من يتحمّل مسؤولية ما يحدث للغزاويين واللبنانيين بعد طوفان الأقصى ؟

حمّل الكثيرون ممن يتابع أحداث غزة ولبنان مسؤولية ما يحدث فيهما المقاومة الفلسطينية واللبنانية ، واعتمد هؤلاء (المتَّهِمون) في ذلك على قاعدة ( المسبب ) ، فما يتعرّض له الفلسطينيون واللبنانيون وإن كان بأسلحة العدو الصهيوني إلا أنه كان بسبب ما قامت به المقاومة الفلسطينية واللبنانية ، بحيث لو لم تقم هذه المقاومة بعملية ( طوفان الأقصى ) وضرب الكيان الصهيوني لما رد الكيان على الشعبين الفلسطيني واللبناني وبهذه البشاعة والوحشية ، خاصة وأن الكل يعرف مدى قساوة هذا الكيان ووحشيته ولفظه لكل المقاييس الأخلاقية . ووفق هذه القاعدة ( قاعدة المسبب ) سنتعمّق أكثر لنعرف إن كان هناك مسببين آخرين ، كي يتحمّلوا مسؤوليتهم أمام المجتمع الدولي والتأريخ والأجيال القادمة .
من الواضح لدى الجميع أن الكيان الصهيوني احتل الأراضي الفلسطينية واغتصبها عام 1948 ، وتعرّض الفلسطينيون منذ ذلك التأريخ الى عمليات قتل وتشريد وتنكيل وإذلال بشكل لا يطاق ، قد لا يشعر بذلك من لم يكن من أهل فلسطين ، لأن لم يعش هذه المعاناة طيلة العقود السبعة الماضية – حتى وإن كان متعاطفاً مع الفلسطينيين – لا يمكنه أن يتصور مدى الظلم والاضطهاد الذي عاشه الشعب الفلسطيني ، وبالتالي قد يتصور أن القيام بانتفاضات شعبية ضد الاحتلال يروح ضحيتها الآلاف من الفلسطينيين هو عمل متهور وغير مدروس ، مع إن من يُحلّل تأريخ معاناة الشعب الفلسطيني مع الاحتلال يستغرب لماذا تأخرت الانتفاضات لحوالي أربعين سنة من الاحتلال ، إذ من المتوقع أن تكون تلك الانتفاضات منذ النكبة عام 1948 ، ومع هذا لا يمكن أن نحدد تكليفهم الوطني والشرعي تجاه بلدهم وقضيتهم ، فهم أعرف بها كما أن مكة أعرف بشعابها ، فربما كانوا يحاولون أن يوازنوا بين الأهم والمهم وبين الربح والخسارة ، وهذا يتطلب فترة من الزمن شاءت الظروف بأن تستمر لأربعة عقود في الانتفاضة الأولى عام 1987.
وعليه فإن إنشاء فصائل مقاومة – فلسطينية ولبنانية – لم يأتِ بلا سبب ، إذ كان المسبب ( وفق قاعدة المسبب التي اعتمدناها ) هو الاحتلال الصهيوني ، وبالنتيجة فإن هذا الاحتلال هو الذي تسبب بقتل وتشريد وتجويع الملايين من الفلسطينين واللبنانيين وتهديم منازلهم بعد (طوفان الأقصى) وما قبلها على شكلين :
– الشكل الأول : المباشر ، حيث كان القتل والتهديم والتشريد والتجويع بقرار صهيوني .
– الشكل الثاني : غير مباشر ، حيث كان الاحتلال هو السبب بتشكيل فصائل مسلحة تقاومه ، وبسبب مقاومته – من خلال عدة عمليات – صار القتل والتهديم والتشريد والتجويع .

ولو تعمقنا أكثر وقلنا : أن الاحتلال لم يكن لولا دعم القوى الغربية له وتمهيد الطريق ليتوغّل في الأراضي الفلسطينية ، وعلى رأس تلك القوى بريطانيا والولايات المتحدة ، وهذا يعني أن هاتين القوتين تتحملان مسؤولية ما يجري على الفلسطينيين (الغزيين بالخصوص) واللبنانيين ( وخصوصاً في الجنوب ) سواء في (طوفان الأقصى) أو في ما سبقها من عمليات ضرب للمحتل ، ويمكن إضافة كل الدول الغربية الداعمة للكيان في مجلس الأمن وخصوصاً الدائمية العضوية ، والولايات المتحدة تتربع على عرش تلك المسؤولية بدعمها غير المحدود مالياً وعسكرياً وسياسياً ودبلوماسياً وغير ذلك ، لا بل إن الأمم المتحدة التي اعترفت بالكيان تتحمل جزءاً كبيراً لما يحصل في فلسطين ولبنان وفي منطقة الشرق الأوسط ، فاعترافها هذا أعطاها قوة معنوية وجعلتها شيئاً من لا شيء .
وتطول قائمة من يتحمل مسؤولية ما يحدث للغزاويين واللبنانيين ما قبل طوفان الأقصى وما بعدها لتشمل الدول العربية والإسلامية الخانعة المتكاسلة التي لم تحرك ساكناً لدعم الشعبين الفلسطيني واللبناني ، بل إن بعض الدول ( وخصوصاً الخليجية ) دعمت الكيان بشكل مباشر أو غير مباشر ، وهذا أضعف المقاومة فصار الشعبان الفلسطيني واللبناني بالواجهة فوقع عليهما ما وقع ، بقتل عشرات الآلاف منهم وجرح مئات الآلاف وتشريد الملايين وتدمير عشرات الآلاف من المباني ، وهذا التخاذل والخيانة لم تكن وليدة اللحظة ، بل كانت منذ سنوات عدة تنازل خلالها الأخوة الأعداء عن قيمهم ومبادئهم الإسلامية والعربية فوصلوا لما وصلوا إليه ، فمن المخجل أن نرى دولة غير إسلامية وغير عربية تبعد عن فلسطين آلاف الأميال تقوم برفع دعوى قضائية في المحكمة الجنائية ضد إسرائيل وتثمر بإصدار قرار إلقاء القبض على نتنياهو ووزير دفاعه غالانت ولم تقُم الدول العربية والإسلامية بأي إجراء تجاه ما يجري للشعبين الفلسطيني واللبناني .
وممن يتحمّل مسؤولية ما يحدث لغزة ( وحتى الضفة الغربية ) ولبنان هو الإعلام ، الذي وإن كان متفرعاً من المسببين الذين ذكرناهم أعلاه ، إلا أن دورهم الكبير في نصرة أو خذلان الشعبين الفلسطيني واللبناني جعلهم يتميزون عن السابقين ، فلو وقف الإعلام وقفة إنصاف وإنسانية مع هذين الشعبين لما حصل ما حصل لهما ، أو على الأقل لقلّت خسائرهما ، بشرية كانت أم مادية .

بعد كل ما تقدّم ، من يتحمّل مسؤولية ما يحدث للغزاويين واللبنانيين بعد طوفان الأقصى ؟ هل بالفعل هي المقاومة ؟

بهاء النجار
4/10/2024
https://t.me/Bahaa_AlNajjar

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M