زيارة ترمب التاريخية: الإمارات تضع الثقل الأكبر في تعاونها التكنولوجي مع الولايات المتحدة

  • أثمرت جولة ترمب الخليجية قفزة نوعية في العلاقات الإماراتية-الأمريكية، على المستويين التجاري والجيوسياسي الاستراتيجي، وأبرزت تنامي الثقة المتبادلة والتوافق بين البلدين في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والأمن السيبراني.
  • شكَّل إعلان الولايات المتحدة والإمارات عن بناء مجمع ضخم لمراكز البيانات في أبوظبي، بهدف تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي بسعة 5 جيجاوات، ركيزةً أساسيةً لشراكة تاريخية في الشرق الأوسط. وتُمثِّل هذه الاتفاقية أكبر عملية نشر لمراكز البيانات خارج الولايات المتحدة.
  • يعكس تطور العلاقات الأمريكية-الإماراتية، في ضوء نتائج زيارة ترمب التاريخية، تحولاً من العلاقات التقليدية القائمة على الطاقة إلى شراكة ديناميكية تركز على التكنولوجيا والابتكار. 

 

في زيارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، منتصف الشهر الجاري، ضمن جولته الخليجية التاريخية التي شملت المملكة العربية السعودية ودولة قطر، أعلنت الولايات المتحدة والإمارات عن بناء مجمع ضخم لمراكز البيانات في أبوظبي، بهدف تطوير قدرات الذكاء الاصطناعي بسعة 5 جيجاوات، أي ما يكفي لتشغيل مدينة كبرى. تُمثِّل هذه الاتفاقية أكبر عملية نشر لمراكز البيانات خارج الولايات المتحدة. ويُوسِّع المشروع نطاق شركات الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية الأمريكية في الشرق الأوسط، ما يسمح لها بتقديم خدمة أفضل لدول الجنوب العالمي.

 

ربما يقترب هذا مما يمكن أنْ يُطلق عليه “دبلوماسية الذكاء الاصطناعي الخَيِّر”، أي استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل إيجابي وودي لتحقيق أهداف دبلوماسية خيِّرة، مثل تعزيز السلام والاستقرار والتعاون الدولي، وحل النزاعات، وردم الفجوة التقنية بين بلدان العالم الصناعي المتقدم والعالم النامي والفقير. ستقود مجموعة جي 42 (G42) الإماراتية، المطورة للذكاء الاصطناعي، بناء المجمع، الذي سيبدأ بقدرة 1 جيجاوات، بالشراكة مع العديد من الشركات الأمريكية، وفقاً لـبيان صحفي صادر عن وزارة التجارة الأمريكية. وستُستخدم الطاقة النووية والطاقة الشمسية والغاز لتشغيل العملية الجديدة. تدعم هذه الجهود “شراكة تسريع الذكاء الاصطناعي بين الولايات المتحدة والإمارات“، وهي إطار عمل جديد بين الحكومتين، يوفر الضمانات الأمنية اللازمة “لمنع تحويل (diversion) التكنولوجيا الأمريكية” وانحرافها عن مسارها بوصولها إلى أطراف منافسة.

 

في زيارة ترمب الخليجية أُعلن عن اتفاق الإمارات والولايات المتحدة على فتح مسار يسمح للإمارات بشراء بعض أشباه الموصلات الأكثر تطوراً في مجال الذكاء الاصطناعي من الشركات الأمريكية، كما أعلن عن استثمارات للإمارات للألمنيوم بقيمة 4 مليارات دولار في ولاية أوكلاهوما الأمريكية.

 

شراكة تاريخية في الشرق الأوسط

أثمرت زيارة ترمب الخليجية قفزة نوعية في العلاقات الإماراتية-الأمريكية، على المستويين التجاري والجيوسياسي الاستراتيجي. ووضعت الخطوات التي اتخذت خلال زيارة ترمب للإمارات الأخيرة “شريكاً استراتيجياً مهماً في المنطقة”، وفقاً لهوارد لوتنيك، وزير التجارة الأمريكي، الذي وصف اتفاقيات الذكاء الاصطناعي والرقائق التي أُبرمت مع الإمارات بأنها “شراكة تاريخية في الشرق الأوسط“. ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تُمثل نقطة تحول استراتيجية في العلاقات الأمريكية الإماراتية، إذ تُبرز تنامي الثقة المتبادلة والتوافق في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والأمن السيبراني. وتُشير هذه الاتفاقية إلى تأييد واشنطن لطموحات الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي، وهذا دعمٌ قوي. في الوقت نفسه، تُوجّه هذه الاتفاقية رسالة واضحة: تعتزم الولايات المتحدة دفع عجلة الابتكار جنباً إلى جنب مع حلفائها الموثوق بهم، مع تعزيز تفوقها التكنولوجي والجيوسياسي في مواجهة القوى المنافسة.

 

وصف المسؤولون الأمريكيون اتفاقيات الذكاء الاصطناعي والرقائق التي أُبرمت مع الإمارات بأنها “شراكة تاريخية في الشرق الأوسط”

 

وكجزء من مساعيها لتصبح لاعباً رئيساً في صناعة التكنولوجيا، تُخطط الإمارات العربية المتحدة أيضاً لإنشاء مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء آسيا، بما في ذلك في الهند وإندونيسيا وماليزيا والفلبين. وفي 18 سبتمبر 2024، أعلنت مجموعة جي 42 أنها ستبني مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في الهند بسعة مخصصة لتوليد الطاقة تصل إلى 2 جيجاوات – أي ما يقرب من ضعف القدرة المثبتة حالياً في البلاد – ونشر حاسوب عملاق قوي. كما كان الانضمام الإماراتي في اليوم نفسه إلى شراكة الاستثمار في البنية التحتية العالمية للذكاء الاصطناعي، وهو اتحاد يضم شركات أمريكية كبرى مثل “مايكروسوفت” و”بلاك روك” و”جلوبال إنفراستركتشر بارتنرز”، جزءاً من الطموح الإماراتي لتوسيع الاستثمار في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية الداعمة للطاقة.

 

في التقدير الأمريكي، كانت شراكة “مايكروسوفت” و”جي 42″ في توسيع النظام البيئي الرقمي في كينيا، خطوة نوعية، حيث أعرب المديرون التنفيذيون في مايكروسوفت عن حماسة كبيرة بشأن ما قد تعنيه هذه الشراكة مع “جي 42” لزيادة نفوذ الولايات المتحدة في القوى المتوسطة والناشئة في مواجهة المنافسين الدوليين. وستشارك “إم جي إكس” الإماراتية مع “أوبن إيه آي”، و”سوفت بنك”، و”أوراكل” في دعم مشروع الرئيس ترمب الضخم للذكاء الاصطناعي “ستارغيت”.

 

أثمرت زيارة ترمب الخليجية قفزة نوعية في العلاقات الإماراتية-الأمريكية، على المستويين التجاري والجيوسياسي الاستراتيجي

 

تحوّل استراتيجي

من الواضح أن ملف التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي والرقائق حجَّم مساحات الاختيار الإماراتية بين القوى العالمية المتنافسة، وهو ما ظهر في مخرجات زيارة صاحب السمو رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، واشنطن في سبتمبر 2024، والتي أظهرت فرادة الشراكة الاستراتيجية الإماراتية مع واشنطن. هذا الأمر تأكَّد بوضوح في أثناء جولة ترمب الخليجية في مايو 2025. ويعكس تطور العلاقات بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة تحولاً من العلاقات التقليدية القائمة على الطاقة إلى شراكة ديناميكية تركز على التكنولوجيا والابتكار. ويشير هذا التحول إلى استراتيجية طويلة الأجل من جانب دولة الإمارات العربية المتحدة لتنويع اقتصادها لتصبح قوة دافعة في القطاعات الناشئة، وتعزيز دورها بوصفها شريكاً حاسماً للولايات المتحدة في مجال التكنولوجيا وما وراءها، فضلاً عن كونها رائدة عالمية في مجال التكنولوجيا.

 

تنويع محفظة الاستثمارات التكنولوجية

في غضون ذلك، تحاول الإمارات تنويع محفظتها الاستثمارية في قطاع الذكاء الاصطناعي بما يتجاوز إشكالية الاختيار بين واشنطن وبيجين. من هنا، سعت دولة الإمارات العربية المتحدة الى دور رائد في مجال الذكاء الاصطناعي مع عدد من مشاريع التعاون في فرنسا. وفي شهر فبراير 2025، أعلن معهد بوليتكنيك للهندسة في باريس عن شراكة في مجال الأبحاث مع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي؛ فيما وقّع رئيس دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد، في الشهر نفسه، اتفاقية مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون لبناء مجمع كبير محوره الذكاء الاصطناعي ومركز بيانات في استثمارات تصل إلى 50 مليار يورو. وقالت الرئاسة الفرنسية حينها إن مركز البيانات هذا سيكون الأكبر في أوروبا المخصص للذكاء الاصطناعي. ولدى عقد مجلس الأعمال الإماراتي – الفرنسي اجتماعه الثالث في باريس في فبراير 2025، وقّع البلدان شراكة بين مجموعة موانئ أبوظبي وشركة باسكال الفرنسية بشأن تبني نماذج الذكاء الاصطناعي للحوسبة الكمية وتحسين العمليات، والتطوير المشترك.

 

تشهد العلاقات الإماراتية-الأمريكية تحولاً من علاقات تقليدية قائمة على الطاقة إلى شراكة ديناميكية تركز على التكنولوجيا والابتكار

 

وفي مايو 2025، أعلنت مجموعة جي 42، عبر شركتها التابعة كور 42 (Core42)، عن توقيع شراكة استراتيجية مع شركة “آي جينيس” الإيطالية، المختصة بتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي للقطاعات الخاضعة للتنظيم الصارم، بهدف تدشين أكبر بنية تحتية لحوسبة الذكاء الاصطناعي في أوروبا، وذلك في خطوة نوعية تعكس متانة العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإيطاليا. وتتمحور الشراكة حول نشر بنية تحتية لحوسبة عالية الأداء تعتمد على وحدات المعالجة الرسومية المتقدمة من شركة “إنفيديا” من نوع NVIDIA Blackwell، حيث ستتولى شركة كور 42 الإماراتية تشغيل البنية التحتية وإدارتها ضمن خطة شاملة للتوسع على مستوى القارة الأوروبية، من طريق تأسيس بنية تحتية سيادية للذكاء الاصطناعي في السوق الأوروبية.

 

ولدى زيارة الشيخ محمد بن زايد، إلى إيطاليا، في فبراير 2025، تمّ توسيع التعاون بين البلدين في شراكة بقيمة 40 مليار دولار أمريكي، ضمّت مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية والتصنيع المتقدم والطاقة وغير ذلك. وتستلهم هذه الاستثمارات الخبرة المهمّة لإيطاليا في مجال الروبوتات والأتمتة؛ التي تُكمّل الاستثمارات الجريئة لدولة الإمارات في مجال الابتكار. وبيئة الابتكار هذه تتطلب تأسيس بنية علمية وهندسية وصناعية متقدمة ومستدامة وشاملة، تستثمر في البحث العلمي والتطوير وبناء الكوادر الوطنية المؤهلة.

 

الاستنتاجات

ما تزال الإمارات تضع الثقل الأكبر في تعاونها التكنولوجي مع الولايات المتحدة. ومع إدارة ترمب الثانية، وجدنا، مجدداً، أن توثيق التعاون بين الإمارات والولايات المتحدة في مجال الذكاء الاصطناعي بندٌ حاضر في لقاءات المسؤولين من كلا البلدين. وكان هذا واضحاً، مثلاً، في زيارة سمو الشيخ طحنون بن زايد، مستشار الأمن الوطني الإماراتي، إلى الولايات المتحدة في مارس 2025، والتعهُّد، حينذاك، بإطار استثماري إماراتي في الولايات المتحدة قيمته 1.4 تريليون دولار على مدى السنوات العشر المقبلة، يتضمن الذكاء الاصطناعي والطاقة والبنية التحتية.

 

ومع مشاركة شركات التكنولوجيا الأمريكية في الشراكة مع دولة الإمارات، وبالشكل الجديد الذي ظهر جلياً في زيارة الرئيس الأمريكي، سترغب هذه الشركات في تضمين التدريب والبحث والتطوير وتبادل المواهب. وبينما ستساعد هذه البرامج في بناء مهارات الذكاء الاصطناعي داخل دولة الإمارات العربية المتحدة، فإنها ستعزز أيضاً المعايير والأخلاقيات وأطر الحوكمة الأمريكية.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M