| ملخص |
| هدفت الدراسة بشكل رئيسي لتحليل أدوار الفاعلين من غير الدول (هيئة تحرير الشام) ودورها في تغيير النظام السياسي السوري عام 2024، وسعت الدراسة للإجابة عن التساؤل الرئيس المتمثل في: ما دور هيئة تحرير الشام في التغيير السياسي في سوريا عام 2024؟، ولتحقيق أهداف الدراسة تم الاعتماد على منهج تحليل النظم، والمنهج الوصفي التحليلي، وتبين من خلال الدراسة إن ظهور الجهات الفاعلة غير الحكومية العنيفة في الشرق الأوسط ارتبط بالضعف المتزايد للدول في المنطقة، تُعد هيئة تحرير الشام واحدة من أبرز الفصائل المسلحة التي ظهرت خلال الصراع السوري المستمر منذ عام 2011، وتمكنت الفصائل العسكرية المشاركة في عملية ردع العدوان من إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا في أقل من أحدى عشر يوماً، ولعبت هيئة تحرير الشام دورًا محوريًا في سقوط النظام، والتي خضعت لتحول استراتيجي، حيث نأت بنفسها عن أصولها الجهادية وقدمت نفسها كقوة معارضة براجماتية وقد سمح هذا التغيير، إلى جانب التركيز على الحكم المحلي والتنسيق مع الفصائل لتعزيز الدعم في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، وكانت الاستراتيجية العسكرية المنضبطة والمتكيفة عامل رئيسي في توجيه الضربة التي أسهمت في سقوطه، وفي ضوء ما أسفرت عنه الدراسة من نتائج فإن الدراسة توصي بدراسة العوامل والدوافع التي أسهمت في تعظيم أثر الفاعلين الجُدد من غير الدول؛ لأخذها بعين الاعتبار للحد من تهديدها للأنظمة السياسية العربية.
الكلمات المفتاحية:هيئة تحرير الشام، دور، التغيير السياسي، سوريا، الفاعلين من غير الدول.
شكل ظهور مجموعة من الجماعات المسلحة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، في إطار الفئة الأوسع من الجهات الفاعلة غير الحكومية سبباً في إثارة الاهتمام الدولي، ذلك أن ظاهرة الجهات الفاعلة غير الحكومية العنيفة كانت عالمية النطاق ولا تقتصر بأي حال من الأحوال على دول منطقة الشرق الأوسط، ذلك أن الجهات الفاعلة المسلحة التي لا ترتبط رسمياً بالدولة كمصدر لتهدد الأمن في مختلف دول العالم، ذلك أن الجهات العنيفة التي تتحدى احتكار الدولة لاستخدام القوة، فقد تتخذ أشكالاً مختلفة، بما في ذلك الجماعات القبلية أو العرقية، وتجار المخدرات، والإرهابيين، والميليشيات، والمتمردين، والمنظمات الإرهابية العابرة للحدود الوطنية. كشفت المسارات المتباينة للمنظمات الجهادية السورية مثل هيئة تحرير الشام وأحرار الشام، تساءل عن سبب انتصار الجماعات الجهادية إلى حد كبير على الجماعات غير الجهادية داخل سوريا، ولماذا تفوقت بعض الجماعات الجهادية على غيرها، وكانت المتغيرات تشير إلى أهمية الأبعاد التنظيمية بدلاً من الإيديولوجية كما حاولت هيئة تحرير الشام وضع نفسها ككيان أكثر قبولاً داخل المعارضة السورية؛ كونها كانت أكثر براجماتية، على الرغم من الروابط مع تنظيم القاعدة، وإدراج هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية أجنبية من قبل الولايات المتحدة وتصنيف الجولاني نفسه كـ “إرهابي عالمي” (Al-Sulaiman, 2025). تأسست هيئة تحرير الشام نتيجة إندماج عدة فصائل عسكرية، كان أبرزها جبهة فتح الشام (النصرة سابقًا)، وفصائل أخرى من المعارضة السورية المسلحة، في محاولة لتوحيد الجهود تحت قيادة مركزية أكثر تنظيمًا، واعتمدت الهيئة على استراتيجية مزدوجة تجمع بين العمليات العسكرية الفعالة ضد النظام السوري السابق، ومحاولة بناء إدارة مدنية قادرة على إدارة شؤون المناطق التي تسيطر عليها، وأدركت قيادة الهيئة أن استمرارها لا يعتمد فقط على القوة العسكرية، بل على تطوير نموذج سياسي يمنحها شرعية محلية ودولية، وهو ما دفعها إلى إنشاء “حكومة الإنقاذ السورية”، التي أصبحت الذراع المدني الذي يدير المناطق الخاضعة لسيطرتها (Kortunov, 2024)، وشكلت هيئة تحرير الشام منذ تأسيسها نموذجًا مثيرًا للجدل في المشهد السياسي السوري، حيث بدأت ككيان عسكري يحمل توجهًا جهاديًا، لكنه سرعان ما انخرط في تحولات سياسية وتنظيمية جعلت منه قوة مركزية في شمال سوريا، ومع سيطرة الهيئة على معظم الأراضي السورية بعد إسقاط نظام بشار الأسد في عام 2024، أثيرت تساؤلات حول مستقبل الحكم تحت قيادتها، خصوصاً فيما يتعلق بمشروعها السياسي، وعلاقتها بالقوى الإقليمية والدولية، ورؤيتها لمسألة الحكم والديمقراطية، وعليه جاءت هذه الدراسة لتحليل ادوار الفاعلين من غير الدول ومنها هيئة تحرير الشام ودورها في تغيير النظام السياسي السوري. 1-1 مشكله الدّراسة واسئلتها: إنّ المتمعّن في التطوُّر الذي حدث في دور الفاعلين الجُدد من غير الدول عبر الأحداث التاريخيّة والسياسيّة، وفي ظل ما وصلت إليه بعض الحركات إلى السلطة، يجد التحوُّل الهيكلي عن النمط التقليدي للفاعلين الجُدد من غير الدول، حيث برز تطور في أدوارهم في مرحلة الربيع العربي نتيجة تنوع أنماط الفاعلين الجُدد من غير الدول النشطين فيها، حيث واكب هذا التطوُّر ظهور نمط جديد مختلف في طبيعته وأهدافه، واستراتيجيات عمله عن الأنماط التقليدية للفاعلين من غير الدول، فأصبحت هذه الأنماط تتحدى الدولة، وتدخل معها في تنافس على الشرعية والسلطة، ولقد كان الصعود الكبير والمفاجيء لدور هيئة تحرير الشام في إسقاط النظام عامل رئيس في أدوار الفاعلين في العملية السياسية في المنطقة العربية، من هنا تبرز الفجوة البحثية للبحث كونه يعالج موضوع جديد وحديث ولم تتناوله الدراسات السابقة التي تم عرضها، وفي ضوء ما سبق، تبرز تساؤلات عديدة ومن أهمها: ما دور هيئة تحرير الشام في التغيير السياسي في سوريا عام 2024؟ ويتفرع منه الاسئلة الفرعية التالية:
1-2 أهميّة الدّراسة: يمكن تقسيم أهميّة الدّراسة إلى أهميّة علميّة وأخرى عمليّة، على النحو التالي:
1-3 أهداف الدراسة: تهدف الدراسة بشكل رئيسي الى تحليل دور هيئة تحرير الشام في التغيير السياسي في سوريا عام 2024، ويتفرع من هذا الهدف الأهداف الفرعية التالية:
1-4 الاطار النظري:
1-5 الدراسات السابقة: من أهم الدراسات ذات الصلة بموضوع الدراسة ما يلي: الدراسات العربية: دراسة جاسم (2024). بعنون: سيناريوهات الصراع السوري في ظل المتغيرات الجديدة وتوازن القوى، هدفت الدراسة لبيان إن سقوط نظام بشار الأسد، يعني مرحلة جديدة ليس في سوريا وانما تغيير في خريطة سوريا وربما خريطة الشرق الأوسط في مجال اعادة توزيع القوى، وإن مصير سوريا بعد سقوط نظام الأسد يعتمد على العديد من العوامل الداخلية والإقليمية والدولية والمشهد السوري معقد ومتداخل، ويصعب التنبؤ بمستقبله بدقة، وخلصت الدراسة الى إن توسع هيئة تحرير الشام وزيادة التوتر في شمال سوريا قد يؤدي إلى موجات نزوح جديدة، مما يثير قلقاً أوروبياً بشأن تدفق اللاجئين إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، خاصة القريبة من البحر الأبيض المتوسط مثل اليونان وإيطاليا، التي تشعر بالضغط جراء أي تصعيد يهدد بتزايد الهجرة غير النظامية. دراسة عرابي (2020), يعنوان: الدين والدولة في سورية، هدفت الدراسة إلى بيان الأهمية التي تحظى بها سوريا، إلا أن معظم الدراسات تمحورت حول الوضع السياسي والصراعات الإقليمية وتناول النظام الحاكم وتفكيك أبعاده الداخلية، وتسليط الضوء على بنية المجتمع السوري وأفكاره وجذور التدين الشعبي وحضوره في النسيج الاجتماعي أو إبداع الشعب السوري في مقاومته للتسلط البعثي، ومستوى الفاعلية بين الشبكات المحلية والدينية، وخلصت الدراسة إلى أن ظهور جماعات استطاعت أن تستقطب عناصر كثيرة من نخبة النسيج الدمشقي إثر المرونة التي أحدثتها في طريقة التعليم الدينية وتحفيظ القرآن. دراسة دراغوفيتش (2018). بعنوان: دور الدين في إعادة بناء دولة سوريا: دراسة حالة الإسلام السني، هدفت الدراسة لبيان دور الدين في سوريا في مرحلة ما بعد النزاع، وبدأت الدراسة بلمحة عامة موجزة عن مؤسسات سوريا الدينية السنية التي عمرها قرون، قبل أن تنظر في القدرة الكامنة لهذه المؤسسات على لعب دور في أي عملية إعادة بناء للدولة السورية في المستقبل، وخلصت الدراسة إلى أن بناء الدولة الناجح يكمن في توفير الاحتياجات الأساسية، وفي سوريا لا تقوم المنظمات الخيرية المرتبطة بالمؤسسات الدينية بدور بارز، إذ أنها لا تملك قدرة لوجستية واسعة، كما لا تملك إمكانية الوصول إلى موارد دولية، فإن قدرة المؤسسات الدينية السنية على لعب دور جوهري في توفير الاحتياجات الأساسية منخفض. الدراسات الأجنبية: دراسة (Al-Sharif, Issa, 2023). بعنوان: تأثير الفاعلين المسلحين من غير الدول على الاستقرار السياسي (حزب الله نموذجًا)، هدفت الدراسة لبيان دور الفاعلون المسلحون من غير الدول ودورهم في حالات الصراع أو اندلاع العنف في دولة ما، ومن أهم الفاعلين من غير الدول ما يُعرف بــ”الفواعل المسلحة من غير الدول”، ويُعتبر حزب الله اللبناني أحد أبرز هؤلاء الفاعلين، ولهم تأثيرات عابرة للحدود، كما أنه من الفاعلين الذين يستخدمون العنف لتحقيق أهداف محددة، تختلف في أغلب الأحيان مع أهداف الدولة اللبنانية؛ وخلصت الدراسة إلى أنه نتيجة لاستمرار الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، فقد انتقل ذلك الصراع من إطار الصراع الداخلي إلي الصراع عبر الحدود، واكتسب خلاله حزب الله أهمية وصولاً إلى تنفيذ أجندته الخاصة. دراسة (Lahmar, 2023) بعنوان: تعدد الفواعل العنيفة من غير الدول في الحروب الجديدة: مستويات التأثير، هدفت الدراسة لبيان تأثير تصاعد الفواعل العنيفة من غير الدول على مسار الحروب الجديدة، انطلاقاً من البحث في ديناميكيات وجوانب هذا التأثير، وخلصت الدراسة إلى أن مساهمة هذه الفواعل إلى جانب عوامل أخرى في تغيير وسائل الحرب ومجالاتها واستراتيجياتها وأمدها، فقد أصبحت الحروب الجديدة تتميز بتعدد الفواعل وتقاطع المصالح داخل الدولة الواحدة، كأحد مظاهر بداية التفسخ والتحدي الذي تواجهه سيادة الدولة القومية في ظل المتغيرات التي تشهدها العلاقات الدولية. دراسة (Taha, 2018) بعنوان: أثر أدوار الفاعلين من غير الدول على الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة العربية، هدفت الدراسة إلى بيان أنه مع بداية القرن العشرين ظهرت فواعل جديده تمتلك برامج متكاملة للتحكم في السلوك السياسي على مختلف الصعد المحلية والدولية والعالمية، الأمر الذي فرض وجود أطر تحليلية حديثة لدراستها، سيما في ضوء تعقد عملية صياغة السياسة الخارجية والتطورات التي شهدتها البيئة الدولية بسبب الاعتماد المتبادل وظهور قضايا جديدة في ميدان العلاقات الدولية، وخلصت الدراسة إلى بيان أهم أنماط وأدوار هؤلاء الفواعل من غير الدول ودوافع نشأتهم ومدى قدرتهم على إحداث تغيرات جيوسياسية وجيوستراتيجية في الساحة العربية والدولية والإقليمية. ما يميز الدراسة عن الدراسات السابقة: ناقشت الدراسات السابقة مواضيع ذات صلة بموضوع الدراسة الحالي ومنها دراسة جاسم (2024). التي بينت إن توسع هيئة تحرير الشام وزيادة التوتر في شمال سوريا قد يؤدي إلى موجات نزوح جديدة، ودراسة عرابي (2020), التي بينت أن ظهور جماعات استطاعت أن تستقطب عناصر كثيرة من نخبة النسيج الدمشقي إثر المرونة التي أحدثتها في طريقة التعليم الدينية وتحفيظ القرآن، ودراسة دراغوفيتش (2018) التي بينت دور الدين في إعادة بناء دولة سوريا، ودراسة (Al-Sharif, Issa, 2023) التي بينت تأثير الفاعلين المسلحين من غير الدول على الاستقرار السياسي، ودراسة (Lahmar, 2023) التي بينت أن مساهمة هذه الفواعل إلى جانب عوامل أخرى في تغيير وسائل الحرب ومجالاتها واستراتيجياتها وأمدها، ودراسة (Taha, 2018) التي بينت أثر أدوار الفاعلين من غير الدول على الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة العربية، من هنا تتبلور الفجوة البحثية التي تسعى الدراسة الحالية لتغطيتها والتي تتمثل في هيئة تحرير الشام ودورها في التغيير السياسي في سوريا عام 2024، وتتميز الدراسة الحالية بكونها تتناول أدوار الفاعلين من غير الدول من خلال بيان دور هيئة تحرير الشام في تغيير النظام السياسي السوري في عام 2024. 1-6 منهجية الدراسة: لتحقيق أهداف الدراسة تم الاعتماد على المناهج التالية:
1-7 حدود الدراسة :
2- نبذة عن هيئة تحرير الشام تعد هيئة تحرير الشام، التي كان يقدر عدد مقاتليها بنحو (30) ألف في عام 2024، أقوى جماعة مسلحة مقارنة بالجيش الوطني السوري والفصائل المسلحة الجنوبية المختلفة، ويُقدر أنها أقوى من وحدات حماية الشعب الكردي (الفصيل الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية)، وبصرف النظر عن تفوقها العسكري، تتمتع هيئة تحرير الشام بخبرة حكم أكبر بشكل ملحوظ بسبب كيانها الحاكم، لحكومة الإنقاذ السورية، التي حكمت إدلب منذ عام 2017 خارج سيطرة النظام، وحتى قبل أن تصبح السلطة الوطنية القائمة، كانت هيئة تحرير الشام تتمتع بموارد اقتصادية ملحوظة مقارنة بالمجموعات الأخرى بحكم الاقتصاد الذي يعمل بشكل جيد نسبيًا والذي أنشأته في إدلب (Hausch, Alovdeh, 2024). هيئة تحرير الشام هي جماعة سياسية إسلامية مسلحة كانت تعمل بشكل رئيسي في منطقة إدلب، وأجزاء من ريف حلب الغربي وسهل الغاب في شمال غرب حماة، كانت قيادة هيئة تحرير الشام تتألف تاريخيًا من إسلاميين سوريين وأجانب، مع روابط بتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، ومع ذلك، فإن الهوية الحالية للهيئة هي إسلامية سورية إلى حد كبير، مما يعكس تحولًا عمليًا في أهدافها الاستراتيجية، وأعادت هيئة تحرير الشام تسمية نفسها من جماعة سلفية جهادية عابرة للحدود الوطنية سابقًا إلى جماعة إسلامية محلية تستهدف في بعض الأحيان، وتختلف مع جماعات إسلامية متطرفة أخرى مثل تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم حراس الدين التابع لتنظيم القاعدة، ومع هذا التغيير، سعت الهيئة بشكل متزايد إلى تعزيز صورتها لتكون أكثر اعتدالًا، وقد برزت قدرة الجماعة على فرض سلطتها الإقليمية في أعقاب الزلازل الذي ضرب سوريا في السادس من شباط عام 2024، فقد منعت هيئة تحرير الشام دخول المساعدات الأجنبية من المناطق التي يسيطر عليها النظام، مفضلة انتظار المساعدات عبر تركيا، من أجل حرمان النظام من أي قدرة على إظهار سيطرته في المنطقة (Zelin, 2023). وقد شهدت الهيئة العديد من عمليات الاندماج والانقسام وإعادة صياغة هويتها بهدف إبعاد نفسها عن أصولها الإيديولوجية الأكثر تطرفاً، وقد تشكلت جبهة النصرة، في أواخر عام 2011 على يد أبو محمد الجولاني بناء على أمر من زعيم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق آنذاك أبو بكر البغدادي، وفي شكلها الأولي، جمعت جبهة النصرة بين الجماعات الجهادية السلفية المتباينة في المنطقة، بهدف الإطاحة بالنظام السوري السابق وإنشاء دولة إسلامية، وشملت عضوية جبهة النصرة المبكرة أولئك الذين تم تجنيدهم من خلال شبكات تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة في سوريا، والمؤيدين الإيديولوجيين، والسجناء الإسلاميين المتشددين الذين أطلق سراحهم النظام السوري السابق في بدايات الصراع السوري، وفي كانون الأول 2012، صنفت الولايات المتحدة جبهة النصرة كمنظمة إرهابية، ثم تبعها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وحكومات غربية أخرى، وسرعان ما برزت جبهة النصرة بفضل نجاحاتها المبكرة والفعّالة في المعارك ضد قوات النظام السوري، وقد دفعت هذه النجاحات أبو بكر البغدادي إلى الإعلان عن توسع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في سوريا مع إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية وحل جبهة النصرة، وقاوم الجولاني مناورات البغدادي في سوريا، وقطعت المجموعتان العلاقات علناً، وبعد ذلك أطلقت جبهة النصرة حملة طويلة وناجحة لإضعاف وجود تنظيم الدولة الإسلامية في شمال غرب سوريا (Goldbaum, 2025) وفي تموز عام 2016، انفصلت جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة وأطلقت على نفسها اسم جبهة فتح الشام، وقد ساهم عاملان في اتخاذ قرار قطع العلاقات مع تنظيم القاعدة، أولاً رفض فصائل المعارضة الأخرى التوحد تحت هيكل عسكري واحد بسبب عدم الثقة في الجولاني وتجنب تصنيفها كمنظمات إرهابية من قبل الولايات المتحدة وثانياً، استهداف قادة جبهة النصرة في أعقاب توسع الحملة الجوية للتحالف العالمي ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا في أيلول 2014 وقد رفض الانفصال عن تنظيم القاعدة أقلية من قادة ومقاتلي جبهة النصرة، الذين انفصلوا بدورهم عن جبهة النصرة وأعادوا تنظيم أنفسهم تحت لواء حرس الحدود (Cafarella, 2014)، وفي كانون الثاني 2017، اندمجت جبهة فتح الشام مع أربع مجموعات مسلحة جهادية سلفية لتشكيل هيئة تحرير الشام، تحت قيادة الجولاني. وعلى مدار عامي 2017 و2018، شنت هيئة تحرير الشام عدة هجمات ضد جماعات المعارضة، وخاصة أحرار الشام، التي رفضت اقتراح هيئة تحرير الشام بالاتحاد تحت منظمة مسلحة واحدة. وبحلول كانون الثاني 2019، نجحت هيئة تحرير الشام في إخضاع معظم فصائل المعارضة الرئيسية وأكدت تدريجياً السيطرة السياسية والعسكرية على منطقة إدلب الكبرى، ومنذ ذلك الحين، أصبحت هيئة تحرير الشام الجهة الفاعلة غير الحكومية المهيمنة في منطقة إدلب (Zelin, 2023). 3- صعود هيئة تحرير الشام وقيادة المعارضة السورية كفاعل رئيسي في تغيير النظام السوري: عملت هيئة تحرير الشام منذ تأسيسها على ترسيخ صورة الاستقلال، سعياً إلى إبعاد نفسها عن أصولها الجهادية وتصر الجماعة المسلحة على أنها ليست مجرد استمرار للفصائل المتطرفة السابقة بل هي كيان جديد يركز على حل الانقسامات الداخلية داخل الفصائل السورية وتوحيد القوى ضد الرئيس السوري السابق بشار الأسد، ورغم جذورها المرتبطة بتنظيم القاعدة، إلا أن الهدف الأساسي لهيئة تحرير الشام كان الإطاحة بالنظام السوري، وترسيخ مكانتها باعتبارها القوة الرائدة في المرحلة التالية من الصراع السوري وتعهد زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني بتصعيد الحملة العسكرية التي تشنها جماعته ضد نظام بشار الأسد. وتعد معركة “ردع العدوان” في ريف حلب الغربي والتي أعلنتها غرفة عمليات “الفتح المبين” وبعض فصائل المعارضة بتاريخ 27 تشرين الثاني 2024، تحولاً استراتيجياً مفاجئاً لمجريات الصراع السوري، حيث أطلقت عملية متعددة الاتجاهات على مواقع قوات النظام السوري السابق والميليشيات الإيرانية، مستغلة نقاط الضعف الواضحة في البنية الدفاعية للنظام، محققة تقدماً سريعاً نحو عدة مناطق استراتيجية أفضت لانهيار في صفوف جيش النظام ساهمت بنهاية المطاف في هروب بشار الأسد وسيطرة “الإدارة العسكرية” على دمشق واستلامها مقاليد الإدارة، وتمثل عملية “ردع العدوان” نقطة تحول رئيسية في الصراع السوري، حيث عكست قدرة المعارضة المسلحة على الجمع بين الحسم العسكري والإدارة السياسية لتحقيق أهداف استراتيجية تتجاوز المكاسب الميدانية، وعلى الصعيد العسكري، أظهرت درجة عالية من التنظيم والتنسيق، إذ تمكنت غرفة العمليات المشتركة بقيادة “هيئة تحرير الشام”، برئاسة أبو محمد الجولاني، من تحقيق انضباط فصائلي غير مسبوق، وجمعت تحت مظلتها العديد من الفصائل، مثل “حركة أحرار الشام” و”الجبهة الوطنية للتحرير”، مما أسهم في تجاوز الانقسامات التي كانت تعيق الفاعلية القتالية في الماضي، فالمعركة على جبهات إدلب وحلب وحماة، أثبتت أن التعاون الميداني يمكن أن يخلق قوة تكتيكية فعّالة قادرة على مواجهة قوات نظام الأسد المدعومة من حلفائها الإقليميين والدوليين (Azhari, Perry, 2025). تظل هيئة تحرير الشام واحدة من الفصائل الأكثر قدرة على الصمود والتي تتنافس على السيطرة على المشهد السوري الممزق، حيث تحافظ على أهميتها الاستراتيجية على الرغم من تغير الأهداف السياسية والأيديولوجية لقد وضع أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، نفسه كوجه لسوريا الجديدة. وفي خطابه في الجامع الأموي بدمشق عام 2024، حيث تعهد بحماية الأقليات، وسعى إلى بث رسالة المصالحة والحكم الرشيد، ومع ذلك، فإن الجذور الإسلامية لهيئة تحرير الشام وتاريخها كجماعة مسلحة لا تزال تشكل مصدر قلق على المستويين المحلي والدولي، وتلوح في الأفق أسئلة حول قدرة الجماعة على التحول من قوة عسكرية إلى سلطة حاكمة لقد رحب العديد من السوريين بالإجراءات الأولية التي اتخذتها المعارضة، مثل إطلاق سراح السجناء من سجن صيدنايا، باعتبارها انفصالاً رمزياً عن حكم نظام بشار الأسد، ومع ذلك، فإن عملية إنشاء حكومة انتقالية متماسكة وشرعية سوف تكون محفوفة بالتحديات، وخاصة في بلد منقسم بشدة على أسس طائفية وإثنية وسياسية (Salon, 2024)، إن الانهيار السريع لنظام بشار الأسد كان متجذراً في نقاط ضعف هيكلية أعمق داخل النظام السوري وفي ظل بيئة دولية متغيرة، ومن أهم الأسباب التي أدت إلى سقوط نظام بشار الأسد عام 2024 ما يلي:
الفاعلون من غير الدول هم كيانات تنازع الدولة في احتكارها للفعل السياسي وتتوافر فيها السمات منها أنها كيان منظم يمتلك هيكلية قيادية ويتمتع باستقلالية عن الدولة التي ينتمي إليها جغرافيًا، ويعبر عن أو يمثل جماعة معينة إثنية أو طائفية أو أيديولوجية ويمتلك أهدافًا سياسية بعينها، ولديه من عناصر القوة المختلفة ما يساعده على تحقيق أهدافه وبهذا فهم عامل مؤثر على سياسة الدولة، ويلعب الفاعلون غير الدوليين دورًا مركزيًا في تشكيل مستقبل الديمقراطية في المناطق الخارجة عن سيطرة الدول التقليدية، حيث يمكن أن يكون لهم تأثير مزدوج، إما في دعم عملية التحول الديمقراطي أو في عرقلتها، في السياق السوري، تتجسد هذه الظاهرة في حالة هيئة تحرير الشام التي تسعى منذ تحريرها لسوريا من نظام الأسد إلى فرض نفسها كسلطة أمر واقع، مع تقديم بعض المؤشرات التي توحي بانفتاحها الجزئي على نماذج حكم أكثر تنظيمًا، وهذا يدفع إلى التساؤل حول مدى إمكانية أن تتحول هذه الجماعة المسلحة، أو غيرها من الفاعلين غير الدوليين، إلى جهات سياسية قادرة على تبني آليات ديمقراطية، ولو بشكل تدريجي Azhari, Perry, 2025)). كما يمكن النظر إلى دور الفاعلين غير الدوليين في دعم الديمقراطية من خلال سعي بعض الحركات المسلحة إلى إضفاء الشرعية على وجودها عبر إنشاء هياكل حكم مدنية أو مؤسسات شبه حكومية، ما قد يساهم في التأسيس لنوع من الاستقرار السياسي الذي يُعد شرطًا أساسيًا للتحول الديمقراطي، وأن هيئة تحرير الشام أنشأت حكومة الإنقاذ السورية، محاولة بذلك الانتقال من مجرد قوة عسكرية إلى سلطة منظمة تدير شؤون السكان، لكنها ومع تطورات الأوضاع لا تزال تبدو وكأنها محكومة بقيود أيديولوجية ومصلحية تجعلها أقرب إلى نموذج الحكم السلطوي منها إلى أي تجربة ديمقراطية حقيقية، وتلعب الفصائل المسلحة دورًا في فرض الاستقرار السياسي كمرحلة أولى نحو بناء نظام سياسي أكثر تعددية، وفي بعض السياقات التاريخية، مثل تجربة الفصائل الكردية في شمال شرق سوريا أو حالة جنوب السودان قبل استقلاله، ساهمت الجماعات المسلحة في فرض نظام حكم مؤقت أتاح لاحقًا فرصة لإجراء انتخابات أو تأسيس مؤسسات أكثر تمثيلًا، لكن هذه الديناميات تعتمد على عوامل عدة، أهمها وجود ضغوط داخلية وخارجية تُجبر هذه الفصائل على تبني مقاربات أكثر براغماتية في الحكم، وهو أمر يتجلى بسمات كونه احتمالًا حقيقيًا في الحالة السورية Banco, 2025)). كما سعى بعض الفاعلين غير الدوليين إلى كسب اعتراف دولي من خلال التفاعل مع القوى الإقليمية والدولية، وهو ما يدفعهم في بعض الأحيان إلى تعديل سلوكهم السياسي أو تقديم تنازلات تُظهرهم كجهات أكثر اعتدالًا، وقد تحول زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، الذي تمكنت قواته بالتعاون مع فصائل مسلحة أخرى من السيطرة على مناطق واسعة في سوريا خلال أيام معدودة، من تبني خطاب إسلامي متشدد إلى اتباع نهج أكثر اعتدالًا، في محاولة واضحة لتحسين صورته، وصرح بأن إسقاط نظام بشار الأسد الذي تولى الحكم منذ عام 2000 يظل الهدف الرئيسي لفصائل المعارضة Alexander, 2024))، وتحسنت صورة هيئة تحرير الشام أمام الغرب بعد عام 2024 عبر لقاءات مع الصحفيين الغربيين والترويج لنفسها كحركة محلية تهدف إلى الحفاظ على استقرار سوريا، وليس كتنظيم جهادي عابر للحدود، هذا السلوك يشبه ما قامت به حركة طالبان في أفغانستان، حيث خاضت مفاوضات طويلة مع الولايات المتحدة انتهت بعودتها إلى الحكم، وإن كان ذلك في ظل نظام بعيد عن الديمقراطية إلى جانب الفاعلين العسكريين، تلعب بعض المنظمات غير الحكومية دورًا مهمًا في دعم الديمقراطية من خلال تنظيم الانتخابات المحلية، وبناء مؤسسات المجتمع المدني (al-Assad, 2024). مما سبق يتضح أن الفاعلين غير الدول يمكن أن ينجحوا في تحقيق عملية التحول الديمقراطي بمراحلها من إسقاط النظام غير الديمقراطي، لكن نجاح هذا التحول يعتمد على مدى قدرتهم على التكيف مع متطلبات الحكم التعددي، وعلى الضغوط الداخلية والخارجية التي تدفعهم في هذا الاتجاه، وفي الحالة السورية، تبقى إمكانية تحول هيئة تحرير الشام إلى جهة تدعم تداول السلطة أمرًا محتملاً. ولقد بذلت هيئة تحرير الشام جهوداً لطمأنة السكان المحليين والتواصل مع الأقليات التي تخشى ظهور منظمة سلفية جهادية أخرى في موقع قوة في سوريا (بعد تجربة تنظيم الدولة الإسلامية). وإدراكاً منها لهذا الخوف، ركزت هيئة تحرير الشام على الاتصالات بشأن الوضع الذي ينبغي أن تتمتع به جميع الأقليات في مجتمع ما بعد الأسد، واتخذت بعض الإجراءات الفورية لبناء الثقة. على سبيل المثال، بعد الاستيلاء على حلب، ظهر الجولاني شخصياً لطمأنة الأقليات بشأن حمايتهم ومنع المقاتلين من دخول المنازل، بهدف تقديم هيئة تحرير الشام باعتبارها حامية لجميع المدنيين (وفي وقت لاحق، كانت هناك تقارير عن مطالبة السكان لهيئة تحرير الشام بالتعامل مع اللصوص، وكثير منهم من قوات الجيش الوطني السوري)، كما تم اتخاذ تدابير أخرى لكسب السكان المحليين، مثل التسليم المفاجئ للكهرباء على مدار 24 ساعة وإقامة أبراج جديدة للهاتف المحمول (Hanna, 2024). مما سبق شكَّل إسقاط نظام الأسد على يد فصائل مسلحة تقودها هيئة تحرير الشام نقطة تحوُّل كبرى على مستوى تموضع الفاعلين المحليين ومدى نفوذهم الداخلي وعلاقاتهم الخارجية، بالتوازي مع تغيُّرات كبرى على مستوى نفوذ الفاعلين الخارجيين وأدوارهم في سوريا والمنطقة، إلا أن الهيئة ورغم نجاحها العسكري، تواجه تحديات ضخمة في إدارة المرحلة الانتقالية، لعل أهمها هو تحوُّلها من جسم موحَّد إلى نواة صلبة تتحكم بِبِنْيَة دولة.
لقد أدت قيادة هيئة تحرير الشام للهجوم الذي أطاح نظام الرئيس السوري بشار الأسد وخبرتها العسكرية والحكومية الى قيامها بدور فاعل في إدارة الدولة السورية بعد سقوط نظام بشار الاسد، وقد نصب زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع إدارة انتقالية تتألف من شخصيات من حكومة سوريا المؤقتة ويقودها رئيس وزراء حكومة سوريا المؤقتة السابق محمد البشير، وتتمتع الإدارة الانتقالية بتفويض بالعمل استمر حتى آذار عام 2025 لتنفيذ العمليات اللازمة لإنشاء حكومة تكنوقراطية، وبذلت هيئة تحرير الشام جهوداً كبيرة لتعزيز الطبيعة المعتدلة والشاملة لطبيعتها الحاكمة وأهدافها ، وتعهدت بدعم حقوق الأقليات، وبذلت هيئة تحرير الشام جهوداً متضافرة لطمأنه الأقليات مثل المسيحيين والدروز بأن الهيئة موجودة للمساعدة، وذهبت إلى حد طرق الأبواب في المناطق الدرزية والمسيحية لطمأنتهم (الدروز، الذين يقعون في محافظة السويداء، هم مركز القوة الرئيسي في جنوب سوريا نظراً لأن فصائل درعا خضعت بالفعل إلى حد كبير لسلطة هيئة تحرير الشام) (Haini, 2024). تُمثّل العلاقة بين الدروز والسنّة في سوريا نموذجًا للتوترات الطائفية التي كانت مكممة بقوة السلطة طوال حكم جزب البعث، ثم انفجرت بعنف بعد سقوط نظام بشار الأسد عام 2024، وبينما كانت الثورة السورية تطمح إلى تجاوز الهويات الطائفية وبناء دولة مدنية، فإن ما حدث كان عكس ذلك تمامًا، خصوصًا في الجنوب السوري، حيث تحولت السويداء المعقل الدرزي، إلى ساحة صراع جديدة تُظهر هشاشة النسيج الاجتماعي، وضعف مؤسسات الدولة، وتراكم المظالم التاريخية، وفي تموز 2025، انفجرت الأوضاع في السويداء إثر حادثة خطف بسيطة سرعان ما تحولت إلى صراع عشائري–طائفي مسلح، أوقع عشرات القتلى، وفشلت الحكومة في فرض النظام، ما سمح بتمدّد الجماعات المسلحة وعودة شبح الحرب الأهلية المصغرة، وتحرك الدروز داخل إسرائيل، مطالبين بحماية إخوانهم في سوريا، ما أتاح لإسرائيل ذريعة لتنفيذ ضربات عسكرية في الجولان تحت عنوان “الدفاع عن الدروز”، في مؤشر خطير على احتمال تدويل الصراع وتحويله إلى ورقة ضغط إقليمي (الكنج، 2025). ومن المرجح أن يتضمن النظام الموحد الذي من المرجح أن يدفع به الشرع على مدى العامين المقبلين، من ناحية، رئاسة قوية (معه كرئيس) مسؤولة عن الأمن والعلاقات الخارجية والاقتصاد الوطني، ومن ناحية أخرى، رئاسة وزراء (من المرجح أن يكون مع شخص من الائتلاف الوطني السوري السابق – الهيئة المظلة للمعارضة المعترف بها دوليًا سابقًا والتي حلت نفسها للتو واندمجت في الدولة السورية الجديدة أو فرد من كبار رجال الأعمال كرئيس للوزراء) يشرف على المزيد من الحكم اليومي على المستوى البيروقراطي للبلاد لا يستطيع الشرع وهيئة تحرير الشام إدارة نظام الحكم بأكمله بمفردهما، لذا فإن هذا التقسيم للسلطة قد يكون الطريقة التي يحافظون بها على سلطتهم مع زيادة فرص رفع العقوبات بشكل شامل (Azhari, Perry, 2025). وعلى الرغم من استمرار هيئة تحرير الشام في عقد العديد من التجمعات والصالونات والبلديات مع جميع الطوائف والجماعات للترويج لنواياها في الشمول، إلا أنها لم تتخذ إجراءات ملموسة كافية لدعم ذلك، فقد استبدلت الجماعة الكثير من البيروقراطية السورية وجميع وزراء الحكومة بأفرادها، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى عدم معرفتهم بمن يثقون به – نتيجة لسقوط هيئة تحرير الشام في هذا المنصب القيادي بشكل غير متوقع تمامًا جنبًا إلى جنب مع هذه التطورات، فإن التحركات مثل حل نظام الشرطة السوري بالكامل في عام 2025 وتفويض مهام الشرطة إلى مقاتلي هيئة تحرير الشام، وأن إعلاناته عن الحكم الشامل القادم حقيقية كان إعلان الشرع في 29 كانون الثاني 2025 عن توليه رسميًا منصب الرئيس دليلاً على الاتجاه نحو المركزية والشمولية، حيث سيقود الحكومة الانتقالية التي لم يتم تعيينها بعد خلال الفترة التي تصل إلى أربع سنوات والتي حددها كفترة تمهيدية ضرورية للانتخابات الوطنية تم تنصيب الشرع رئيسًا في 29 كانون الثاني 2025 ظاهريًا من قبل جزء من التحالف العسكري (هيئة تحرير الشام، وفصائل الجيش الوطني السوري، وفصائل جيش تحرير سوريا) الذي شكل الهجوم الذي أطاح بالنظام السوري في كانون الأول عام 2024، ومع ذلك، تم التكتم على المدى الكامل الذي شاركت فيه الجماعات الإسلامية في عملية التنصيب، ومع ذلك، كانت على أقل تقدير تفتقد إلى الفصائل المسلحة الدرزية، التي تعد من وسطاء السلطة الرئيسيين في جنوب غرب سوريا (Goldbaum, 2025)، وبعد سقوط نظام بشار الأسد، برزت هيئة تحرير الشام كقوة حاكمة جديدة في سوريا وأنشأت حكومة مؤقتة، وأعلنت هيئة تحرير الشام عن ما يسمى بمؤتمر الحوار الوطني السوري، الذي يهدف إلى توحيد الجماعات السياسية والطائفية لمعالجة الإصلاحات الدستورية الرامية إلى صياغة دستور (Aql, 2024). ومن المرجح أن تنشأ ديناميكيات حكم جديدة في سوريا، توازن بين السلطة المركزية والحكم الذاتي المحلي، ومن المرجح أن تقوم الدولة السورية بمركزية الوظائف الرئيسية، مثل الأمن، والمالية والدبلوماسية، مع الحفاظ على درجة من الحكم الذاتي المحلي، ومن المرجح أن تحتفظ الشخصيات المجتمعية الرئيسية، بما في ذلك الزعماء القبليين والدينيين الذين اكتسبوا نفوذاً خلال الحرب الأهلية، بسلطتهم، ويمكن إضفاء الطابع المؤسسي على هذا الترتيب من خلال آليات التمثيل المحلي، مثل توظيف قوات الأمن المحلية والاعتراف بأدوار القيادة التقليدية، ومع ذلك، أكدت الحكومة السورية الجديدة أن سوريا سوف تتجنب تبني نموذج سياسي طائفي، أشبه بالعراق أو لبنان وإن التحدي الرئيسي لبناء الدولة والذي ستضطر إلى التعامل معه، ومن المرجح أن يتضمن التعامل مع مطالب قاعدته المحافظة مع المطالب المحلية والدولية بالشمول والاعتدال، ورغم أنه من غير المرجح أن يتبنى النظام الديمقراطية الكاملة، فمن المرجح أن يتبنى شمولية محدودة لكسب الاعتراف الدولي ومعالجة المخاوف من شرائح خارج الدائرة الانتخابية الأساسية لهيئة تحرير الشام في سوريا، وفي الوقت نفسه، ستلبي الحكومة التي تقودها هيئة تحرير الشام احتياجات قاعدتها الإسلامية المحافظة، حيث اتخذت الإدارة المؤقتة بالفعل خطوات مثل مراجعة المناهج التعليمية وترقية المقاتلين الأجانب إلى مناصب عسكرية عليا (Goldbaum, 2025). لقد أدى الانهيار السريع لنظام الأسد إلى خلق فراغ في السلطة يفرض مخاطر أمنية كبيرة. ورغم أن هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها تسيطر على مراكز حضرية رئيسية، فإن احتمالات الاقتتال الداخلي بين الجماعات المتمردة تظل مرتفعة، بالإضافة إلى ذلك، قد تستغل بقايا قوات الأسد والجماعات المسلحة الأخرى، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية (Alma Center for Research and Education 2024). إلى جانب الجهود المبذولة لإعادة بناء الدولة السورية الجديدة وإقامة عقد اجتماعي جديد داخل المجتمع السوري، فإن الهدف الأساسي للحكومة المؤقتة بقيادة هيئة تحرير الشام سيكون تعزيز السيطرة على الاستخدام المشروع للقوة، وقد نشأت مجموعة كبيرة من الجماعات المتمردة التي تعمل خارج سلطة الدولة طوال الصراع، وبدأت الحكومة المؤقتة في إنشاء قوات أمنية جديدة بينما تعمل على نزع سلاح هذه الجماعات أو دمجها في جهاز الأمن للدولة الجديدة في 24 كانون الأول 2024، ووافق أحمد الشرع وعدة زعماء فصائل معارضة أخرى على دمج قواتهم تحت إشراف وزارة الدفاع، ومع ذلك، قال المتحدث باسم جبهة تحرير سوريا نسيم أبو عرة لوكالة فرانس برس في 8 كانون الثاني 2025 إن جبهة تحرير سوريا تعارض خطة الشرع لنزع سلاح الجماعات المسلحة وحلها في الجيش السوري الجديد، وأصر على أن جبهة تحرير سوريا تسعى إلى التكامل باعتبارها “كيانًا منظمًا مسبقًا” يحافظ على هيكلها التنظيمي (Al-Sulaiman, 2025). مع سقوط النظام السوري عام 2024، دخلت سوريا مرحلة سياسية جديدة تحت قيادة الرئيس أحمد الشرع، الذي أطلق عددًا من المبادرات لإعادة بناء الدولة السورية، من أبرزها Banco, 2025)):
وشهدت سوريا في عام 2025 مرحلة انتقالية تهدف إلى بناء دولة جديدة بعد سنوات من الحرب، وهذه المرحلة تتضمن عدة خطوات رئيسية تتضمن: تشكيل حكومة انتقالية، إقرار دستور مؤقت، تحقيق العدالة الانتقالية، وإعادة هيكلة الجيش والأمن، بالإضافة إلى التنمية وإعادة الإعمار، ومن أهم مراحل بناء الدولة السورية في عام 2025 ما يلي:
أطلقت تداعيات انهيار نظام الرئيس السوري عام 2024 شبكة معقدة من ديناميكيات القوة التي تهدد بتكثيف الانقسامات الطائفية القائمة، وتفاقم التحديات التي تواجه دولة مزقتها الحرب الأهلية، وتتعارض المصالح للاعبين الإقليميين بما في ذلك تركيا وإسرائيل وإيران في بلد شبه منهار، مما يزيد من تعقيد الوضع المتقلب، فظهور فصائل جديدة، ولا سيما هيئة تحرير الشام، يضع الفترة الانتقالية كمنعطف حرج بالنسبة لسوريا، مما يتطلب فهمًا دقيقًا للعواقب المحلية والدولية، فقد أدى الفراغ في السلطة الناجم عن سقوط النظام السوري إلى نشوء بيئة تتنافس فيها فصائل متعددة للسيطرة على سوريا، وقد ظهرت بالفعل صراعات داخلية بين هذه الجماعات المسلحة المختلفة، وتتمتع هذه الفصائل، التي تحركها أيديولوجيات متنوعة، بدوافع لا حصر لها، يمكن أن تؤدي إلى مواجهات عنيفة، والصراعات الداخلية بين الفصائل لا تعرض للخطر إنشاء هيكل حكم متماسك فحسب، بل تهدد بحالة من الفوضى، فالمشهد السوري يتسم بطبقات عرقية وطائفية تجعل أي محاولة للوحدة أكثر تعقيداً، فالأغلبية العربية السنية والأكراد والعلويين والطوائف المسيحية المختلفة تتعايش مع بعضها البعض، وكثيراً ما تتصادم على السيطرة الإقليمية والتمثيل السياسي، ومع قيام الفصائل المختلفة بتشكيل تحالفات مؤقتة في حين تتنافس على الموارد والأراضي، فإن احتمالات اندلاع أعمال عنف تتزايد بشكل كبير مع كل يوم، ويصبح الوضع أكثر تعقيداً عندما تدخل جهات فاعلة خارجية، مثل تركيا التي تسعى إلى استغلال هذه الانقسامات لتعزيز أهدافها الاستراتيجية، وبالتالي تكثيف الخلافات الداخلية.
سعت الدراسة للإجابة عن التساؤل الرئيس التالي: ما دور هيئة تحرير الشام في التغيير السياسي في سوريا عام 2024؟ وتبين من خلال الدراسة إن ظهور الجهات الفاعلة غير الحكومية العنيفة في منطقة الشرق الأوسط ارتبط بالضعف والصراعات في العديد من دول المنطقة، فالدول ذات المستويات المنخفضة من الشرعية تكون غير قادرة على الحفاظ على ولاء العديد من سكانها، وعندما تلجأ مثل هذه الدول إلى القمع فإنها عادة ما تثير المعارضة، وعندما تفشل الدولة في توفير الأمن أو غير ذلك من الخدمات الأساسية، يمكن للجهات الفاعلة غير الحكومية العنيفة أن تتحرك لتوفير الحكم البديل والخدمات والسلع الجماعية وبالتالي زيادة شرعيتها في هذه العملية، وتعد هيئة تحرير الشام واحدة من أبرز الفصائل المسلحة التي ظهرت خلال الصراع السوري المستمر منذ عام 2011، وتثير الهيئة جدل على الصعيدين الإقليمي والدولي بسبب طبيعتها المعقدة وعلاقاتها المتشابكة مع الأطراف المختلفة، وشهدت هيئة تحرير الشام تحولاً من أقصى الطرف بخطاب أممي عابر للحدود إلى أقصى الطرف الآخر بخطاب وطني محلي، مما إنعكس على نتائج معركة “ردع العدوان”، ويبدو أن هدف هذا الانتقال هو كسب الشرعية المحلية والدولية، وهو ما يعكس استراتيجية جديدة تسعى الهيئة من خلالها لإعادة رسم دورها في المشهد السوري، وتمكنت الفصائل العسكرية المشاركة في عملية ردع العدوان من إسقاط نظام بشار الأسد في العاصمة السورية دمشق في أقل من إحدى عشر يوماً، حيث تبين أن لهيئة تحرير الشام دور فاعل في تغيير النظام السياسي في سوريا عام 2024.
خلصت الدراسة الى النتائج التالية:
في ضوء ما أسفرت عنه الدراسة من نتائج فإن الدراسة توصي بما يلي:
المصادر والمراجع باللغة العربية: جاسم، بون (2024). سيناريوهات الصراع السوري في ظل المتغيرات الجديدة وتوازن القوى، ألمانيا: المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات. دراغوفيتش، دينيس (2018). دور الدين في إعادة بناء دولة سوريا: دراسة حالة الإسلام السني، ترجمة يسرى مرعي، مركز جسور. عبد الحي، صباح (2016). استخدام الفاعلين العنيفين من غير الدول للقوة الإلكترونية في التفاعلات الدولية: تنظيم القاعدة نموذجا، القاهرة: منشورات ادارة المعهد المصري. عرابي، عبد الحي (2020). الدين والدولة في سورية، مركز جسور. الموند، جابرييل ايه، بنجهام، جين باول (1998). السياسات المقارنة في وقتنا الحاضر. ترجمة هشام عبد الله. عمان: الدار الاهلية للنشر والتوزيع. المقالات: أدمام، شهرزاد (2014). الفواعل العنيفة من غير الدول، مجلة سياسات عربية، العدد (8)، 69-82. أزهري، تيمور، بيري، توم (2025). إعلان الشرع رئيسا انتقاليا لسوريا، وتعزيز سلطته، متاح على الرابط www.reuters.com. تاريخ الوصول 8/6/2025. جولدباوم، كريستينا (2025). الرئيس السوري الجديد يتعهد بالوحدة في خطابه الأول، متاح على الرابط www.nytimes.com. تاريخ الوصول 9/6/2025. حنا، ماري (2024). من التطرف إلى البراغماتية من هو أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام؟، متاح على الرابط www.france24.com. تاريخ الوصول 12/6/2025. سالون، هيلين (2024). الحكومة السورية الجديدة تتفاوض على حل الجماعات المسلحة، متاح على الرابط www.lemonde.fr/en/. تاريخ الوصول 10/6/2025. السليمان، بسام (2025). ملامح خطة الشرع لسوريا الجديدة، متاح على الرابط www.aljazeera.net. تاريخ الوصول 12/6/2025. الشريف، عبدالله، عيسى، عبده (2023). تأثير الفاعلين المسلحين من غير الدول على الاستقرار السياسي (حزب الله نموذجًا)، المجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية، 8 (15)، 618-658 طه، جاسم (2018). أثر أدوار الفاعلين من غير الدول على الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة العربية، مجلة تكريت للعلوم السياسية، العدد (14)، 166–190. عقل، أحمد (2024). مؤتمر الحوار الوطني السوري المرتقب، متاح على الرابط www.alhurra.com تاريخ الوصول 14/6/2025. كريستو، ويليام (2024). المتمردون السوريون يكشفون عن مؤامرة استمرت عامًا وأسقطت نظام الأسد، متاح على الرابط www.theguardian.com. تاريخ الوصول 11/6/2025. الكنج، سلطان (2025). روايات متضاربة عن عمق الانقسام وقلق الهوية والاغتراب عن دمشق، متاح على الرابط https://aawsat.com تاريخ الوصول 10/6/2025. لحمر، حميدة (2023). تعدد الفواعل العنيفة من غير الدول في الحروب الجديدة: مستويات التأثير، مجلة الدراسات الاستراتيجية والبحوث السياسية، 2 (2)، 93-108 محمود، سعاد كامل (2013). الأطر النظرية المفسرة لدور الفاعلين العابرين للقومية، مجلة السياسة الدولية ملحق اتجاهات النظرية، العدد (192)، 3-10. مركز ألما للأبحاث والتعليم (2024). الفصائل المتمردة في جنوب سوريا غرفة عمليات الجنوب، متاح على الرابط israel-alma.org. تاريخ الوصول 14/6/2025. هاوش، لارس والعوفده، مالك (2024). الأسد الانقلابي رحل لكن الدولة العميقة لا تزال حية- سوريا في مرحلة انتقالية، متاح على الرابطmcusercontent.com. هايني، باتريك (2024). صعود هيئة تحرير الشام، متاح على الرابط www.youtube.com. تاريخ الوصول 21/6/2025. المراجع باللغة الأجنبية
لفتح المجلة
|