- مع أن ملف سحب الجنسية ليس جديداً في الكويت، فإنّ الحملة القوية والشاملة التي يخوضها الأمير الحالي، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، لإصلاح ملف التجنيس، غير مسبوقة تاريخياً، وتُمثِّل تحوّلاً جذرياً في سياسات السلطات الكويتية.
- في نهجها الحالي المتشدد ضد من تَعُدُّهُم حمَلة الجنسية غير الشرعيين، تستهدف الكويت حصر الجنسية لمن ورثوها أباً عن جدّ، وبالتالي إعادة تشكيل الهوية الكويتية، إلى جانب ضمان الاستقرار الانتخابي في البلاد، وخفض الإنفاق الحكومي.
- في موازاة حملتها المستمرة لإصلاح ملف التجنيس، تحاول الحكومة الكويتية التخفيف من أعباء قراراتها المتعلقة بهذا الملف، وخاصة في صفوف النساء، من طريق الإبقاء على بعض المزايا الاجتماعية الممنوحة لشريحة منهن، دون التمتع بالحقوق والمزايا السياسية.
قبل أكثر من عام، بدأت دولة الكويت حملة كثيفة وقوية وطويلة المدى على مَن عدَّتهُم «حاملي جنسية كويتية بطرق غير شرعية». وبالفعل، أسقطت السلطات الكويتية وسحبت الجنسية من عشرات الآلاف من الأشخاص، وممن اكتسبها معهم بالتبعية. وكان كثير من حاملي الجنسية الكويتية هؤلاء قد اكتسبوها من طريق الزواج (نساء)، وعلى مدى عقود مضت، أو تحت مسمّى “الخدمات الجليلة”، أو بوساطة شخصيات متنفذة.
وعلى الرغم من قِدَم ملف ما يُعرف في الكويت بـ”البدون” (الأشخاص الذين لا يحملون الجنسية، ويتراوح عددهم بين 100 ألف و20 ألف شخص)، ومع أن ملف سحب الجنسية، عموماً، ليس جديداً في الكويت، فإنّ الحملة التي يخوضها الأمير الحالي، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، غير مسبوقة، على مدى تاريخ دولة الكويت، وهي بذلك تُمثِّل تحوّلاً جذرياً في سياسات الكويت المحلية، ومسار الإصلاحات التنظيمية الشاملة.
أهداف الحملة على التجنيس الاحتيالي
بدأت حمْلة السلطات الكويتية الحالية بقيادة الأمير الشيخ مشعل على “حاملي الجنسية الكويتية غير الشرعيين” بوصفها إجراءً حازماً يستهدف المحتالين والفاسدين والمزورين الذين استغلوا ما توفره الجنسية الكويتية من مزايا وفوائد مغرية وسخية، وقد لاقت الحملة عند بدايتها ترحيباً شعبياً واسعاً؛ بوصفها إشارة إلى حزم الأمير الجديد ونهجه القوي في ضبط الفساد والمخالفين. لكن مع الوقت، أصبحت الحملة تُثير جدلاً كبيراً، في الداخل الكويتي ولدى المنظمات الحقوقية الدولية؛ لاتساعها وامتدادها وما حملته من مفاجآت.
وعلى ما يبدو، فإن لهذه الحمْلة التي يدعمها أمير الكويت، أهدافاً عديدة، تعكس رغبة الأمير الحالي، وهو القادم من المؤسسة الأمنية، بإعادة ترتيب وتنظيم عدد من الملفات الحيوية في البلاد، وتحقيق الآتي:
1. البُعد الإصلاحي: تُقَدِّم السلطات الكويتية الحملة القوية والشاملة التي تخوضها منذ أكثر من عام على من تَعُدُّهم حَمَلةً غير شرعيين للجنسية الكويتية، على أنها (أي الحمْلة) جزء من منظومة إصلاحية يقودها أمير الكويت، الشيخ مشعل، الذي أعلن في 10 مايو 2024 حل مجلس الأمة (البرلمان)، وعلّق العمل ببعض مواد الدستور، وذلك في أعقاب تسلُّمه منصبه في ديسمبر 2023. ويرى الأمير مشعل أنّ هذه الإجراءات ضرورية لإزالة حُزمة من العقبات التي لطالما منعت الكويت من تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، على مدى السنوات الماضية؛ في لعبة شدّ حبل بين الحكومة والبرلمان، وفي داخل أروقة العائلة الحاكمة نفسها. ويصر الأمير على أنه لن يسمح باستغلال الديمقراطية “لتدمير الدولة”.
2. إعادة تشكيل الهوية الكويتية: في نهجها الحالي المتشدد ضد من تَعُدُّهُم حمَلة الجنسية غير الشرعيين تستهدف الكويت حصر الجنسية لمن ورثوها أباً عن جدّ، وبالتالي إعادة تشكيل الهوية الكويتية. وبالفعل، فقد وعد أمير الكويت في خطاب مهم للكويتيين في مارس 2025 بـ”تسليم الكويت لأهلها الأصليين خالية من الشوائب التي علِقت بها”، على حد تعبيره. وإعادة تشكيل الهوية الكويتية تستهدف، من ضمن ما تستهدفه، التركيز على الخرق الذي حصل على مدى عقود، برأي السلطات الكويتية الحالية، بخصوص التجنيس عبر الزواج. ولهذا تمّ سحب الجنسية من جميع من أصبحن كويتيات عبر الزواج منذ العام 1987، ويزيد عددهن على 40 ألفاً. إلا أن المنتقدين لهذه الخطوة يُحذّرون من أن إلغاء الجنسية بأثر رجعي، وخاصةً ضد النساء المقيمات منذ مدة طويلة، قد يؤدي إلى حالات انعدام جنسية. ومع وجود آلاف الملفات قيد المراجعة، من المتوقع أن يرتفع إجمالي عدد حالات الإلغاء أكثر.
أما الجانب الآخر المتعلق بـ”إعادة تنقية الهوية الكويتية”، فيتعلق باستهداف الحمْلة الحالية حاملي الجنسية المزدوجة. والكويت لا تسمح بازدواج الجنسية، لذا يتعين على من يحصل على الجنسية الكويتية التخلي عن جنسيته الأصلية، إذ تقضي المادة (11) من المرسوم الأميري رقم (15) لسنة 1959 وتعديلاته بأن “الكويتي يفقد الجنسية إذا تجنَّس مختاراً بجنسية أجنبية”. وتقول السلطات الكويتية إنها وجدت العديد من الأشخاص ممن حصلوا وعائلاتهم على الجنسية بشكل غير قانوني استخدموا وثائق مزورة. وفي خطاب واضح وجريء، صرَّح النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الكويتي، الشيخ فهد اليوسف الصباح، على قناة الراي الكويتية، في مارس 2025، بأن الكويت “مُختطفَة” من قِبل جنسيات أخرى. وأضاف: “لن أذكر هذه الجنسيات. هناك جنسيات غريبة عن المجتمع الكويتي، وعن حياته الاجتماعية ولغته وشخصيته وعلاقاته الاجتماعية”. وأشار الوزير إلى خطر تقويض “الطبيعة الأصيلة” للمجتمع الكويتي وإثارة “التباس في النسب”. في هذه الأثناء، فتحت الحكومة “خطاً ساخناً” لتشجيع الكويتيين على الإبلاغ عن حاملي الجنسية المزدوجة، وللإبلاغ عمّن يشتبه في حصولهم على وثائق مزورة للحصول على الجنسية.
إن نهجَ أمير الكويت الحالي في مسألة الهُوية الكويتية مختلف عن أسلافه، ويُعَدُّ أكثر تشدداً؛ فهو يُلغي إجراءات كانت اتخذتها الكويت منذ عقود، ومن ذلك منح حق الانتخاب بعد غزو العراق للكويت عام 1990، لمن مضى على تجنسيهم 20 عاماً، ولمن ولِدوا بعد تجنيس والديهم، وذلك كـ”عربون تقدير“؛ للوقوف إلى جانب الكويت، وتأكيداً “للوحدة الوطنية بعد تحرير الكويت من الغزو العراقي”.
3. الأبعاد الانتخابية: تعمل السلطات الكويتية على تقليص عدد الناخبين؛ بعد سنوات من عدم الاستقرار الانتخابي في البلاد، واعتبار انتخابات مجلس الأمة (البرلمان) عقبة قوية أمام الإصلاحات الحكومية والتنمية في الكويت، التي تجد نفسها منذ سنوات متأخرة عن اللحاق بركب التقدّم التنموي الذي أحرزته الإمارات والسعودية وقطر. من جهة أخرى، يُقال إنّ التهديد بالإجراءات الإدارية ضد التجنيس “الاحتيالي” يهدف إلى ترهيب من شكلوا حاضنة للمعارضة البرلمانية “غير المخلصة”. وقد يؤخذ في الاعتبار أنه “نظراً لأن أكثر من 800 ألف مواطن كويتي كانوا مؤهلين للتصويت في عام 2024، فإن إبعاد 50 ألفاً أو حتى 100 ألف ناخب من صفوف الناخبين البالغين يسمح للمسؤولين بمراقبة المعارضة وتنظيم الحياة السياسية بشكل أفضل”.
4. تخفيض النفقات: تُعدُّ الكويت أكثر دولة خليجية يعتمد اقتصادها على النفط، الأمر الذي أدى إلى ضعف تنوّع اقتصادها، ولهذا فهي تسعى لتخفيض النفقات، وفي إطار تحقيق ذلك استهدفت عشرات الآلاف ممن استغلوا، بنظرها، المزايا السخية التي تقدمها الجنسية الكويتية، فأسهموا، عبر التجنيس الاحتيالي وغير القانوني، بزيادة كُلفة الأسلوب الريعي الذي تقدّمه الكويت. من هنا قد يُنظر إلى سحب الجنسية بوصفه أداة لخفض الإنفاق الحكومي. ووفقاً للشيخ فهد اليوسف، فإن “جميع ملفات الجنسية في الكويت قيد المراجعة”، بما في ذلك ملفات النواب الحاليين والسابقين والوزراء والمشاهير والمواطنين العاديين. وذهب كتّاب كويتيون إلى أن “عمليات البحث والتحري تمتد إلى 40 و50 سنة مضت من أجل التوصل إلى الحقيقة”. وطبقاً لـمحللين، “يبدو أن الكويت تحاول تجنب تطبيق إجراءات تقشفية، بالإضافة إلى تسريع توطين القوى العاملة (التكويت) من طريق خفض أعداد الوافدين. كل هذه الإجراءات تجعل التنويع الاقتصادي بعيداً من الاعتماد على النفط أقل إلحاحاً”.
ومن المتوقع، في ظل هذه الإجراءات، أن ينخفض عدد الوافدين في الكويت بنسبة 1.6% في عام 2024، وهو أول انخفاض خارج صدمات حرب تحرير الكويت أو جائحة كوفيد-19، وفقاً لجاستن ألكسندر، مدير شركة “خليج إيكونوميكس” للاستشارات. ويبدو أن هذا الانخفاض مدفوع بتشديد تطبيق قوانين الإقامة على الوافدين، وقد يؤثر في جهود الدولة لتنويع اقتصادها. ويتوقع ألكسندر أن ينخفض عدد سكان البلاد بنسبة 2% أخرى هذا العام.
التخفيف من أعباء سحب الجنسية
في موازاة حملتها المستمرة لإصلاح ملف التجنيس، تحاول الحكومة الكويتية التخفيف من أعباء حملتها وقراراتها المتعلقة بهذا الملف، وخاصة في صفوف النساء، من طريق السعي للإبقاء على بعض المزايا الاجتماعية الممنوحة لشريحة من النساء، المتعلقة بالراتب التقاعدي وخلافه، دون التمتع بالحقوق والمزايا السياسية.
وقد سمحت وزارة الداخلية الكويتية بفترة مؤقتة، لاسيما للنساء وأفراد أسرهن، لتسوية أوضاعهن القانونية، وتسوية أوضاعهن الوظيفية، وتقديم الطعون. وفي مايو 2025، أطلقت الحكومة بوابة إلكترونية للتظلمات تتيح لمن سُحبت جنسيتهم الطعن في القرار.
الخلاصة
من الواضح أن أمير الكويت، الشيخ مشعل الصباح، يدعم المضي بحزم في المراجعة الشاملة لملف الجنسية، الذي يَعُدُّهُ ملفَ “أمن وطني” حاسماً. ويُنظر إلى الأمير مشعل بوصفه من الشخصيات القليلة المؤهلة للإقدام على مثل هذه الخطوات الإصلاحية الجريئة الحازمة ومواجهة المعترضين؛ بالنظر إلى عمره (84 عاماً) وخبرته ومكانته داخل العائلة الحاكمة وبين عموم الشعب الكويتي. وسبق أن أكّد الأمير مشعل أن المرحلة التي يخوضها عنوانها «الإصلاح والتطوير»، وركائزها «العمل والإشراف والرقابة والمحاسبة».