نظرة تحليلية عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في رواندا (٢٠٠٠-٢٠٢٤)

مقدمة

تُعتبر رواندا واحدة من أكثر الدول إثارة للاهتمام على مستوى التحول السياسي والاقتصادي الاجتماعي في العقدين الأخيرين. بعد الصراع المدمر الذي شهدته في عام 1994، والذي أدى إلى مقتل مئات الآلاف من الأشخاص، بدأت رواندا رحلة طويلة نحو إعادة البناء والاستقرار. في هذا السياق، يُطرح سؤال محوري: إلى أي مدى نجحت رواندا في إحداث عملية التنمية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي منذ تولى الرئيس بول كاغامي الحكم عام 2000 إلى 2024 ؟.

منذ توليه الحكم في عام 2000، اتخذ بول كاغامي خطوات جادة لتحقيق الاستقرار السياسي في رواندا، بعد سنوات من الفوضى والعنف الناتج عن الإبادة الجماعية التي وقعت في عام 1994، ففي بادئ الأمر عمل كاجامي على تحديد ما هي الأوجه الرئيسية للحد من احداث حروب عرقية مرة أخرى في روندا، فقد كانت هناك أسباب عدة تعوق احداث التنمية بشكل عام في رواندا، ومن ضمن هذا الأسباب هي الصراع العرقي الدامي الذي دار بين الهوتو والتوتسي، وتفكك النسيق المجتمعي بشكل عام، بالإضافة إلى ارتفاع معدل البطالة والأمية بشكل كبير جدا في تلك الحقبة. وللتغلب على هذه المشاكل شرع كاجامي في احداث سياسات مصالحة بين جميع أطياف المجتمع لتعزيز الوحدة الوطنية، ولخلق بيئة من التفاهم والتعاون بين هذه الفئات، بالإضافة إلى انه قد جرم في الدستور الجديد الذي انشأه كل العبارات التي من شأنه تؤدي إلى احداث نوع من التفرقة بين المواطنين ولا سيما إن كانت على أساس عرقي. وهنا سنتطرق للحديث على ما وصلت إلية البلاد من تنمية في المؤشرات الثلاث التالية.

اولاً: المؤشر السياسي

لتوضيح الفروق بين الفترة التي سبقت تولي بول كاغامي الحكم في رواندا قبل عام 2000، والفترة التي تلت وصوله إلى السلطة بعد عام 2000، يمكن تقسيم المقارنة إلى عدة جوانب رئيسية، بما في ذلك كيفية وصول الرؤساء إلى الحكم، والتداول السلمي للسلطة.

  • الوصول للحكم وتداول السلطة

فبالنظر إلى الفترة التي سبقت تولي بول كاغامي الحكم قبل عام 2000 في كيفية وصول الرؤساء إلى الحكم، فنجد أن جوفينال هابياريمانا (1973-1994) قد وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في عام 1973، وأسس نظامًا استبداديًا يقوم على حزب واحد (الحركة الوطنية الجمهورية من أجل الديمقراطية والتنمية )[1]. ونجد ايضًا ثيودور سينديغوبوا ( إبريل – يوليو 1994) قد تولى الحكم بالإنابة بعد اغتيال هابياريمانا[2]، وكان جزءًا من الحكومة المؤقتة التي هيمن عليها المتطرفون من الهوتو خلال الإبادة الجماعية. ومن ثم أتى بعدة باستور بيزيمونغو (1994-2000)[3]، والذي عُيّن رئيسًا بعد سيطرة الجبهة الوطنية الرواندية على البلاد بعد الإتاحة بالنظام السابق، فبالتالي نجد انه لم يكن هناك تداول سلمي للسلطة في هذه الفترة، فكانت التغييرات في الحكم تتم عبر انقلابات عسكرية أو أحداث عنيفة، مثل اغتيال هابياريمانا والإبادة الجماعية، وكان النظام السياسي استبداديًا في هذه الحقبة، ولم تكن هناك آليات ديمقراطية حقيقية لتداول السلطة. حيث كان الحزب الحاكم يهيمن على العملية السياسية بالكامل.

اما عن الفترة التي تلت وصول بول كاغامي إلى الحكم بعد عام 2000، فنجد ان بول كاغامي تولى الرئاسة رسميًا في عام 2000 بعد استقالة باستور بيزيمونغو، وكانت هذه المرة بالتزكية من البرلمان الرواندي قبل أن يأتي الدستور الرواندي عام 2003 ليُقر بضرورة وجود الاقتراع العام كنظام للانتخابات الرئاسية، وكانت اول انتخابات رئاسية تعددية تجرى بعد صدور هذا الدستور كانت في نفس ذاك العام  من صدور الدستور، والتي ترشح فيها بول كاغامي وفاز فيها باغلبية الأصوات بنسبة 95%، وكانت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الرواندية عام 2003 كانت 96.55%، وهذه الانتخابات كانت الأولى بعد الحرب الأهلية الرواندية.[4]

كما تم اجرى انتخابات رئاسية مرة أخرى في عام 2010، وهذه الانتخابات شهدت إعادة انتخاب الرئيس بول كاغامه لفترة رئاسية ثانية مدتها سبع سنوات، حيث حصل على نسبة 93% من الأصوات. وقد تميزت الانتخابات بحضور قوي للناخبين، رغم الانتقادات التي وجهت بشأن غياب المعارضة الفعلية وقمع الأصوات الناقدة. وكانت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الرواندية التي جرت في 9 أغسطس 2010 بلغت 97.5%. [5]

وفي الانتخابات الرئاسية 2017. فقد فاز الرئيس بول كاغامي بولاية ثالثة بحصوله على 98.79% من الأصوات، وكانت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الرواندية التي جرت في 4 أغسطس 2017 بلغت 98.15%، وفقًا للنتائج الرسمية التي أعلنتها اللجنة الانتخابية الوطنية في رواندا. وقد شارك في التصويت 6,769,514 ناخبًا من أصل 6,897,076 ناخبًا مسجلًا [6]، مما يعكس إقبالًا كبيرًا من المواطنين على التصويت في هذه الانتخابات، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الانتخابات جرت في ظل ظروف سياسية مثيرة للجدل، حيث تم استبعاد بعض المرشحين المعارضين، بما في ذلك المرشحة ديان رويغارا من الحزب المعارض، مما أثار انتقادات من جهات دولية مثل الاتحاد الأوروبي. واما عن التداول السلمي، فلم تشهد رواندا تداولًا سلميًا للسلطة منذ تولي بول كاجامي الحكم، كما انه لا يزال في السلطة حتى اليوم، وقد عدّل الدستور في عام 2015 ليُسمح له بالترشح لولاية ثالثة ورابعة على عكس ما كان منصوص عليه دستوريا [7].

ومما سبق نجد ان شهدت رواندا تحولًا من أنظمة استبدادية عنيفة إلى نظام شبه مستقر مع إطار دستوري ظاهريًا ديمقراطي. فبعد الإبادة الجماعية عام 1994 والحرب الأهلية، أُقر دستور عام 2003 الذي نص على الانتخابات الرئاسية التعددية والاقتراع العام، وهو ما يمثل تطورًا مؤسسيًا مقارنةً بعصر ما قبل 2000، حيث كانت السلطة تنتقل عبر انقلابات أو أحداث دموية. اما عن الانتخابات الرئاسية في 2003 و2010 و2017 و 2024 جرت وفق جدول زمني محدد، مع مشاركة ناخبين تجاوزت 95% في كل مرة، مما يعكس محاولة لبناء شرعية سياسية عبر الآليات الديمقراطية. وعلى الرغم من الاستقرار التي شهدته رواندا، إلا انها لم تشهد تداولًا سلميًا للسلطة منذ عام 2000، حيث لا يزال كاغامي في الحكم بعد تعديل الدستور عام 2015 لتمديد ولايته، وهو ما يشبه الأنظمة الاستبدادية السابقة التي حكمت مدى الحياة مثل هابياريمانا. الفارق هنا أن كاغامي حافظ على السلطة عبر انتخابات مُسيطر عليها، بينما في السابق كانت الانقلابات هي الآلية، وهذا يشير إلى أن التنمية السياسية اقتصرت على تغيير أدوات الهيمنة دون تحقيق ديمقراطية حقيقية.

  • التعددية الحزبية

منذ تولي بول كاغامي الحكم في رواندا عام 2000، شهدت البلاد تحولات سياسية كبيرة، لكن التعددية الحزبية بقيت محدودة في ظل هيمنة حزب الجبهة الوطنية الرواندية الذي يقوده كاغامي. على الرغم من وجود إطار دستوري يسمح بالتعددية الحزبية، إلا أن الممارسات السياسية تشير إلى أن النظام يفضل الحزب الواحد بحكم الأمر الواقع، مع وجود أحزاب معارضة ضعيفة وغير قادرة على تحدي الهيمنة السياسية للجبهة الوطنية الرواندية.[8]

فنجد ان دستور رواندا لعام 2003 اقر نظامًا سياسيًا تعدديًا، يسمح بتشكيل أحزاب سياسية والمشاركة في الانتخابات. ومع ذلك، فإن الأحزاب المعارضة تعاني من قيود كبيرة، بما في ذلك حظر بعض الأحزاب أو استبعاد مرشحيها، كما حدث في انتخابات 2017 عندما تم استبعاد مرشحة معارضة بارزة مثل ديان رويغارا [9]. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأحزاب المسجلة غالبًا ما تكون صورية أو تفتقر إلى القوة التنظيمية والشعبية اللازمة لتحقيق تأثير حقيقي في العملية السياسية. كما نجد ان الجبهة الوطنية الرواندية، التي يقودها كاغامي، تتحكم في المشهد السياسي بشكل كامل. منذ عام 2000، فاز كاغامي بجميع الانتخابات الرئاسية بنسب تفوق 90%، مما يعكس غياب المنافسة الحقيقية. مما عزز من هيمنته السياسية وأضعف فرص التداول السلمي للسلطة، وتعرضت المعارضة السياسية في رواندا لقيود شديدة، بما في ذلك الاعتقالات والترهيب، كما أن وسائل الإعلام تخضع لرقابة صارمة، مما يحد من قدرة الأحزاب المعارضة على التواصل مع الجمهور، وهذه الإجراءات أدت إلى تراجع دور المعارضة في المشهد السياسي. [10]

في الختام، يمكن القول إن رواندا شهدت تحسنًا في الاستقرار السياسي والاقتصادي تحت حكم كاغامي، لكن التعددية الحزبية بقيت محدودة. النظام السياسي يفضل الحزب الواحد، مع وجود أحزاب معارضة ضعيفة وغير قادرة على تحدي الهيمنة السياسية للجبهة الوطنية الرواندية. هذا الوضع يثير تساؤلات حول مدى ديمقراطية النظام السياسي في رواندا، رغم الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية التي تحققت.

ثانياً: المؤشر الاقتصاد

منذ تولي بول كاغامي الحكم في رواندا عام 2000، شهدت البلاد تحولًا اقتصاديًا كبيرًا، حيث تم تنفيذ سلسلة من الإصلاحات والسياسات التي ساهمت في تحقيق نمو اقتصادي ملحوظ. فيما يلي أبرز الإنجازات التي حققتها رواندا في مجال التنمية الاقتصادية، مع مقارنة بالأوضاع قبل تولي كاغامي الحكم:

  • النمو الاقتصادي والناتج المحلي الإجمالي ومتوسط دخل الفرد

قبل عام 2000. كانت رواندا تعاني من تدهور اقتصادي حاد بعد الإبادة الجماعية عام 1994، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 58% بسبب الحرب الأهلية [11]. لكن سرعان ما عادت البلاد مجددا بعد الحرب وبعد عام 2000 وتحت قيادة كاغامي، شهدت رواندا نموًا اقتصاديًا مستدامًا، وبلغ متوسط معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي حوالي 7-8% بين عامي 2000 و2024، مع وصوله إلى ذروة بلغت 20.60% في الربع الثاني من عام 2021. [12] كما ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 2.96 مليار دولار عام 1995 إلى 14.10 مليار دولار عام 2023.[13] بالإضافة إلى وجود زيادة كبيرة وملحوظة في متوسط دخل الفرد كانت مصحوبة بالنمو الاقتصادي، حيث نجد متوسط دخل الفرد قد زاد من 251.90 في عام 2000 إلى 1010.30 في عام 2023.[14]

ونجد ان النصيب الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي يأتى من قطاع الخدمات بنسبة 46.4% ويليه القطاع الزراعة وصيد الأسماك والذي يمثل نحو 26.3% من الناتج المحلي الاجمالي، ومن ثم القطاع الصناعي ويمثل نسبة 19.3% من نصيب الناتج المحلي الإجمالي وفقا لبيانات 2020، وهذه النسب تؤكد على مدى تنوع الاقتصاد الروندي في تحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي على عكس ما كان عليه من قبل.[15]

  • معدلات التضخم

قبل مجيء بول كاجامي إلى الحكم في عام 2000، كانت رواندا تعاني من معدلات تضخم مرتفعة وغير مستقرة نتيجة للحرب الأهلية والإبادة الجماعية التي حدثت في عام 1994، فقد وصل معدل التضخم في رواندا إلى 28.1% في 1998 [16]، وفي الفترة التي سبقت تولي كاجامي السلطة، كانت رواندا تعاني من أزمات اقتصادية حادة، بما في ذلك انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 58% كما ذكر، وارتفاع معدلات الفقر إلى 80% من السكان[17]. كما شهدت البلاد تقلبات كبيرة في معدلات التضخم، مما يعكس عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي في تلك الفترة التي سبقت مجيء بول كاجامي. ومع تولي كاجامي الحكم، بدأت رواندا في تنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية ساهمت في استقرار معدلات التضخم وتحسين الأداء الاقتصادي بشكل عام، حيث نجحت الحكومة في السيطرة على التضخم، حيث انخفض معدل التضخم إلى أقل من 10%، ووصل إلى 6.9% في عام 2020، وكانت متوسط نسبة التضخم 2.3 % في عام 2024 .[18]

  • رؤية رواندا 2020

هي خطة تنموية طموحة أطلقتها الحكومة الرواندية بقيادة الرئيس بول كاغامي في بداية حكمه، وهي خطة تشمل 44 هدف في مجالات مختلفة بهدف تحويل رواندا من دولة فقيرة تعتمد على الزراعة إلى دولة ذات اقتصاد قائم على التنوع الاقتصادي والابتكار والمعرفة، وتم إطلاق هذه الرؤية بعد الإبادة الجماعية التي شهدتها البلاد في عام 1994، والتي دمرت الاقتصاد والمجتمع، وتهدف الرؤية إلى تحقيق التنمية الشاملة من خلال عدة أركان رئيسية ومنها: [19]

  1. الحوكمة وبناء دولة قوية

ركزت الرؤية على تعزيز الحوكمة الرشيدة وبناء مؤسسات قوية قادرة على إدارة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتم تحقيق ذلك من خلال إصلاحات قانونية وإدارية لضمان الشفافية ومكافحة الفساد، مما جعل رواندا واحدة من أقل الدول فسادًا في إفريقيا.

  1. تنمية الموارد البشرية

شملت الرؤية استثمارات كبيرة في التعليم والصحة لبناء قوة عاملة منتجة، وقد تم تحقيق ذلك من خلال جعل التعليم الأساسي مجانيًا وإلزاميًا، وتحسين فرص التعليم العالي والتدريب المهني، كما تم التركيز على تعليم الفتيات وتمكين المرأة، حيث أصبحت رواندا تحتل المرتبة الأولى عالميًا من حيث نسبة النساء في البرلمان.[20]

  1. التحول إلى اقتصاد المعرفة

سعت رواندا إلى التحول من اقتصاد يعتمد على الزراعة إلى اقتصاد قائم على المعرفة، مع التركيز على التكنولوجيا والابتكار، وقد تم تحقيق جزء كبير من ذلك من خلال تطوير البنية التحتية الرقمية وجعل رواندا مركزًا إقليميًا لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات عالميا.

  1. تعزيز البنية التحتية وتنمية القطاع الخاص

حيث تم تحسين البنية التحتية بشكل كبير، بما في ذلك شبكات النقل والاتصالات والطاقة، مما ساعد ذلك في خفض تكاليف ممارسة الأعمال التجارية وجذب الاستثمارات الأجنبية، كما ركزت الرؤية على تعزيز دور القطاع الخاص كشريك رئيسي في التنمية، وتم تحقيق ذلك من خلال تبسيط إجراءات إنشاء الشركات وجذب الاستثمارات الأجنبية، وأصبحت رواندا واحدة من أسهل الدول في إفريقيا لتأسيس الأعمال التجارية.

ومن ابرز النتائج الرئيسية لرؤية 2020 ان حققت رواندا معدل نمو اقتصادي سنوي بلغ حوالي 8%، مما جعلها واحدة من أسرع الاقتصادات نموًا في إفريقيا، كما انخفض معدل الفقر من 80% في عام 1994 إلى 38% في عام 2017. كما أصبحت رواندا وجهة سياحية رئيسية، خاصة مما ساهم في زيادة عائدات السياحة بشكل كبير.[21]

وختاماً. فقد حققت رواندا تحت قيادة بول كاغامي تحولًا اقتصاديًا مذهلاً، من تعافي الناتج المحلي (من 2.96 مليار دولار إلى 14.1 مليار) إلى خفض الفقر (من 80% إلى 38%)، والسيطرة على التضخم، وتنويع الاقتصاد عبر قطاعات الخدمات (46.4%)، الصناعة (19.3%)، والزراعة (26.3%)، لتصبح نموذجًا إفريقيًا للتنمية المستدامة.

ثالثاً: المؤشر الإجتماعي

تتمتع رواندا بمجموعة من المؤشرات الاجتماعية التي تعكس التقدم الكبير الذي حققته بعد الإبادة الجماعية عام 1994، خاصةً في مجالات التعليم، الصحة، المساواة بين الجنسين، ومكافحة الفقر. فيما يلي أبرز هذه المؤشرات مع الاستناد إلى بيانات الحديثة:

  • التعليم

فنجد ان نسبة الالتحاق بالمدارس الابتدائية ارتفعت من 72.6% في عام 2000 إلى 97% في السنوات الأخيرة[22]، وهي من أعلى النسب في إفريقيا، بفضل سياسة التعليم الإلزامي والمجاني. كما قامت رواندا باعتماد اللغة الإنجليزية كلغة تعليمية رسمية بدلًا من الفرنسية[23]، مما عزز الاندماج العالمي للطلاب. بالاضافة إلى ما قامت به من سياسات إلزامية لتعليم الفتيات، فقد تم تحقيق مساواة شبه كاملة بين الجنسين في التعليم الأساسي، مع نسبة 50.8% للفتيات مقابل 49.2% للبنين.[24]

  • الصحة

اهتمت رواندا بالرعاية الصحية لدى المواطنين بشكل كبير، حيث انخفاض وفيات الأمهات من 1,071 حالة لكل 100 ألف ولادة عام 2000 إلى 99 حالة عام 2020، نتيجة تحسين النظام الصحي وتوسيع برامج التلقيح. كما انخفاض وفيات الرضع من 107 لكل ألف ولادة عام 2000 إلى 32 عام 2020. بإلإضافة إلى ان نظام التأمين الصحي المجتمعي يصل إلى 90% من السكان، مما ساهم في تحسين الوصول إلى الخدمات الصحية.[25] بالاضافة إلى زيادة متوسط العمر المتوقع من 48 عامًا في تسعينيات القرن الماضي إلى 70 عامًا حالياً.[26]

  • معدلات البطالة

قبل عام 2000. كانت البطالة مرتفعة بسبب الدمار الذي خلفته الحرب الأهلية والإبادة الجماعية، حيث فقدت العديد من الوظائف ودمرت القطاعات الاقتصادية الرئيسية.  وبعد عام 2000. انخفضت معدلات البطالة تدريجيًا مع تنفيذ سياسات تنموية تركز على خلق فرص العمل، ففي عام 2023، بلغ معدل البطالة 12.4% وفقا لبيانات البنك الدولي[27]، وهو تحسن كبير مقارنة بالفترة السابقة، حيث نجحت رواندا في تحويل نظامها التعليمي ليكون أداة فعالة لمكافحة البطالة وتعزيز النمو الاقتصادي لدمج الشباب في العملية الإنتاجية؛ وذلك من خلال سياسات تعليمية مجانية، اعتماد التكنولوجيا، وتطوير المهارات التقنية، لكي تُصبح رواندا نموذجًا يُحتذى به في إفريقيا، كما تم إلزام التعليم الأساسي وجعله مجانيًا، مما أدى إلى زيادة معدلات الالتحاق بالمدارس إلى 97%، وهي أعلى نسبة في إفريقيا.[28]

  • المساواة بين الجنسين

حققت رواندا مساواة ملحوظة بين الجنسين من خلال مجموعة من الإجراءات التشريعية والسياسية والاجتماعية، جعلتها تحتل مراتب متقدمة عالميًا في مؤشرات المساواة، خاصة في التمثيل السياسي للمرأة. فنجد انه قد تم تخصيص نظام الحصص (الكوتا) في الدستور لعام 2003 بنسبة 30% للنساء في جميع المناصب القيادية، بما في ذلك البرلمان والمحليات. تجاوزت النسبة هذا الحد لاحقًا، حيث تشغل النساء اليوم أكثر من 60% من مقاعد البرلمان وهي الاعلى عالميا. ليس هنا فحسب بل ساوت ايضاً بينهما في التعليم وتقديم الخدمات الصحية كما تم إصدار قوانين خاصة بعدم التمييز بين الجنسين للولد الأكبر قدر ممكن من تمكين المرأة في المجتمع.[29]

  • مكافحة الفقر

نجد ان الفقر كان من الأهداف الأساسية التي وضعها كاجامي للقضاء على اكبر قدر ممكن من حالات الفقر في البلاد، فنجد ان معدل الفقر انخفض من 80%عام 1994 إلى 38% عام 2017، بفضل النمو الاقتصادي والسياسات الاجتماعية الفعالة التي وضعها كاجامي.[30]

وختاما

يمكن القول إن رواندا نجحت في التحوّل من دولة فاشلة إلى نموذجٍ للاستقرار والتنمية، لكنّ هذا التحوّل لم يكتمل ديمقراطياً. فالتحدي المستقبلي يكمن في موازنة الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية مع فتح المجال السياسي، لضمان أن تكون التنمية الشاملة مُصاحَبة بحرياتٍ تُكرّس الشرعية الدائمة للنظام. كما تحوّلت رواندا تحت قيادة كاغامي إلى “معجزة أفريقية” باقتصاد نما 8% سنويًا، وانخفض الفقر من 80% إلى 38%، مع نهضة تعليمية وصحية ومساواة غير مسبوقة. لكنها ظلّت أسيرة لهيمنة الحزب واحد، قمع معارضة، وتعديلات دستورية طوّعت لبقاء كاغامي.

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M