- مع اقتراب موعد انتهاء أعمال الإنشاءات والتوسعة الصينية في قاعدة ريام البحرية في كمبوديا، يبدو أن المنطقة تتحول بسرعة إلى بؤرة لتنافس القوى العظمى.
- على رغم أن بيجين قد لا تُمنَح الحق في استلام قاعدة ريام بشكل كامل من الناحية القانونية، فإن من المتوقع أنها ستتمتع بحق حصري في الوصول إليها متى شاءت.
- ستَمنَح قاعدة ريام الصين ميزة استراتيجية تُمكِّنها من تعزيز حماية أمنها الطاقي ومصالحها التجارية، لكنها أيضاً سترفع من مستوى المخاطر التي تواجه دول جنوب شرق آسيا جراء الطموح الصيني والمواجهة مع واشنطن، الأمر الذي سيؤثر في المصالح التجارية والاقتصادية بالمنطقة.
يتزايد القلق بين دول آسيان والولايات المتحدة وحلفائها من رسو فرقاطات صينية، منذ أواخر العام الماضي، في قاعدة ريام في كمبوديا، وعمل الشركات الصينية على تطوير هذه القاعدة وتوسيعها، وهو ما زاد التكهنات حول امتلاك بيجين لها. فما صحة هذه التكهنات؛ وما هي الدوافع الاستراتيجية الصينية من الوجود العسكري في كمبوديا؟ وما موقف الولايات المتحدة وحلفائها؟ وما انعكاسات ذلك على مصالح دول الخليج في المنطقة؟
قاعدة صينية جديدة في ريام؟
تصاعد القلق الغربي من تحويل قاعدة ريام البحرية في كمبوديا إلى قاعدة صينية دائمة. أحد أهم المؤشرات التي تسببت في هذا القلق، استمرار رسو سفينتين حربيتين صينيتين، من طراز 056A (بوزن 1400 طن) في القاعدة منذ ديسمبر 2023. وجاء رسو السفينتين بعد بناء رصيف جديد يصل طوله إلى 363 متراً (مطابق تماماً للرصيف الرئيس في القاعدة البحرية الصينية في جيبوتي)، والذي بُني لاستقبال سفن عملاقة، أهمها حاملة الطائرات فوجيان (بطول 300 متر) الأحدث في الاسطول البحري الصيني. إلى جانب ذلك، تُظهِر صور الأقمار الصناعية بناء حوض جديد لإجراء عمليات الصيانة والإصلاح للسفن. وفي الشمال والشمال الغربي من القاعدة، بُنيَت مستودعات ومباني إدارية وسكنات للمعيشة وملاعب كرة سلة. وفي الجنوب الغربي، أُخليَ ما يزيد عن 60 فداناً ما يعكس وجود خطط لإضافة المزيد من المباني.
وكشفت تقارير في 2019 عن اتفاق بين كمبوديا والصين تستأجر بموجبه بيجين حوالي 180 فداناً من القاعدة لمدة 30 عاماً، بما يشمل تمركز أفراد عسكريين وتخزين أسلحة. وتنفي كمبوديا هذه المزاعم استناداً إلى الدستور الكمبودي الذي لا يسمح بوجود دائم لأي قوات أجنبية على الأراضي الكمبودية. وقال نائب رئيس الوزراء الكمبودي سون تشانثول، في 3 أكتوبر، إنه بمجرد انتهاء التوسيعات في القاعدة، فإن كل السفن من الدول الصديقة لبلاده بوسعها الرسو فيها، بما في ذلك سفن الولايات المتحدة. وأضاف “قاعدة ريام البحرية ليست للصينيين. لقد قدَّم لنا الصينيون المساعدة لتوسيع قاعدة ريام البحرية من أجل دفاعنا الوطني، وليس لاستخدامها من قبل الصينيين أو أي جيش ضد دولة أخرى”. وقد أكدت تقارير سابقة تسليم القاعدة إلى الجيش الكمبودي بحلول نهاية سبتمبر الماضي، وهو ما لم يحدث، على الأرجح، نتيجة استمرار أعمال البناء فيها.
وعلى رغم النفي الرسمي، فإن الوجود العسكري الصيني في كمبوديا يأتي ضمن سياق أوسع يشمل تطوراً كبيراً في العلاقات الثنائية بين الجانبين، ولا يقتصر فقط على الزيارات العسكرية المتبادلة.
دوافع تطوير العلاقات مع الصين
منذ انضمام كمبوديا رسمياً إلى مبادرة الحزام والطريق عام 2013، وصل إجمالي الإنفاق الصيني في كمبوديا، في صورة استثمارات ومنح وقروض، إلى نحو 30 مليار دولار. وفي عام 2023، بلغت الاستثمارات الصينية حوالي 2.4 مليار دولار، أي 50% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في كمبوديا، إلى جانب 2.3 مليار دولار في صورة مساعدات، أي ما يساوي 84% من إجمالي المساعدات التي حصلت عليها كمبوديا في خلال العام. وفي العام الماضي أيضاً، بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 10 مليارات دولار، فيما بلغت قيمة الصادرات الصينية 8.2 مليار دولار، وهو ما يعكس الاختلال الكبير في الميزان التجاري بينهما والاعتماد الكمبودي المتزايد على بيجين. لكن هذا المسار مستمر منذ عام 2007 وهو العام الذي باتت فيه الصين أكبر شريك تجاري لكمبوديا.
وقد ركَّزت الاستثمارات الصينية على قطاعي البنية التحتية والطاقة (68% من إجمالي المشاريع). وبينما يتسق ذلك مع اهتمامات الشركات الصينية في غالبية الدول الأعضاء في مبادرة الحزام والطريق، فإن طبيعة المشروعات في كمبوديا مثيرة للاهتمام. فأهم مشروعات البنية التحتية التي مولتها البنوك الصينية وتم تنفيذها (أو قيد التنفيذ) من قبل شركات صينية تشمل التركيز على قطاع المواصلات والاتصال اللوجيستي. على سبيل المثال، أحد أهم المشروعات تطوير وتوسعة منطقة سيهانوكفيل الاقتصادية الخاصة وبناء محطة توليد كهرباء فيها، ومطار “سييم رياب انغكور” الدولي، والقطار السريع الواصل بين منطقة سيهانوكفيل والعاصمة بنوم بنه، إلى جانب قناة ميغكونغ.
ويتضح من ذلك أن الصين تنظر إلى كمبوديا باعتبارها دولة محورية في سياق استراتيجيتها في منطقة بحر الصين الجنوبي ومنظمة آسيان.
ولفهم الدوافع الصينية من وراء الانفتاح على كمبوديا ومحاولة ترسيخ الشراكة القوية بين الجانبية، ينبغي أولاً التركيز على مصالح كمبوديا من وجهة نظر النخب الحاكمة والدوافع من وراء الحرص على تعميق العلاقات مع الصين.
تُعَد كمبوديا مثالاً لسباق القوى العظمى في منطقة جنوب شرق آسيا. ففي عام 2017 اعتقلت السلطات زعيم المعارضة السابق كيم سوخا بتهمة الخيانة، وتم حلّ حزبه “حزب الإنقاذ الوطني الكمبودي”. وأغلقت حكومة حزب الشعب الكمبودي الحاكم بعض منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام ضمن حملة قمع منظمة أنهت المسار الديمقراطي في البلاد. واستمرت حملة انهاء الديمقراطية عبر إعلان حزب الشعب الفوز في انتخابات عامي 2018 و2023 بنسب كبيرة بعد منع مشاركة المعارضة. على إثر ذلك، أعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا فرض عقوبات على كمبوديا شملت الطبقة الحاكمة ومؤسسات محورية في كمبوديا. على سبيل المثال، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية في 2019 عقوبات على مسؤولين ورجال أعمال مقربين من رئيس الوزراء السابق ورئيس البرلمان الحالي بتهم الفساد. وفي 2021، فرضت وزارة الخزانة أيضاً عقوبات على قادة كبار في الجيش الكمبودي بنفس التهمة. وفي سبتمبر الماضي، فرضت واشنطن عقوبات على عضو في البرلمان ورجل أعمال مقرب من السلطة بتهمة تهريب البشر، وهو ما أدانته الحكومة الكمبودية. وفي عام 2022، أعلنت إدارة بايدن عن مبادرة “الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ”، التي ضمَّت غالبية دول الآسيان واستُبعِدَت منها كمبوديا.
إن أحد أهم دوافع كمبوديا من تعميق الشراكة مع الصين تعزيز قدراتها الدفاعية. في عام 2022، نشرت كمبوديا “سياسة الدفاع الوطني” التي حددت ترسيم وأمن الحدود البرية والبحرية باعتبارها أولوية بالنسبة للتخطيط الاستراتيجي للدولة. يعود ذلك للخلافات الحدودية التاريخية بين كمبوديا ودول مجاورة، على رأسها تايلاند التي دخلت صراعاً مسلحاً على الحدود مع كمبوديا في عام 2009. واللافت أن كمبوديا من الدول القليلة في جنوب شرق آسيا التي ليس لديها خلافات حدودية مع الصين. ويوضح ذلك الدوافع وراء الاتفاق مع الصين حول تطوير قاعدة ريام وتوسعتها، ورسو السفن الحربية الصينية فيها خلال الشهور الماضية.
إضافة إلى ذلك، فإن “استراتيجية الدبلوماسية الاقتصادية 2021-2023″ التي أعلنتها الحكومة الكمبودية تتضمن، من بين أولويات أخرى، زيادة حجم التبادل التجاري بين كمبوديا ودول أخرى. ومن المنطقي بالنسبة للحكومة تنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية، خصوصاً الموانئ والمطارات وشبكات الطرق وخطوط السكك الحديد، التي تقودها الشركات الصينية لمساعدتها على تنفيذ هذه الرؤية.
الأهداف الاستراتيجية للصين
أحد أهم المؤشرات على أن تجديد قاعدة ريام جرى بمقاييس لا تتناسب مع الجيش الكمبودي، وإنما تتماشى أكثر مع احتياجات اسطول جيش التحرير الشعبي الصيني حجم المياه وعمقها بالقرب من الرصيف الجديد، والذي صُمِّم لاستقبال سفن بحجم حاملات الطائرات.
ويبدو أن السبب الرئيس لاهتمام الصين بقاعدة ريام، والعلاقات الأوسع مع كمبوديا، يتمثَّل في الموقع الاستراتيجي لهما بالقرب من مضيق ملقا. فالصين تشعر تاريخياً بالقلق من سيطرة الجيش الأمريكي على المضيق وممرات الملاحة الرئيسة المرتبطة به، وهو ما يعرف في الأدبيات السياسية الصينية بـ”معضلة ملقا”. ويمر سنوياً ما مجموعه 3.5 تريليون دولار، أي 20% من حجم التجارة العالمية من المضيق؛ من بين ذلك حوالي 60% من إجمالي تجارة الصين مع العالم الخارجي. ويمر حوالي 70% من صادرات النفط والغاز الطبيعي المتجهة للصين من المضيق، بالإضافة إلى 40% من واردات الطاقة اليابانية. وهذه هي أكبر نقطة ضعف استراتيجية تعاني منها الصين في معادلة القوة مع الولايات المتحدة في حال قررت ضم تايوان بالقوة. وفي الغالب، فإن السرعة القصوى التي تقوم بيجين من طريقها ببناء أسطول حاملة طائرات (ثلاث دخلت الخدمة بينما الرابعة تحت الإنشاء) مرتبط بشكل وثيق بالعمل بعيداً عن المياه الإقليمية، خصوصاً بالقرب من هذا المضيق.
وتُمثِّل قاعدة ريام، من حيث الموقع الجغرافي، نقطة تمركز مهمة تمنح أسطول جيش التحرير الصيني ميزة استراتيجية وتُقلل الفوارق نسبياً مع الأسطول السابع الأمريكي المتمركز في المنطقة. ولم تكن القاعدة، من الناحية اللوجيستية، صالحة من قبل لاستقبال السفن الصينية الكبيرة العاملة في المنطقة. لكن بعد عمليات التجديد والتوسعة صارت من أكبر القواعد البحرية الإقليمية. ومن الناحية الاستراتيجية، فإن القاعدة استقبلت في السابق سفناً أمريكية وغربية ويابانية، وضمَّت مباني شيدتها الولايات المتحدة وحلفائها، قبل أن تزيلها الشركات الصينية. وعلى رغم تكرار الحكومة الكمبودية بأن السفن الأمريكية واليابانية لا يزال مرحب بها في القاعدة، فإن الأدلة تشير إلى عدم دقة ذلك من الناحية العملية. ففي فبراير الماضي، طلبت مدمرتان يابانيتان الرسو في القاعدة لاختبار تصريحات الحكومة، لكن هذا الطلب رُفِضَ، وبدلاً من ذلك تم توجيههما إلى ميناء سيهانوكفيل.
إضافة إلى ذلك، لدى الصين نزاعات في مياه بحر الصين الجنوبي مع كلٍّ من فيتنام وماليزيا. ويُقرِّب الوجود الصيني في قاعدة ريام سفن الأسطول الصيني من سفن أساطيل هاتين الدولتين، خصوصاً إذا ما توصلت الصين وكمبوديا إلى اتفاق يسمح بقيام السفن الصينية بدوريات منتظمة في مياه منطقة فيتنام الاقتصادية الخالصة. وما يشجع هذا السيناريو التوافق المبدئي بين الجانبين حول الأهداف وموازين القوى في بحر الصين الجنوبي؛ فكثيراً ما تصرفت كمبوديا بوصفها مندوباً للصين بطريقة تحمي مصالحها، لاسيما في خلال قمم مجموعة الآسيان. فعلى سبيل المثال، استخدمت كمبوديا حق النقض لإلغاء اقتراح اندونيسيا إجراء تدريبات عسكرية مشتركة بين دول الآسيان في بحر الصين الجنوبي. كما مارست كمبوديا ضغوطاً دائمة من أجل تخفيف أي لهجة عدائية ضد الصين في بيانات المنظمة.
وقد يذهب التعاون العسكري بين الصين وكمبوديا أبعد من ذلك ليشمل نشر جيش التحرير الشعبي منظومات دفاع جوي في القاعدة بعد الانتهاء من أعمال التوسعة. وتكمن أهمية هذه الخطوة في كونها مقدمة لتعزيز قدرات الصين على جمع المعلومات الاستخباراتية في المنطقة (وحول مضيق ملقا) انطلاقاً من قاعدة ريام، إذ ستمكن أنظمة الدفاع الجوي طائرات الاستطلاع والتجسس الصينية من إجراء دوريات استطلاع في المنطقة بشكل منتظم، وهو ما قد ينظر له باعتباره تهديداً مباشراً من قبل تايلاند والفلبين وماليزيا وسنغافورة.
وثمة مكسب استراتيجي آخر للصين من التمركز في قاعدة ريام، وهو توفير الحماية والإشراف على مشروع “الجسر البري” الذي طرحته تايلاند في نوفمبر الماضي ليحل محل قناة “كرا” المائية عالية الكلفة المادية والبيئية. ويحتاج الجسر الجديد استثمارات تقدر بـ28 مليار دولار، ويربط بين المحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي بما يتجاوز مضيق ملقا. وتقع قاعدة ريام في الضفة المقابلة لمخرج الجسر الجديد على بحر الصين الجنوبي. وفي حال نشرت الصين قوات بشكل دائم في هذه المنطقة، فإنها ستكون قد فرضت تحكمها المباشر والتام على حركة التجارة التي ستخدم هذا الجسر (إن تم تنفيذه بنجاح).
السيناريوهات والتداعيات على مصالح دول الخليج
على رغم كل ما سبق، من غير المرجح أن تسلم كمبوديا قاعدة ريام البحرية للصين بشكل كامل. وهناك سيناريوهان محتملان فيما يتعلق بالوجود الصيني هناك:
أولاً، قد يتوصل الطرفان إلى اتفاق يستطيع بموجبه جيش التحرير الشعبي الوصول للقاعدة في أي وقت عبر إقرار مواد تفضيلية لا تمنح لأي دولة أخرى. إذا تحقق هذا السيناريو، فإنه سيمنح بيجين نفوذاً حاسماً على إقرار أي من الدول الأخرى التي سيكون لها حق الوصول أيضاً، وبالتبعية نفوذاً أوسع على علاقات كمبوديا العسكرية بشكل عام. تكمن المكاسب الصينية من مثل هذا الاتفاق في أنه لا يفرض أعباء أمنية أو سياسية على بيجين، وفي الوقت نفسه يضمن لها حضوراً عسكرياً مرناً وفعالاً في أكثر المناطق الاستراتيجية حساسية بالنسبة للولايات المتحدة وخصوم الصين في جنوب شرق آسيا. لكنه لا يمنح الصين الحق (قانونياً وسياسياً) في التصرف في قاعدة ريام بشكل مستقل (على غرار قاعدة جيبوتي)، بالإضافة إلى أن تبعية القاعدة من الناحية القانونية لكمبوديا قد يفرض قيوداً على نشر قوات صينية كبيرة في المنطقة.
ثانياً، قد يتضمن اتفاق الطرفين تأجير الصين القاعدة لمدة زمنية محددة وفقاً لتسريبات عام 2019. وفي هذه الحالة قد تزيد المخاطر والكلفة بالنسبة للصين، لكنها، في المقابل، ستحصل على مكاسب كبيرة متمثلة في حرية التصرف في القاعدة من الناحية القانونية، بالإضافة إلى إمكانية نشر قوات كبيرة، وهو ما يجعل ريام نقطة استراتيجية حصينة ومتقدمة لجيش التحرير الشعبي، قد تشمل في المستقبل بناء مطار ونشر طائرات مقاتلة وقاذفات ثقيلة وتسيير دوريات بطول خليج تايلاند وحتى مضيق ملقا.
ويبدو السيناريو الأول مُرجَّحاً نتيجة عدم ظهور مؤشرات جدية على اهتمام الصين بامتلاك قاعدة عسكرية بشكل كامل في كمبوديا، بالإضافة لإصرار الحكومتين الكمبودية والصينية على نفي إمكانية تحقق السيناريو الثاني لتعارضه مع الدستور، ونظراً لإدراك القيادة الكمبودية التبعات الكبيرة لمثل هذه الخطوة على ما تبقى من علاقات مع الولايات المتحدة، ما فتئت تحاول بشكل جاهد ترميمها.
وفي كل الأحوال، من المحتمل أن يترتب على تمركز قوات صينية بشكل دائم في قاعدة ريام تداعيات على مصالح دول الخليج على عدة مستويات. فمن ناحية أولى، قد يُصعِّد هذا الوجود من التوترات الأمنية في بحر الصين الجنوبي، وينتج انعكاسات سلبية على حركة تجارة النفط والغاز والبضائع من وإلى منطقة الخليج. ومع أن حركة التجارة بشكل عام لم تتأثر حتى الآن بالتصعيد المستمر بين الصين وخصومها، وعلى رأسهم الفلبين، إلى جانب تعزيز الأسطول السابع الأمريكي وجوده بالقرب من الجزر المتنازع عليها بين الجانبين، لكن اقتراب قوات صينية معتبرة من مضيق ملقا والقواعد العسكرية الأمريكية في سنغافورة قد يدفع هذه التوترات نحو مستويات أخرى مع واشنطن.
من ناحية ثانية، وفي ظل استمرار تركيز دول الخليج على تنويع علاقاتها التجارية وشراكاتها الاقتصادية مع دول جنوب شرق آسيا، قد يشكل عدم الاستقرار الأمني في المنطقة عائقاً أمام الشركات والمستثمرين الخليجيين ومساعيهم لعقد اتفاقات تجارية أو ضخ استثمارات في بعض هذه الدول، خصوصاً كمبوديا وفيتنام.
من ناحية ثالثة، وفي السيناريو الأسوأ، إذا اندلعت مواجهات عسكرية مباشرة (نتيجة سعي الصين ضم تايوان بالقوة العسكرية، أو خروج النزاع مع الفلبين أو أي من الدول المشاطئة لبحر الصين الجنوبي عن السيطرة) قد يقترب النزاع من ممرات التجارة الملاحية الاستراتيجية حول مضيق ملقا، وربما يمتد ليشمل مياه المحيط الهندي غير البعيدة عن خليج تايلاند. وقد يجبر ذلك حركة التجارة الخليجية على اتباع مسارات بحرية بعيدة للغاية، وعالية الخطورة والكلفة أيضاً، باتجاه شرق آسيا.