نمو الذكاء الاصطناعي عبء على المناخ

أسهم تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي والسباق عليها في رفع أسعار أسهم شركات التقنية العملاقة، وتحقيقها مكاسب هائلة، لكن هذه المكاسب تأتي على حساب التعهدات المناخية لتلك الشركات، وعلى سبيل المثال، يبدو أن تحقيق هدف الحياد الكربوني لدى شركة غوغل بحلول عام 2030 أصبح غير مؤكد، بسبب ازدياد استهلاك الكهرباء في مراكز البيانات…

أسهم تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي والسباق عليها في رفع أسعار أسهم شركات التقنية العملاقة، وتحقيقها مكاسب هائلة، لكن هذه المكاسب تأتي على حساب التعهدات المناخية لتلك الشركات، وعلى سبيل المثال، يبدو أن تحقيق هدف الحياد الكربوني لدى شركة غوغل بحلول عام 2030 أصبح غير مؤكد، بسبب ازدياد استهلاك الكهرباء في مراكز البيانات.

وأفاد تقرير اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن) بأن شركة غوغل اعترفت، يوم الثلاثاء 2 يوليو/تموز الجاري، أن تقنيات الذكاء الاصطناعي تهدد أهدافها البيئية بعد أن كشفت أن مراكز البيانات -وهي جزء رئيس من البنية التحتية للذكاء الاصطناعي- ساعدت في زيادة انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 48% منذ عام 2019.

وأشارت غوغل إلى الضبابية بشأن التأثير البيئي المستقبلي للذكاء الاصطناعي، وهو أمر معقد ويصعب التنبؤ به.

يأتي ذلك في أعقاب إقرار شركة مايكروسوفت، أكبر داعم مالي لشركة “أوبن إيه آي” OpenAI، مطور برمجية تشات جي بي تي ChatGPT، بأن “هدف الحياد الكربوني لعام 2030 قد لا ينجح بسبب إستراتيجية الذكاء الاصطناعي لديها”.

وعود مستحيلة

كان خبير اقتصادات الطاقة مستشار تحرير منصة الطاقة الدكتور أنس الحجي قد أشار، قبل أيام، إلى المشكلات الكبيرة التي تعرقل زيادة كفاءة استعمال الطاقة، خصوصًا مع إدخال الذكاء الاصطناعي، الذي حسّن هذه الكفاءة، وأولها ضرورة التنسيق بين الشركات العملاقة العاملة في هذا المجال.

جاء ذلك في حلقة برنامج “أنسيّات الطاقة” بتاريخ 26 يونيو/حزيران الماضي، قدّمها الدكتور أنس الحجي بعنوان “سياسات المناخ والذكاء الاصطناعي: زيادة الطلب على نفط الخليج وغازه”، وذلك عبر مساحات منصة “إكس” (تويتر سابقًا).

برمجيات الذكاء الاصطناعي تبعد شركات التقنية العملاقة عن أهداف الحياد الكربوني (تقرير)

وقال الحجي إن استهلاك الطاقة سيفوق بكثير مما يمكن أن يُقال نظريًا عن أن الذكاء الاصطناعي سيخفضه، مشيرًا إلى زيادة كبيرة في استهلاك الطاقة لن يحلها انتشار هذه التقنيات، بل ستكون هناك زيادة أكبر من أي فوائد.

وأضاف أن الفكرة الأساسية هنا أن الشركات الكبرى التي تطور الذكاء الاصطناعي، المشهور جدًا حاليًا بخفض استهلاك الطاقة، تدّعي أنها ستحقق الحياد الكربوني في 2030 أو 2035.

وأكّد الدكتور أنس الحجي أن هذا الأمر مستحيل تمامًا، ولا يمكن أن يتحقق بأي صورة من الصور مهما قالوا، إلا إذا كانت هناك ألاعيب قانونية ومحاسبية تنقذها من هذا الأمر، وهذه الألاعيب تحدث حاليًا في أماكن عدة، ومنها شراء الائتمان الكربوني.

التأثير البيئي

ذكر تقرير حديث مدعوم من حكومة المملكة المتحدة حول سلامة الذكاء الاصطناعي أن كثافة الكربون في مصدر الطاقة الذي تستعمله شركات التقنية تُعد “متغيرًا رئيسًا” في تحديد التكلفة البيئية للتكنولوجيا.

بدورها، تعمل شركات التقنية على إبرام عقود الطاقة المتجددة، في محاولة لتحقيق أهدافها البيئية، وتُعد أمازون، على سبيل المثال، هي أكبر شركة مشترية للطاقة المتجددة في العالم.

ويرى بعض الخبراء أن هذا يدفع مستهلكي الطاقة الآخرين إلى استعمال الوقود الأحفوري، لأنه لا يوجد ما يكفي من الطاقة النظيفة، حسبما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.

وقال مؤسس موقع “ديجيكونوميست” Digiconomist، وهو موقع إلكتروني يراقب التأثير البيئي للتكنولوجيات الجديدة، أليكس دي فريس: “إن استهلاك الطاقة يزداد، وإن غوغل تكافح لتلبية هذا الطلب المتزايد من مصادر الطاقة المستدامة”.

الذكاء الاصطناعي يهدد الأهداف الخضراء لشركات التقنية

تُعد مراكز البيانات مكونًا أساسيًا للتدريب وتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي، مثل جيميني Gemini من غوغل Google، أو “جي بي تي-4” GPT-4 من شركة “أوبن إيه آي” OpenAI.

وتحتوي هذه المراكز على معدات حاسوبية متطورة، أو خوادم، تعمل على معالجة كميات هائلة من البيانات التي تدعم أنظمة الذكاء الاصطناعي، حسبما نشرته صحيفة الغارديان البريطانية (theguardian).

وفقًا لوكالة الطاقة الدولية، يمكن أن يتضاعف إجمالي استهلاك الكهرباء من مراكز البيانات من مستويات عام 2022 إلى 1000 تيراواط/ساعة في عام 2026، أي ما يعادل الطلب على الكهرباء في اليابان.

تخطط الحكومات العالمية لزيادة موارد الطاقة المتجددة في العالم 3 مرات بحلول نهاية العقد، لخفض استهلاك الوقود الأحفوري بما يتماشى مع الأهداف المناخية.

وأصبح التعهد الطموح، الذي اتُّفق عليه في قمة المناخ كوب 28 في العام الماضي، موضع شك حاليًا، ويخشى الخبراء من أن الزيادة الحادة في الطلب على الطاقة من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي قد تجعله بعيد المنال، حسبما نشرته صحيفة الغارديان البريطانية (theguardian).

وحذرت وكالة الطاقة الدولية، وهي هيئة مراقبة الطاقة العالمية، من أنه على الرغم من نمو قدرة الطاقة المتجددة العالمية بأسرع وتيرة مسجلة في الأعوام الـ20 الماضية في عام 2023، فإن العالم قد يضاعف طاقته المتجددة فقط بحلول عام 2030 بموجب الخطط الحكومية الحالية.

وقد يكون الحل لـ”شهية الذكاء الاصطناعي للطاقة” هو أن تستثمر شركات التقنية بصورة أكبر في بناء مشروعات جديدة للطاقة المتجددة، لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة.

استعمال كميات أقل من الكهرباء

تتوالى الإنجازات الجديدة في تقنيات الذكاء الاصطناعي بما يمكّن الشركات من إنجاز المزيد بموارد أقل.

ومن ذلك -على سبيل المثال- ما حدث في مارس/آذار 2022، حينما أظهر مشروع ديب مايند المسمى “شينشيلا” (Chinchilla) للباحثين كيفية تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة باستعمال قوة حوسبة أقل بصورة جذرية، من خلال تغيير النسبة بين كمية بيانات التدريب وحجم النموذج الناتج.

ولكن هذا لم يسفر عن استعمال أنظمة الذكاء الاصطناعي نفسها لكميات أقل من الكهرباء؛ بل أدى بدلًا من ذلك إلى استعمال كمية الكهرباء نفسها لصنع أنظمة ذكاء اصطناعي أفضل.

وفي الاقتصاد، تُعرف تلك الظاهرة باسم “مفارقة جيفونز”، على اسم الخبير الاقتصادي الذي لاحظ أن تحسين المحرك البخاري بواسطة جيمس وات، الذي سمح باستعمال كميات أقل بكثير من الفحم، أدى بدلًا من ذلك إلى زيادة هائلة في كمية الوقود الأحفوري المحروق في إنجلترا.

ومع انخفاض سعر الطاقة البخارية بعد اختراع وات، اكتُشفت استعمالات جديدة لم تكن لتستحق العناء عندما كانت الطاقة باهظة الثمن.

 

المصدر : https://annabaa.org/arabic/environment/39429

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M