جينات الحضارة واليوم العالمي للسكان

بقلم: د هبة جمال الدين – مدرس العلوم السياسية، معهد التخطيط القومي- وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية

المركز الديمقراطي العربي

جاء يوم 11 يوليو ليذكرنا باليوم العالمي للسكان، الأمر الذي ذكرني بتساؤل مستمر يثور دوما في ذهني يدور حول نظرتنا للمكون البشري المصري خاصة والعربي عامة ولماذا مازلنا قابعين في اعتباره عبء وليس رأس مال بشري كمقوم من أهم مقومات ثروات الأمم. هذا التساؤل يحضرني حينما أنظر لحال العالم الغربي الذي تتقلص أعداده باستمرار مخيف فبعد أن كان الجنس الأوروبي علي سبيل المثال يمثل 25% من سكان العالم بالقرن الثامن عشر ميلاديا أخذ في التقلص لتطالعنا التقارير الدولية الصادرة عنه بتنبؤ تقلص الجنس الأوروبي لأقل من 4% مع قدوم عام 2050؛ وهذا التقلص العددي المخيف كان للمدنية دور فيه والتفكك الاسري وموجه الشواذ المنتشرة بأوروبا ككل، ولم يقف الأمر عند انخفاض معدلات الخصوبة وأنما امتد لمتوسط عمر القارة التي تؤكد أنها بالفعل القارة العجوز مقارنة بمتوسط أعمار القوى البشرية بقارات العالم المختلفة الذي من المتوقع أن يصل إلى 47% مع حلول عام 2050 مقابل 21 عام للقارة الافريقية و25 عام للدول العربية.

هنا علينا أن نعي الخطر الديموغرافي الذي يواجه القوى الأوروبية الامر الذي يضحض الفكرة المغلوطه لدي البعض بأنها –أي اوروبا- تقف ضد الهجرة ولكن العكس هو الصحيح فأوروبا تهرول لقبول المهاجرين وتشجيع الهجرة إليها، ولكن أية مهاجرين هذا هو السؤال والمحك الرئيسي .. فالهجرة المقبولة للمتميزين والعلماء والرياضيين والمفكرين.. أي للعناصر المميزة التي ستساهم في رفعة أوروبا وإزدهارها.

وقد شهدنا بالفعل أن كأس العالم الأخير كان من نصيب فريق أفريقي مجنس بالجنسية الفرنسية، مما يؤكد أن الدول النامية هي التي ستحكم العالم في الفترة القصيرة القادمة واتذكر أن حاكم لندن هو مهاجر باكستاني الأصل… هنا وجب علينا أن نعي ونعمل على تقوية أواصر العلاقة مع أبناء الأمة العربية والأفريقية قاطبة فهم حكام العالم المستقبلين.

الأمر الذي يثير اشكالية مهمة كيف يمكننا إنتاج عناصر متميزة قادرة ومؤهلة على قيادة العالم مع ضعف الموارد. هل الحل في تحديد او تنظيم النسل وما تبعات ذلك… هل سياسة الطفل الواحد بالصين التي يتشدق بها البعض كنموذج مثالي يجب علينا ان نحتذي به نجحت في إزدهار الصين ولم يكن لها تبعات … لتكون نموذج علينا الاقتداء به لنتمكن من البناء والتنمية.

الأن يقتضي الأمر أن اطرح سؤال مهم لاعمال ذهن القارئ “هل الزيادة السكانية هى سلاح ديموغرافي أم هي عبء على كاهل الدولة؟؟” وقبل الاجابة علينا أن نعي أن إسرائيل كامنة على الحدود وتعمل على تشجيع الهجرة اليهودية إليها بل وتخشي دوما من الزيادة العددية للعرب بل أن الصهيونية قد بنيت على مقولات كـ “أرض أكثر وعرب أقل” و “القضم والهضم” أي تفريغ الأرض من العرب. وتنظر الآن إسرائيل بسعادة للطبيعة السكانية لبعض المجتمعات العربية كعنصر قوة يصب في صالح المخططات الصيونية هنا أقصد البنية السكانية لدول الخليج العربي الذي يقل عدد سكانها الاصليين مقابل أعداد العمالة الاجنبية والوافدين والاجانب وتراهن أن أندلاع حروب بتلك الدول سيسهل تهجيرهم وتخويفهم ومن ثم تفريغ الارض العربية من سكانها.

وإذا عدنا لمصر سنجد أننا كشعب مصري نمثل خطر كبير على الأمن الاسرائيلي بل ونقف ضد مخططاتهم المستقبلية فرغم ضعف المنظومة التعليمية وضعف الناتج منها ولكننا نمتلك جينات حضارة تؤهلنا لقيادة العالم لذلك كان المخطط الاستعماري ضد مصر يبدأ بالقضاء علي مقومات المصريين فوقع الاختيار على اضعاف المنظومة التعليمية والآن المستهدف التالي هو العمل على تغير الجينات المصرية جينات الحضارة كمخطط كامن تطرحه مراكز الفكر الغربية والاسرائيلية ومن أبرز الجهد القائم في هذا الصدد مشروع يموله الملياردير الصهيوني جورج سورس مهندس ثورات الربيع العربي ويموهل مع بيل جيتس.

هنا على العودة بالقاريء للإجابة عللى سؤال مهم لتقريب الفكرة، هل سياسة الطفل الواحد الصينية مرت بأمان ولن تؤثر مستقبليا علي الصين وما علاقة ذلك بجينات الحضارة الصينية؟؟؟؟
الاجابة بكل صراحة ان تبعات سياسة الطفل الواحد أكبر بكثير من العائد التنموي الذي تحقق، فبعد أقل من عشرة أعوام ستعاني الصين من مشكلة كبيرة في تغير جينات جيل كامل بمعني آخر لن يجد الذكور بالصين لإناث صينيات يتزوجون منهن فالمقصد سيكون الأجانب، ومن ثم سيتغير جينات جيل كامل خاصة أننا نعلم أن الصين تحمل جينات الحضارة.كما نحملها تماما. فكان لسياسة تحديد النسل الفضل في تغير التوازن الديموغرافي كمجتمع شرقي كان تفضيل إنجاب الذكور هو الأمر الغالب على الرغبة في انجاب الاناث فتدخل السكان في تحديد جنس المولود مما عمل بدوره على ايجاد جيل من الذكور يقل به تماما اعداد الاناث ، ومع توقع عمر طويل امام السكان سيمثل ذلك ضغطا على مرافق الدولة والقطاع الصحي في ظل قلة عدد السكان بسبب تحديد النسل، ومع تغير سياسة الطفل الواحد والسماح بإنجاب طفلين لم يستجب كل السكان بسبب الاعتياد وتغير المنظومة الفكرية ونمط الحياة. ومع اخر زيارة لي في الصين منذ عام تقريبا علمت بوجود مقترح قانون لتشجيع الصينين على الانجاب كما يستطيعون مما يعكس ادراك صانع القرار لأهمية المكون البشري فهو رأس مال اجتماعي وثروة حقيقية.

هنا يأتي السؤال المهم الذي يراودني دوما لماذا يأتي العلماء والمفكرين والأدباء والنابهين بمصر من قرى الصعيد والقرى الفقيرة والأسر البسيطة، ولماذا رغم المنظومة التعليمية الضعيفة مازلنا ننتج علماء متميزين كالمهندس هاني عازر مثلا وغيره من الكثيرون ممن تلهث ورائهم الدول الغربية , لماذا من يعمل على تطوير قدراته مننا يتميز بجدارة ويتضح ذلك جليا خلال وجودنا بداحل المحافل الدولية حيث يتفوق على أقرانه من الاوروبين والأمريكان.

هنا تأتي الإجابة أننا دولة ذات جينات حضارة وأن المصريون هم ثروة بشرية وليس عبء لذا يكمن السر في العمل على استثمار الجينات المصرية عبر الاهتمام بالمكون البشري المصري فالجين المصري كامن وينتظر من يزيل عنه الغبار ليتوهج مرة اخرى. ولا اعني ان نلعب على خريطة الجينات طبيا ابدا وأنما نهتم بالمصريين ونطور قدراتهم ونثقل مواهبهم. ونحمي الشعب من المخططات الخارجية التي تستهدف الحين المصري.

هنا لابد من تغير نظرة القائمين على ملف السكان للنظر للمصريين كثروة بشرية وليس عبء لابد من تحديده وهنا ما اعنيه بالطبع ليس الزيادة العددية المضطردة وانما الاستثمار في البشر. عبر اصلاح المنظومة التعليمية واتاحة منافذ تعلم الفن والارتقاء بالذوق وتشجيع الابتكار والابداع.

هنا قد يختلف معي البعض بسبب نقص الموارد بل قد يصف البعض ما اطرحه أنه درب من الخيال، اتفق مع هذا التساؤل المشروع. ولكن يمكنني التفكير خارج الصندوق عبر تشجيع البحث العلمي بمعنى حث مراكز الابحاث المصرية لإجراء دراسات حول تنمية الموارد وايجاد موارد جديدة للدولة غير تقليدية عبر دراسة الخبرات الدولية في مجالات تدر دخل كالسياحة والثقافة والفنون والتسويق والتجارة … دون اللجوء للحل السحري “فرض ضرائب جديدة”

ويحضرني هنا مثال عن الصين حيث استطاعت عبر استخدام التقنيات التكنولوجية الحديثة اجتذاب قطاع جديد من السائحين فلم يعد السائح كما اعتدنا عليه فالسائح المثقف سيزور الاثر مرة واحد فقط ولن يعود اما السياحة التكنولوجية الترفيهية اذا تم ربطها بالمعالم الاثرية الخلابة ستكون اكثر قبولا ورواجا خاصة بين الشباب وهذا ما تقوم به الصين فمتحف شنغهاي على سبيل المثال يوجد به غرفة مطيرة تستخدم تفنيات الطباعة رباعية الابعاد، وفي بعض البحيرات توجد سينما عبر النفورات الراقصة… فالصين تمتليء بتقنيات سياحية حديثة ومتقدمة.

واتساقا مع ما ذكر علينا ان نطور من انفسنا فإذا نجحنا في ذلك سنجتذب السياحة الخليجية باقتدار في اقل تقدير.

وعلينا ان نعي ونقر أن هناك جهود كامنة تبذلها بعض المنظمات الدولية هدفها تغير الحمض النووي المصري الذي علينا المحافظة عليه ولابد أن نعي انه ساحة الحرب خلال المعركة القادمة، حمى الله مصر وحمى الشعب المصري العظيم وحمي القيادة من المخاطر الكبيرة المحيطة بالوطن تحيا مصر.

 

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=61692

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M