قراءة أولية في مشروع قانون مجلس الإعمار في العراق

أ.د. نبيل جعفر المرسومي

أستاذ علم الاقتصاد في جامعة البصرة

 

من الناحية التاريخية بدء تخصيص وإدارة الموارد المالية النفطية في العراق في الخمسينيات من القرن الماضي من خلال إنشاء مجلس الإعمار العراقي الذي خصص له (بحسب قانون اقره البرلمان في حينها) الذي خصص له في البداية 100% من عائدات النفط ثم خفضت الى 70% من كافة موارد الحكومة المالية من النفط قبل إجراء أي توزيع للموازنة الحكومية المعتادة.

وقد تأسس المجلس على ثلاثة مبادئ اساسية هي:

1- تركيز اعمال التنمية الاقتصادية في هيئة واحدة بدلا من تشتيتها بين الوزارات المختلفة

2- التأكيد على بعض انواع المشاريع العامة مثل الري والبزل والمواصلات.

3- تخصيص جزء من عائدات النفط لتغطية كلفة هذه المشاريع او تسديد القروض في حالة الاقتراض الخارجي.

كانت من أولويات المجلس المقررة القيام باستثمارات اقتصادية في البنية الأساسية الوطنية والنهوض بالواقع العمراني للبلد ومكننة الزراعة وتوسيع الخدمات والتنمية الاقتصادية للدولة ورفع مستوى دخل الفرد. وقد حقق المجلس نجاحا كبيرا خلال السنوات القليلة التي عمل خلالها، وأثنى على عمله الكثير من المراقبين وقتها وحتى يومنا هذا، وخلال سنوات عمل المجلس الثماني منذ تأسيسه في 1950، تم إنشاء مشاريع عمرانية وبنى تحتية كبرى ال تزال شاخصة حتى اليوم، بينما لم تتمكن كل العهود التي تلت ذلك العهد من تحقيق نهضة عمرانية واقتصادية بخالف المشاريع التي كان قد خطط لها المجلس آنذاك ولم يتمكن من إكمالها بسبب سقوط العهد الملكي.

وبميزانية قدرها ٥٠ مليون دينار عراقي فقط في عام 1953 تم تفعيل عمل مجلس الإعمار الذي تأسس عام 1950 وقد تمكن هذا المجلس من إنجاز مشاريع تنموية وخدمية كبيرة مثل: مشروع سد وبحيرة الثرثار، سدة الرمادي وبحيرة الحبانية، ومن المشاريع المهمة التي انجزها مجلس الإعمار هو مبنى جامعة بغداد التي لا تزال الأعلى بين المباني في العاصمة، ووزارة التخطيط على نهر دجلة. يضاف إلى ذلك مشاريع أخرى أنجزت فيما بعد، مثل مشروع المصب العام وسلسلة الطريق الدولية السريعة الرابطة بين العراق وسوريا والأردن، فضلا عن السدود العملاقة التي أنجز قسم منها في الثمانينات من القرن الماضي مثل سدي الموصل وحديثة ومشروعي سد دوكان و سد دربندخان، فضلا عن جسور في وبغداد والموصل ومختلف مدن العراق، ومعامل ومصانع الاسمنت والسكر والنسيج والنفط والغاز ومحطات للطاقة الكهربائية، إنشاء الطرق البرية وسكك الحديد، إضافة الى مشاريع الإسكان…الخ.

ولكن تم حل هذا المجلس بعد ثورة 14 تموز.1958 بعد هذا التاريخ، اتسمت تصرفات الحكومات العراقية المتعاقبة بعدم الشفافية في تخصيص وإدارة الموارد المالية، والزيادة المطردة لمخصصات الميزانيات العسكرية وهو الإسراف الذي أدى إلى آثار كارثية على العراق وشعبه.

واليوم وبموازنة انفجارية تزيد عن 128 ترليون دينار يفشل السياسيون العراقيون في تنفيذ مشروع استراتيجي واحد وهي عالمة واضحة على تبديد الأموال العامة وعدم توظيفها في اعمار العراق وتطوير اقتصاده الوطني وتحسين الخدمات ورفع مستوى نوعية الحياة في العراق. ومثلما نستذكر قصص النجاح المرتبطة بالإعمار في الخمسينات ستستذكر الأجيال القادمة قصة الفشل الذريع لطبقة سياسية اضاعت فرصة مهمة لبناء العراق وتطويره على الرغم من الحجم الهائل الأموال التي تضمنتها موازناته العامة والتي تزيد عن الترليون دولار.

في نيسان 2003 برزت في الأفق فرصة جديدة لتوزيع الموارد المالية في العراق وإدارتها بطريقة، ربما تتسم بالشفافية، وبما يعود على الشعب العراقي بفوائد اقتصادية كبيرة. وقد تمت صياغة هذه المبادئ في الدستور العراقي لعام 2005، ولكن لم يتم تنفيذها بالكامل نظرا لوجود اختلافات سياسية حولها لازالت قائمة إلى الوقت الحاضر.

واخيرا وبعد طول انتظار انتهى مجلس الوزراء من اعداد مشروع قانون مجلس الإعمار، وقد تم ارساله الى البرلمان لغرض تشريعه. وقد ارتبطت مبررات تأسيس مجلس الإعمار بتنفيذ المشاريع الكبرى بفاعلية وحسن تخطيط وإدارة وإشراف وتشغيل، وخلق فرص العمل، وتنمية مهارات العاملين، وتعظيم استفادة المواطنين العراقيين من موارد الدولة من خلال توزيع أرباح المشاريع عليهم ومنحهم الأولوية بالاكتتاب في مشاريع المجلس، وتنفيذ مشاريع التنمية ذات الأهمية الاقتصادية لتنمية وتنويع موارد العراق المادية والبشرية وإقامة قطاعات ناشطة وطنية قادرة على المنافسة الحرة ودفع عجلة التنمية إلى الامام بإقامة البنى التحتية والخدمية وانشاء المشاريع الاستراتيجية والصناعية و الزراعية والصحية والإسكان والري ومد الطرق العامة وتشييد الجسور وانشاء المطارات وغيرها، وتعزيز الجهود لجعل القطاع الخاص العراقي والأجنبي ممولا أساسيا للمشروعات دون الاعتماد الكلي على الموازنة الاستثمارية للدولة.

ومن دون شك يعد مشروع هذا القانون أحد المداخل المهمة في تطوير وتنويع الاقتصاد العراقي وتحسين جودة الخدمات وتحسين نوعية حياة الانسان العراقي ورفع مستوى معيشته غير ان هناك بعض الملاحظات التفصيلية على بعض مواد هذا القانون نستعرضها على النحو الآتي:

ملاحظات مشروع القانون

الملاحظة الأولى تتعلق بطبيعة تشكيل المجلس التي تطرقت اليها المادة 4 اولا من مشروع القانون التي تتكون من رئيس مجلس الوزراء رئيسا والمدير التنفيذي ووزراء المالية والنفط والتخطيط والامين العام لمجلس الوزراء فضلا عن 5 اعضاء من القطاع الخاص وبذلك يصبح المجموع 11 عضوا، يضاف لهم عدد من الخبراء الذين يرشحهم رئيس الوزراء. ويبدو ان هذا العدد كبير جدا والحاجة للمجلس للعديد منهم وخاصة وزير النفط والامين العام لمجلس الوزراء كما ان عدد ممثلي القطاع الخاص كبير جدا والمفروض ان يقتصر على ممثل واحد. والمفروض ان يجري التركيز على استقدام الخبراء الذين يتمتعون بقدر كبير من المهارات التخصصية الى المجلس لان العمل اساسا هو تقني واقتصادي. فضلا عن ضرورة ابعاد تشكيلة المجلس عن المحاصصة السياسية بغية تحييد التأثيرات السياسية على القرارات الاقتصادية للمجلس.

الملاحظة الثانية تتعلق بما جاء في المادة 10 سادسا التي تذهب الى توزيع أرباح الأسهم المملوكة للمجلس في مشاريعه للمواطنين العراقيين بدون مقابل وخلال مدة يقررها المجلس من تاريخ التشغيل التجاري الناجح للمشروع وفق نظام يصدره المجلس. واعتقد ان هذه الفقرة غير مناسبة وهي تؤكد على الجانب التوزيعي الإيرادات العامة وخاصة الإيرادات النفطية التي تشكل العصب الرئيس الإيرادات العامة وبنسبة لا تقل عن 92% اذ يكون من الافضل اقتصاديا ان يجري اعادة استثمار الارباح مرة اخرة لتعزيز نشاطات المجلس وهذا ما يحقق للناس منفعة اكبر من خلال تنويع الاقتصاد العراقي وتطوير الخدمات وزيادة فعالية التنمية الاقتصادية وتوفير فرص عمل اضافية للعاطلين فضلا عن ان ضآلة الموارد المالية المتاحة للمجلس لا يشجع على المضي قدما في هذا الاتجاه لا سيما وان حصة الفرد العراقي في نهاية كل عام سيكون مبلغا زهيدا لا يستحق الذكر. ويبدو ان اضافة هذه الفقرة هو لإرضاء الكتل والأحزاب السياسية بعيدا عن المبررات الاقتصادية الموضوعية التي تم تجاهلها عند صياغة هذه الفقرة من المادة 10.

الملاحظة الثالثة تتعلق بمصادر تمويل المجلس اذ تشير المادة 16 الى ان مصادر تمويل المجلس تتكون مما يأتي:

أولا: التخصيصات المالية من الموازنة العامة الاتحادية السنوية للدولة لتغطية النفقات التشغيلية.

ثانيا: 5%خمسة في المائة من إجمالي الإيرادات المدرجة في الموازنة العامة الاتحادية السنوية لتمويل مشاريع المجلس بعد خصم النفقات الضرورية واجبة الدفع.

ثالثا: تخصيصات مشاريع الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة والأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم التي تدخل ضمن مشاريع المجلس وفق أحكام هذا القانون.

رابعا: الأرباح والرسوم وأجور الخدمات التي يقدمها المجلس للغير.

خامسا: الأموال المخصصة للمجلس المنصوص عليها في التشريعات النافذة أو المودعة في صناديق خاصة بذلك وفق القانون.

سادسا: أية موارد أخرى يقبلها المجلس.

والملاحظ هو قلة النسبة المخصصة من الإيرادات العامة الى مجلس الإعمار والمحددة بنسبة 5% وهو لا تتجاوز في أحسن الاحوال فعليا 4 مليارات دولار سنويا وكان من المفضل ان تبدأ النسبة بـ 5% على ان تتزايد سنويا بنسبة 1% حتى تصل الى نسبة 10% من الإيرادات العامة نظرا لضخامة المهام الملقاة على مجلس الإعمار والتي تتطلب موارد مالية كبيرة. فضلا عن ذلك ينبغي اضافة فقرة الى هذه المادة ال تسمح فيها للمجلس بالاقتراض الخارجي لتمويل اعماله او تحديده في نطاق ضيق جدا نظرا للتداعيات السلبية العديدة المترتبة على الاقتراض الخارجي وما يؤدي اليه من اغراق البلد في وحل المديونية الخارجية المرتفعة اساسا في العراق.

الملاحظة الرابعة تطال مهام المجلس الذي تطرقت اليه المادة 14 ثالثا اذ تقتضي الضرورة اعطاء الأولوية للمشاريع الاستراتيجية العمالقة التي يؤدي تنفيذها الى خلق روابط امامية وخلفية من شأنها ان تحدث دفعة قوية للاقتصاد العراقي مثل الاسراع بتنفيذ ميناء الفاو الكبير وتحديث الموانئ العراقية عموما وبناء عدد من المصافي والمصانع البتروكيمياوية والمدن الصناعية والمطارات والمجمعات السكنية الضخمة وغيرها من المشاريع الاستراتيجية المهمة ومع اغراق المجلس بالمشاريع المتوسطة او ذات الأهمية المحدودة مثل بناء الملاعب الرياضية وصيانة الآثار وغيرها من المشاريع المذكورة في نص هذه المادة من مشروع قانون مجلس الإعمار.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/economicarticles/20686

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M