الأسبوع السوري الماضي، كان حافلا. لم يعد يتعلق بالماضي، بل بالحاضر والمستقبل. طويت صفحة نظام الأسد. الحديث والعمل ينصبان على بناء النظام الجديد والعلاقات مع الدولة الجديدة. المطلوب من أميركا وداعمي العهد الجديد التحرك بسرعة ورفع العقوبات، كي لاتتكرر “الخطيئة السودانية”.
انتهت القطيعة بين الدول الغربية وبعض الدول العربية ودمشق القائمة منذ 2012. دول فتحت سفاراتها المغلقة ورفعت أعلامها، ودول أوفدت علنا مبعوثين رفيعي المستوى، بينها أميركا وبريطانيا وتركيا، ودول وازنة أخرى أوفدت مبعوثين كبارا في شكل غير معلن للقاء القائد السوري الجديد أحمد الشرع. كما عقدت اجتماعات وزارية وأمنية في القاهرة بين دول عربية وتركيا.
رسائل اللقاءات والاتصالات واحدة: ندعم القائد أحمد الشرع، و”نشرعن” العهد الجديد، ونرحب بالتخلص من نظام الأسد وخروج سوريا من “المحور الإيراني”، هناك فرصة ذهبية يجب البناء عليها بسرعة لتشكيل حكومة جامعة ودستور جديد، ضرورة تأسيس مؤسسات الأمن والجيش لتكون قادرة على محاربة الإرهاب وبسط سيطرة الدولة واستعادة سيادة الحكومة على جميع الأراضي، أي على 185 ألف كيلومتر مربع.
ماذا يعني هذا؟ سوريا التي كانت مقسمة إلى “ثلاث دويلات” تقوم بينها “حدود ثابتة” لحوالي خمس سنوات، انتهت. وحان وقت لسوريا القديمة بنظام جديد، أي إزالة حدود الداخل وتثببت حدود الخارج والتعاطي مع أربع عقد:
تجري مفاوضات بين دمشق وأنقرة لتوقيع اتفاق دفاعي مشترك، يتضمن إقامة قاعدتين عسكريتين في حمص ودمشق ونشر منظومات دفاع جوي
الأولى، العلاقة بين دمشق والقامشلي. إذ إن الحكم الجديد يريد بسط السيطرة على مناطق “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شمال شرقي سوريا المدعومة من أميركا واندماج “قسد” داخل الجيش الجديد وحل الإدارة الذاتية وإخراج جميع المقاتلين غير السوريين، التابعين لـ”حزب العمال الكردستاني”، من الأراضي السورية. لكن “قسد” بحسب قائدها مظلوم عبدي، تريد الاحتفاظ بنفسها ككتلة عسكرية لمحاربة “داعش” بدعم أميركا وأن تنال خصوصية لجهة وضع الإدارة الذاتية وحصتها في الثروات الطبيعية.
تجري بعض الاتصالات والوساطات بين دمشق والقامشلي للوصول إلى تسويات. لكن أغلب الظن أن ساعة الصفر تنتظر وصول الرئيس دونالد ترمب, الذي كان فريقه منخرط بالأيام الـ 11 التي هزت سوريا، إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني. أنقرة، الداعم الرئيس للحكم السوري الجديد، تراهن على موافقة ترمب على سحب ألفي جندي من سوريا ودفع “قسد” لقبول عرض الشرع.
لا شك أن تركيا تجد نفسها رابحة في الأسابيع الأخيرة بإسقاط الأسد. وتجري مفاوضات بين دمشق وأنقرة لتوقيع اتفاق دفاعي مشترك، تتضمن مسودته إقامة قاعدتين عسكريتين في حمص ودمشق ونشر منظومات دفاع جوي لتوفير مظلة حماية ضد الاعتداءات الإسرائيلية. عندما يقر الاتفاق بعد توفر عناصر الشرعية لإبرامه، سيضع دمشق في موقف تفاوضي قوي قياسا إلى موقف القامشلي.
أنتوني بلينكن أبلغ وزراء دول عربية أن نتنياهو أكد له أن قواته “ستنسحب في نهاية الشتاء” من أراض سورية
وهنا تأتي العقدة الثانية، التي تتعلق بإقدام حكومة بنيامين نتنياهو على سلسلة من الإجراءات بمجرد سقوط الأسد، تضمنت تدمير القوة العسكرية الاستراتيجية لسوريا البرية والجوية والبحرية، ومراكز الأبحاث، واحتلال المنطقة العازلة في الجولان ومراكز مراقبة حيوية في جبل الشيخ.
الدول الغربية تريد من سوريا الجديدة ألا تكون منصة تهديد خارجي بما فيها على إسرائيل. ودمشق تريد، من جهتها، أن تنسحب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في الفترة الأخيرة. وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أبلغ وزراء دول عربية، أن نتنياهو أكد له أن قواته “ستنسحب في نهاية الشتاء”، لكن الشكوك كثيرة إزاء ذلك والوقائع على الأرض لاتوحي بذلك. رسائل دمشق إلى المبعوثين الغربيين بضرورة الانسحاب إلى “خط 7 ديسمبر”، وأنها ليست معنية بحروب جديدة و “لا بتصدير الثورة”
لا تزال المفاوضات جارية مع العودة للدخول مع دمشق في طي “صفحة فصائلية درعا” والانتقال من “عقلية الثورة إلى عقلية الدولة”
الثالثة، توحيد البندقية. واضح أن الأولوية، هي استعادة الأمن وتشكيل الجيش الجديد، لذلك بادر الشرع إلى عقد اجتماع مع قادة الفصائل وتسمية وزير دفاع جديد للإشراف على تشكيل الجيش ودمج الفصائل. كان هناك ترقب لموقف “جيش الإسلام” بقيادة عصام البويضاني ومقره دوما بريف دمشق، وموقف قائد “غرفة عمليات الجنوب” أحمد العودة. معظم الفصائل قبلت الوصفة الجديدة لإنشاء الجيش وحل الفصائل، ولا تزال المفاوضات جارية مع العودة للدخول مع دمشق في طي “صفحة الفصائلية”، أي الانتقال من “عقلية الثورة إلى عقلية الدولة”… وتوحيد البندقية.
أحد أسباب الانهيار السوداني وتفاقم الحرب الطاحنة بعد سقوط عمر البشير، تأخر أميركا في رفع العقوبات عن الخرطوم. الرهان أن لا تكرر واشنطن وحلفاؤها “خطيئة السودان” في سوريا
الرابعة، المؤتمر الوطني. كانت هناك محاولات لعقد مؤتمر لمعارضين في القاهرة، لكن الإدارة الجديدة تتجه لعقد مؤتمر وطني في دمشق. أحد القياديين في “الهيئة السياسية” اتصل بنائب الرئيس السوري السابق فاروق الشرع الذي رعى مؤتمر الحوار الوطني في 2011. وهناك إقتراح بالطلب من المحافظين الجدد، الذين عينوا أخيرا من قادة الفصائل العسكرية التي شاركت في عملية “ردع العدوان”، لتسمية 40-50 من كل محافظة و70 من محافظة درعا لخصوصيتها، كي يشاركوا في مؤتمر جامع يستند إلى السوريين الذين بقوا في البلاد في السنوات الأخيرة. الرهان على أن يسهم هذا في التأسيس للدستور الجديد والمرحلة التابعة لما بعد 1 مارس/آذار المقبل، وأن يجمع بين قوى الأرض ورموز النخبة والسياسة والمجتمع المدني.
واضح أن الاتجاه في دمشق لبسط السلطة والسيادة والسياسة على مساحة 185 ألف كيلومتر مربع. أحد المفاتيح في كل ذلك، هو الاقتصاد وتحسين الوضع المعيشي للناس الذين أنهكوا في عقد من الحرب والعزلة… وإنارة دمشق. لذلك، فإن الاستعجال الغربي- الأميركي في رفع العقوبات أمر ضروري. أسباب وجود العقوبات المتراكمة انتهت مع سقوط الأسد.
أحد أسباب الانهيار السوداني والحرب الطاحنة بعد سقوط عمر البشير، تفاقم الوضع المعيشي بتأخر أميركا في رفع العقوبات عن الخرطوم. الرهان أن لا تكرر واشنطن وحلفاؤها “الخطيئة السودانية” في سوريا. الرهان ان يوفر الدعم العربي – الغربي -التركي مظلة حماية لسوريا الجديدة.