورة الموقف ويعزّز احتمالات تمدّد الفكر المتطرّف. ويُعد هذا المخيّم البيئةَ الأكثر كثافةً من حيث عدد النازحين، والحاضنة الفكرية الأكبر لعوائل التنظيم بعد معارك التحرير، الأمر الذي يجعله مصدراً محتملاً لإعادة إنتاج التطرّف وانتشاره بين فئات الشباب والنساء والأطفال النازحين، وهو ما ينعكس بصورةٍ مباشرةٍ على استقرار الأمن الوطني العراقي.
ولا يقتصر أثرُ مخيّم الهول على تهديدِه المباشر للأمن في العراق، بل يمثّل خطراً يتمثّل في احتمال تسلّل العناصر الإرهابية إلى الحدود العراقية وقيامها بتشكيل شبكات وخلايا نائمة تُهدّد النسيجَ الاجتماعي وتُقيّد جهود إعادة الاستقرار إلى المدن المحرَّرة من تنظيم (داعش)، والمتمثّلة في الجهود الحكومية الرامية إلى إعادة الإعمار وإعادة دمج المواطنين الذين تعايشوا مع أفكار هذا التنظيم وتعرّضوا لصدمات نفسية خلال فترة احتلاله لمناطقهم.