فرنسا وجماعة «الإخوان المسلمين»: أبعاد وآفاق مواجهة مُحتدِمَة

  • خلص تقرير لجنة التحقيق الحكومي حول نشاط “الإخوان المسلمين” في فرنسا إلى تغلغُل الجماعة في أربعة قطاعات أساسية، هي: التعليم، والعمل الخيري، والعمل الشبابي، والعمل المحلي. وحذَّر التقرير من أنّ المشروع الإخواني يُشكِّل تهديداً للمؤسسات المحلية والتماسك الوطني، وتتطلب مواجهته عملاً ميدانياً حازماً ومستمراً.
  • مع ذلك، لا يكشف التقرير الحكومي الفرنسي أي جديدٍ حول طبيعة جماعة الإخوان وأساليب عملها في فرنسا، مُهمِلاً في الوقت نفسه التهديد السلفي المتنامي. أما على مستوى التوصيات، فلا يُقدِّم التقرير أي آليات عملية واضحة لمواجهة التهديدات التي يطرحها. 
  • من المتوقع أن تتجه سياسات الدولة الفرنسية نحو جماعة الإخوان المسلمين، والإسلام السياسي عموماً، نحو مزيدٍ من التشدُّد، وربما تنتهي بحظر أو تعليق نشاط فرعها الفرنسي. ويُتوقَّع أن يزيد هذا الضغط الحكومي الفرنسي من تراجُع نفوذ الجماعة وتراجع شعبيتها، وهو تأثير قد يشمل بقية فروعها الأوروبية. 

 

بعد عامٍ من إطلاق مهمة التحقيق الواسعة حول نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في البلاد، أصدرت وزارة الداخلية الفرنسية تقرير أعمال المهمة، والذي يحلل الأهداف والأساليب التي تنتهجها الجماعة، وخاصة استراتيجيتها في “التسرُّب/التسلُّل” إلى المؤسسات المدنية والحكومية والمجتمع الفرنسي. كما يُقدِّم جملةً من التوصيات لصناع القرار لمواجهة هذا التسرّب/التسلُّل. ومع أن التقرير يعد جزءاً من استراتيجية إدارة الرئيس ماكرون لمواجهة ما سمَّاه بـ “الانفصالية الإسلامية والحفاظ على المبادئ الجمهورية”، التي شرع فيها منذ عام 2020، إلا أنَّه أيضاً جزءٌ من رهانات انتخابية فرنسية قبل أقل من عامين من الانتخابات الرئاسية الأكثر مفصلية في تاريخ الجمهورية الخامسة.

 

تسعى هذه الورقة إلى تحليل مضمون التقرير وطبيعة التوصيات المقترحة، ومحاولة رسم المسارات المستقبلية المتوقعة لسياسات الدولة الفرنسية في مواجهة الإسلام السياسي، وتداعيات ذلك على جماعة الإخوان المسلمين.

 

مضامين التقرير الحكومي الفرنسي: التشخيص والتوصيات 

في السادس من مايو 2024 كلَّف وزير الداخلية الفرنسي لجنةً بقيادة السفير فرانسوا جوييت، والمحافظ باسكال كورتاد بمهمة تحقيق واسعة حول نفوذ الإسلام السياسي في فرنسا، مع التركيز على جماعة الإخوان المسلمين. ووفقاً للوزارة، فإن مهمة التحقيق تهدف إلى “تقييم هذه الجماعة في فرنسا وارتباطاتها بالفروع الأوروبية، وكذلك تحليل الأهداف والأساليب التي يستخدمها الإخوان المسلمين، ومواءمة الوسائل الحالية لسياسة مكافحة النزعات الانفصالية للرد عليها”. وقد جاء ذلك التكليف في سياقٍ متوترٍ بين الدولة الفرنسية والجماعة، حيث شرعت السلطات منذ أكثر من عامين في تشديد القبضة على نشاطات الجماعة وعناصرها من طريق عمليات تعليق نشاط الكثير من المنظمات والجمعيات، وعمليات تحقيق في تمويل مؤسسات تعليمية ودينية تابعة لها، وكذلك عمليات ترحيل عناصر بارزة خارج التراب الفرنسي. فضلاً عن أن هذا التحول الجذري في المواجهة مع الإسلام السياسي قد جاء في سياق تحول سياسي فرنسي أوسع نحو اليمين واليمين المتطرف.

 

يستند تقرير مهمة التحقيق إلى بحث ميداني شمل مقابلات مع أكاديميين فرنسيين وأجانب من خلفيات متنوعة، وزيارات ميدانية داخل فرنسا وفي أربع دول أوروبية، ولقاءات مع مسؤولين مسلمين، بما في ذلك ثلاثة لقاءات مع مُمثلي منظمة “مسلمو فرنسا”، الفرع الفرنسي لجماعة الإخوان. في القسم الأول، يستعرض التقرير تاريخ الجماعة، وأيديولوجيتها، وانتشارها في أوروبا. فيما يناقش في القسم الثاني، تراجع نفوذها في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وحيوية نشاطها على المستوى الأوروبي. وفي القسم الثالث يُقدِّر التقرير التهديد الذي قد يمثله الفرع الفرنسي للإخوان والمنظمات التابعة له، خاصة في قطاعاتٍ مثل الدعوة، والتعليم، والعمل الخيري. وفي القسم الأخير، يُقدِّم توصيات لإدارة المخاطر.

 

ركَّز التقرير الحكومي الفرنسي عن الإخوان المسلمين على النفوذ المتنامي للجماعة في قطاع التعليم، بوصفه أولوية للفرع الفرنسي (إعلام فرنسي)

 

التشخيص

يصف التقرير البناء التنظيمي لجماعة الإخوان بالازدواجية، موزعاً بين تنظيم صلب يمثل “الدائرة الضيقة” للأعضاء الملتزمين بالبيعة، لا يتجاوز عدد أعضائه بضع مئات منتشرين حول القارة الأوروبية، وتنظيم مفتوح ومرن هو “الحركة الإخوانية” بمفهومها الأوسع، وتشمل جميع الذين يتأثرون بهذه “الدائرة الضيقة” أو يتعاملون معها، ويتبنون أساليبها. وفي فرنسا يُقدِّر التقرير عدد الأعضاء ضمن “الدائرة الضيقة” الملتزمة بالبيعة بحوالي 400 شخص، وقد يصل إلى ألف شخص كحد أقصى، وهُم القائمون على منظمة “مسلمو فرنسا”، التي كانت قبل 2017 تسمى “اتحاد المنظمات الإسلامية”.

 

ويرتبط بالجماعة 139 مسجداً ومركزاً إسلامياً في جميع أنحاء البلاد، 68 منها تعد تابعة لها عضوياً، موزعة على 55 مقاطعة، مما يمثل 7% من إجمالي أماكن العبادة الإسلامية في البلاد. وعلى مستوى المجتمع المدني، تُدير الجماعة 53 جمعية ذات طابع ديني، منها 31 نشطة يديرها مندوبون محليون للجماعة، و22 جمعيات عامة. وبشكل عامٍ، توجد 280 جمعية مرتبطة بالجماعة، تعمل في مجالات متعددة دينية، وخيرية، وتعليمية، ومهنية، وشبابية، ومالية. أما بالنسبة للتمويل، فيشير التقرير إلى اعتماد الإخوان المسلمين على صناديق التبرعات والشركات التي يملكونها لتمويل مشاريعهم، فضلاً عن تدفقات التمويل الأجنبي من قطر والكويت، وكذلك الدور الذي تؤديه المصارف الإسلامية في أوروبا.

 

يُركِّز التقرير على النفوذ المتنامي لجماعة الإخوان في قطاع التعليم، بوصفه أولوية للفرع الفرنسي، وذلك من طريق بروز شبكة من المدارس الإسلامية، التي تجاوز عددها 74 مدرسة، منها 21 مرتبطة بالإخوان المسلمين، وتستقبل 4200 طالب. وقد زاد عدد الطلاب في هذه المدارس بمقدار ألف طالب في العامين الماضيين، رغم أنها لا تزال تمثل جزءاً صغيراً مقارنة بالمدارس الكاثوليكية واليهودية. أما القطاع الثاني، الذي ينال تركيزاً في التقرير فهو العمل الخيري، عبر شبكة جمعيات محلية ودولية لجمع التبرعات والزكاة، وكذلك صناديق التبرعات، التي اُستخدِمَت لجمع تبرعات من خارج فرنسا، وقد جرى حلّ بعضها بسبب عدم الشفافية، مثل صندوق “الوقف” الذي حُلّ بأمر قضائي في يوليو 2024 بسبب شبهات في التصرف المالي وجمع التبرعات العامة دون ترخيص.

 

كما يُشير التقرير أيضاً إلى الجانب الدعوي، لاسيما ظاهرة الدعاة الجدد المرتبطين بالجماعة فكرياً، حيث أصبح هؤلاء مؤثرين عبر الإنترنت، يجمعون بين الخطاب السلفي والأساليب الإخوانية، ويستهدفون جمهوراً واسعاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويطورون أنظمة متكاملة تجمع بين الديني والتجاري وتشمل وسائل إعلام ومؤسسات تجارية، مثل وكالات السفر والبنوك الإسلامية عبر الإنترنت. مُسلِّطاً الضوء على التهجين المتزايد بين جماعة الإخوان المسلمين والمجموعات السلفية، تحت التأثير المشترك للدوافع العقائدية. فضلاً عن الأنشطة الشبابية، التي أصبحت من أولويات الجماعة، وذلك من طريق 815 مدرسة قرآنية في فرنسا، تستقبل 66 ألف تلميذً، منها 114 مرتبطة بالجماعة. وكذلك عبر الجمعيات الرياضية.

 

والمعطى اللافت في التقرير هو تحليل أساليب النشاط المحلي لجماعة الإخوان المسلمين، التي أصبحت أكثر نزوعاً للنشاط في الأحياء والمدن، بدلاً من النشاط الوطني أو الأوروبي الكبير اللافت للنظر. ويعتمد هذا النفوذ المحلي على المساجد والجمعيات الثقافية والرياضية والخيرية، وتختلف أشكاله حسب المنطقة، مع وجود روابط مع السلطات المحلية. ويُقدِّم التقرير مصطلحاً جديداً هو “الإسلاموية البلدية”، في إشارة إلى تزايد نفوذ الجماعة المحلي، عبر إقامتها علاقات واسعة مع المسؤولين المحليين، والتفاوض على برامج انتخابية أو الحصول على مناصب محلية. وتستهدف الجماعة الناخبين المسلمين، الذين يميلون إلى الامتناع عن التصويت، من طريق توزيع نشرات أو التفاوض على إجراءات مجتمعية.

 

لكن التقرير، في الوقت نفسه، يُسلِّط الضوء على فقدان الزخم الفكري والشعبي، الذي تشهده جماعة الإخوان المسلمين في فرنسا. ويتجلى هذا الاتجاه في فشلها في تنظيم فعاليات وطنية أو إقليمية، مثل الملتقى السنوي، الذي كان يجمع الآلاف من أعضاء الجماعة في الداخل والخارج بين 1984 و2019. وعلاوة على ذلك، تشهد الجماعة انخفاضاً في عدد الأعضاء الملتزمين، فيما يتجه الصف القيادي الأول للجماعة إلى التهرُّم.

 

أصبحت جماعة الإخوان أكثر نزوعاً للنشاط في الأحياء والمدن الفرنسية، بدلاً من النشاط الوطني أو الأوروبي الكبير اللافت للنظر (فرانس برس)

 

التوصيات

في الخلاصة، يُقيّم التقرير مخاطر نفوذ جماعة الإخوان في فرنسا على النحو التالي: “على المدى القصير إلى المتوسط، يشكل المشروع الإخواني تهديداً للمؤسسات المحلية والتماسك الوطني. وتتطلب مواجهته عملاً ميدانياً حازماً ومستمراً، مع خطاب علماني متجدد وإشارات إيجابية تجاه المجتمع المسلم”. وفي الوقت نفسه، يُقدِّم توصيات عامة لشكل هذا العمل المطلوب وطبيعته تحت عنوان “تعزيز الوعي بآثار عمل الجماعة في فرنسا”؛ أولها، فهم التهديد بشكل أفضل، وذلك من طريق “تحديد ما هو الإسلام السياسي بدقة لمواجهته بشكل فعال”. وثانياً، التوعية العامة، للجمهور والمسؤولين بطبيعة الحركة الإخوانية وأهدافها، بواسطة تقارير سنوية أو حملات إعلامية. وثالثاً، تدريب صانعي القرار، من طريق استمرار المسؤولين، وخاصة المحافظين، في الحوار مع ممثلي المسلمين، للحد من تأثير الإخوان. وكذلك التنسيق الأوروبي، عبر توعية المفوضية الأوروبية والبرلمانيين الأوروبيين بنفوذ الإخوان في المؤسسات الأوروبية.

 

أما التوصية الرابعة فتتعلق بمعالجة تطلُّعات المجتمع المسلم في فرنسا، حيث يشعر الكثير من المسلمين بالرفض من طرف المجتمع، مما يتطلب إشارات قوية تعكس الاعتراف باهتماماتهم، مثل تعزيز التعليم الديني في المدارس العامة ومراجعة الموقف الفرنسي من الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وتعزيز الحوار بين المسلمين وغير المسلمين حول القضايا الكبرى. وخامساً، الاستثمار في البحث والثقافة، من طريق دعم البحث الأكاديمي حول الإسلام، بعيداً عن التأثيرات الأيديولوجية. وتنظيم معارض أو أحداث ثقافية تُسلِّط الضوء على مساهمات المسلمين في التاريخ الفرنسي.

 

الحدود والتحديات 

على مستوى التشخيص، لا يكشف التقرير أي جديدٍ حول طبيعة جماعة الإخوان المسلمين وأساليبها في العمل داخل فرنسا، ولا عن شبكتها الدينية والمدنية، وهو صدى أو ملخص لتقرير ”لجنة جاكلين برينيو”، رئيسة لجنة “التحقيق في التطرف الإسلامي وسُبُل مكافحته” في مجلس الشيوخ لعام 2020. ومع ذلك، فإنه يكتسي أهمية سياسية لأنه صادر عن الجهة التي تقود المواجهة مع جماعة الإخوان المسلمين، وهي وزارة الداخلية، وربما يكون تمهيداً لسياسات جديدةٍ أكثر تشدداً تجاه الجماعة. وفي الوقت الذي يركز فيه التقرير على جماعة الإخوان، على رغم أن مؤشراتٍ عديدة، تشير إلى تراجع نفوذها وشعبيتها وتهرُّم قادتها وضعف مواردها المالية، حيث قدَّر التقرير موازنة الجماعة السنوية بحوالي 500 ألف يورو فقط، فإنَّه يهمل التهديد الأبرز وهو المجموعات السلفية والتنظيمات الإسلامية التركية، ذات النفوذ المتنامي والقدرات المالية الواسعة.

 

أما الحدّ الثالث فهو التوظيف الانتخابي للتقرير، لاسيما من طرف الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة، لخدمة مشروعها السياسي المضاد للهجرة، حيث وقع خلط كبير بين الجماعات الإسلامية وما تُمثِّله من تهديد وبين المسلمين في فرنسا، والذين يحمل قطاع كبير منهم الجنسية الفرنسية. وهذا الخلط يبدو أنَّه لا يخدم سوى الجماعات الإسلامية والأحزاب اليمنية المتطرفة، عبر إنتاج سردية تقوم على منح الجماعات الإسلامية ولايةً عامةً على المسلمين، مع أن هذه الجماعات تُعاني من تراجع في الشعبية داخل صفوف الجاليات المسلمة. وقد شدَّد “المسجد الكبير في باريس”، المعروف بتضاده مع الإخوان، على رفضهِ “السماح باستغلال الإسلام من طرف الجماعات لأغراض سياسية تهدف إلى شق صفوف المجتمع الوطني”، ورفضهِ في الوقت نفسه “السماح بأن يصبح القتال المشروع ضد الإسلاموية ذريعة لوصم المسلمين وخدمة أجندات سياسية معينة”.

 

وعلى مستوى التوصيات، لا يُقدِّم التقرير آليات عملية واضحة لمواجهة التهديدات التي يطرحها، حيث جاءت أغلب التوصيات عموميةً ونظرية. وفي خلال اجتماع مجلس الدفاع الذي ناقش مخرجات التقرير برئاسة الرئيس ماكرون، في 21 مايو، طلب الرئيس الفرنسي من رئيس الحكومة ووزير الداخلية صياغة “مقترحات توصيات جديدة” في ضوء “خطورة الوقائع” الواردة في الوثيقة، ليتم مناقشتها في اجتماع مجلس الدفاع المقبل في بداية يونيو. ويندرج عدم رضا الرئيس الفرنسي ضمن سياقٍ أوسعٍ من الصراع الخفي مع وزير داخليته برونو ريتايو، الذي اعتمد على التقرير لإطلاق حملة إعلامية لتعزيز موقعه السياسي بوصفه مرشحاً للانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2027، لاسيما من طريق “تسريب” مقتطفات من التقرير السري إلى الصحافة قبل نشره بأيامٍ. وقد نجح عبر ذلك في كسب معركة زعامة حزب الجمهوريين باعتبارها جولة أولى في سباق الرئاسة؛ فيما أبدى ماكرون انزعاجه من استغلال وزير الداخلية للتقرير. في المقابل، وصف زعيم أقصى اليسار، جان لوك ميلانشون، صدور التقرير بأن “الإسلاموفوبيا تتخطى الحدود”، حيث يستفيد أقصى اليسار من قاعدة انتخابية واسعة من المسلمين في البلاد.

 

لذلك يمكن تلخيص حدود التقرير الجديد عن نفوذ الإخوان المسلمين وتحدياته، في كونه لا يتعامل مع الظاهرة الإسلامية بشمولية، وفي الوقت نفسه لا يحدد بوضوح مكامن التهديد وطبيعته وطرق مواجهته. وربما يشكل هذا الغموض التحدي الأساسي الذي يواجه التقرير ومهمة التحقيق على نحو أوسع، وهو التوظيف الانتخابي لقضية اجتماعية وسياسية خطرة، من المفترض أن تُعالج بعيداً عن الرهانات الانتخابية للأحزاب، حيث كانت هذه التوظيفات الانتخابية الضيقة المساهم الأكبر في صعود الإسلام السياسي في فرنسا خلال العقود الأربعة الماضية.

 

من شأن نتائج التقرير الحكومي الفرنسي عن جماعة الإخوان أن تؤثر مستقبلاً في مسارات تنظيم الديانة الإسلامية ومأسستها في فرنسا (شترستوك)

 

فرنسا والإخوان: آفاق مواجهة مُحتدِمَة

في ضوء مخرجات التقرير، والجدل السياسي الذي رافقه، من المتوقع أن تتجه سياسات الدولة الفرنسية نحو جماعة الإخوان المسلمين، والإسلام السياسي عموماً، في اتجاه أكثر تشدداً. وقد وعد وزير الداخلية برونو ريتايو، في أعقاب نشر التقرير “بجعل الدولة أكثر فعالية في حربها ضد الإسلام السياسي”، وذلك من طريق توسيع “نظام خلايا مكافحة الإسلام المتطرف”، التي أُطلِقَت في عام 2019، والتي توجد في جميع الإدارات، وتضم ممثلين من مختلف الخدمات الحكومية، من وزارة التعليم إلى الصحة، وتهدف إلى “تشخيص الحالة الإسلاموية” في الإدارة، و”تجميع” المعلومات و”متابعة المخالفات المرصودة”. وكذلك قوات التدخل السريع المعززة في الأقسام الأكثر تضرراً من “التسلل الإسلاموي”. ويهدف هذا الإجراء إلى تعزيز الرقابة الميدانية بشكل أكبر، على سبيل المثال في الأندية الرياضية أو الجمعيات الثقافية. كما أعلن وزير الداخلية عن تعبئة جهازين جديدين تابعين لوزارة الداخلية. وسيتولى قيادة هذه المهمة “المديرية الوطنية للاستخبارات الإقليمية” و”مديرية الحريات المدنية”. وقد تتضمن مهامها إنهاء الدعم المحلي للجمعيات، وإغلاق بعض الأماكن، وتوجيه الاتهام إلى الأشخاص الذين يحرضون على الكراهية. لذلك من المتوقع أن تشهد الشهور المقبلة مزيداً من عمليات تعليق وحلّ المنظمات والجمعيات التابعة للإخوان المسلمين والمجموعات السلفية أو تجميد أصول وشركات، وكذلك عمليات ترحيل قيادات وعناصر من الجماعة.

 

وعلى المدى المتوسط، من المتوقع أن تنتهي هذه المواجهة بقرار بحظر نشاط “منظمة مسلمو فرنسا” – الفرع الفرنسي للجماعة – وهو ما يُطالِب به حزب التجمع الوطني على أقصى اليمين، الذي يريد أيضاً وضع الجماعة على قوائم الإرهاب. وكذلك جزء من الاشتراكيين، كما تبدَّى في موقفالوزير السابق مانويل فالس. وهو ما كان يسعى إليه وزير الداخلية، برونو ريتايو، مع أنه أشار في مقابلة صحفية قبل أيام إلى صعوبة ذلك لسبيين: الأول، انتشار الجماعة في قطاعات مختلفة؛ والثاني، التحدي القضائي، حيث يعتقد أن القضاء الإداري يمكن أن يُعطل قرار الحلّ. ومع ذلك، فإن الوزير الفرنسي كان قد اقترح في أكتوبر الماضي، أن تُستَحدَث “جريمة جنائية جديدة” في القانون الفرنسي تستهدف الإسلام السياسي، في استلهامٍ للنموذج النمساوي، وفي حال نجح في إقناع المشرعين في مجلس النواب والشيوخ، سيكون بذلك قد امتلك أداةً قانونية لحظر نشاط الجماعة.

 

أما بالنسبة لمسارات الجماعة المستقبلية، فمن المتوقع أن يزيد هذا الضغط السياسي والإعلامي والأمني من تراجُع نفوذها وتراجُع شعبيتها، وربما يؤثر هذا الاتجاه في بقية الفروع الأوروبية، بوصف الفرع الفرنسي الأكثر أهمية وتأثيراً ضمن الشبكة الأوروبية، لاسيما في حال وسَّعت باريس سياسة تطويق الجماعة نحو أوروبا من طريق دورها في الاتحاد الأوروبي، وكذلك عبر التأثير في سياسات بقية الدول الأوروبية، خاصة وأن التقرير أشار إلى ذلك بوضوح.

 

ومن شأن هذا التقرير، وما توصل إليه من نتائج وتوصيات، أن يؤثر مستقبلاً في مسارات تنظيم الديانة الإسلامية ومأسستها في فرنسا. فحتى وقتٍ قريب كان مجلس الديانة الإسلامية يضم منظمات إسلامية منقسمة على أساس عرقي أو إيديولوجي، وبعضها مُوالٍ لدول خارج فرنسا. ومن المتوقع أن يُعاد تنظيم الوجود الرسمي الإسلامي في اتجاه منع المنظمات السياسية من كسب شرعية التمثيل. وفي فبراير الماضي اجتمع وزير الداخلية الفرنسي مع ممثلين عن الديانة الإسلامية لإعادة طرح مشروع أطلقه سلفه قبل ثلاث سنوات، وهو “منتدى الإسلام في فرنسا”، الذي خلف المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية لمحاربة فكرة أن “الإسلام هو دين أجنبي، وللأجانب، ومُموَّل من قبل الأجانب”، وكانت القضية الرئيسة هي تدريب الأئمة والتمويل الخارجي للجمعيات والمساجد.

 

الخلاصة 

من المتوقع أن تمضي سياسات الدولة الفرنسية إزاء جماعة الإخوان المسلمين، والإسلام السياسي عموماً، في اتجاهٍ أكثر تشدداً، وربما تنتهي بحظر أو تعليق نشاط فرعها الفرنسي. وفي المقابل، من المتوقع أن يزيد هذا الضغط السياسي والإعلامي والأمني مِن تراجع نفوذ الجماعة وتراجع شعبيتها في الداخل الفرنسي، وربما يؤثر في بقية الفروع الأوروبية للجماعة. كما يتوقع أن يؤثر ذلك مستقبلاً في مسارات تنظيم الديانة الإسلامية ومأسستها في فرنسا، نحو مزيدٍ من الاستقلالية عن التأثيرات السياسية والخارجية.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M