دور المنبر الحسيني في الوعي التنظيمي

باسم حسين الزيدي

باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث

لقد ساهم المنبر الاسلامي بصورة عامة، والحسيني بصورة خاصة، عبر قرون من الزمن في طرح مختلف الأفكار والعلوم، ومارس عملية التربية والتثقيف للجمهور، ومناقشة مختلف القضايا الإنسانية والإسلامية والاجتماعية والاقتصادية، ونشر الوعي والتعليم والتربية والمبادئ والفضائل وغيرها.

واعتبر المنبر الوسيلة الأكثر فاعلية وتأثيراً في الجمهور (المتلقي)، ان لم تكن الوحيدة، على المستوى الديني والسياسي والارشادي والتربوي والحماسي، ولهذا كان الاهتمام بالمنبر شديداً من قبل المؤسسة الدينية من اجل الحفاظ على روح المنبر وتطويره بالاتجاه الذي يخدم الدين والقضايا الجوهرية التي تمس حياة المجتمع، ومن قبل السلطة ايضاً، من اجل محاولة احتواء المنبر والسيطرة عليه ضمن نفوذها وسلطانها باعتباره أداة قد تهدد وجوده في حال خرجت الأمور عن السيطرة، وهذا الامر ولد صراعا طويلا ومريرا ما زال مستمراً حتى اليوم.

المنبر الحسيني

مع وجود رمزية المنبر الحسيني الذي اجتمعت فيه كل مقومات التأثير على المتلقي والتي أصبحت جزءً اساسياً من مقومات النهضة الحسينية وايصال رسائل واهداف هذه النهضة الى الفرد والمجتمع، فقد ركزت المؤسسة الدينية ومراجع الدين على دراسة اغلب مفاصل المنبر والخطباء والخطب وكيفية تطويرها للوصول بها الى مستويات تفوق المحلية في الطرح والتأثير، خصوصاً وان المنبر الاسلامي الذي ارتبط اسمه بقضية الامام الحسين (عليه السلام) وبات يطلق عليه اصطلاحاً (المنبر الحسيني) اصبح هو الواجهة الإعلامية الأهم في نقل مفردات هذه القضية وكل تفاصيلها وأهدافها الى مختلف الفئات والأديان والمجتمعات.

وقد طرحت العديد من الأفكار والفت الكثير من الكتب في هذا المجال، ضمن المؤسسة الدينية، ناقشت بمجملها اهم المعوقات وسبل الارتقاء بالمنبر، إضافة الى سبل توفير رعاية وحصانة للمنبر والخطيب من اجل المحافظة على رصانة المنبر من الدخول في قضايا ثانوية او الميل نحو اهداف مادية بحتة.

وقد تناول المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي في كتبه ومحاضراته اهم قضايا المنبر الحسيني، وطرح العديد من الأفكار القيمة للوصول نحو (التنظيم المثالي) للمجالس الحسينية و (التأثير المطلوب) في المتلقي لتحقيق اهداف النهضة الحسينية، ومن بين مؤلفاته (تجاربي في المنبر) و(عاشوراء والقران المهجور) وغيرها الكثير الذي لخص فيه العديد من هذه الطروحات.

فكرة التنظيم الحسيني

ان تلبية حاجات المجتمع الفعلية، والتفاعل بين المنبر والمتلقي فكرياً وعاطفياً، هو غاية ما يصبو اليه الحكماء والعقلاء من اجل تربية الأجيال على القيم الحميدة وغرس الفضائل في نفوسهم، وقد ذكر السيد الشيرازي هذا المعنى قائلاً: “نرفع من كمها وكيفها باستمرار ودوام، وذلك بأن نقيم المجالس إقامة حسنة، وأن نراعي فيها الكيفية المطلوبة لدى الناس، وخاصة ما يفيد الشباب والناشئة، وأن ندعو الخطباء البارعين والمبلغين الحسينيين المبرزين لإدارة المنبر والخطابة في الناس وإلقاء المحاضرات المفيدة والقوية عليهم، متضمنة متطلبات العصر، وملبية لحاجيات المجتمع، ومتفاعلة مع النفوس والقلوب، والأفكار والعواطف”.

وقد طرح السيد الشيرازي فكرة (التنظيم الحسيني) التي تقوم على الاستفادة من المجالس الحسينية التي تقام من خلال:

1. إقامة مجلس او تنظيم حسيني

2. انتخاب قيادات لهذا المجلس او التنظيم

3. تعميم هذه المجالس في كل المدن والقرى

4. التنسيق بين هذه المجالس

5. يأخذ هذا التنظيم على عاتقه الأمور التالية:

أ/اختيار الخطباء

ب/ تنظيم المواكب العزائية

ج/ اختيار الشعارات (بمعنى اختيار شعار او حملة او عنوان لكل محرم يتناسب واهم القضايا الراهنة)

“هناك تجمع وتنظيم أساسي لا يمكن التغافل عنه، وعلينا أن نعيره أكبر اهتمامنا ألا وهو (التنظيم الحسيني) فمجالسنا الحسينية التي يقيمها أبناء الشعب في أيام عاشوراء وأربعين الإمام الحسين (عليه السلام) ووفاة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) والصديقة الطاهرة (عليها السلام) ومجالس الوفيات للأئمة عليهم السلام والمجالس الأسبوعية والشهرية التي تقام في المساجد والمدارس والبيوت هذه المجالس يجب أن تكون ضمن تنظيم حسيني في كل مدينة وفي كل قرية، وتكن هناك قيادات منتخبة وتنسيق بين المجالس في اختيار الخطباء، وتنظيم المواكب العزائية واختيار الشعارات الإسلامية التي تنمي في نفسية الشعب روح الحركة والاندفاع”.

أهمية التنظيم الحسيني

ان هذا التنظيم من شانه ان يطور عمل المنبر الحسيني من خلال جملة من الإيجابيات يمكن الإشارة الى بعضها:

1. التنظيم هو أساس كل عمل ناجح، وفي حال تم تنظيم المجالس الحسينية واختيار قيادات منتخبة له فان النجاح سيكون مضاعفا.

2. العمل الجماعي وروح الفريق هو نجاح اخر لهذا التنظيم، وقد ركز السيد الشيرازي على أهمية العمل الجمعي مرتين، من خلال الإشارة الى التعاون ضمن المجلس المنتخب، بالإضافة الى تعاون المجالس الأخرى فيما بينها.

3. تشكيل تكتل او لوبي حسيني قوي ومنظم يتفق على هدف او حملة واحدة تنطلق من أصغر قرية الى أكبر مدينة، وهو ما يضمن عدم تشتيت الأصوات وضياع الجهود.

4. يحتوي هذا التنظيم على العديد من المعاني الإسلامية والإنسانية السامية التي ضحى من اجلها الامام الحسين (عليه السلام)، فالانتخاب والتعاون وروح الفريق والتنظيم وغيرها، هي جزء مهم من ابعاد النهضة الحسينية الخالدة.

5. الاستفادة من وحدة الموضوع يسلط المزيد من الاعلام المحلي والعالمي عليها، فبدلا من طرح عشر قضايا خلال شهري محرم وصفر يتم طرح قضية واحدة، متفق عليها سلفاً، خلال نفس المدة.

كيف نقوم بالتنظيم؟

الكثير من المقترحات يمكن ان تدور في الخاطر حول الطريقة المناسبة لإحياء فكرة التنظيم الحسيني وانتخاب قادتها، لكن الأقرب منها للتطبيق يقوم على الاستفادة من عاملين مهمين:

1. المؤسسة الدينية

2. المواكب الحسينية

اما طريقة التنفيذ فتتم من خلال عقد مؤتمر موسع تحت رعاية المؤسسة الدينية يتم فيه دعوة أصحاب المواكب الحسينية وطرح هذه الفكرة عليهم ومناقشة اليات تنفيذها بالتعاون معهم، بعد تقسيمهم حسب المحافظات والمدن والقرى، ومن ثم إيجاد وسيلة اتصال وربط بين هذه المواكب والمؤسسة الدينية للإشراف على إقامة هذه المجالس وانتخاب قادتها، وصولاً الى عقد او اجتماع او مؤتمر لهذه المجالس قبل مدة كافية من قدوم محرم الحرام للاتفاق على طريقة اختيار الخطباء والمواضيع التي يتم اختيارها والشعارات والحملات الخاصة وباقي التفاصيل الأخرى.

قد يبدو الامر، للوهلة الأولى، في غاية التعقيد والصعوبة، لكن مع التوكل على الله (عز وجل)، والإصرار على النجاح والقيام بالخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح فسيتيسر الامر وسيكون النجاح هو العنوان الرئيسي لهذا الامر.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/ashuraa/20674

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M