- برزت مؤشرات واضحة على استفحال الخطر الإرهابي في دول منطقة الساحل الأفريقي، وتمدُّده إلى مناطق عدة في وسط أفريقيا وخليج غينيا، بالإضافة إلى غرب القارة.
- يتناغم نشاط الحركات المتطرفة في الساحل الأفريقي مع البيئة السياسية والاقتصادية للمنطقة، التي من أهم سماتها ضعف الدولة المركزية، وانتشار اقتصاد التهريب والجريمة المنظمة، واستفحال الصراعات القبلية والإثنية.
- لا يبدو أن دول الساحل قادرة على مواجهة الخطر الإرهابي المتزايد، كما أن سيناريو تمدُّده إلى المحيط الأفريقي المباشر وارد، بما من شأنه أن يُولِّد معادلة جيوسياسية واسعة تمتد من بلدان المغرب العربي إلى وسط أفريقيا.
برزت مؤشرات حول تمدُّد خطر إرهاب الجماعات المسلحة إلى المنطقة المحيطة بغرب أفريقيا وخليج غينيا، حيث تزايدت العمليات الإرهابية على خط الحدود المشتركة مع بنين وتوغو، بينما صرَّحت كتائب “نصرة الإسلام والمسلمين” عن نيَّتها نقل عملياتها العسكرية من مالي إلى دائرتها الجوارية الشمالية والغربية.
من الحدود المشتركة لبلدان الساحل إلى الإطار الإقليمي الأوسع
في 23 أبريل الماضي، هاجمت قوات من الحركات الراديكالية العنيفة القاعدة العسكرية في سوندوغو ببوركينا فاسو على قرابة عشرة كيلومترات من ولاية السافانا التوغولية، وكانت الحصيلة 28 قتيلاً من الجنود البوركينابيين، وكانت حامية بوركينابية أخرى في منطقة زمبادي الحدودية مع التوغو قد تعرَّضت لهجوم مُماثِل في 23 مارس أدى إلى قتل ثلاثة عناصر من الجيش.
وعلى رغم تكتُّمها على الأحداث الأخيرة، من الواضح أن توغو قد أصبحت في مرمى خطر الجماعات المسلحة التي غدا لها وجود ثابت في منطقة بندجاري المشتركة مع دولة بنين. كما أن غانا دخلت على الخط نفسه، وقد ذهب بعض الأوساط الأمنية إلى اعتبار أن شمال غانا صار القاعدة الخلفية للجماعات المسلحة التي تستهدف بوركينا فاسو.
وفق تقرير نشرته مجلة “جون أفريك” وثيقة الاطلاع، تسعى الحركات الراديكالية إلى تطويق بوركينا فاسو في مجالها الحيوي في وسط القارة، بعد أن كانت المخاطر محصورة في حدودها المشتركة مع النيجر ومالي.
ومع تركُّز المشهد الإرهابي في ساحل العاج ونيجيريا، غدت المنطقة بكاملها معرضة لمخاطر عدم الاستقرار والفتنة الأهلية. ومن المهم هنا التنبيه إلى أن نشاط الحركات المتطرفة يتناغم مع البيئة السياسية والاقتصادية للمنطقة، التي من أهم سماتها ضعف الدولة المركزية وانتشار اقتصاد التهريب والجريمة المنظمة واستفحال الصراعات القبلية والإثنية.
ومع أن السنغال وموريتانيا كانتا بمنأى عن هذه المخاطر الأمنية، إلا أن بعض الدراسات الأخيرة توقَّعت انتقال خطر الإرهاب الراديكالي إليهما، من أجل قطع خطوط الإمداد عن السلطات المركزية في مالي والوصول إلى الموانئ والشواطئ الأطلسية، بما يعني فرض واقع جديد تستفيد منه الجماعات الانفصالية في مشروعها لتفكيك الدولة المركزية وتقسيم البلاد.
وفق هذا السيناريو، سيتم الاعتماد على مجموعتي الطوارق والفلان الموجودتين في قلب مناطق التأزم في المنطقة ومنهما تنحدر العناصر الفاعلة في تنظيم “نصرة الإسلام والمسلمين” التابع للقاعدة، بغية تفجير غرب أفريقيا ووسطها.
ومعروف أن الطوارق لهم مطالب قومية في مالي وبوركينا فاسو والنيجر، كما أن الفلان يشكلون مكوناً أساسياً في مالي والنيجر ونيجريا وغينيا، ولهم وجود في السنغال وجنوب موريتانيا.
السياسات والاستراتيجيات الإقليمية لمواجهة تمدُّد الجماعات المسلحة
يمكن في هذا السياق التمييز بين ثلاث مقاربات كبرى:
1. مقاربة دول الساحل الثلاث المركزية مالي وبوركينا فاسو والنيجر، التي أعلنت قيام تحالف كونفدرالي بينها، وشكلت منظومة أمنية مشتركة. ففي يناير 2025 شكلت الدول الثلاث جيشاً مشتركاً من 5 آلاف عنصر عُهد إليه بمواجهة الخطر الإرهابي. إلا أن هذه الجهود لم تُفضِ بعد إلى نتائج نوعية، بل إن الخطر الإرهابي تزايد في الشهور الأخيرة.
2. مقاربة مجموعة الإيكواس، التي قرَّرت في مايو 2024 تشكيل قوة إقليمية مشتركة لمواجهة الإرهاب، وخصصت لها تمويلاً أولياً قدره مليار دولار (على أن يصل مليارين و400 مليون دولار مستقبلاً)، واقترح بعض الأوساط دمج دول غير أعضاء في المجموعة في المبادرة مثل تشاد والجزائر. إلا أن هذا المشروع يتميز أيضاً بأبعاده السياسية مثل دعم المسارات الديمقراطية والوقوف ضد الانقلابات العسكرية ودعم جهود التنمية الاجتماعية. ولا يزال هذا المشروع في خطواته الأولى.
3. مقاربة دول المغرب العربي، التي اعتمدت طرقاً متمايزة في مواجهة مخاطر تمدد الإرهاب الساحلي. ففي حين عانت الجزائر من عزلة حادة في المنطقة نتيجة لقطيعتها مع مالي المدعومة من تحالف دول الساحل، يُعوِّل المغرب على مشروع التكامل الأطلسي مع دول الساحل من أجل تكريس مظلة أمنية استراتيجية في المنطقة بقيادته، بينما عملت موريتانيا على توقيع اتفاقيات أمنية مشتركة مع المغرب والجزائر لدعم جهودها في مواجهة الخطر الإرهابي، كما حرصت على توثيق شراكتها مع الناتو والاتحاد الأوروبي في الاتجاه ذاته.
آفاق الخطر الإرهابي في غرب أفريقيا ووسطها
يمكن الجزم بأن الخطر الإرهابي في طور التمدُّد إقليمياً، وفق وتائر متمايزة:
- في دول الساحل الثلاث المركزية مالي وبوركينا فاسو والنيجر، تفاقَم الخطر الإرهابي نتيجةً لعجز هذه البلدان التي تحكمها أنظمة عسكرية معزولة دولياً عن مواجهة عمليات الهجوم المتكررة التي تشنها الجماعات الراديكالية العنيفة في مناطق التوتر والتأزم، مُستفيدةً من الخريطة الإثنية القومية المتفجرة. وليس من المستبعد، في المدى المنظور، أن تنجح الجماعات المسلحة في فرض نمط من الوجود السياسي الدائم في بعض المناطق التي غدت خارج سيطرة الحكومات المركزية، كما ليس من المستبعد أن تشهد هذه الدول موجة جديدة من الانقلابات العسكرية والانتفاضات الاجتماعية.
- في بلدان وسط أفريقيا وخليج غينيا؛ من المرجح أن يَتمدَّد الخطر الإرهابي في المناطق الحدودية المشتركة مع بوركينا فاسو والنيجر، وبصفة خاصة في شمال نيجريا وساحل العاج وبنين والتوغو وفي شمال غرب الكاميرون. إلا أنه من غير المتوقع أن يصل هذا الخطر إلى المراكز السياسية الحيوية في المنطقة وإن كان سيطرح تحديات أمنية خطيرة ومكلفة على هذه الدول.
- في غرب أفريقيا وشمالها (السنغال ودول المغرب العربي)؛ من المتوقع أن تنجح جهود هذه الدول في تأمين حدودها من الخطر الإرهابي الذي يتركز في الحدود المالية المشتركة مع موريتانيا والسنغال والجزائر، إلا أن هذه البلدان ستجد نفسها مُضطرة للتفاعل مع الأجندة الأمنية المطروحة في دول الساحل، كما ستعاني بالضرورة من الآثار السلبية لمشكلات العنف والصراع المسلح في تلك الدول.