بيروت ـ (أ ف ب) – باشر عدد من الدول توفير خدمات شبكة اتّصالات الجيل الخامس المعروفة بـ”5 جي” (5G) وسط منافسة عالمية على نشرها. ويترافق هذا التطور مع تحذيرات صحيّة كثيرة ومخاوف، نتناولها في هذا الموضوع سعيا لكشف الحقيقة من الوهم.
شبكة 5 جي ثورة في الاتصالات
تشكل تكنولوجيا شبكة الجيل الخامس ثورة هائلة في عالم الاتصالات. فهي ستوفر سرعة فائقة في نقل البيانات بالمقارنة مع تكنولوجيا الجيل الرابع الحالية، ما سيتيح وصولاً أسرع إلى المحتويات مع إمكان نقل مليارات البيانات من دون عرقلة.
وستسمح تكنولوجيا الجيل الخامس بالربط بين الأجهزة الإلكترونية على أنواعها، ما يساهم في انتشار تقنيّات المستقبل على نطاق أوسع كالسيارات الذاتية القيادة والمصانع المشغَّلة آلياً والعمليات الجراحية من بعد والروبوتات “الذكية” وغيرها.
وبهدف زيادة حجم البيانات المتداولة، تستخدم شبكة الجيل الخامس نطاق ترددات أعلى من تلك المستخدمة في شبكة الهواتف الخليوية الحالية، تنطلق من 3,4 غيغاهرتز لتتخطى 26 غيغاهرتز مستقبلا.
ولكن كلما علت الترددات كانت الموجات أقصر. لذلك، يتطلب نشر شبكة الجيل الخامس زيادة عدد الهوائيات، ما يثير مخاوف بعض المنظمات غير الحكومية.
وبدأت الولايات المتحدة نشر شبكة الجيل الخامس في بعض المدن، كما أعلنت كوريا الجنوبية في نيسان/أبريل تغطية شاملة لأراضيها.
وفي أوروبا، باتت سويسرا وفنلندا وإستونيا وموناكو أول من بدأ بنشر شبكة الجيل الخامس، في حين قدمت ألمانيا للمشغلين الترددات الضرورية لذلك، وستحذو حذوها.
أما الصين، فبدأت توفير خدمات الجيل الخامس منذ الأول من تشرين الثاني/نوفمبر في خمسين مدينة بينها بكين وشنغهاي.
الترددات الراديوية وصحة الإنسان
كثيرة هي مصادر الترددات الراديوية من حولنا: الهواتف الخليوية وحتى أجهزة التلفزيون والراديو وشبكات الإنترنت اللاسلكي (WI-FI). وأوردت أن ذلك يثير “مخاوف .. رغم أن الأبحاث لم تثبت حتى الآن أن التعرض إلى الحقول الكهرومغناطيسية المنخفضة القوة يشكل خطراً على الصحة”.
مع ذلك، تشير بعض الدراسات إلى “إمكان زيادة خطر الورم الدماغي، على المدى الطويل، لدى مستخدمي الهواتف الخليوية بشكل كثيف” بحسب الوكالة الوطنية الفرنسية للأمن الصحي للغذاء والبيئة والعمل (ANSES).
وهذا ما حمل التابعة لمنظمة الصحة العالمية عام 2011 على تصنيف الترددات اللاسلكية بأنها “قد تكون مسرطنة للإنسان”، موصية باعتماد وسائل استخدام الهاتف بعيدا من الرأس.
و في نشر عام 2016، قدرت الوكالة الوطنية الفرنسية للأمن الصحي للغذاء والبيئة والعمل أن موجات الأجهزة الخليوية والأجهزة اللوحية والألعاب المتصلة قد يكون لها تأثير على الوظائف الإدراكية للأولاد وعلى ذاكرتهم وقدرتهم على التركيز والتنسيق. وأوصت بالحد من تعريض الأولاد لها.
تأثيرات بيوليوجية/تأثيرات صحيّة
تقول منظمة الصحة العالمية إن “الأثر البيولوجي الرئيسي للحقول الكهرومغناطيسية الناجمة عن الترددات اللاسلكية هو اثر حراري”، ما يعني ارتفاع الحرارة في المناطق المعرضة لهذه الحقول.
إلى ذلك، أوضح الخبير في الوكالة الوطنيّة الفرنسية للأمن الصحي للغذاء والبيئة والعمل أوليفييه ميركل أن “بعض الدراسات أشارت إلى وجود مفاعيل بيولوجية تطاول مجالات محددة كالنوم أو الضغط”.
لكن تجدر الإشارة إلى أن المفاعيل البيولوجية لا تعني بالضرورة آثارا صحية، الأمر الذي يصعب على غير المتخصصين تمييزه.
فالآثار البيولوجية هي إشارة إلى أن الجسم يتأقلم مع تغيرات بيئته.
ويشرح الباحث إبراهيم سلماوي من المعهد الفرنسي للبيئة الصناعية والمخاطر أن “الإجهاد مثلا يرفع نسبة الأدرينالين، والجهد الجسدي يرفع حرارة الجسم، وهذا رد فعل فيزيولوجي طبيعي”.
وتنحصر المسألة تالياً في معرفة ما إذا كان تراكم الآثار البيولوجية يفوق قدرة جسم الإنسان على التأقلم، الأمر الذي قد تكون له حينها عواقب على صحة الإنسان.
خلاصات بحلول 2020
يقول أوليفييه ميركل إن نطاق الترددات المعتمدة لبدء نشر شبكة الجيل الخامس، أي نحو 3,5 غيغاهرتز، “قريب جدا من تلك المستخدمة حاليا لشبكة الجيل الرابع أو شبكة الإنترنت اللاسلكية (واي فاي)”. وبالتالي، فإن ذلك لا يغير بشكل جذري الأسئلة العلمية المطروحة حولها.
إلا أن الأمر سيختلف مع تغير النطاق لاحقا ليصل إلى 26 غيغاهرتز (وهذا ما يطلق عليه اسم شبكة الجيل الخامس الميليمترية).
ويقول ميركل بهذا الصدد إنه “اعتبارا من 10 غيغاهرتز، لا تدخل الطاقة الكهرومغناطيسية عمليا إلى الجسم بل تتركز على مستوى البشرة: ويطرح ذلك أسئلة مختلفة لناحية الآثار المحتملة على الصحة”.
كما يوضح سلماوي أنه “عند عتبة الـ 70 غيغاهرتز، لا يكون الدماغ معرضا البتة، ويكون التركز سطحياً على مستوى البشرة والأذنين”.
والمعلومات عن هذه المسائل غير وافية في الوقت الحاضر.
عام 2012، قامت الوكالة الوطنية الفرنسية للأمن الصحي للغذاء والبيئة والعمل بتقييم المستخدمة في المطارات والتي تعمل بالموجات الميليمترية، فكانت الخلاصة أن “هذا النوع من الماسحات لا يشكل خطرا على صحّة الإنسان”.
ولكن الموجات وإن تشابهت من حيث النوع، فهي تختلف لناحية استخدامها. فمع الانتقال إلى الجيل الخامس، سيكون تعرض الناس للموجات على نطاق أوسع بكثير.
وبحسب أوليفييه ميركل، تستعد الوكالة الوطنية الفرنسية للأمن الصحي للغذاء والبيئة والعمل لمباشرة دراسة تحليلية حول الآثار المحددة التي قد تتأتى من إشارات شبكة الجيل الخامس على الإنسان، تأمل في إتمامها بحلول “نهاية 2020”.