المرجعية الدينية وقانون المحكمة الاتحادية

كان من المقرر أن يشرع البرلمان قانون المحكمة الاتحادية يوم الخميس 7 أيار 2015 ولكن أجِّل الموعد الى وقت آخر ، وتأتي أهمية قانون المحكمة الاتحادية كونها هي التي تفسّر القوانين المشرّعة من قبل البرلمان ومدى مطابقتها للدستور الذي صوّت عليه الشعب العراقي عام 2005 ، وبالتالي فأي قانون يعارض الدستور ستكون المحكمة الاتحادية له بالمرصاد ، ومن المواد المهمة التي جاهدت المرجعية الدينية في العراق لإقرارها وتثبيتها في الدستور هي المادة (2 – أولاً – أ ) والتي تنص على (( لايجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام )) باعتبار غالبية الشعب العراقي من المسلمين وكي تحافظ على ثقافة وهوية هذا الشعب اهتمت المرجعية بهذا القانون اهتماماً منقطع النظير .
ولكن ما الضامن في تنفيذ هذه المادة التي تدخلت المرجعية بكل قوتها وزخمها وتأثيرها كي تقر تلك المادة ؟ فبمجرد وجود هذه المادة في الدستور – حبر على ورق – لا فائدة منه بل هو تخدير وخداع لمن كان يأمل خيراً في تلك المادة ، إذ يُفترض أن تكون هناك آلية تضمن تطبيق هذه المادة على أرض الواقع ، بحيث نلمس فعلاً عدم تشريع أي قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام ، وهذه مهمة السياسيين الإسلاميين الذين استغلوا زخم المرجعية ليصعدوا الى مناصبهم هذه ، وأوضح آلية لضمان تطبيق هذه المادة هو قانون المحكمة الاتحادية ، فقانون المحكمة الاتحادية يجب أن يوضح الطريقة التي تمنع مرور القوانين التي تتعارض مع ثوابت احكام الاسلام ، ومن دون وجود مثل هذه الطريقة سوف لن نضمن تحقيق ما كانت تأمله المرجعية الدينية .
وبحسب ما وصلني من بعض المصادر فإن هناك لجنة مؤلفة من تسعة أشخاص ، خمسة منهم من الفضلاء من رجال الدين أو من الإسلاميين ، وبالتالي فإن مثل هذه الطريقة ستضمن بشكل من الأشكال عدم مرور أي تشريع يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام ، ولكن هناك مشكلة أخرى ، من يضمن أن السياسيين الإسلاميين الذين صعدوا على أكتاف المرجعية أن يتفانوا في الدفاع عن تلك الآلية التي تضمن تطبيق المادة الدستورية التي أصرّت المرجعية – لأهميتها القصوى – على تثبيتها في الدستور ؟!
وحتى نكون منصفين وحتى لا نبخس الناس أشياءهم فهناك من السياسيين الإسلاميين من يسعى لاتخاذ ما يضمن تطبيق تلك المادة الدستورية الخاصة بالقوانين المعارضة لثوابت احكام الاسلام ، ولكن قد يتعرض أولئك لضغط وابتزاز وربما تهديد كي يتنازل عن موقفه ، وقد يتأثر البعض بهذه الضغوط والابتزازات والتهديدات أو لمغريات معينة فينسحب من موقفه المبدأي بكل سهولة ، خاصة وأن أغلبهم لا رقيب عليهم أصلاً بل حتى المرجعية لا تراقبهم باعتبار أن أغلب المرجعيات لا تتبنى جهة سياسية أو مجموعة من السياسيين يكونوا ممثليها في مثل هذه القضايا .
هنا يبقى تدخل المرجعية الدينية والضغط على أولئك السياسيين الذين خدعوا الناس بحجة انتمائهم للمرجعية الدينية على وضع الآلية الضامنة لتنفيذ المادة (2 – أولاً – أ ) من الدستور القاضية بمنع أي قانون يسن يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام ، فبدون ضغط المرجعية هذا لا يمكننا ضمان سن قانون المحكمة الاتحادية الممهد لتنفيذ تلك المادة ، وهنا تبرز مشكلة أخرى ، وهي أن أغلب المرجعيات الدينية في النجف الأشرف تتجنب التدخل في السياسة لذا فلا يوجد لها ممثل في مجلس النواب وبالتالي لا ممثل لها في لجنة كتابة قانون المحكمة الاتحادية ، وفي حال ضغطت تلك المرجعيات الدينية على الأحزاب والكتل الإسلامية فعندها يكون أمامنا خياران :
– إما أن تستجيب الكتل والأحزاب الإسلامية حينها لطلب المرجعية كما فعلت ذلك عندما رفضت المرجعية إعادة ترشيح نوري المالكي لولاية الثالثة وتم سحب ترشيحه لرئاسة الوزراء .
– أو أن تتهرب تلك الكتل والأحزاب الإسلامية من الاستجابة لضغط المرجعية بحجج وبدون حجج .

والخيار الأول بعيد المنال لأن الكتل والأحزاب الإسلامية تراعي مصالحها فإذا اتفقت مصالجها مع إقرار قانون المحكمة الاتحادية بالشكل الذي يضمن تطبيق المادة الدستورية (2 – أولاً – أ ) كان بها وإن لم تتفق فسوف لن تستطيع المرجعيات الدينية أن تجبرها على ذلك ، لأن هذه الأحزاب لا تنتمي حقيقة لتلك المرجعيات وإنما أرادتها سلماً كي تصعد الى مبتغاها ، وبما أن أغلب المرجعيات الدينية في النجف الأشرف تمتنع عن التدخل في السياسة فسوف لن تتمكن أن تجبر تلك الأحزاب على الاستجابة لضغطها ، طبعاً ما عدا المرجعيات الدينية التي لها ممثلون في البرلمان فتستطيع أن تحرك ممثليها بالقدر المستطاع للضغط على باقي السياسيين كي يمر قانون المحكمة الاتحادية بشكل يضمن تطبيق المادة (2 – أولاً – أ ) . أما موضوع عزل المالكي عن الترشح لولاية ثالثة فإن الكتل والأحزاب الإسلامية استجابة لطلب المرجعية كون هذا الطلب يتلاءم مع مصالحها لا لأن المرجعية طلبت ذلك .

يبقى الخيار الثاني هو الأقرب ، وبذلك سوف تضيع جهود المرجعية التي سعت بكل ما أوتيت من قوة وجهد كي تقر المادة (2 – أولاً – أ ) من الدستور أدراج الرياح ، ولو كان للمرجعية ذراعاً سياسياً تستخدمه في إقرار مثل هذه القوانين المصيرية لما استطاع المتسلقون بإسم الدين أن يخدعوا الناس بانتمائهم للمرجعية من دون أن يحققوا مطالب المرجعية الأساسية .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M