- تعمل الحكومة الإسرائيلية الحالية بصورة حثيثة لضم الضفة الغربية، من خلال تشريع قوانين تُمهد لضم الضفة الغربية، وفرض وقائع على الأرض عبر تكثيف البناء الاستيطاني وتوسيع الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وهدم البيوت الفلسطينية وتهجير تجمعات فلسطينية.
- لا تستطيع الحكومة الإسرائيلية ضم الضفة الغربية رسمياً بدون ضوء أخضر من الإدارة الأمريكية، وحتى الآن لم يصدر موقف أمريكي رسمي يؤيد ضم الضفة الغربية، ما يعكس تردداً في تأييد الضم في هذه المرحلة على الأقل.
- سترد حكومة نتيناهو على موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية في سبتمبر المقبل من خلال توسيع البناء الاستيطاني في منطقة E1 قرب مدينة القدس لفصل شمال الضفة عن جنوبها، وإعادة بناء المستوطنات التي أُخليت في خطة الانسحاب من شمال الضفة الغربية عام 2005.
- يرجَّح أن يعطينتنياهو اليمين الاستيطاني، متمثلاً بقائمة “الصهيونية الدينية”، الحرية لتنفيذ ما تريده فعلياً في الضفة الغربية من دون أي قيود، وفي الوقت نفسه سيمتنع عن الإعلان عن ضم الضفةالغربية أوالسماح بتشريع قانون لفرض السيادة الإسرائيلية عليها، لإدراكه أن ذلك سوف يُضر بمصالح إسرائيل على المستوى الإقليمي والدولي.
تسير الحكومة الإسرائيلية بخطى سريعة نحو ضم الضفة الغربية، سواء من خلال فرض حقائق على الأرض أو من خلال إقرار تشريعات قانونية تُمهّد للإعلان الرسمي-القانوني عن ضم الضفة الغربية. ويرتبط مشروع الضم بضوء أخضر أمريكي، فإسرائيل تستطيع عملياً ونظرياً الإعلان عن ضم الضفة الغربية بتشريع قانوني في الكنيست، وستجد حتى أعضاء في المعارضة تدعم تلك الخطوة، ومع ذلك تمتنع إسرائيل عن فعل ذلك من دون موافقة أمريكية. وفي مقابل الضم هناك موجة جديدة مرتقبة من الاعتراف بدولة فلسطين في شهر سبتمبر المقبل، وعودة حلّ الدولتين من جديد إلى الأجندة الإقليمية والدولية، وهو الحراك الذي قد ترد إسرائيل عليه بمزيد من الخطوات في الضفة الغربية.
تتناول هذه الورقة سياسات إسرائيل تجاه ضم الضفة الغربية، وموقفها من الاعتراف بدولة فلسطين، وتحديات الضم وتداعياته وسيناريوهاته.
بين الضم والاعتراف بدولة فلسطين
تعمل الحكومة الإسرائيلية منذ تشكيلها في نهاية 2022 بصورة حثيثة لضم الضفة الغربية بشكل نهائي إلى دولة إسرائيل، وتتحرك الحكومة بمستويين: تشريع قوانين تُمهد لضم الضفة الغربية، وفرض وقائع على الأرض من خلال عمل “دائرة الاستيطان” التي تشكلت في وزارة الدفاع برئاسة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش والتي تعمل على توسيع المستوطنات، وتشريع البؤر الاستيطانية، وإقامة مستوطنات جديدة، وشق شوارع جديدة بشكل غير مسبوق منذ العام 1967. وقد أشار تقرير لحركة “السلام الآن” الإسرائيلية إلى أن العام 2024 اتسم بتقليص الحيز الفلسطيني في مناطق “ب” (الخاضعة لسيطرة إسرائيل أمنياً وسيطرة السلطة الفلسطينية مدنياً) و”ج” (الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية مدنياً وأمنياً)، وتوسيع الوجود الإسرائيلي فيهما.
وكان الكنيست قد صادق في 23 يوليو الماضي على قانون (غير ملزم) يُؤيد ضم الضفة الغربية، وأيد القانون 71 عضو كنيست (أعضاء الائتلاف وحزب إسرائيل بيتنا برئاسة أفيغدور ليبرمان) وعارضه 13 عضو كنيست (القوائم العربية وأعضاء من حزب العمل). وبعث وزراء حزب الليكود ورئيس الكنيست، أمير أوحانا، برسالة إلى نتنياهو طالبوه بالإعلان عن ضم الضفة الغريبة قبل عطلة الكنيست الصيفية ولقائه مع ترامب، وهو أمر لم يحدث طبعاً.
في المقابل، هاجمت إسرائيل بشدة إعلان دول أوروبيّة، وبخاصة فرنسا وبريطانيا وكندا ولاحقاً أستراليا، عن نيّتها الاعتراف بدولة فلسطينيّة في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر المقبل، واعتبرت أن الاعتراف بدولة فلسطين بمنزلة “جائزة للإرهاب”. وكانت إسرائيل قد تنبهت في وقت سابق لتوجهات فرنسا وبريطانيا الاعتراف بدولة فلسطين، وبحسب مصادر فقد هدّد رون ديرمر، وزير الشؤون الاستراتيجية، فرنسا وبريطانيا في مايو الماضي بأنه إذا اعترفت بدولة فلسطين فإن إسرائيل سوف ترد على ذلك بضم أجزاء من الضفة الغربية وتقنين بؤر استيطانية غير قانونية.
وكان الكنيست قد أقر في يوليو 2024 قانوناً بأغلبية 68 عضواً ينص على أن الكنيست “يُعارض بصورة قاطعة إقامة دولة فلسطينية غرب نهر الأردن، التي ستُشكل خطراً وجودياً على دولة إسرائيل، وجائزة للإرهاب، ومدخلاً لسيطرة الإسلام الجهاديّ على الشرق الأوسط”. وفي فبراير 2024 أقرّ الكنيست بيان الحكومة الذي يعارض الاعتراف أحاديّ الجانب بالدولة الفلسطينية بأغلبية 99 عضواً. وصرّح نتنياهو بعد إقرار البيان قائلاً “أبارك لأعضاء الكنيست، بما في ذلك من المعارضة، الذي صوتوا بأغلبية كبيرة مع اقتراحي المتمثل بأنه يجب على إسرائيل معارضة أن يفرضوا عليها بشكل أحاديّ إقامة دولة فلسطينية”. وحتى قبل اندلاع الحرب في غزة، ألغى الكنيست في مارس 2023 قانون الانسحاب من قطاع غزة وشمال الضفة الغربية لعام 2005 (بتأييد 31 عضو كنيست ومعارضة 18 عضواً). وفي 8 يوليو 2025 زار وزير المالية سموتريتش واحدة من المستوطنات (مستوطنة صانور) التي تم تفكيكها بحسب القانون، وتعهد ببناء المستوطنات هناك مجدداً.
يتزامن العمل القانوني الحثيث مع فرض وقائع على الأرض، من خلال البناء الاستيطاني المكثف، وبخاصة في فترة الحكومة الحالية، ففي العام 2024 تم بناء 59 بؤرة استيطانية، أغلبها مستوطنات زراعية تسكنها عائلة واحدة، وفي بعض الأحيان شخص واحد، ولكنها تُسيطر على مساحة زراعية واسعة، وتعمل على طرد الفلسطينيين من هذه المساحات، وبخاصة المعدة للرعيّ والزراعة. وللمقارنة، فإنه خلال الفترة من العام 1996 حتى 2023، كان يتم بناء أقل من 7 بؤر بالمعدل العام في السنة. وطالت عملية بناء البؤر الاستيطانية، لأول مرة منذ توقيع اتفاق أوسلو مناطق “ب”، حيث تم بناء 8 بؤر استيطانية. وصادق مجلس التخطيط والبناء على بناء نحو 10 آلاف وحدة استيطانية في العام 2024، وبدء تفعيل قرار الحكومة من يونيو 2023 الذي ينص على أن البناء الاستيطاني في الضفة الغربية لم يعد يحتاج إلى مصادقة الحكومة الإسرائيلية، مما حوّل سموتريتش إلى حاكم الضفة الغربية الفعلي فيما يتعلق بالبناء والتخطيط. وإلى جانب البناء الاستيطاني تم شق شوارع، جزء منها غير قانوني بطول 114 كيلومتراً بهدف توسيع المستوطنات، وتسهيل الوصول إلى البؤر الاستيطانية في عمق الحيّز الفلسطيني.
لم يتوقف عمل الحكومة على الاستيطان، بل يُعتبر العام 2024 الأعلى في الإعلان عن أراض في الضفة الغربية أنها أراض دولة، حيث تم إعلان عن نحو 24 ألف دونم أنها أراض دولة، بالمقارنة مع 501 دونم عام 2023. وتشير معطيات منظمة “بتسليم” إلى أن إسرائيل هدمت في العام 2023، 554 مبنىً فلسطينياً، وارتفع عدد المباني المهدومة إلى 840 عام 2024، ووصل إلى 635 مبنىً حتى الآن في العام 2025.
وترافق عملية الاستيطان عمليات طرد للفلسطينيين من خلال مهاجمة ميليشيات المستوطنين المسلحة القرى الفلسطينية، وبالذات التجمعات البدوية الرعوية في مناطق “ج”، بهدف طردها. وتحظى هجمات المستوطنين بصمت من الجيش وتواطؤ من الأجهزة الأمنية والشرطية والقضائية. وحتى عندما يتم طرد تجمع بدوي وتُقر المحكمة العليا بإعادة الناس يمنع الجيش عودتهم أو تستمر هجمات المستوطنين عليهم لمنعهم من العودة، وتم تسجيل عشرات الحالات في هذا الصدد، وآخرها كان في قرية عين أيوب في منطقة رام الله.
بناء على معطيات الجيش الإسرائيلي في شهر يوليو من العام الحالي، وهي معطيات رسمية ينشرها الجيش لأول مرة حول عنف المستوطنين، فإن عدد العمليات العنيفة للمستوطنين ضد الفلسطينيين وصلت في العام 2024 إلى 618 عملية، في حين وصلت إلى 404 عمليات في النصف الأول من عام 2025، مما يدل على ارتفاع كبير في عنف المستوطنين تجاه الفلسطينيين. ويعتبر عنف المستوطنين جزءاً من مشروع طرد الفلسطينيين من أماكن وجودهم، من خلال فرض نظام من الإرهاب عليهم دون أدنى محاسبة لهم.
الموقف الأمريكي من ضم الضفة الغربية
لا تستطيع الحكومة الإسرائيلية ضم الضفة الغربية رسمياً من دون ضوء أخضر من الإدارة الأمريكية. وحتى الآن لم يصدر موقف أمريكي رسمي يؤيد ضم الضفة الغربية، وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد وعد خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نتنياهو في أول زيارة له للبيت الأبيض في فبراير 2025، بفحص موقف الإدارة الأمريكية من الضم والإعلان عنه خلال أربعة أسابيع، وهو ما لم يحدث حتى الآن، وأكد حينها أن إسرائيل دولة صغيرة من حيث المساحة.
وبينما أشار مسؤولون أمريكيون مقربون من ترامب إلى أن ضم الضفة الغربية في هذه الظروف سوف يُضر بإسرائيل كثيراً، فإن عدداً من السياسيين الجمهوريين في المقابل يعبرون عن مواقف تؤيد الضم، مثل رئيس مجلس النواب الأمريكي، مايك جونسون، الذي قام بزيارة لمستوطنة “أرييل” في بداية أغسطس 2025، أشار خلالها إلى أن “يهودا والسامرة” هي لليهود وأنه يؤيد ضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، واعتُبرت زيارة جونسون أول زيارة لمسؤول أمريكي بهذا المستوى الرفيع للمستوطنات في الضفة الغربية. ويدعم السفير الأمريكي في إسرائيل، مايك هكابي، المعروف بتوجهاته الدينية اليمينية الداعمة لإسرائيل، ضم الضفة الغربية لإسرائيل ومعارضته إقامة دولة فلسطينية، وتصريحاته حول عدم وجود شعب فلسطيني، وهي مواقف عبّر عنها مراراً، ولكنه لم يُعبر عن موقفه من الضم بعد تعيينه رسمياً في منصبه، مثل باقي المسؤولين في الإدارة الأمريكية، وعندما سُئل عنها في جلسة الاستماع في مجلس الشيوخ قال إنه سيمثل موقف الإدارة الأمريكية وليس مواقفه الشخصية.
يتضح من غياب أي تصريحات رسمية أمريكية من طرف إدارة ترامب، أن هناك على الأقل تردداً في اتخاذ موقف يُؤيد ضم الضفة الغربية، وربما يعود ذلك إلى مجموعة من العوامل:
أولاً، عدم وضوح نتائج الحرب على غزة، والتي قد تؤثر كثيراً على الحالة الفلسطينية عموماً، فعدم انتهاء الحرب وغموض المخرج السياسي لها يجعل موضوع ضم الضفة الغربية خارج حسابات الإدارة الأمريكية في هذه المرحلة.
ثانياً، عزلة إسرائيل والضغط الدولي عليها فيما يتعلق بسياساتها في قطاع غزة والضفة الغربية، وتزايد الغضب الدولي حتى من أصدقاء إسرائيل في العالم من نهجها في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما يُحوّل فكرة دعم ضم الضفة الغربية إلى خطوة متطرفة في هذه المرحلة، وقد تُولّد رد فعل دولاًّ شديد وغير متوقع يُضر بإسرائيل، وربما يُؤدي إلى خطوات عقابية عليها امتنعت الدول عن اتخاذها حتى الآن.
ثالثاً، الطموح لدى ترامب بإمكانية توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية، والتي يراها أولوية لديه في سياساته في المنطقة، في حين دعم ضم الضفة الغربية سوف يُنهى أي أمل في إمكانية عقد اتفاقيات تطبيع جديدة، لذلك فالأولوية عند ترامب هي توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية وليس الضم.
رابعاً، عودة حلّ الدولتين إلى الأجندة الإقليمية والدولية، والذي تمثل في عقد مؤتمر دولي لحلّ الدولتين بمبادرة سعودية-فرنسية، وتوجه دول جديدة نحو الاعتراف بدولة فلسطين. وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو هاجم فرنسا على مواقفها، فإن الإدارة الأمريكية لا تستطيع تجاهل هذا التحول بخطوة متطرفة بتأييد ضم الضفة الغربية.
تداعيات الضم
يحمل قرار ضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية تداعيات عميقة فلسطينياً وإقليمياً، ويمكن الإشارة إلى أهمها:
أولاً، على القضية الفلسطينية
يُعد ضم إسرائيل الضفة الغربية نهايةً لحلّ الدولتين، وبخاصة إذا أعقبه اعتراف أمريكي بذلك. ومن المتوقع أن تعمل إسرائيل على ضم الأرض من دون ضم السكان، ما يُؤسّس لنظام فصل عنصري (أبارتهايد) في الضفة الغربية حتى لو أبْقت إسرائيل على السلطة الفلسطينية التي ستتحول إلى سلطة ينحصر هدفها بتقديم خدمات مدنية للسكان (إدارة محلية أو سلطة بلدية)، وهو ما قد يفتح المجال لسجال فلسطيني يطالب بتفكيك السلطة الفلسطينية التي ستفقد بشكل نهائي وظيفتها كسلطة تمهيدية للدولة، ومن أجل تعميق أزمة إسرائيل في أعقاب الضم بتحميلها مسؤولية السكان الفلسطينيين.
ثانياً، على إسرائيل
يُعمق ضم الضفة الغربية الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي الذي يعارض أغلبيته الضم الشامل للضفة الغربية. ففي استطلاع أجراه معهد دراسات الأمن القومي في ديسمبر 2024، عارض 34% من الجمهور الإسرائيلي أي شكل من أشكال الضم في الضفة الغربية، في حين أيّد 21% ضم كل الضفة الغربية، مقابل 21% أيّدوا ضم المستوطنات فقط (الكتل الاستيطانية).
تنبع معارضة الضم لدوافع مختلفة، منها ما هو أخلاقي-سياسي لأن الضم يخلق نظام فصل عنصري، ويُحول إسرائيل من دولة محتلة وفق القانون الدولي إلى دولة أبارتهايد، مثل جنوب أفريقيا خلال حكم الأقلية البيضاء، فضلاً عن تأييد أصحاب هذا الرأي لحلّ الدولتينييأ. وثمة من يعارض الضم لدوافع سياسية، إذ يرى أصحاب هذا الرأي أن الضم قرار مصيري ويجب الذهاب إلى انتخابات قبل تنفيذه لفحص شرعية وتأييد المجتمع لهذا القرار، فالمعارضون يعتقدون أن خطة الضم هي مشروع لمجموعة أقلية في المجتمع الإسرائيلي، ويتعين عليها الحصول على تأييد الجمهور بهذه الخطوة من خلال إجراء انتخابات. في حين أن هناك معارضون للضم من منطلقات أيديولوجية، إذ إن الضم يصطدم مع تعريف إسرائيل كدولة يهودية، فالضم سيؤدي على المدى البعيد إلى نهاية إسرائيل كدولة يهودية بسبب اضطرار إسرائيل لضم السكان على المدى البعيد. وهناك من يعارضه لأسباب منفعية، حيث سيؤدي الضم إلى عزلة إسرائيل دولياً، وفرض عقوبات عليها، وفتح ملفات ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية، مما يُعقد الوضع القانوني والدولي لإسرائيل بسبب ضم الضفة الغربية.
ثالثاً، على الاتفاقيات الإبراهيمية
تنفيذ خطة الضم بتشريع قانوني يُشكل ضربةً سياسية للاتفاقيات الإبراهيمية، على الأقل من حيث تقويض أي فرصة لتوقيع اتفاقيات جديدة بين إسرائيل ودول في المنطقة، سيما مع المملكة العربية السعودية. وضم الضفة الغربية سيتعارض مع قرارات القمة العربية في القاهرة في مارس 2025 التي جدّدت الموقف العربي من حلّ الدولتين مقابل السلام مع إسرائيل، وقد يُولّد حالة من الاحتقان الشعبيّ في الدول العربية ضد التطبيع مع إسرائيل أو التعامل معها.
رابعاً، على الأردن
يُعد الأردن من الدول الأكثر تضرراً من ضم الضفة الغربية، إذ إن هذه الخطوة الإسرائيلية تنطوي على خطر تهجير فلسطينيي الضفة نحو الحدود الأردنية، كما أن ضم الضفة يعني عدم تقويض الآمال بقيام الدولة فلسطينية، ما قد يُعيد من جديد فكرة اليمين الإسرائيلي حول الوطن البديل، والتي تُفيد بأن الأردن هو الدولة الفلسطينية، وخاصة إذا انهارت السلطة الفلسطينية جراء ضم الضفة. وبغض النظر عن واقعية هذا الطرح حالياً، فإن الأردن الذي يعاني من ضغوط واحتقان داخلي بسبب الحرب في غزة، سيتصاعد الاحتقان الشعبي بعد ضم الضفة، وستزداد الفجوة بين اعتبارات النظام الأردني السياسية والأمنية والمطالب الشعبية التي ستضغط نحو قطع العلاقات مع إسرائيل وتجميد اتفاقية السلام.
سيناريوهات ضم الضفة الغربية
بناء على ما جاء في الورقة، تُمكن الإشارة إلى مجموعة من السيناريوهات المتوقعة لتوجهات الحكومة الإسرائيلية لضم الضفة الغربية في المرحلة المقبلة.
السيناريو الأول: ضم الضفة الغربية كلها
ينطلق هذا السيناريو من أن الحكومة الإسرائيلية ستشرّع قانوناً بضم الضفة الغربية كلها، وخاصة بعد الخطوات العملية التي نفذتها الحكومة في الضفة من أجل التمهيد للضم، مثل توسيع البناء الاستيطاني، وتضييق الحيز الفلسطيني، واحتلال عملي ومباشر لمناطق تابعة للسلطة الفلسطينية. يعتمد هذا السيناريو على وجود تأييد واسع داخل الحكومة الإسرائيلية لضم الضفة الغربية يشمل وزراء الليكود أيضاً. وبناء على هذا السيناريو، يُدرك اليمين أن لديه فرصة تاريخية قد لا تتكرر من أجل ضم الضفة الغربية، فليس مؤكداً قدرة الائتلاف الحالي على الفوز في الانتخابات المقبلة المقررة في نوفمبر 2026، وقد تتغير الخارطة السياسية الإسرائيلية وتضيع هذه الفرصة. كما يُعول اليمين على أن الإدارة الأمريكية الحالية سوف تعترف بضم الضفة الغربية.
ويدفع اليمين نحو هذا السيناريو في أعقاب موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية، وعودة موضوع حلّ الدولتين إلى الواجهة الدولية من جديد، ويَعتقد أن الضم -رغم الأثمان التي قد تدفعها إسرائيل جراء هذه الخطوة- سيؤدي في النهاية إلى تكيّف العالم معه حتى لو يكن موافقاً عليها، كما حدث مع قانون ضم القدس وقانون ضم الجولان، وسيزول الغضب الدولي تدريجياً، وستتلاشى أي عقوبات على إسرائيل إذا تم فرضها أصلاً في أعقاب هذه الخطوة.
يُواجه هذا السيناريو تحديّات عديدة، من أهمها عدم وجود موقف رسمي أمريكي داعم لخطوة الضم حتى الآن، فليس هناك أي مؤشرات أمريكية تشي بتأييد أمريكي لها، كما أن الضم قد يُهدد فرص إسرائيل بالتطبيع مع دول في المنطقة، وحتى إنه قد يُهدد مستوى العلاقات مع الدول العربية التي لها علاقات مع إسرائيل، كما أن عزلة إسرائيل الدولية قد تزيد. وعلى الرغم من أن أوساطاً في إسرائيل تدعي أن العالم سيتكيّف مع الضم، فإن هذا الأمر غير مؤكد، كما أن الاعترافات بالدولة الفلسطينية تفرض على الدول المعترفة اتخاذ خطوات ضد إسرائيل، ناهيك عن الغضب الشعبي الدولي المتصاعد ضد إسرائيل، فضلاً عن أن الضم سوف يُحول إسرائيل إلى دولة فصل عنصري وقد يلحقها من عقوبات وعزلة ما لحق بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وسيكون أمامها خيارين، إما منح الفلسطينيين حقوقاً سياسية ومدنية، أو إلغاء حالة الفصل العنصري من خلال إلغاء الضم.
السيناريو الثاني: ضم أجزاء من الضفة الغربية
ينطلق هذا السيناريو من فكرة ضم جزء من الضفة الغربية، لا سيّما الأغوار والمناطق التي يطلق عليها مناطق “ج”، والتي تُشكل 60% من مساحة الضفة الغربية، وتقع فيها جميع المستوطنات ويعيش ضمن حدودها جميع المستوطنين، إلى جانب عدد محدود من الفلسطينيين تتراوح أعدادهم بين 100 و150 ألف بحسب مصادر متعددة. ويعتبر هذا الخيار هو المفضل لدى التيار الرئيس في اليمين (تيار المركز-يمين)، فهو يضمن ضم أغلب الأرض من دون أغلب السكان الفلسطينيين، ويحرّر إسرائيل من تبعات منح الفلسطينيين حقوقاً مدنية وسياسية. ومع تواصل تهجير التجمعات السكنية الفلسطينية في مناطق “ج” فقد تمنح إسرائيل لجزء منهم مواطنةً أو إقامة كما هو حال سكان القدس، علاوة على أنه يُحرر إسرائيل من تبعات تقديم خدمات أو حقوق للسكان الفلسطينيين في المناطق التي تقع خارج مناطق “ج”. ويضمن هذا السيناريو لإسرائيل عدم وصفها بدولة “فصل عنصري”، ويصدّ ادعاءات المعارضين من الإسرائيليين الذي يتخوفون أن ضم الضفة الغربية سوف يُهدد الطابع اليهودي لدولة إسرائيل، كما أنه يضمن تأييد جزء من المجتمع الإسرائيلي الذي يعتقد أن على إسرائيل ضم مناطق حيوية في كل تسوية مستقبلية، مثل غور الأردن والكتل الاستيطانية الكبيرة.
يُواجه هذا السيناريو جزءاً من تحديات السيناريو الأول، فضم مناطق “ج” هو عملياً يقضي على حلّ الدولتين أيضاً، “ويحشر” الفلسطينيين في 40% من الضفة الغربية التي لا تصلح لأن تكون دولة ولا تقدم للفلسطينيين أفقاً للتطور والتنمية، وتقطع الفلسطينيين عن عُمقهم الجغرافي والاقتصادي في مناطق “ج”، ويمنعهم من استعمال شبكة الطرق التي ستكون للمستوطنين فقط، وهو أيضاً مؤشر على نظام “فصل عنصري” لن تستطيع إسرائيل الإفلات منه.
السيناريو الثالث: تعزيز واقع الضم دون ضم قانوني
ينطلق هذا السيناريو من إدراك إسرائيل لتبعات ضم الضفة الغربية قانونياً، وبالذات في سياق الغضب الدولي على الحرب في قطاع غزة، وسيكون خيارها هو تعزيز وتعميق الضم الفعلي للضفة الغربية من دون “قَوننة”، على عكس الحالة في القدس حين أقر الكنيست “قانون أساس القدس عاصمة لإسرائيل” عام 1980. وينطلق هذا السيناريو من أن المهمة الأساسية في هذه المرحلة هي منع إقامة دولة فلسطينية من خلال فرض وقائع على الأرض تُعقّد خيار حلّ الدولتين. ويعتمد هذا السيناريو على الصمت الأمريكي على الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والذي يعطيها المساحة لتغيير الواقع في الضفة الغربية، في حين أن الضم القانوني هو خطوة متطرفة لن يتحملها الجانب الأمريكي، على الأقل في هذه المرحلة.
وفي هذا الصدد، يمنح نتنياهو اليمين الاستيطاني في حكومته الحرية في تنفيذ مخططاتهم الاستيطانية في الضفة الغربية من دون أن يضم الضفة الغربية قانونياً، وجعل الضفة الغربية بصورة واقعية وكأنها جزء من إسرائيل من خلال تشريعات قانونية عينيّة تتعلق بتغيير المكانة القانونية للمستوطنات والمستوطنين ومساواتهم مع الإسرائيليين الذين يسكنون داخل الخط الأخضر، وكل ذلك من دون الإعلان عن ضم رسمي للأرض وفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية. وقد تلجأ إسرائيل إلى تعميق الاستيطان في مناطق تعتبر “خطوطاً حمراء” في المجتمع الدولي، كرد على موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية، مثل توسيع البناء في منطقة E1 قرب مدينة القدس، لفصل شمال الضفة عن جنوبها، وإعادة بناء المستوطنات التي أُخليت في خطة الانسحاب من شمال الضفة الغربية عام 2005.
يواجه هذا السيناريو تحديّاً من داخل اليمين، الذي يعتقد أن الوقت ينفد أمامه بسبب اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية التي قد تؤدي إلى سقوطه، وقد تُهدد حكومة جديدة جميع الإنجازات التي حققها ونفذها في الضفة الغربية منذ تشكيل الحكومة الحالية. بالإضافة إلى ذلك، فإن اليمين متخوف من أن سعي الإدارة الأمريكية لتحقيق انفراج في اتفاقيات التطبيع بعد الحرب على غزة سوف ينهي فكرة الضم نهائياً، لذلك يزداد ضغط قوائم اليمين الصهيوني في الحكومة على نتنياهو لاتخاذ خطوة في هذا الصدد.
استنتاجات
يستمر اليمين بالضغط على نتنياهو من أجل إعلان ضم الضفة الغربية. وفي المقابل، يحاول نتنياهو إدارة هذه القضية بهدف الحفاظ على مصالح متباينة ومتناقضة في الوقت نفسه. فمن جهة يعطي اليمين الاستيطاني متمثلاً في قائمة “الصهيونية الدينية” بتنفيذ ما تريده فعلياً في الضفة الغربية من دون أي قيود، ومن جهة ثانية يمتنع عن الإعلان عن ضم الضفة أو السماح بتشريع قانون لفرض السيادة الإسرائيلية عليها، لإدراكه أن ذلك سوف يُضر بمصالح إسرائيل على المستوى الإقليمي والدولي.