السلطة الدينية وسياسة الأوقاف الإسلامية في العراق

حارث حسن

مقدّمة

الأوقاف الإسلامية مكوّنات أساسية في المضمار الديني في العراق، وهي تندرج ضمن فئتَين رئيستَين. أولاً، المساجد والمقامات وغيرها من المواقع الدينية العامة؛ ثانياً، الأراضي والعقارات وشتّى أنواع الممتلكات التي يوقِفها مالكوها الأصليون. ويُعّد الأسلوب المتّبع في إدارة الأوقاف وتنظيم هيكليتها أساسيٌّ في بناء تجربة الإسلام المُعاش، وتحديد المواقع والأدوار النسبية للسلطات الدينية. كما تُشكّل المساجد والمقامات محاور رئيسة للتجمعات العامة، مايمنح المسؤولين عنها منابر لنشر رسائلهم وتثبيت وجودهم في المجال الديني. وغالباً ماتكون هذه مجهّزة بمنشآت يمكن استخدامها لأغراض تجارية أو بمثابة عقارات، وتتلقّى تبرعات ومساهمات خيرية من الحجّاج والمحسنين. وهي تُوفّر، إلى جانب أوقاف أخرى، إيرادات تؤمّن للسلطات التي تتولّى إدارتها الوسائل اللازمة للاستمرار. ويساهم بعضها، ولاسيما مقامات الأئمة الشيعة وكبار الرموز الدينية السنّية، في تعزيز المكانة الاجتماعية والسلطة الدينية لمَن يتولّون الإشراف عليها.

خضع مضمار الأوقاف الإسلامية إلى إعادة هيكلة واسعة النطاق بعد سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، ما أسفر عن تغييرات مهمة كان لها تأثير على أدوار السلطات الدينية ومواقعها النسبية. وقد أدّى ذلك إلى التطييف المتنامي للميدان الديني، وإلى تأثيرات متناقضة على السلطات الدينية السنّية والشيعية. وبينما تسبّبَت التريتيبات الجديدة بانقسامات وعمّقت الخصومات بين الأفرقاء الدينيين في المجال الديني السنّي، فقد نتج عنها ترسيخ سلطة النجف الدينية في الساحة الدينية الشيعية.

الأوقاف الإسلامية وإعادة هيكلة المجال الديني

قبل العام 2003، كانت الحكومة تسيطر على الجزء الأكبر من الأوقاف الإسلامية المهمة في العراق من خلال وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي كانت تُعتبَر الأداة الرسمية الأساسية لفرض رقابة صارمة على المجال الديني ونشر رسالة موحَّدة ومقبولة رسمياً في المساجد.1 كانت المقامات الشيعية والمساجد السنيّة تخضع لإدارة مديرين تُعيّنهم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، وغالباً ماكان يتم اختيارهم استناداً إلى ولائهم المُثبَت للنظام. كما كان الأئمة والخطباء في معظمهم موظفين لدى الدولة أو مُجازين من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية والفرع المحلي لحزب البعث، وكان الحزب وأجهزة أمنية أخرى تتولى الإشراف أو الرقابة على خطبهم.2 أما رجال الدين والأئمة الذين لايتبعون التعليمات الحكومية أو ممَّن كانت خطبهم تتضمن رسائل غير متطابقة مع النسخة الرسمية، فكانوا يُنعَتون بالعناصر “غير المتعاوِنة” أو “غير الوفيّة”.3وغالباً ماكانوا يُطرَدون أو يُعتقَلون، أو حتى يُعدَمون.4

كانت الأحزاب والسلطات الدينية الشيعية تعتبر الدولة البعثية مناوئة للشيعة بحكم قمعها للسكان ورجال الدين الشيعة (ولاسيما بعد انتفاضة 1991)، وإعدام رجال دين شيعة بارزين واغتيالهم، فضلاً عن القيود التي فُرِضَت على أداء الطقوس الدينية الشيعية. وعلى الرغم من أن حزب البعث كان علمانياً، إلا أن النظام خضع إلى سيطرة العرب السنّة الذين كانوا يتوجّسون من الاستقلالية الذاتية لرجال الدين الشيعة، وتصادموا مع الإسلاميين الشيعة المعارِضين للنظام.5 في أعقاب سقوط النظام، سعت الأحزاب والسلطات الدينية الشيعية إلى تغيير مااعتبرته سياسة قمعية الهدف منها التعتيم على الهوية الشيعية، واعتُبِرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية من الأدوات الأساسية لهذه السياسة. لكن حتى الأحزاب الإسلامية السنّية، وعلى رأسها الحزب الإسلامي العراقي، انتقدت النزعات العلمانية للنظام السابق، ورأت في سقوطه فرصةً لإعادة تأكيد موقع الدين في الحياة العامة.6

وهكذا تبنّت السياسة الرسمية بعد العام 2003 نموذجاً جديداً أقرّ بالاستقلالية الذاتية للمؤسسات الدينية وحقها في العمل بصورة مستقلة في الشأن العام. تمثّلت الخطوة الأولى في تطبيق هذا النموذج في القرار الذي اتحذه، في آب/أغسطس 2003، مجلس الحكم الانتقالي (الذي شكّلته سلطة الائتلاف المؤقتة بقيادة الولايات المتحدة لإشراك أعضاء الفصائل السياسية العراقية في عملية صنع القرارات) والذي قضى بإلغاء وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.7 نصّ القرار الذي شجّعته الأحزاب الإسلامية الشيعية، بالتنسيق مع الحزب الإسلامي السنّي، على استبدال الوزارة بدواوين وقفية لكل طائفة دينية، ونشأ عن هذا الإجراء ديوان الوقف الشيعي، وديوان الوقف السنّي، وديوان أوقاف الديانات المسيحية والأيزيدية والصابئة المندائية. كان الهدف إنهاء سيطرة الدولة على المجال الديني، ومنح حرية أكبر للمذاهب والأديان المتعددة في العراق للتعبير عن هوياتها ومعتقداتها، ضمن إطار سياسي جديد ساهم في ترسيخ التعددية وتمثيل المجموعات الإثنية الدينية. غير أن هذا التحوّل في مضمار الأوقاف الإسلامية ولّد صراعات جديدة حول الهوية الطائفية للمواقع الإسلامية واختصاص مؤسسات الأوقاف الجديدة. وتسبّب ذلك بتسارع وتيرة تطييف المجال الديني والتنافس بين الأفرقاء الدينيين – بين الطائفتَين السنّية والشيعية، كما في داخل الطائفة الواحدة – على المكانة والعائدات والأرباح الاقتصادية.

في سياق الاضطرابات والفوضى التي أعقبت الاجتياح الأميركي، تنافست مجموعات دينية عدة للسيطرة على الأوقاف الإسلامية،8 ماشكّل مبرراً إضافياً للجهود الآيلة إلى إعادة هيكلتها على المستوى المؤسّسي. غير أن توزيع المساجد والمواقع الدينية وغيرها من الأوقاف بين ديوان الوقف الشيعي وديوان الوقف السني لم يكن مهمةً سهلة، نظراً إلى أنه تطلّبَ تحديد معايير مقبولة لاتخاذ قرار بشأن ملكية الأوقاف من هذا الديوان أو ذاك. لقد كان عدد كبير من الإسلاميين ورجال الدين الشيعة مقتنعاً بأن النظام السابق سعى حصراً الى بناء المساجد السنّية وأرغم المحسنين والواهِبين على تسجيل أوقافهم للطائفة السنّية، في إطار استراتيجية للتعتيم على الهويّة الشيعية.9 وقد اعتبر ديوان الوقف الشيعي، على موقعه الإلكتروني، أن النظام وضع عراقيل كثيرة لمنع الواهبين من وقف مواردهم للمساجد الشيعية أو الحسينيات،10 مشيراً إلى أنه عثَرَ على مستندات تُثبت وجود سياسة متعمّدة لإهمال الأوقاف والمواقع الدينية الشيعية وتحجيمها.11 لم يوافق المسؤولون في ديوان الوقف السنّي على هذا التوصيف، ولفتوا إلى أن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أقامت تمييزاً مفيداً بين الأوقاف السنّية والشيعية في هيكليتها المؤسسية، وأنه يمكن التعويل عليه لتطوير الهيكلية الجديدة.12

أُنشِئت لجنة استشارية تضم رجال دين وخبراء شيعة وسنّة في العام 2004 لتوزيع الأوقاف الإسلامية. يقول مسؤول في ديوان الوقف السنّي إن اللجنة أحرزت تقدّماً في توزيع الموظفين والأوقاف ومعظم المواقع الدينية بين الديوانَين. مع ذلك، استمرت المشكلات بشأن الأوقاف التي ادّعى كل من ممثّلي الجانبَين أنها تقع ضمن نطاق اختصاصه، أو اختلفوا حول تحديد هويتها الطائفية.13 ثم تشكّلت لجنة الفك والعزل في العام 2008، وكان بين أعضائها قاضٍ ومسؤول من هيئة دعاوى الملكية، وممثّل عن مديرية تسجيل الأراضي، وممثّلون عن ديوان الوقف السنّي وديوان الوقف الشيعي. في البداية، وافقت اللجنة على أربعة معايير أساسية لتحديد هوية الأوقاف والمواقع الدينية: سند تسجيل الوقف، والهوية الطائفية للواقِف، والإرادة الموثَّقة للواقِف في مايتعلق بالفئة الدينية أو المذهبية المستهدَفة بالعائدات أو الخدمات، وأي أدلة أخرى يمكن أن تساعد على تحديد الهوية الطائفية للواقِف. بيد أن ذلك لم يكن كافياً لتسوية جميع الخلافات بين ديوان الوقف الشيعي وديوان الوقف السنّي إذ إنهما لم يتّفقا على وسيلة موحّدة لتطبيق هذه المعايير على مئات المساجد والمباني والأراضي. ولذلك قرّرا اللجوء إلى المحاكم لتحديد هوية الأوقاف المتنازَع عليها. لكن حتى هذا لم يكن كافياً لتسوية الخلافات، ولاسيما أنه في حالات كثيرة، لم تكن المستندات متوافرة، فضلاً عن غياب الاستعداد، خصوصاً من جانب ديوان الوقف الشيعي والمجموعات الشيعية، للاعتراف ببعض الوثائق التي اعتبر هؤلاء أنها زُوِّرَت من جانب النظام السابق. نتيجةً لذلك، نادراً ماكانت اجتماعات اللجنة تنتهي باتفاق واضح حول النقاط الخلافية.14

تطييف الأوقاف الإسلامية

لقد تسبّبت إعادة هيكلة الأوقاف الإسلامية بتسارع وتيرة تطييف المجال الديني في العراق، خصوصاً أنه الترتيبات الجديدة انطلقت في سياق تصاعد الانقسام السياسي المجتمعي وتسييس الهويات الطائفية، وتفشّي العنف بعد العام 2003. نتيجةً لذلك، تعمّقت أكثر فأكثر الحدود الفاصلة بين الطائفتَين الإسلاميتين، وتحوّلت الفضاءات المحايدة إلى نقاط خلافية بدلاً من أن تغدو مساحات للتعايش. وقد عكس “تشييع” أو “تسنين” المواقع الدينية الديناميكية الجديدة التي أعادت تشكيل ميدان الأوقاف الدينية والفضاء المديني حيث كانت هذه المواقع بمثابة معالم للثقافة والهوية الجمعيتَين.

من الأمثلة البارزة عن النزاعات التي نتجت عن تقسيم الأوقاف، هو الخلاف حول مقام الإمامَين العاشر والحادي عشر في مدينة سامراء ذات الأكثرية السنّية. كان المقام يخضع تاريخياً إلى إدارة أسرٍ سنّية ذات خلفية صوفية. وفي كانون الأول/ديسمبر 2005، أقرّ مجلس النواب قانوناً لإدارة المقامات الشيعية، المعروفة عموماً بالعتبات، بحيث أوكل مسؤولية إدارتها إلى ديوان الوقف الشيعي. اعترض العديد من المؤسسات الدينية السنّية ومن سكّان سامراء على هذا الترتيب، وانتقده علناً الرئيس السابق لديوان الوقف السنّي، الشيخ عبد الغفور السامرائي، وهو ابن المدينة، مشيراً إلى أن سامراء هي مدينة سنّية وأنه لطالما أظهر أبناؤها الاحترام للمقام وقاموا بحمايته.15 في العام 2012، رفضت المحكمة الاتحادية دعوى قضائية قدّمها ديوان الوقف السني بشأن الأساس القانوني الذي استُنِد إليه لتوسيع اختصاص ديوان الوقف الشيعي كي يشمل المقام المذكور.16 وكانت الهجمات التي شنّها جهاديون سنّة على المقام في العام 2006 قد عزّزّت من الاعتقاد الشيعي بأن المقام يقع في بيئة مناوئة ويحتاج إلى رعاية وحماية خاصتَين. وعندما حاول تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى السيطرة على سامراء العام 2014، أصدر مقتدى الصدر أوامره بنشر ميليشيا سرايا السلام التابعة له في المدينة لحماية المقام، بينما انتشرت بعض فصائل الحشد الشعبي (وهو مظلة للميلشيات الشيعية) في مناطق قريبة، ما خلق وقائع جديدة على مستوى النفوذ وعلاقات القوة في المنطقة. ومؤخراً، اتّهم بعض أبناء المدينة والمسؤولين السنّة ديوان الوقف الشيعي والميليشيات الشيعية بشنّ حملةٍ للسيطرة بطريقة غير قانونية على مبانٍ تجارية وسكنية محيطة بالمقام، في إطار سياسةٍ الهدف منها تغيير الطبيعة الديمغرافية للمنطقة.17

كذلك، كانت بعض المساجد التاريخية في بغداد موضع نزاع مع ادّعاء كل من ديوان الوقف السنّي وديوان الوقف الشيعي الحق في إدارتها. هذه الخلافات حرّكتها المحاولات التي بذلها كل من الفريقَين لتأكيد سرديته عن تاريخ وهوية كل مسجد والمنطقة المحيطة به. من الأمثلة على ذلك جامع الآصفية في وسط العاصمة. إذ يجادل ديوان الوقف الشيعي أن المسجد الذي شُيِّد في العام 1017 وخضع للترميم في القرن التاسع عشر، يحتوي على ضريح عالِم الدين الشيعي البارز محمد بن يعقوب الكليني (846-941)، في حين تقول المؤسسات الدينية السنّية أن المسجد، الذي ارتبط لوقت طويل بالطريقة المولوية الصوفية، يحتوي على ضريح العلاّمة الصوفي الحارث المحاسبي. وقد طالب كل من ديوان الوقف الشيعي وديوان الوقف السنّي بالحق في الإشراف على المسجد إلى أن حُسِم الخلاف لصالح ديوان الوقف الشيعي قبل بضع سنوات.

وقعت خلافات أخرى بشأن جامع الخلاني التاريخي في وسط بغداد، والذي سيطر عليه ديوان الوقف الشيعي استناداً إلى الاعتقاد الشيعي السائد بأنه يحتضن ضريح محمد بن عثمان العميري، أحد النوّاب الأربعة للإمام الشيعي الثاني عشر، وهو زعمٌ يرفضه ديوان الوقف السني ورجال دين سنّة آخرون.18 لقد أصبح المسجدان تحت إشراف ديوان الوقف الشيعي، على الرغم من الاعتراضات المستمرة من المسؤولين في ديوان الوقف السني، مايعكس نمطاً معيّناً في حسم هذه النزاعات بعد العام 2003، من حيث تأكيد السلطة الشيعية في الفضاءات التي يعتقد الفاعلون الدينيون الشيعة انها قد حُرِّفَّت عن هويتها الطائفية الحقيقية في الأزمنة السابقة. وقد ساعد وجود المجموعات الإسلامية الشيعية في مؤسسات الدولة ونجاح الميليشيات الشيعية في هزيمة الميليشيات السنّية في تمكين السردية الشيعية حول بغداد وهويتها من البروز أكثر في السنوات الأخيرة.

نشأ خلافٌ مماثل بشأن العديد من الأوقاف الإسلامية في الموصل، وتفاقمَ بعد تحرير المدينة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية. فقد طالب ديوان الوقف الشيعي بضم عشرين مسجداً في المدينة يحمل بعضها أسماء شخصيات شيعية تاريخية، إلى نطاق اختصاصه، غير أن حاكم الموصل آنذاك، أثيل النجيفي، رفض هذا الطلب مشدّداً على هويتها السنّية.19 وعندما اكتسبت الميليشيات الشيعية مزيداً من النفوذ بعد تحرير المدينة، سعت إلى السيطرة على هذه المساجد أو تأكيد سلطة ديوان الوقف الشيعي عليها، فأبدى ديوان الوقف السنّي وسياسيون سنّة امتعاضهم، معتبرين أنها محاولة لتغيير هوية الموصل.20

من الأبعاد الأخرى لهذه الخلافات هو الموقع الجغرافي لبعض الأوقاف المتنازع عليها. فمعظم المساجد التاريخية تقع في مناطق تجارية وتُشكّل جزءاً من أوقافٍ أُلحِقت بها متاجر أو مساكن أو مرائب.21 وغالباً ماتؤمّن هذه الملحقات إيرادات للمؤسسة أو المجموعات التي تتولّى إدارتها، ولاسيما في شكل بدلات إيجار يدفعها المستأجرون أو المستثمرون الذين يشغلونها. إذن، لم تكن هذه الخلافات محض دينية، بل كانت مرتبطة أيضاً وإلى حد كبير بالدوافع الاقتصادية.22 هذه الأبعاد شديدة الوضوح في الخلافات حول مايُسمّى بالمساجد الرئاسية، وعددها نحو أربعة عشر مسجداً، وتحتوي على منشآت كبيرة وعدة ملحقات شُيِّدت بأمرٍ من صدام حسين. لقد اعترض بعض المسؤولين في ديوان الوقف الشيعي على تصنيفها بأنها سنّية، وطالبوا بتوزيعها بالتساوي بين ديوان الوقف الشيعي وديوان الوقف السنّي. كما ظهر خلافٌ آخر حول المعايير المعتمدة لتوصيف المسجد بأنه “رئاسي”. فقد عمّم ديوان الوقف الشيعي هذا التعريف ليشمل تقريباً جميع المساجد التي بُنيت خلال الحقبة البعثية، الأمر الذي رفضه ديوان الوقف السني. في ما يخص بغداد، وافق ديوان الوقف الشيعي في نهاية المطاف على وضع المساجد الرئاسية بعهدة ديوان الوقف السني (نظراً إلى أنه كان لمعظمها أئمة سنّة عيّنتهم الحكومة أو أن معظمها كان يقع في مناطق سنّية) باستثناء جامع الرحمن الكائن في منطقة المنصور التجارية والذي تشغله مجموعة شيعية تتبع الشيخ محمد اليعقوبي، مع العلم بأنه يخضع قانوناً إلى ديوان الوقف الشيعي (ومؤخراً تصاعد الخلاف حول استثمار ملحقاته بين اجهة التي تسيطر عليه وبين أطراف سياسية ودينية وتجارية منافسة).23 يضم هذا المسجد مرأباً كبيراً وقطعة أرض تؤمّن إيرادات جيدة للمؤسسة التي تسيطر عليه. أمّا في المدن الأخرى، جرى توزيع المساجد الرئاسية وفقاً لطبيعة الأكثرية المذهبية في كل محافظة.

علاوةً على ذلك، أسفر الاقتتال الطائفي في 2006-2007 الذي اندلع على خلفية الهجوم على مقام سامراء، عن هجمات انتقامية شنّتها الميليشيات المتحاربة على المساجد التي تعود للطرف الآخر، ولاسيما في بغداد. وقد تصاعدت الشكاوى السنية من استيلاء الجماعات الشيعية على بعض المساجد، كما هو الحال مع جامع القباء في منطقة الشعب، وجامع المثنى في حي القاهرة، وجامع المدلل في منطقة العطيفية. ووفقاً لمصادر سنّية، أرغمت الميليشيات الشيعية رجال الدين السنّة عنوةً على مغادرة هذه المساجد أو استولت عليها ببساطة عندما توقّف أئمتها السنّة عن الحضور إليها بدافع الخوف. بيد أن هذا لم يقتصر على المساجد وغيرها من أماكن العبادة، بل تمدّد إلى المواقع التجارية والأراضي الزراعية التي كانت، وفقاً للمصادر عينها، ملكاً لديوان الوقف السنّي قبل أن يستولي عليها ديوان الوقف الشيعي بمساندة الميليشيات أو القوى الأمنية.24 وقد دافع ديوان الوقف الشيعي عن نفسه بالقول إن معظم هذه الأوقاف الإسلامية كانت في مناطق شيعية وبأن النظام السابق عيّن عليها أئمة سنّة في إطار سياسته المناهضة للشيعة.25 وينطبق هذا في شكل خاص على مساجد مثل جامع الرشاد الذي يقع في مدينة الصدر وكان موضع خلاف في التسعينيات بين الصدريين والسلفيين. وبعد العام 2003، سيطر الصدريون على المسجد وغيّروا اسمه إلى جامع الصدرَين.

باختصار، اندرج تطييف الأوقاف الإسلامية في إطار ديناميكية أوسع للتقسيم المجتمعي-السياسي تسارعت بعد العام 2003. فمن جهة، تسبّبَ التطييف بتعميق الفصل بين الهويات الدينية، وتقليص الذاكرة والفضاءات العامة الإسلامية المشتركة التي كانت لتُشكّل نقاطاً مرجعية للتضامن العابر للطوائف. ومن جهة أخرى، أسهم هذا الفصل في الاعتراف العلني بالنسيج متعدّد الطوائف في العراق، ما أتاح مساحةً للتعبير بحرية عن الهويات الدينية المختلفة في المجال العام. لكن في سياق الاستقطاب المذهبي والتنافس بين السرديات ، شكّل عرض “الاختلافات”، في حالاتٍ كثيرة، سبباً للتشنّجات، وحتى الاشتباكات العنيفة. وفي حين يبدو أن هناك مؤشّرات عن انحسار دور العامل الطائفي، بعد هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية، في رسم معالم الاستقطاب السياسي المجتمعي، لايزال العراق يواجه التحدّي الصعب المتمثّل في إرساء توازنٍ بين الحاجة إلى الاعتراف بنسيجه المتعدد الطوائف وبين ضرورة إعادة بناء هويّة عابرة للطوائف، مايعني تطوير ذكريات ورموز جمعية مشتركة في الفضاء العام.

الأوقاف الإسلامية وإعادة هيكلة المجال الديني السنّي

لم تكن الخلافات والخصومات التي أثارها تطييف إدارة الأوقاف الإسلامية محصورةً بين الطوائف فقط، بل دارت أيضاً داخل الطوائف نفسها. وتجلّى ذلك بصورة خاصة في حالة الأوقاف السنّية، نظراً إلى تفكّك المجال الديني السنّي وغياب سلطة دينية مسيطِرة داخل هذا الميدان. وعلى النقيض من المجال الشيعي الذي يمتلك هرمية دينية واضحة على رأسها المرجع الأعلى، لاوجود لهرمية مماثلة لدى الطائفة السنّية. ولعل ذلك يعود، في جزءٍ منه، إلى التاريخ الطويل لتماهي السلطات الدينية السنّية مع الدولة، وتسلُّم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية فعلياً زمام السيطرة على المؤسسات الدينية السنّية، فضلاً عن أن معظم رجال الدين السنّة كانوا موظفين حكوميين. لقد أدّت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الدور الأوّل في إدارة الأوقاف والمدارس والمؤسسات الدينية السنّية، لكنها أخفقت في ممارسة الدرجة نفسها من السيطرة على المواقع الدينية الشيعية، وكذلك على المدارس والمعاهد الدينية الشيعية (المعروفة بالحوزات). وقد اشتهرت الحوزة دوماً باستقلالها عن الدولة، وأسلوبها غير النظامي في التعليم وإنتاج المعارف، والحضور الأقوى فيها لرجال دين مرموقين غير عراقيين، من الجنسية الإيرانية بصورة أساسية، ويمتلكون قاعدة دعم عابرة لحدود الدولة الوطنية.

لقد ولّد إنشاء ديوان الوقف السنّي ديناميكية جديدة داخل المجال الديني السنّي، ما أفضى إلى ظهور خصومات بين المجموعات المختلفة. في البداية، اختار مجلس الحكم الانتقالي وبتأثير من الحزب الإسلامي، أكبر الأحزاب السنية، عدنان الدليمي، العلامة الإسلامي الذي كان عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، رئيساً لديوان الوقف السنّي (منصب بمستوى وزاري). فانطلقت منافسة بين الحزب الإسلامي العراقي وجماعات أخرى مثل هيئة علماء المسلمين بقيادة حارث الضاري، حيث ادّعى كل طرف أنه الممثّل الحقيقي للطائفة السنّية. غير أن معارضة هيئة علماء المسلمين للاحتلال الأميركي والمؤسسات الحكومية الناشئة الجديدة تسبّبت في نهاية المطاف بإضعاف مكانة الهيئة وصبّت في مصلحة العناصر الأكثر براغماتية. وقد انضمت شبكات ومؤسسات دينية أخرى إلى المنافسة، وقطعت أحياناً وعوداً بفصل إدارة الأوقاف الإسلامية عن المصالح السياسية.

في آب/أغسطس 2005، عيّنت الحكومة العراقية الانتقالية (التي حكمت البلاد في 2005-2006) عبد الغفور السامرائي، وهو إمامٌ معتدل ذو جذور صوفية، رئيساً جديداً لديوان الوقف السنّي، في حين أصبح الدليمي رئيس الكتلة السنّية في مجلس النواب واتخذ مواقف منتقدة للحكومة، متّهماً إياها بالتعاون مع – أو تجاهُل – الميليشيات الشيعية التي استهدفت الجماعات السنّية.26 وجد السامرائي نفسه في مواجهة مشهدٍ صعب، نظراً إلى تفكّك المضمار الديني السنّي وتأثير القوى المتشدّدة في سياقٍ من الاستقطاب المذهبي والعنف المتفشّي. وقد عمد، بغية كسب الدعم السياسي، إلى التنسيق مع الحزب الإسلامي العراقي، واتّهمته المجموعات المتشدّدة، بما في ذلك هيئة علماء المسلمين والفصائل الجهادية، بأنه دمية في يد الحكومة الخاضعة إلى سيطرة الشيعة. وتصاعدت حدّة الانتقادات الموجّهة إليه عندما أرغم هيئة علماء المسلمين على إغلاق مكتبها في جامع أم القرى الكبير في الكرخ في بغداد في العام 2007 وتسليمه إلى ديوان الوقف السنّي.27 وفي آب/أغسطس 2011، نجا السامرائي من هجومٍ انتحاري نفّذه على الأرجح التنظيم الذي يُطلق على نفسه اسم دولة العراق الإسلامية. أسفر الهجوم، الذي وقع أثناء مشاركة السامرائي والعديد من أعضاء الحزب الإسلامي العراقي في صلاة جماعية، عن وقوع العديد من الإصابات، بينها مقتل نائب في البرلمان عن الحزب الإسلامي العراقي.

في العام 2012، أقرّ مجلس النواب قانوناً خاصاً بديوان الوقف السنّي،28 فوّض مسؤوليات عدة إلى الديوان منها إدارة الأوقاف، واستثمار إيراداتها، ودعم المؤسسات الدينية والخيرية السنّية. وبموجب المادة 4.2 من القانون، يُعيّن مجلس الوزراء رئيس ديوان الوقف السنّي، ويجب أن يحصل هذا التعيين على موافقة المجمع الفقهي العراقي، وهو عبارة عن مؤسسة شكّلتها جماعة كبار العلماء في العراق وتتألف من خمسة علماء صوفيين وخمسة سلفيين، ومقرها جامع الإمام الأعظم (أبو حنيفة) المرموق في بغداد. وقد ساهم الحزب الإسلامي العراقي في إنشاء هذه المؤسسة من أجل التصدّي لهيئة علماء المسلمين وكي تكون بمثابة سلطة دينية جماعية عليا للجماعات السنّية. وكان الهدف من القانون الذي أدّى الحزب الإسلامي العراقي دوراً أساسياً في صياغته وتمت المصادقة عليه بالتزامن مع إقرار قانون حول ديوان الوقف الشيعي، تنظيم المجال الديني السنّي بصورة أكبر.

أُرغِم السامرائي على الخروج من منصبه في العام 2013 بعد مواجهته اتهامات بالفساد، ولاسيما من خصومه السنّة. ومع فشل الفصائل السنّية في الاتفاق على بديلٍ له، قام رئيس الوزراء حيدر العبادي بتعيين عبد اللطيف الهميم رئيساً بالوكالة لديوان الوقف السني في العام 2015. وقد حظي تعيينه بدعم رئيس مجلس النواب آنذاك والعضو البارز في الحزب الإسلامي العراقي، سليم الجبوري، على الرغم من اعتراض المؤسسات الدينية السنّية، على غرار المجمع الفقهي العراقي، والتي طالبت باستشارتها في عملية الاختيار عملاً بأحكام قانون ديوان الوقف السني.29 وقد تولّى الهميم، وهو علاّمة إسلامي ومقرّب سابق للنظام البعثي من الأنبار، قيادة مجموعة صغيرة من الأئمة والشخصيات السنّية المعتدلين تحت اسم ملتقى العلماء والمفكرين العراقيين. واعتبرت مجموعات دينية سنّية أخرى، مثل هيئة علماء المسلمين والمجمع الفقهي العراقي، أن الحكومة الخاضعة للسيطرة الشيعية، لا السلطات السنّية الشرعية، هي التي اختارت هميم لهذا المنصب.

على الرغم من الانتقادات، فرض الهميم سلطته، معتمداً خطاباً معتدلاً، ومُطلقاً العديد من المبادرات لإعادة الإعمار وتحقيق المصالحة المجتمعية في المناطق السنّية بعد خروج تنظيم الدولة الإسلامية منها.30 وقد واصل العمل على تطبيق نهج السامرائي القائم على استهداف الأئمة والخطباء المتشدّدين، محاوِلاً ممارسة مزيد من السيطرة على خطب يوم الجمعة، فأعلن عن حملة لمكافحة التطرف والتعصّب، وطالب بفرض الاحترافية في الإدلاء بالآراء القانونية عبر حصرها فقط بفقهاء إسلاميين مجازين ومشهود لهم.31

بيد أن الهميم واجه منافسةً على السلطة والشرعية من مؤسسات دينية سنّية أخرى، منها المجمع الفقهي العراقي برئاسة الشيخ أحمد حسن الطه الذي كان سابقاً عضواً في هيئة علماء المسلمين. وقد اشتكى الطه ونجله عبد الوهاب السامرائي، وهو عضو بارز في المجمع الفقهي العراقي، من تغييب مؤسستهم عن عملية تعيين رئيس ديوان الوقف السنّي، ما أدّى إلى إضعاف حامل المنصب وجعله عرضة إلى التأثّر بالضغوط من مجموعات المصالح والمجموعات السياسية.32 نتيجةً لذلك، يبدو أن التشنّج يسلك وتيرة تصاعدية بين ديوان الوقف السنّي وبين المجمع الفقهي العراقي.33

لقد استخدمت الحكومة الخاضعة المهيمن عليها شيعياً السلطة الممنوحة لها لتعيين رئيس ديوان الوقف السنّي كوسيلة لتعزيز مكانة العناصر الموالية أو غير المعادية داخل المضمار الديني السنّي، تجنباً لصعود شخصية مناوئة أو غير موالية على رأس ديوان الوقف السنّي. يمكن النظر إلى هذه الممارسات بأنها تندرج في إطار سياسةٍ الهدف منها إعادة تشكيل المجال الديني السنّي عبر وضع ديوان الوقف السنّي في عهدة حلفاء الحكومة وإقصاء العناصر غير الموالية.

غالب الظن أن اعتماد بعض أعضاء المجمع الفقهي العراقي، وعلى رأسهم رافع الرفاعي الذي يحمل أيضاً لقب مفتي الديار العراقية، موقفاً مناهضاً للحكومة، وحتى دعمهم للاحتجاجات السنية ضد حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي (2006-2014)، قد أدّى دوراً في تعميق الشكوك التي راودت الحكومة ومجموعات شيعية أخرى بشأن المجمع الفقهي العراقي. غير أن هذه السياسة الحكومية طرحت مشكلة في مايتعلق بشرعية رئيس ديوان الوقف السني وصفته التمثيلية، ماعزّز الاعتقاد لدى عدد كبير من الفقهاء والأئمة السنّة بأن الحكومة منحازة ولديها مصلحة في إضعاف استقلاليتهم. لذلك، غالباً مايردّد معارضو الأسلوب الذي تعتمده الحكومة في التعاطي مع هذه المسألة، بأنهم مدفوعون بالتزامٍ حقيقي بالدفاع عن الهوية السنّية وصونها، معتبرين أن هذه الهوية تتعرض إلى الهجوم. يقول عبد الوهاب السامرائي: “نريد تجنُّب التطرّف، من دون أن تذوب هويتنا تماماً في هوية الطرف الآخر (في إشارة إلى الهوية الشيعية)”.34 وذهب الرئيس الأول لديوان الوقف السني، عدنان الدليمي، الذي توفّي في العام 2017، إلى حد القول بأن جهوداً منهجية تُبذَل من أجل “تشييع” العراق، مشيراً إلى أن الحكومة والأحزاب الشيعية تتولى قيادة هذا المجهود عبر السيطرة على المساجد السنّية وتحويل الإرث السنّي لبغداد إلى إرث شيعي.35

من المؤسسات التي تبنّت مقاربة مختلفة عبر التحالف مع مجموعات شيعية لتحسين مكانتها داخل المجال الديني السني مؤسسة دار الإفتاء برئاسة مهدي الصميدعي الذي يُنصّب نفسه مفتياً للجمهورية. وقد قدّمت دار الإفتاء نفسها بمثابة نسخة متجدّدة عن منصب مفتي العراق الموروث من الحقبة العثمانية، والذي أصيب بالأفول بعد تأسيس الدولة الحديثة وألغته الحكومة البعثية في السبعينيات.36 غير أن ديوان الوقف السنّي والمجمع الفقهي العراقي يرفضان الاعتراف بهذه الصفة للصميدعي. وقد أشار البعض إلى أن دار الإفتاء هي مؤسسة الرجل الواحد، وأن الصميدعي غير مؤهّل لتولّي منصب مفتي الجمهورية. وقدّم المجمع الفقهي العراقي طعناً بحقه أمام مجلس شورى الدولة (هيئة قضائية إدارية مسؤولة عن البت في النزاعات بين المؤسسات الحكومية)، ماأدّى إلى إبطال محاولته لتقنين مؤسسته.37 غير أن ذلك لم يمنعه من الاستمرار في تقديم نفسه في منصب المفتي.

الصميدعي هو شيخٌ سلفي اتّخذ منحى انتقادياً للمجموعات الجهادية، مستبدِلاً موقفه السابق المناهض للشيعة بنزعة سلفية مهادِنة وموالية للحكومة، ماجعله يفوز بالدعم من حكومة نوري المالكي والتنظيمات الشيعية المدعومة من إيران.38 وقد تمكّن مع أتباعه من السيطرة على جامع أم الطبول، الذي يُعتبَر من أكبر المساجد في المنطقة الواقعة غرب بغداد، في العام 2013. وقام الصميدعي بمحاولة فاشلة لتغيير اسم المسجد كي يحمل اسم ابن تيمية، عالِم الدين الحنبلي من القرون الوسطى المثير للجدل، فيما نصّب نفسه إماماً عليه. يضم المسجد 132 شقّة استولى عليها الصميدعي، وفق مايروي مسؤول في ديوان الوقف السنّي،39 بهدف تمويل أنشطته. لقد اعترض ديوان الوقف السنّي على هذه الخطوات ولجأ إلى المحاكم لاستعادة السيطرة على الجامع ومنشآته السكنية. فردّ الصميدعي بتوجيه كتابٍ إلى ديوان الوقف الشيعي يطلب فيه من الديوان ربط المسجد به، الأمر الذي رأى فيه ديوان الوقف السني محاولة لتحدّي سلطته وخطوة غير مبرّرة لجرّ السلطات الدينية الشيعية إلى النزاع.40 وقد ذهب الصميدعي إلى حد تشكيل ميليشيا تحمل اسم “حركة أحرار العراق”، تحت مظلة قوات الحشد الشعبي.41 وغالب الظن أن الهدف من هذه الخطوة كان استخدام الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية والانتماء إلى قوات الحشد الشعبي لاكتساب مزيد من النفوذ في التعاطي مع الخصوم السنّة. وقد التقى تكراراً ممثّلين عن فصائل الحشد المدعومة من إيران، وكانت له إطلالات علنية برفقة اللواء قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني.42

لم يؤثّر انتشار السلفية على العلاقات السنّية-الشيعية وحسب، إنما أيضاً على العلاقات داخل الجماعات السنّية. ويعود ذلك بصورة أساسية إلى العداء السلفي للصوفية. يضم العراق بعضاً من أبرز التقاليد الصوفية وأقدمها، مثل الطريقة القادرية والطريقة النقشبندية. وفي التسعينيات، رفع نظام صدام حسين مستوى دعمه للطرق الصوفية بغية التصدّي للتأثير السعودي وانتشار السلفية في إطار ماعُرِف بـ”الحملة الإيمانية”. وقد استمرت هذه السياسة بعد العام 2003، مع اكتساب المجموعات الصوفية مزيداً من الحرية، وحتى الدعم من الدولة ومجموعات سياسية نافذة. على سبيل المثال، قدّم الرئيس السابق جلال طالباني، الذي تسلّم سدّة الرئاسة من 2006 إلى 2014، وهو سليل أسرة مرموقة ذات خلفية صوفية – الدعم إلى الطريقة القادرية، حتى إنه تولّى تعيين المتولّي على جامع الجيلاني الذي يُعتبَر المسجد الأساسي للطريقة القادرية في بغداد.43وخاض أفراد أسرة مرموقة في الطريقة الكسنزانية ، غمار السياسة بعد العام 2013، فحصلوا على مقاعد في البرلمان وانضموا إلى الحكومة.44

لكن يبدو أن السلفية حققت انتشاراً أوسع، ولاسيما في سياق الانقسام المذهبي والتشدد اللذين طبعا المرحلة التي عرفتها البلاد بعد العام 2003. لقد سيطرت بعض المجموعات السلفية على العديد من المساجد السنّية في مناطق مثل الفلوجة وأطراف بغداد، واستخدمتها لبثّ رسائل مناهضة للولايات المتحدة والشيعة. وعندما سيطرت الدولة الإسلامية على مدن سنّية كبرى ودمّرت مساجد صوفية وغيرها من المواقع الدينية السنّية،45 فإنها في الواقع أطلقت نسخة من “التسنن” تتحدى تقليداً طويلاً من التصوف والوسطية، وهو تقليد كان قد أُضعِف بفعل نهج العلمنة والتحديث الذي اتبعته الدولة على امتداد عقود من الزمن. حتى بعد إلحاق الهزيمة بالدولة الإسلامية، لازالت بعض المساجد في مناطق الأطراف تخضع إلى سيطرة السلفيين أو تستضيف تجمّعات سلفية غير نظامية. يقول هشام الهاشمي، الباحث في الشؤون السلفية في العراق، إن ديوان الوقف السني والمؤسسات السنّية التقليدية تسيطر على المساجد في مراكز المدن، في حين أن للسلفيين حضورٌ أوسع في المساجد الواقعة في أطراف بغداد وغيرها من أطراف المدن.46 معظم الشبكات السلفية الموجودة اليوم هي شبكات مهادِنة، تتجنّب الانخراط في السياسة ويتركّز حراكها على الشؤون الدينية والمسائل الأخلاقية. وهي تُنادي عموماً بإسلام أكثر مساواةً بالمقارنة مع المؤسسات الصوفية، فتستقطب الشباب الذين يتطلعون إلى أن يكون الدين بسيطاً وأقل هرمية. بيد أن انتشار السلفية يعكس الأزمة الأعمق التي تواجهها السلطات الدينية السنّية في الوقت الذي تسعى جاهدة لإرساء توازن بين تأثير السلفية المتشدّد وبين الضغوط الداخلية والخارجية لبث الاعتدال في المجال الديني السنّي.

سيظل المجال الديني السنّي منقسماً، بوجود ديوان الوقف السنّي لاعباً أساسياً وموضوعاً للتنافس في الوقت عينه. وسوف يؤدّي ترسيخ سيطرته على المؤسسات والأوقاف الدينية إلى تعزيز سلطته. لكن في هذا المضمار المتأثر بالمحسوبيات والممارسات الإقصائية، يُبدي العديد من الأفرقاء الآخرين قلقهم من أن ترسيخ سيطرة الديوان سوف يؤدّي إلى إلحاق الضرر بمصالحهم وإلى تهميشهم مادّياً وعقائدياً. ومن المفيد ملاحظة أنه بعد تشكيل حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في العام 2018، طالبت فصائل سياسية ودينية سنّية عدة بأن يؤخَذ برأيها في تعيين رئيس ديوان الوقف السنّي، لكنها وجدت صعوبة في الاتفاق على اسمٍ واحد، لاسيما وأن المنصب يستقطب العديد من روّاد السياسة والأعمال من خارج المؤسسة الدينية الذين يطمحون إلى الحصول على حصّة من الموارد وانتهاز فرص الإفادة من المحسوبيات التي من شأن ديوان الوقف السني أن يؤمّنها لهم. قد يُفضي ذلك إلى إبرام صفقة بين هؤلاء الأفرقاء لتقاسم المناصب الكبرى في ديوان الوقف السنّي، وبالتالي تقاسم المنافع، في مابينهم، مايقتضي تعيين شخصية تسووية في موقع رئيس الديوان. في الوقت نفسه، لن تتخلى الحكومة عن تفضيلها لشخصية معتدلة وتوافقية، إذ ترى في ديوان الوقف السنّي أداة مهمة لإضعاف العناصر السنّية المتشددة.

الأوقاف الإسلامية والسلطة الدينية الشيعية

في حين فشلت إدارة الأوقاف السنّية في تخطّي التفكك وأزمة السلطة لدى الطائفة السنّية، أدّت الترتيبات المؤسسية الجديدة الخاصة بالأوقاف الإسلامية الشيعية دوراً أساسياً في ترسيخ السلطة الدينية لدى الطائفة الشيعية. ويتجلى ذلك من خلال طريقة إدارة العتبات الدينية الأساسية خلال العقد المنصرم.

في المرحلة الأولى التي أعقبت إنشاء ديوان الوقف الشيعي، دارت منافسة بين الفصائل الشيعية مشابهة لتلك التي شهدتها أوساط المجموعات السنّية بغية السيطرة على الأوقاف الإسلامية. وقد سعت مجموعات دينية عدة، بصورة منفردة، إلى الإفادة من الموارد الرمزية والمادية للمقامات الدينية، بما في ذلك مواقع بالغة الأهمية مثل مقامات الأئمة الشيعة في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء. وخلال المعركة التي دارت بين الجيش الأميركي وجيش المهدي بزعامة مقتدى الصدر في العام 2004، لجأ عدد كبير من المقاتلين الصدريين إلى العتبة العلوية في النجف بنيّة استخدام قوتها الرمزية لنشر رسالتهم عن المقاومة والصمود، واستخدام منشآتها لمعالجة المصابين وتخزين السلاح. وفي الوقت نفسه تقريباً، سعت مجموعة متفرّعة عن الصدريين بقيادة محمود الحسني الصرخي إلى اجتياح العتبة الحسينية في كربلاء. وحاول تنظيم شيعي هرطقي يُدعى “جند السماء” التقدّم باتجاه العتبة العلوية في العام 2007، ماأسفر عن اندلاع اشتباكات عسكرية مع قوى الأمن الحكومية وانتهى بوقوع عدد كبير من الإصابات ومقتل قائد التنظيم.47

اختير حسين الشامي، وهو رجل دين وعضو في حزب الدعوة، الرئيس الأول لديوان الوقف الشيعي، من خلال التوصل إلى اتفاق بين حزب الدعوة والحزب الشيعي الأساسي الآخر، المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، الذي أُسنِدت إليه رئاسة الهيئة العليا للحج والعمرة، وهو منصب ديني رفيع أيضاً. غير أن إدارة الشامي لديوان الوقف الشيعي تعرّضت إلى انتقادات حادّة من المجموعات الشيعية الأخرى، وخصوصاً من المجلس الأعلى الإسلامي العراقي والتيار الصدري.48كذلك لم تكن المرجعية الدينية في النجف راضية عن دوره، ولاسيما بعدما وُجِّهت إليه اتهامات بالفساد وسوء الإدارة.49 في العام 2005، استُبدِل الشامي بصالح محمد الحيدري، إمام جامع الخلاني، الذي استمر في منصبه حتى العام 2015.

من الوظائف الأساسية التي يضطلع بها ديوان الوقف الشيعي إدارة العتبات التي تستقطب ملايين الحجّاج سنوياً وتُشكّل مرتكزات أساسية في بناء الذاكرة والهوية الجمعيّتَين لدى الشيعة. وفي العام 2005، أقرّ مجلس النواب قانوناً جديداً لإدارة العتبات وأماكن الحج الشيعية، نصّ على منح رئيس ديوان الوقف الشيعي سلطة تعيين كبار مديري العتبات بعد الحصول على الموافقة من المرجع الأعلى للطائفة50، وهو الموقع الذي يشغله حالياً آية الله علي السيستاني، الذي يمثّل السلطة العليا في الهرمية الدينية الشيعية. هذه كانت المرة الأولى في التاريخ العراقي الحديث التي يتم فيها الاعتراف بوضوح بدور المرجع الأعلى في الإشراف على العتبات وتقنينه، ماساعد على إيجاد حل لمسألة السلطة التي لاتزال عالقة لدى السنّة. لكن ذلك لم يكن ليتحقق لو أن المرجعية لم تتمكّن من الحفاظ على استقلالها الذاتي عن الدولة، بما في ذلك عبر الاعتماد على التمويل من الجماعات الشيعية والأثرياء الشيعة في العراق وخارجه، وعبر الحفاظ على تقليد مستقل للتعلّم وبناء المكانة، والذي أثبت قدرته على الصمود على الرغم من المحاولات التي بذلها النظام السابق لاختراق الحوزات الشيعية وإضعاف مرجعياتها. وقد أتاح ذلك للمرجعية أن تظهر في موقع السلطة العليا لدى الطائفة الشيعية بعد العام 2003، مادفع بالأحزاب الشيعية إلى السعي إلى كسب الحظوة لديها والحصول على الشرعية عبر التماهي مع قيادتها.51

نصّ قانون 2005 على إنشاء منصب الأمين العام في كل واحدة من العتبات الخمس الأساسية في العراق (العتبة العلوية في النجف، والعتبتين الحسينية العباسية في كربلاء، والعتبة الكاظمية في الكاظمية، والعتبة العسكرية في سامراء). وكان لمكتب المرجع الأعلى دورٌ في تعيين الأمناء العامين الذين كان بعضهم ممثّلين عن السيستاني. وكان بينهم معاوٍنان مقرّبان من المرجعية الدينية في النجف وقد أصبحا اليوم شخصيتَين نافذتين، وهما عبد المهدي الكربلائي الذي أصبح أمين عام العتبة الحسينية ولاحقاً “المتولّي الشرعي” عليها، وأحمد الصافي،52 أمين عام العتبة العباسية والمتولّي الشرعي عليها لاحقاً.

في غضون سنوات قليلة، أضحت الجهات المسؤولة عن إدارة العتبات كيانات نافذة تُدير عمليات واسعة تبدأ من توسعة باحات المقامات الدينية وبناء منشآت جديدة للزوار، وصولاً إلى الإشراف على تشييد مستشفيات ومدارس وجامعات جديدة وتشغيلها. ومن خلال قيامهم بذلك، اقتدوا جزئياً بنموذج ضريح الإمام الرضا في مدينة مشهد في إيران الذي تتولّى إدارته مؤسسةٌ عُيِّن رئيسها الحالي، ابراهيم رئيسي، في منصبه من قبل المرشد الأعلى علي خامنئي وكان المنافس الأساسي لحسن روحاني في الانتخابات الرئاسية في العام 2017. وقد أفادت الجهات المسؤولة عن إدارة العتبات من الإعفاء من الضرائب وغيرها من المستحقات التي حصلت عليها بصفتها “مؤسسات دينية” إلى جانب التمويل الحكومي لنفقاتها التشغيلية في إطار موازنة ديوان الوقف الشيعي. وأتاح لها ذلك تنفيذ العديد من المشاريع ذات الطبيعة “الدنيوية”. فقد عمدت إدارة العتبة العباسية مثلاً إلى تأسيس شركات تعمل في قطاعات المواد الغذائية والزراعة والبناء، وتعود إيراداتها إلى الجهة المسؤولة عن إدارة العتبة أو تُستثمَر في مشاريع جديدة.53 ووقّعت إدارة العتبة الحسينية عقداً مع شركة عراقية-بريطانية لبناء مطار من المزمع أن يكون الأكبر في العراق، على الرغم من تحفظات محافظ كربلاء بشأن الإجراءات.54غالباً ماتتخذ الحكومة المركزية أو المحلية القرار في مثل هذه المشاريع وتتولى إدارتها، غير أن الجهات المسؤولة عن إدارة العتبات تمكّنت من قيادة هذه الجهود في المدن حيث تقع المقامات الدينية، انطلاقاً من مكانتها الخاصة وعدم خضوعها إلى المساءلة. على الرغم من أن هذه الإدارات هي قانونياً جزء من ديوان الوقف الشيعي، وتُعتبَر بالتالي مؤسسات عامة، إلا أن تعاطيها مع الأماكن المقدّسة وارتباطها بالمرجعية الدينية، التي ظهرت في موقع السلطة فوق-الدستورية بعد العام 2003، حرّرها من القيود المفروضة على المؤسسات العامة الأخرى.

علاوةً على ذلك، استقطبت المدارس والجامعات التي تتسلّمها إدارات العتبات في كربلاء عدداً متزايداً من عائلات الطبقة الوسطى التي فضّلت إرسال أولادها إلى هذه المؤسسات التي تتقاضى أقساطاً من الطلاب بدلاً من المدارس الرسمية المجانية، وذلك لأنها تقدّم تعليماً أفضل نوعية.55 وبعد الفتوى التي أصدرها السيستاني في العام 2014 ودعا فيها المدنيين إلى الالتحاق بالقوى الأمنية في المعركة ضد الدولة الإسلامية التي أعلنها أمين عام العتبة الحسينية، شكّلت إدارات العتبات مجموعات شبه عسكرية جديدة شاركت في العمليات العسكرية. ومن هذه المجموعات فرقة العباس القتالية ولواء علي الأكبر. وقد سُمِّيَت هذه المجموعات أحياناً بـ”حشد السيستاني” لتمييزها عن مايسميه البعض بـ”الحشد الولائي” ويضم المجموعات المدعومة من الحكومة الإيرانية.56

يفضّل كثيرٌ من أبناء كربلاء المشاريع والخدمات التي تتولاها هذه الإدارات بدلاً من تلك التي تقوم بها المؤسسات الحكومية الوطنية والمحلية التي يُعرَف عنها فسادها وافتقارها إلىالكفاءة.57 ليس المقصود بذلك أنه لم تُوجَّه اتهامات بالفساد إلى إدارات العتبات.58 فالبعض، بما في ذلك مسؤولون في الدولة، يعتبرون أن هذه الإدارات تُضخّم بطريقة مصطنعة طواقمها وأنشطتها خدمةً لمصالح خاصة، وأن تمويلها الحقيقي هو من المالية العامة، على الرغم من امتلاكها موارد يمكن أن تؤمّن لها اكتفاء ذاتياً.59 وبالنتيجة، فقد ولّدت أنشطة إدارات العتبات ومشاريعها شبكات جديدة ذات مصالح متمايزة ونفوذ اجتماعي واقتصادي وسياسي متزايد.60

تتمتع العتبات الشيعية بثقلٍ رمزي ومادّي كبير يمكن أن يساهم في تعزيز المكانة السياسية والاجتماعية لمَن يتولون مسؤوليتها. كما أن خطب الجمعة التي يلقيها ممثّل السيستاني في كربلاء تحوّلت إلى مناسبات لنقل تعاليمه إلى الجمهور وبسط سلطته أبعد من الحوزات الدينية في النجف. تبعاً لذلك، وعبر إقصاء مختلف رجال الدين الآخرين من المنبر الديني الأهم، جرى تقنين سلطة “المرجع الأعلى” رسمياً.

لهذه الأسباب، من الممكن أن تمارس شبكات المكانة والمصالح التي أنشئت من خلال الترتيبات المؤسسية الجديدة للأوقاف الشيعية، نفوذاً قوياً في اختيار المرجع الأعلى العتيد مستقبلاً وفي درء المحاولات الهادفة إلى إحداث تغيير جذري في الترتيبات القائمة لإدارة الأوقاف الإسلامية. تلك الإدارات التي تُقدّم مثالاً عن التداخل بين الرسمي (ديوان الوقف الشيعي التابع للدولة) وغير الرسمي (المرجع الأعلى)، هي التجسيد الأمثل للآليات الفريدة التي أصبحت السلطة الدينية الشيعية من خلالها لاعباً أساسياً في إعادة تشكيل المنظومة السياسية الاجتماعية في العراق بعد العام 2003.61 وقد خضعت إعادة التشكيل هذه إلى مزيد من التقنين والمأسسة في قانون ديوان الوقف الشيعي للعام 2012، الذي كان لمكتب السيستاني المساهمة الأساسية في صياغته.62 بموجب القانون، يتولّى رئيس الوزراء تعيين رئيس ديوان الوقف الشيعي بعد التشاور مع المرجع الأعلى.63 وتنص المادة 13 من القانون على أن ديوان الوقف الشيعي مسؤول عن إدارة كل وقف لم يُعيَّن له مدير أو عمدَ مؤسّسه أو المرجع الأعلى إلى نقله إلى سلطة الديوان. وتفرض المادة 14 على ديوان الوقف الشيعي الامتثال للفقه الشيعي ورأي المرجع الأعلى في تعيين مديري العتبات والأوقاف. فضلاً عن ذلك، تنص المادة 15 على أنه ليست لديوان الوقف الشيعي سلطة على المدارس والحوزات الدينية، ولايمكنه التدخّل في شؤونها من دون موافقة المرجع الأعلى.

لايعني ذلك أنه ليست هناك قوى أخرى تتشارك السلطة على ديوان الوقف الشيعي إلى جانب السيستاني ومكتبه. لقد حاول مكتب السيستاني، في الواقع، التوصّل إلى إجماع بين كبار رجال الدين حول بعض هذه القرارات. ومن هؤلاء آية الله محمد سعيد الحكيم الذي هو العربي الوحيد بين المرجعيات الأربعة الأساسية في النجف، ويُنظَر إليه على نطاق واسع بأنه قد يكون خلفاً محتملاً للسيستاني.64 الحكيم سليل أسرة مرموقة من رجال الدين في النجف، كما أن انتماءه العربي والعراقي يعزّز حظوظه بتسلّم زمام السلطة، نظراً إلى أن المرجعية تشهد عملية “عرقنة” ساهمت الترتيبات الجديدة حول الأوقاف الإسلامية في تسريع وتيرتها. لقد أدّى الحكيم دوراً في تعيين الرئيس الجديد لديوان الوقف الشيعي، علاء الموسوي، في العام 2017، وكذلك في تعيين أحمد الصافي أميناً عاماً للعتبة العباسية ولاحقاً متولّياً شرعياً عليها. كلاهما من المقربين لمرجعية الحكيم. يقول مصدر مطّلع في النجف إن مكتب الحكيم مارس ضغوطاً على ديوان الوقف الشيعي لإقالة نزار حبل المتين من منصب أمين عام العتبة العلوية لأنه لم تكن تربطه علاقات ودّية بالمكتب المذكور.65 ويذهب المعلّق الشيعي سليم الحسني إلى القول بأن ميدان الأوقاف الإسلامية في النجف وكربلاء يشهد استقطاباً متزايداً بين المسؤولين الموالين للسيستاني وأولئك المرتبطين بالحكيم.66 وفي ذلك مؤشرٌ على أن إعادة الهيكلة، وعلى الرغم من أنها عزّزت سلطة هرمية النجف الدينية في المجال الديني الشيعي، إلا أنها لم توقف الخصومات الداخلية. لا بل في غالب الظن، أن هذه الخصومات ستشتدّ نتيجة توسّع الصلاحيات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المنوطة بالعتبات. في الوقت نفسه، تُسلّط هذه الخصومات، التي يجري احتواؤها إلى حد كبير بفعل الدور المركزي للسيستاني وقيادته الحذرة، الضوء على الدور الذي سوف تؤدّيه إدارة الأوقاف الإسلامية في تحديد مواقع كبار رجال الدين الشيعة مستقبلاً، ولاسيما بعد وفاة السيستاني.

خاتمة

تحوّلَ العراق، بعد العام 2003، من السياسة الحكومية القائمة على السيطرة على المجال الديني إلى سياسةٍ تمنح الأطراف والمؤسسات الدينية استقلالاً أكبر عن الدولة. لقد استُبدِلت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، التي استخدمها نظام البعث أداةً أساسية للتحكّم بالشؤون الدينية، بدواوين الأوقاف الطائفية في إجراء اعتُبِر أنه بمثابة خطوة نحو اللامركزية والدمقرطة وتوزيع رأس المال الديني بإنصاف أكبر. بيد أن هذا التحوّل تسبّب بنشوب نزاعات وخصومات جديدة، أولاً، بين ديوان الوقف الشيعي وديوان الوقف السنّي الحديثَي العهد اللذين سعى كل منهما إلى تحديد ماهو ملكٌ له بعدما ورثا صلاحيات وزارة الأوقاف والشؤون الدينية وبعض وظائفها. وثانياً، بين اللاعبين الدينيين المتعددين الذين أدركوا أنه من شأن اكتساب مزيد من السلطة في إدارة المواقع والأوقاف الدينية أن يساهم في تعزيز مواقعهم في مواجهة خصومهم.

يمكن النظر إلى هذه الديناميكيات بأنها جزءٌ من التفاوض بين الدولة والأفرقاء الدينيين حول تشارُك إدارة المجال الديني. في الوقت نفسه، ونظراً إلى أن الدولة ليست هيئة حيادية، وأن قراراتها الأساسية يتّخذها أفرقاء سياسيون يسعون إلى ترويج مصالحهم وقناعاتهم الإيديولوجية، عكست هذه الديناميكيات أيضاً الصراعات على النفوذ حيث غالباً ماكانت الدولة تُلقي بثقلها خلف القوى التي تمارس نفوذاً أكبر على صنّاع القرار والمشترعين. ومن هذا المنطلق، وجد ديوان الوقف الشيعي نفسه في موقعٍ أفضل لفرض مطالبه، نظراً إلى الدعم الذي حظي به من الأحزاب الإسلامية الشيعية التي كانت تسيطر على الحكومة ومجلس النواب بعد العام 2005.

كان تطييف الأوقاف الإسلامية جزءاً من عملية أوسع نطاقاً قائمة على بث النزعة المذهبية، وقد اشتملت على تعميق الحدود بين الطائفتَين وإنشاء مراكز سلطة دينية داخل كل جماعة مذهبية. وقد تمكّنت هذه العملية من تثبيت المرجعية في موقع السلطة العليا في المضمار الديني الشيعي، بما أدّى إلى إضفاء صفة رسمية على دورها في إدارة الأوقاف والعتبات الشيعية، وتقنينه. يُساهم ذلك على الأرجح في تأكيد الطابع العراقي للمرجعية ودور النجف كمركز للسلطة الدينية الشيعية، فيما يُعيد إلى حد كبير تكوين هذه السلطة وعملية إضفاء الشرعية على مكانة المرجع الأعلى مستقبلاً. على النقيض، أخفقَ الترتيب المؤسسي الجديد الخاص بالأوقاف الإسلامية، حتى الآن، في تخطّي تفكّك السلطة لدى الطائفة السنّية. من الواضح أن بناء سلطة سنّية مشابهة للمرجعية الشيعية، وهو الهدف الذي يروّج له بعض الأفرقاء الدينيين والسياسيين السنّة، لايزال بعيداً عن التحقق. وغالب الظن أن الخصومات ستستمر في صفوف السنّة، وسوف تتمحور حول مزيد من الاختلافات العقائدية والسياسية والتحالفات الزبائنية، بما يُفسح المجال أمام الدولة لأداء دور حكَمٍ أساسي في إعادة هيكلة المجال الديني السنّي.

هوامش

1 عن السياسة الدينية للحكومة البعثية، انظر: Samuel Helfont, Compulsion in Religion: Saddam Hussein, Islam and, the Roots on Insurgencies in Iraq (Oxford: Oxford University Press, 2018).

2 كانت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية تضم دائرة خاصة بالأوقاف وأخرى خاصة بالعتبات. في العام 1993، حصلت دائرة الأوقاف على مزيد من الاستقلالية الإدارية والمالية لكنها ظلّت تحت إشراف وزير الأوقاف والشؤون الدينية. وكانت هناك أيضاً دائرة مسؤولة عن المساجد، بما في ذلك اختيار أئمة الجوامع.

3 وجدتُ، في الأبحاث التي أجريتها في أرشيف حزب البعث في مؤسسة هوفر، مراسلات منتظمة بين فروع الحزب في المحافظات والقيادة القطرية، وكانت عبارة عن تقارير وضعتها الفروع عن امتثال أئمة الجوامع لتعليمات الحكومة وحزب البعث بشأن مضمون خطبهم. استناداً إلى هذه التقارير، كان الأئمة يُصنَّفون في ثلاث فئات: الأئمة البعثيون (المجموعة “أ”)، والأئمة الجيدون (المقسَّمون إلى مجموعة “أ” ومجموعة “ب”)، والأئمة غير المتعاونين.

4 من بين أئمة الجوامع هؤلاء أوس الخفاجي الذي كان يؤم الصلاة في أحد مساجد الناصرية وكان من أتباع محمد الصدر. وقد كان يتبع تعليمات قائده في إلقاء خطب الجمعة، رافضاً الإشادة بصدام حسين (مخالفاً جزءاً من التعليمات الحكومية). اعتُقِل في العام 1998، ما أسفر عن اندلاع صدامات بين القوى الأمنية وأتباع محمد الصدر. بعد هذه الواقعة، عمد محمد الصدر إلى تصعيد حدّة انتقاداته للحكومة، ما أدّى إلى تسريع الأحداث التي انتهت باغتياله في العام 1999.

5 Abbas Khadhim, Hawza Under Siege: A Study in the Baath Party Archive (Boston University: Institute for Iraqi Studies, 2013).

6 تتطرق هذه الورقة فقط إلى الأوقاف الإسلامية في الجزء العربي من العراق، ولاتتناول إقليم كردستان الذي يتّبع نسقاً مختلفاً في إدارة الشؤون الدينية والأوقاف.

7 المرسوم رقم 2 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة في آب/أغسطس 2003، والذي نصّ على حل الكيانات التي كانت أساسية، عسكرياً وعقائدياً، للنظام البعثي، لم يأتِ على ذكر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية. لقد فضّلت سلطة الائتلاف المؤقتة أن تترك هذه المسألة في عهدة العراقيين، على الأرجح بسبب حساسية الشأن الديني.

8 على سبيل المثال، احتلت مجموعة مرتبطة بالمرجع الشيعي، الشيخ محمد يعقوبي، جامع الرحمن الكبير الذي كانت الحكومة البعثية قد شيّدته في حي المنصور الراقي. وقد أصبح المسجد المقر الرئيس لليعقوبي وحزبه السياسي، الفضيلة، في بغداد. وفي العام 2003، احتلت هيئة علماء المسلمين التي كانت قد أُنشئت حديثاً، وهي مجموعة سنّية، جامع أم المعارك الكبير، وغيّرت اسمه إلى جامع أم القرى. وقد اعترض ديوان الوقف السنّي لاحقاً على هذه الخطوة، وتمكّن من استعادة الوصاية على المسجد.

9 مقابلة أجراها المؤلّف مع مسؤول في ديوان الوقف السني في بغداد، شباط/فبراير 2019.

10 الحسينية مجمعٌ تُمارَس فيه طقوس إحياء ذكرى الأئمة الشيعة، ويُستخدَم أيضاً للصلاة وتقبُّل التعازي.

11 ديوان الوقف الشيعي، (تمّت زيارة هذا الموقع في 20 شباط/فبراير 2019)، http://www.al-awqaf.net/webpages/dewan/anjazat/n2.htm

12 مقابلة أجراها المؤلّف مع سليم صالح مهدي، أحد المديرين العامين في ديوان الوقف السنّي، بغداد، 9 شباط/فبراير 2019.

13المصدر السابق .

14 المصدر السابق.

15 الشرق الأوسط، 3 آذار/مارس 2006، http://archive.aawsat.com/details.asp?article=351080&issueno=9957#.XFB8Cy3Mx0s

16 يمكن الاطلاع على الحكم عبر الرابط التالي، (تمّت زيارة هذا الموقع في 21 شباط/فبراير 2019)https://www.iraqfsc.iq/krarat/1/2012/62.pdf

17 مقابلة أجراها المؤلّف مع طه الزيدي، العضو في المجمع الفقهي السني، بغداد، 8 شباط/فبراير 2019. قال لي رجل من سامراء يعيش الآن في بغداد إنه يملك مبنى على مقربة من العتبة لكنه ممنوع من دخوله منذ العام 2006 بسبب الإجراءات الأمنية التي تُطبّقها قوى الأمن والميليشيات الشيعية في المنطقة. الهدف، برأيه، هو إرغامه مع مالكي الأراضي الآخرين على بيع مبانيهم وأراضيهم إلى ديوان الوقف الشيعي والمتحالفين مع المجموعات الشيعية مقابل أسعار متدنّية جداً.

18 الخلاصة، “الاستيلاء على أملاك الوقف السني: حرب وجود وهوية”، 2 حزيران/يونيو 2016، (تمّت زيارة هذا الموقع في 12 كانون الثاني/يناير 2019)، https://www.alkulasa.net/artical/1553/الاستيلاء-على-املاك-الوقف-السني-حرب-و/

19 الخليج أونلاين، “العراق: شكوى للوقف الشيعي تقود النجيفي إلى السجن ثلاث سنوات”، 26 كانون الثاني/يناير 2018،https://alkhaleejonline.net/%D8

20 وكالة يقين للأنباء، “الوقف الشيعي يسعى للسيطرة على عقارات الوقف السني في نينوى”، 13 شباط/فبراير 2019،https://yaqein.net/reports/176808

21 حديث مع سكان محليين، بغداد، 8-10 شباط/فبراير 2019.

22 من الأمثلة على ذلك وقفٌ يتألف من نحو ثلاثين مبنى، تبرّعت به قبل وقت طويل امرأة متوفاة من سامراء ويقع في شارع الجمهورية والشورجة، وهما المنطقتان التجاريتان الأساسيتان في وسط بغداد. نظراً إلى أن المتبرعة هي من سامراء ذات الأكثرية السنّية، اعتبر ديوان الوقف السنّي أن الوقف ملكٌ للسنّة، في حين أشار ديوان الوقف الشيعي إلى أن المتبرّعة تتحدّر من أصول علوية، وأنها تنتمي في الأغلب إلى الطائفة الشيعية. يروي مسؤول في ديوان الوقف السني أن ديوان الوقف الشيعي اتخذ قراراً أحادياً باعتبار هذه المباني جزءاً من اختصاصه عبر التعاقد مع أشخاص انتقلوا للإقامة فيها. مقابلة أجراها المؤلّف، بغداد، 9 شباط/فبراير 2018. هذه الرواية سمعها المؤلّف أيضاً على لسان عبد الوهاب السامرائي، عضو المجمع الفقهي السني، 8 شباط/فبراير 2018.

23 حسام خيرالله، “لجنة الفك والعزل.. وحروب الأوقاف”، عراق القانون، 28 آذار/مارس 2014،http://www.qanon302.net/articles/2014/03/28/15350

24 اتُّهِم ديوان الوقف الشيعي بالاستحواذ بصورة غير قانونية على 247 قطعة أرض وموقعاً تجارياً. الخلاصة ، “الاستيلاء على أملاك الوقف السني”، https://www.alkulasa.net/artical/1553/الاستيلاء-على-املاك-الوقف-السني-حرب-و/

25 أحاديث مع رجال دين شيعة، النجف، 4-5 آذار/مارس 2018.

26 انظر مثلاً هذه المقابلة مع عدنان الدليمي التي اتهم فيها الحكومة العراقية بمساعدة الميليشيات الشيعية للسيطرة على المساجد السنّية، (تمّت زيارة هذا الموقع في 20 شباط/فبراير 2019)، https://www.youtube.com/watch?v=RYvEhhh3BsA

27 صرّح السامرائي في هذه المناسبة: “ما أصابنا في العراق من القتل والتخريب والتهجير كانت هيئة علماء المسلمين أحد أسبابه”. انظر “السامرائي والحرب على هيئة علماء المسلمين… من المستفيد؟”، (تمّت زيارة هذا الموقع في 19 شباط/فبراير 2019)، http://almoslim.net/node/86002

28 مجلس النواب العراقي، “قانون ديوان الوقف السني، رقم 56، 2012″، (تمّت زيارة هذا الموقع في 19 شباط/فبراير 2019).

29 مقابلة أجراها المؤلّف مع عضو في المجمع الفقهي العراقي، بغداد، 9 شباط/فبراير 2019.

30 ديوان الوقف السني، “الهميم يطلق حملة كبرى لإعادة النازحين”، 4 تشرين الأول/أكتوبر 2016،http://sunniaffairs.gov.iq/ar/الدكتور-الهميم-يطلق-حملة-كبرى-لإعادة-ا.

31 ديوان الوقف السني، “ضمن الحملة الوطنية الإسلامية لمناهضة الغلو والتطرف والإرهاب”، 11 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، http://sunniaffairs.gov.iq/ar/ضمن-الحملة-الوطنية-الاسلامية-لمناهضة.

32 مقابلة أجراها المؤلّف، بغداد، 8 شباط/فبراير 2019.

33 وفقاً لمصادر تعمل عن قرب مع المجمع الفقهي العراقي، رفض ديوان الوقف السني عرضاً تركياً لترميم مسجد الإمام الأعظم، حيث يقع مقر المجمع. وقد برّروا الأمر بأن الهميم يريد أن يفرض سيطرته الكاملة على المسجد البارز قبل السماح بترميمه.

34 مقابلة أجراها المؤلّف مع عبد الوهاب السامرائي، عضو المجمع الفقهي العراقي، بغداد، 8 شباط/فبراير 2019.

35 مقابلة تلفزيونية مع عدنان الدليمي، (تمّت زيارة هذا الموقع في 20 شباط/فبراير 2019)،https://www.youtube.com/watch?v=RYvEhhh3BsA

36 انظر نبذة دار الإفتاء عن تاريخها، (تمّت زيارة هذا الموقع في 19 شباط/فبراير 2019)، http://www.h-iftaa.com

37 محادثة بين المؤلّف وأحمد محمود الطه، رئيس المجمع الفقهي العراقي، بغداد، 8 شباط/فبراير 2019.

38 مقابلة أجراها المؤلّف مع هشام الهاشمي، الخبير في شؤون المجموعات السلفية السنّية، بغداد، 9 شباط/فبراير 2019.

39 مقابلة أجراها المؤلّف، بغداد، 9 شباط/فبراير 2019.

40 مقابلة أجراها المؤلّف مع مسؤول في ديوان الوقف السني، 9 شباط/فبراير 2019. انظر أيضاً، الروابط “نزاع تدعمه الوثائق: أم الطبول”، 30 كانون الثاني/يناير 2017، http://rawabetcenter.com/archives/39899

41 للاطلاع على التفاصيل، انظر: Aymenn Jawad al-Tamimi, “Hashd Formations of Iraq: Interview with Harakat Ahrar al-Iraq,” January 18, 2019, http://www.aymennjawad.org/2019/01/hashd-formations-of-iraq-interview-with-harakat.

42 الكوثر، “اللواء قاسم سليماني يلتقي مفتي أهل السنة”، 4 كانون الأول/ديسمبر 2018،http://www.alkawthartv.com/news/177239

43 مقابلة أجراها المؤلّف مع هشام الهاشمي، الخبير في المجموعات السنّية السلفية، بغداد، 9 شباط/فبراير 2019.

44 كان بينهم غاندي عبد الكريم ونهرو عبد الكريم، نجلا زعيم الطريقة، الشيخ محمد عبد الكريم الكسنزان. وقد أصبح الابن الثالث، ملاس، أول وزير للتجارة في حكومة حيدر العبادي، قبل أن يُرغَم على تقديم استقالته بسبب اتهامه بالفساد.

45 RT, “ISIS jihadists demolish mosques, shrines in northern Iraq,” July 5, 2015,https://www.rt.com/news/170652-jihadists-destroy-mosques-iraq/.

46 مقابلة أجراها المؤلّف، بغداد، 9 شباط/فبراير 2019.

47 بي بي سي نيوز، “مقتل زعيم جند السماء في اشتباكات النجف”، 29 كانون الثاني/يناير 2007، (تمّت زيارة هذا الموقع في 3 كانون الثاني/يناير 2019)،http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/middle_east_news/newsid_6307000/6307349.stm

48 انظر مثلاً هذا المقال الذي نشره موقع إلكتروني مملوك من جلال الدين الصغير، أحد قياديي المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، في 11 أيلول/سبتمبر 2009، http://burathanews.com/arabic/articles/7525

49 من الأمثلة الشهيرة اتهام الشامي باستغلال منصبه لشراء جامعة البكر للدراسات العسكرية وتحويلها إلى جامعة الإمام الصادق حيث كان المساهم الأساسي ورئيس مجلس الإدارة. وقد أنكر التهمة قائلاً بأن الجامعة مملوكة من مؤسسة خيرية. وكالة أنباء براثا، “الشامي يرد على اتهامات الأعرجي”، 21 نيسان/أبريل 2011،http://burathanews.com/arabic/news/122923

50 المرجع لقب ديني يُمنَح للعلماء المسلمين الحائزين على الاعتمادات اللازمة لممارسة الاجتهاد، أي استخلاص الأحكام الإسلامية من خلال الأساليب المنطقية. والعلامة الذي حاز على ملَكة الاجتهاد وأصبح بالتالي مجتهداً، يُشار إليه أيضاً بالمرجع لأنه يُطلَب من المقّلدين الاقتداء به واتّباع تعليماته والفتاوى التي يصدرها. المرجع الأعلى مؤسسة حديثة نسبياً، وغالباً مايُمنَح هذا اللقب إلى المجتهد الذي يقتدي به العدد الأكبر من الأشخاص. عدنان فرحان القاسم، “الاجتهاد عند الشيعة الإمامية: أدوار وأطوار” (بيروت: دار السلام، 2008)، 241-276؛ Mohammad Hashim Kamali, Principles of Islamic Jurisprudence (Cambridge: Islamic Texts Society, 1991), 40.

51 تجلّى ذلك في انتخابات الجمعية الوطنية الانتقالية في العام 2004 وانتخاب أول مجلس للنواب في العام 2005، حيث استعمل الائتلاف الشيعي صور السيستاني لاستمالة الناخبين. لمزيد من التفاصيل، انظر: Babak Rahimi, “Ayatollah Sistani and the Democratization of the Post-Ba’athiIraq,” United States Institute of Peace, June 2007, https://www.usip.org/sites/default/files/sr187.pdf.

52 أنشئ المنصب الجديد، المتولّي الشرعي، كي يبقى الأمين العام، بعد انتهاء ولايته، مسؤولاً عن إدارة هذه العتبات، وهو ماانتقده البعض معتبرين أنه ترتيب غير شرعي، وفق ماسمعته من خبراء قانونيين وأشخاص مطّلعين على الموضوع في أحاديثي معهم.

53 اسم الشركة الأساسية هو “الكفيل”، وقد فتحت فروعاً في مناطق عدة في العراق، منها الأعظمية، أحد الأحياء السنّية الأساسية في بغداد.

54 في ظاهرة علنية نادرة عن المنافسة والخلافات بين السلطة النظامية في المدينة والجهات المسؤولة عن إدارة العتبات، تحدّث محافظ كربلاء، عقيل الطريحي، عن تحفظاته في مقابلة تلفزيونية، (تمّت زيارة هذا الموقع في 20 شباط/فبراير 2019)، https://www.youtube.com/watch?v=t76Wun5FpVI&t=1354s

55 المدرسة الأساسية التي تضمّ صفوفاً في المرحلتَين الابتدائية والثانوية تدعى “الكفيل”. مؤخراً، افتُتِحت في كربلاء جامعة جديدة تحمل اسم الوارث بإدارة الجهة المسؤولة عن إدارة العتبة الحسينية.

56 لمزيد من التفاصيل عن فصائل الحشد الشعبي، انظر ريناد منصور وفالح عبد الجبّار ، “الحشد الشعبي ومستقبل العراق”، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، نيسان/أبريل 2017، https://carnegie-mec.org/2017/04/28/ar-pub-68812; Adel al-Gabouri, “The Role of Popular Mobilization Forces in the Iraqi Political Process”, Fikra, October 1, 2018, https://www.washingtoninstitute.org/fikraforum/view/the-role-of-the-popular-mobilization-forces-in-the-iraqi-political-process.

57 مقابلات أجراها المؤلّف مع السكان.

58 هذه النقطة أكّدها لي مستشارٌ للحكومة يُعنى بشؤون الموازنة. على الرغم من النظرة الإيجابية السائدة، يتحدّث بعض الأشخاص أيضاً عن المحاباة والمحسوبيات في إدارة العتبات ومواردها.

59 حديث مع مستشار قانوني لدى الحكومة العراقية طلب عدم نقل الكلام عن لسانه، بغداد، شباط/فبراير 2017.

60 Harith Hasan, “The ‘Formal’ Marjaʿ: Shi’i Clerical Authority and the State in Post-2003 Iraq,” British Journal for Middle East Studies, DOI: 10.1080/13530194.2018.1429988.

61 المصدر السابق.

62 مقابلة مع معاون للسيستاني طلب عدم نقل الكلام عن لسانه، 2016.

63 الوقائع العراقية، “قانون ديوان الوقف الشيعي، رقم 57، 2012”.

64 الثلاثة الآخرون هم السيستاني ومحمد اسحاق الفياض (أفغاني) وبشير النجفي (باكستاني).

65مقابلة أجراها المؤلّف، بغداد، 11 شباط/فبراير 2019.

66سليم الحسني، “مشكلة مرجعية السيد السيستاني مع المعممين الثلاثة”، البديل العراقي، 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2011،http://www.albadeeliraq.com/ar/node/985

رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M