يُعدّ مفهوم الفيدرالية في العراق مسألة خلافية رسمت ملامح العلاقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم وباقي المحافظات في العراق. ولطالما كانت الاختصاصات ومسألة إدارة الدولة محل نزاع منذ إنشاء الدولة بعد عام 2003، ناهيك عن عدم الوصول إلى اتفاق رسمي بين الطرفين بشأن تقاسم السلطة في العراق. ويسبّب تفسير الإقليم للنصوص الدستورية بشكلٍ مُبالغ فيه، وما تراه الحكومة الاتحادية تهديداً وجودياً لسلطة الدولة العراقية، حالة من التعطيل لمسألة مهمة مثل الفيدرالية، التي أصبحت موضع نزاع كبير بعد عام 2003 بين حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، الأمر الذي أثّر على باقي المحافظات العراقية.
وقد تعثرت الجهود المبذولة لتنفيذ التدابير اللامركزية المنصوص عليها في دستور عام 2005 بسبب الغموض الذي تتّسم به هذه النصوص، فأظهرت العلاقة بين المركز والإقليم إشكالية واضحة، ما جعلها رهينة التوافقات بين الكتل السياسية لفترات زمنية محدودة، لتعود مجدداً إلى الواجهة السياسية، سواء بسبب اختلاف التفسيرات للمواد الدستورية في قانون إدارة الدولة، أو بسبب التعدي الدائم على الالتزامات بين الطرفين، فضلاً عن هشاشة مفهوم الفيدرالية في صيغتها الحقيقية والمراد منها.
وبما أن النظام السياسي هو المحرّك الأساسي لأي دولة، والذي تتحدد من خلاله قوة الدولة وسيطرتها وحضورها في الساحة الإقليمية والدولية، عبر الدستور الذي ينظم العلاقات ويضع القوانين للواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، يمكن القول إن تجربة العراق في إقامة نظام ديمقراطي فيدرالي بعد عام 2003 تخللتها العديد من المشكلات وقضايا الجدل والصراع بين الأطراف السياسية من جهة، وبين القوى الاجتماعية من جهة أخرى، بالإضافة إلى المسائل الخلافية بين الإقليم والمركز فيما يتعلق بقانون الأقاليم وتوزيع الاختصاصات والسلطات والصلاحيات بينهما وبين الحكومة الاتحادية.
لذلك يمكن الحكم بأن ظروف الحياة السياسية بعد عام 2003 أفرزت دستوراً يحمل في طياته الكثير من المواد الخلافية والمتناقضة، وكان سبباً في جزء كبير من الصراع حول القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية بين الإقليم والمركز، وهو مثال واضح يعيشه العراقيون يومياً. كما أن هناك إرادات سياسية مختلفة: بعضها يريد تطبيق الفيدرالية الإدارية، وأخرى تريد الفيدرالية الإقليمية، وثالثة تسعى لدمج المحافظات المتجاورة جغرافياً في أقاليم فيدرالية على غرار إقليم كردستان، ولم تُنظّم تلك النوايا أو المحاولات في إطار واضح سوى الصراع بين الأطراف السياسية.
وبالمجمل، نجد أن هناك صعوبات تعيق تعزيز مفهوم الفيدرالية في العراق وتمثيله بأفضل وجه، من أبرزها: عدم ترسيخ مفهوم الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وعدم الاحتكام للقانون، وضعف الفهم لعملية بناء المؤسسات على أسس وطنية بدلاً من الجماعات والزعامات.
وفي هذه الورقة سيتم التعريف بأبرز القضايا الخلافية بين المركز والإقليم التي سبّبها الفهم الخاطئ للفيدرالية وأضعفها، وصولاً إلى حالة الخوف من تبنيها، نتيجة السياسات المتبعة من الطرفين والولاءات الخارجية. وتشمل هذه القضايا: مسألة المناطق المتنازع عليها بين الطرفين، مسألة الموازنة العامة وتصرف الإقليم بالثروات الطبيعية التي يُفترض أن يكون مردودها المادي ملكاً لجميع العراقيين، إضافة إلى الخلافات حول بعض النصوص الدستورية أو تفسيرها بسبب الإرادات السياسية.
كل هذه القضايا وغيرها أضعفت مفهوم الفيدرالية في العراق وشتّتته بين الأطراف، وكلفت البلاد ملايين الدولارات بسبب عدم الوصول إلى اتفاق رسمي وواضح بين المركز والإقليم يحدد شكل العلاقة وينظم الاختصاصات والصلاحيات التي تقع على عاتق كل طرف، ويُبعد العراقيين عن الفتن وإثارة النزعات الطائفية أو القومية.