المشروع السياسي للنواب المعتصمين

كان اعتصام نواب البرلمان العراقي في أوائل نيسان 2016 للضغط بإجراء إصلاحات واسعة بذرة أمل لكثير من العراقيين حتى لمن يختلف معهم في الآلية لأن الهدف المشترك ، فالطريقة التي أديرت بها العملية السياسية منذ 2003 كانت طريقة فاشلة سلطت كتلاً على كل المقدرات ومنعت الشرفاء والمخلصين من أبناء هذا الوطن الى أخذ دورهم كما ينبغي ، لذلك كان المأمول من هذا التحرك أن يتولد مشروع سياسي يلقف باقي المشاريع الفاسدة التي لم تكن حقيقة مشاريع ، وإنما كانت برامج منظّمة لنهب العراق ضمن أطر قانونية ودستورية .
فبدأ المعتصمون بطرح أولى سمات مشروعهم السياسي الإصلاحي وهو إقالة الرئاسات الثلاثة ، باعتبار أنها تمسك بكل إمكانيات البلد السياسية والاقتصادية ، وكان هذا المطلب مطلب الجماهير منذ سنوات ولكنهم لم يستطيعوا تغيير شيء بسبب الفساد السياسي المقنن الذي أرسى أسسه زعماء الكتل الفاسدين .
إلا أن المختصين والمراقبين يرون هذا المطلب كان إعلامياً أكثر مما هو واقعي ، لأن الواقع لا يتحقق بمجرد عقد النوايا ، فلا بد من خطة سياسية مدروسة توقع بالخصم الفاسد خاصة إذا كانت عوامل القوة متوفرة مثل التأييد الشعبي والعدد الكافي لعرقلة أي مشروع فاسد يصدر من أولئك الزعماء الفاشلين ، فالخطوة الأولى التي قام بها المعتصمون النواب هو إقالة رئيس مجلس النواب سليم الجبوري ، وقد شاهدنا حجم الأزمة التي تولدت بسبب هذه الخطوة رغم سهولتها ورغم الأرضية القانونية والدستورية متوفرة ، ولكن نجاح العمل السياسي يحتاج الى حنكة سياسية ضمن أطر قانونية ، وأيٍ منها لا يتحقق يحكم على المشروع بالفشل .
فإذا كان أمر إقالة رئيس البرلمان سهلاً وتولدت كل هذه الأزمة وتدخلت دول إقليمية في الموضوع فكيف بالخطوة الثانية التي تعتبر أصعب بكثير من الأولى وهي إقالة حيدر العبادي رئيس الوزراء ؟! إذ تتطلب إقالته استجواباً له ومن ثم التصويت بالأغلبية المطلقة إذا لم يقتنعوا بإجاباته ، ورغم أن المعتصمين بإمكانهم إجراء عملية استجواب حتى لو كانت صورية ورفض أجوبته وبالتالي إقالته ورغم أن العبادي بدى مرفوضاً شعبياً إلا أن العبادي مدعوم بشكل قوي من قبل أكبر لاعب ومؤثر في العراق وهو الولايات المتحدة وعلى لسان كبار مسؤولي الادارة أوباما وكيري ، لذا فالتخطيط لإقالته من الناحية السياسية سيجعل الأمريكان يدخلون بقوة على الخط لإبقائه في منصبه .
أما الخطوة الثالثة والتي تعد الأصعب من بين تلك الخطوات فهي إقالة رئيس الجمهورية التي تفقد لأساس دستوري ، إذ يشترط الدستور العراقي إقالة رئيس الجمهورية ارتكابه إحدى ثلاث : الحنث باليمين و الخيانة العظمى وانتهاك الدستور ، والمسؤول عن إدانته بارتكاب هذه التهم هي المحكمة الاتحادية ، ولا يوجد لحد الآن من يصرّح او يدعي أن رئيس الجمهورية متهم بإحدى تلك التهم رغم الكثير من الانتقادات الموجهة إليه ، لذا سقط أحد أركان المشروع السياسي للنواب المعتصمين وهو إقالة الرئاسات الثلاث .
ننتقل الى ركن آخر من أركان المشروع السياسي للنواب المعتصمين وهو القضاء على الطائفية التي رفضها كل أبناء الشعب الشرفاء ، ولكن لم يعطوا رسائل اطمئنان للشارع العراقي بأنهم سائرون نحو تحقيق هذا الركن ، وذلك بترشيحهم أشخاص لرئاسة البرلمان من أبناء السنة على أن يكون النائب الأول من الشيعة وربما الثاني من الكرد ، وهذه الخطوة كانت مخيبة لآمال الشعب العراقي ، لأنها نسخة طبق الأصل من المشروع الطائفي الذي أتى به خصومهم ، وبذلك اثبتوا أن مسلكهم مشابه لسابقيهم وأن انتخاب الأصلح أمر غير موجود ضمن أجندة الإصلاح للمعتصمين .
الركن الثالث من المشروع السياسي للنواب المعتصمين هو تفكيك الكتل وتخليص النواب من سطوة زعمائها ، إذ كانت الصورة الأولى للمعتصمين هو تمردهم على رؤساء كتلهم ، إلا أن من يقترب كثيراً من الشخصيات المعتصمة يجد كثيراً من هؤلاء النواب ما زالوا مرتبطين بكتلهم ورؤسائها ، ووأضح مصداق لأولئك النواب هو نواب التيار الصدري ، وهذا لا يعني أنهم الوحيدون ، فالكل يعلم أن المالكي وعلاوي جنّدوا جنودهم لركوب موجة الاعتصام واستغلال طيبة ومصداقية بعض النواب المعتصمين الذي خرجوا بالفعل للإصلاح ، وهذا ما يؤشر نقطة سلبية على السياسة الضعيفة التي سار عليها المعتصمون النواب ، فكان يفترض بهم أن يعزلوا الصعوديين عن نهجهم الإصلاحي الصحيح وأن يكشفوهم ويعروهم حتى لا يفسدوا ثورتهم .
إن عقلية المعارضة ما زالت مستحكمة في كل الساحات سواء كانت السياسية او الأمنية ، بحيث نرى أن مثل هذه الفعاليات – أعني التظاهرات والاعتصامات – تثير الشارع وتكسب وده ويصبح القائم عليها بطلاً ومصلحاً ، بينما من يتحمل المسؤولية ويبقى مسؤولاً أمام المجتمع – بمعنى أن يتحمل أي خطأ او خلل أمام الشعب ولا يتبرأ مما قام به – يصبح متخاذلاً خائناً للشعب !!
إن المفروض أن يكون الاعتصام والتظاهر لمن لا يملك صوتاً في قرارات الدولة تشريعية كانت أم تنفيذية ، ولا معنى لأن يتظاهر متظاهرون وعندهم ممثلون في البرلمان والحكومة ، ولا معنى لاعتصام برلمانيين وهم أعضاء في أعلى سلطة في البلاد ، ولكن كما قلنا أن عقلية المعارضة تدفع نحو هذه الحركات لجذب الأنظار وكسب ود الجماهير .
كان من المفروض أن يكون المشروع السياسي للنواب المعتصمين مستنداً على القيام بدورهم كبرلمانيين مشرعين مراقبين بدل أن يكونوا معتصمين ، وبكتلتهم هذه التي تولدت والتي فاقت المائة مقعد تصبح هي أكبر كتلة وبالتالي يمكنها الضغط لتمرير الكثير من القوانين الإصلاحية التي ستعتبر خارطة طريق لأي صلاح في المستقبل ومن هذه القوانين هو قانون الانتخابات الذي سلّط زعماء الكتل على البرلمان ، وبذلك يتحقق أحد اهم الأهداف الإصلاحية التي سعى لها المعتصمون وهو إزالة زعماء الكتل عن صنع القرار الاستراتيجي في البلد وفسح المجال للممثلين الحقيقيين للشعب لقول كلمته .
كما يمكن بهذا العدد الكبير أن يصلحوا عدة مؤسسات فاسدة خاضعة لهيمنة الأحزاب مثل السلطة القضائية والنزاهة ومفوضية الانتخابات التي ببقائها يبقى الحال على ما هو عليه لأنها المرحلة الأخيرة من انتاج السياسيين الفاسدين الذي يرسمون السياسة الفاسدة للبلد ، فبتغييرها ممكن أن يفسح المجال لضخ دماء نظيفة في عروق العلمية السياسية التي اختنقت من فساد الفاسدين ، ولكن للأسف مثل هذه الحلول لم يفكر بها المعتصمون من النواب ولا من غير المعتصمين إلا ما ندر بسبب ما قلناه وهو عقلية المعارضة التي تشجع على الإثارة الهوليودية للمشهد السياسي ، أما الحلول الحكيمة الهادئة التي ترسم المسار الاستراتيجي لمستقبل البلد فلا أذن صاغية لها .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

1 Comment

  1. ابراهيم

    من يعتصم من اعضاء مجلس النواب فليذهب ليجلس ببيته افضل له من الهرج والمرج والدق على الطاولات التي يصدر من خلاللها قوانين تحكم البلاد ولمستقبل اجيال كامله . فتبا للمعتصمين وتبا للمهرجين وتبا للمظاهرات التي لاتجدي نفعا للبلاد فقط ابراز العضلات وتبا لكل من يشجع على هذه الامور لذالك بعد اليوم يجب ان لايرشح اي عضو سابق عمل بمجلس النواب مرة اخرى ولايحق له دستورا واصدار تعليمات داخليه من يعمل مشاكل ويخلق هوسات وهرجات وكلام بذي يطرد راسا وتسحب الحصانه منه

    الرد

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M