اختبارٌ جيوسياسي لتسوية صعبة: مستقبل المناطق الخاضعة لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق

  • بينما يلوح في الأفق أملٌ بإنهاء العمليات العسكرية التركية في جبال قنديل وما حولها التي استمرت لعقود، يبرز تحدٍّ حول كيفية ملء الفراغ المحتمل الذي سيُخلِّفه انسحاب مقاتلي حزب العمال الكردستاني من المنطقة، وعلى رأسها سلسلة جبال قنديل، التي تُعد المعقل الرئيس للحزب. 
  • يظل مستقبل المناطق التي يسيطر عليها حزب العمال في شمال العراق مفتوحاً على احتمالات متعددة، تعكس تعقيدات الصراع التاريخي بين الحزب والدولة التركية، وتَداخُل النفوذ الإقليمي والعراقي الداخلي. ويعتمد المسار المطروح حتى الآن على القدرة على إيجاد تفاهُم سياسي وأمني متوازن بين بغداد وأربيل وأنقرة، يضمن إعادة دمج القرى الحدودية ضمن هياكل الدولة.
  • يُمثِّل حلّ حزب العمال الكردستاني فرصة نادرة لانتقال المنطقة من حالة الصراع إلى حالة الاستقرار، شريطة تضافر جهود الدولة التركية والحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان، بدعم دولي ملموس، وهو أمر يبدو غير مضمون حتى الآن.

 

أثار قرار حزب العمال الكردستاني (PKK) القاضي بِحَلِّ نفسه وإلقاء السلاح، استجابةً لدعوة زعيمه التاريخي عبدالله أوجلان في أواخر فبراير 2025، موجة من التساؤلات والتكهنات حول مستقبل الأوضاع في المناطق الخاضعة لسيطرته. وتتركّز هذه التساؤلات حول مصير الشريط الحدودي بين العراق وتركيا من جهة، والعراق وإيران من جهة أخرى، حيث تُعرَف هذه المناطق في أدبيات الحزب باسم “مناطق حماية ميديا”، وتتركز في جبال قنديل في المثلث الحدودي، والتي شكّلت ساحة صراع مستمر وموضع عمليات عسكرية تركية متكررة.

 

تحولات شاملة تلوح في الأفق

إذا ما نجحت عملية التسوية بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني، والتي ما زالت في مرحلة الاختبار، فإنها لن تقتصر على إنهاء حقبة من العمل المسلح بين الجانبين، بل ستُحدث تحولات جيوسياسية وأمنية في عمق المعادلات الإقليمية، لاسيما في العراق.

 

وبينما يلوح في الأفق أمل بإنهاء العمليات العسكرية التركية التي استمرت لعقود، يبرز تحدٍّ حول كيفية ملء الفراغ الذي سيخلفه انسحاب مقاتلي الحزب من المناطق الجبلية الوعرة التي سيطروا عليها، وعلى رأسها سلسلة جبال قنديل، التي تضم أعلى قمة في العراق (هلكورد)، والتي تُعد المعقل الرئيس للحزب، ومُختبراً لتطبيق نظرياته في “الكونفدرالية الديمقراطية” التي استلهمها من فلسفة أوجلان اليسارية.

 

ووفق تقارير استقصائية لمنظمات محلية، هناك نحو 1190 قرية كردية تنتشر فيها نشاطات حزب العمال الكردستاني أو تدور حولها المعارك مع تركيا في شمال العراق وشرقه. وقد توغلت القوات التركية داخل الأراضي العراقية بعمق يصل إلى 40 كيلومتراً على امتداد الشريط الحدودي الشمالي مع إقليم كردستان، وأنشأت نحو 136 قاعدة وموقعاً عسكرياً حتى مطلع عام 2025، وهذه الساحة للمعركة ستكون معنية بترتيبات التسوية المقبلة بين الدولة التركية ومسلحي حزب العمال الكردستاني (انظر خريطة 1).

 

خريطة 1: مناطق وجود حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق

المصدر: ريسيرتش جيت.

 

وعلى رغم ما أحدثته العمليات العسكرية من تهجير كامل لـ 183 قرية، وتسببها بتأرجح الأوضاع السكانية في 602 قرية أخرى، فإن هناك 405 قرى لا يزال سكانها عاجزين عن العودة إليها بسبب المواجهات المسلحة. ويشير هذا الوضع إلى بقاء نطاق واسع من الجغرافيا الحدودية خارج نطاق السيطرة الرسمية لكلٍّ من بغداد وأربيل، ما يعزّز من تعقيد أي عملية انتقالية مستقبلية في تلك المنطقة.

 

وتخضع بعض هذه القرى والمناطق، الممتدة من قضاء بنجوين قرب الحدود الإيرانية وصولاً إلى المثلث الحدودي مع تركيا، إلى سيطرة فعلية من قبل حزب العمال الكردستاني، الذي يصف هذه الرقعة بـ”مناطق حماية ميديا”، وهي تسمية رمزية تستدعي الإرث التاريخي للميديين، أوّل كيان حاكم عرفته الجغرافيا الكردية في عصور ما قبل الميلاد. وبدأ الحزب باستخدام هذا المصطلح بعد عام 2000، مع أن اللبنات الأولى لهذا الكيان الموازي وُضعت في تسعينيات القرن الماضي، في سياق الردّ على تجربة الحكم الذاتي الكردي في العراق. ونشر الحزب نقاطاً أمنية بما فيها نقاط جمركية للسلعة المستوردة من المنافذ الحدودية.

 

لكن هذا “الإقليم” بحكم الأمر الواقع، بات اليوم مُقطَّع الأوصال نتيجة التوغلات التركية، لاسيما في المناطق الوعرة المحيطة بمناطق “الزاب” و”آفاشين”، الواقعة بين محافظتي أربيل ودهوك حيث تخوض قوات الحزب في تلك المناطق نمطاً من حرب العصابات، يتسم بالكَرّ والفرّ، ما يعني أن سيطرة الحزب هناك ليست دائمة ولا مستقرة.

 

وتتمتع هذه المنطقة بأهمية استراتيجية استثنائية، ليس فقط لطبيعتها الجبلية التي تُشكل درعاً طبيعياً، وإنما لأنها تحوي شبكة واسعة من التحصينات والأنفاق التي أنشأها الحزب على مدى عقود، على غرار النموذج الذي اعتمدته حركات مثل “حزب الله” في جنوب لبنان و”حماس” في قطاع غزة. وتُعد هذه التحصينات مأوى لمخزون الحزب الاستراتيجي من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، فضلاً عن مضادات الطائرات المسيّرة، وصواريخ متوسطة المدى، بما في ذلك ما حصل عليه من دعم عسكري خلال تحالف جناحه السوري مع قوات التحالف الدولي. وعليه، فإن مصير هذا الجيب الأمني سيكون من أهم القضايا الشائكة في أي اتفاق تسوية، خصوصاً إذا تعلَّق الأمر بتسليم هذه الترسانة ونزع السلاح.

 

تُعرف المناطق الجبلية الحدودية الواقعة في شمال شرق العراق بطبيعتها الوعرة وتضاريسها الغنية والمتنوعة (شترستوك)

 

من الناحية الإدارية والسياسية، يقع هذا “الإقليم المفترض” ضمن مناطق النفوذ الكردي في العراق، والتي تتوزع بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني. فالمناطق المتاخمة لمحافظتي دهوك وأربيل ترتبط بالحزب الديمقراطي، بينما تخضع مناطق بنجوين وقلعة دزة وبشدر (رانية) لنفوذ الاتحاد الوطني.

 

وعلى رغم أن مؤسسات إقليم كردستان (كالمعلمين والكوادر الصحية) تتردد على بعض تلك المناطق، فإن السيطرة الفعلية ظلت في يد حزب العمال على امتداد أكثر من ثلاث عقود مضت، حيث قام الحزب بإدارتها بواسطة مجالس شعبية وبلديات حزبية محلية حتى اشتداد القصف التركي في السنوات الأخيرة.

 

وبعد أن أقرّ المؤتمر الثاني عشر للحزب في مايو 2025، بحضور 232 عضواً، قرار حل الحزب وإنهاء الكفاح المسلح باسمه التاريخي  (PKK)تحوّل مصير هذا الكيان الحدودي المجهول إلى قضية مركزية في النقاشات الإقليمية. إلا أن الحزب وضع شروطاً لهذه العملية، من أبرزها إدارة التسوية من قبل أوجلان نفسه، والاعتراف بالديمقراطية، وتوفير ضمانات قانونية من الدولة التركية؛ هذه الشروط تُبقي الضبابية على مصير العملية برمتها.

 

الإمكانات الاقتصادية للمنطقة

تُعرف المناطق الجبلية الحدودية الواقعة في شمال شرق العراق بطبيعتها الوعرة وتضاريسها الغنية والمتنوعة. وتشكل سلسلة جبال قنديل العمود الفقري لهذه الجغرافيا الجبلية، بامتدادٍ يتوغل داخل الأراضي التركية، ما يمنحها بُعداً جيوسياسياً إضافياً. وتنتمي هذه السلسلة، إلى جانب جبال خنيرة وهلكورد ونفتانين، إلى النطاق الجبلي المعروف بـ”زاغروس” الذي يشكّل حاجزاً طبيعياً يفصل العراق عن كلٍّ من إيران وتركيا، وقد مثّل عبر العصور ملاذاً طبيعياً وموقعاً للاستيطان البشري منذ العصور القديمة، وفق ما تؤكده نتائج التنقيبات الأثرية بالقرب من المنطقة.

 

وتضم هذه السلسلة أعلى القمم الجبلية في العراق، وفي مقدّمتها قمة “شيخ دار” التي يبلغ ارتفاعها نحو 3611 متراً، تليها قمة “هلكورد” بارتفاع 3607 أمتار فوق مستوى سطح البحر، ما يُضفي على هذه الجغرافيا طابعاً طبوغرافياً معقداً يصعب اختراقه، ويجعل منها منطقة ذات أهمية استراتيجية وبيئية وسياحية استثنائية.

 

وتتوزع على سفوح هذه الجبال مئات القرى الكردية، التي تعتمد في معيشتها على الزراعة التقليدية وتربية المواشي والنحل، وتُشكِّل مصدراً حيوياً لتأمين احتياجات المدن الكردية من اللحوم والفواكه والخضروات، فضلاً عن منتجات الألبان والعسل الطبيعي. كما تحتضن هذه السلسلة تنوعاً بيئياً نادراً، وتنتشر فيها أنواع من الحيوانات والطيور النادرة، إلى جانب ما تتيحه من فرص مستقبلية واعدة لتطوير القطاع السياحي، حيث تتميز بمناظر خلابة ومناخ معتدل يمكن أن يحولها إلى واحدة من أبرز الوجهات السياحية في إقليم كردستان والعراق عموماً.

 

وعلى رغم غنى هذه المنطقة بالثروات الطبيعية، فإن الأوضاع الأمنية المضطربة، لاسيما بفعل النزاع الطويل مع حزب العمال الكردستاني والعمليات العسكرية التركية، قد حالت دون إجراء عمليات استكشاف وتنقيب واسعة فيها حتى الآن. إلا أن بعض أطرافها، لاسيما المحيطة بمناطق آتروش وسرسنك، تُعد قريبة من مواقع حقول نفطية قائمة، وهناك تقارير أولية ودراسات تُشير إلى إمكانية وجود احتياطات كبيرة من الحديد والنحاس، وأيضاً فرص واعدة أولية لوجود معادن نادرة مثل اليورانيوم والليثيوم.

 

علاوة على ذلك، فإن المنطقة تضم منافذ حدودية نشطة مع إيران تُستخدَم في التبادل التجاري، ما يمنحها بُعداً استراتيجياً إضافياً، سواء على الصعيد الاقتصادي أو الأمني، ويجعل من ضبط هذه المناطق أو دمجها ضمن آليات إدارية رسمية أمراً بالغ الأهمية في أي تسوية مستقبلية محتملة.

 

مناطق سيطرة حزب العمال في شمال العراق أضحت بؤرة اختبار حقيقي لإمكانية إنهاء أطول صراع مسلح في تاريخ تركيا الحديثة (شترستوك)

 

سيناريوهات المستقبل

تبعاً لمسار التسوية بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني ومواقف القوى المعنية منه، لاسيما العراق، بما فيه إقليم كردستان، والقوى الدولية الفاعلة، وبصفة خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، تبرز أربعة سيناريوهات رئيسة محتملة لمستقبل منطقة جبال قنديل:

 

السيناريو الأول: الدمج الكامل في إدارة إقليم كردستان

وفق هذا السيناريو، الذي من المفترض أن يكون أكثر مقبولية، ستُنقَل مسؤولية إدارة المناطق الواقعة تحت سيطرة حزب العمال الكردستاني، تباعاً، إلى سلطات إقليم كردستان، وخصوصاً إلى أربيل، استناداً إلى خرائط التقسيمات الإدارية للمحافظات والأقضية. وتُعيد الدوائر الخدمية والبلديات الكردية بسط نفوذها في تلك القرى، على أن يرافقها انتشار قوات البيشمركة التابعة للحزبين الكرديين ضمن نموذج الحرس المعترف به دستورياً. ودعت بعض الأصوات الكردية داخل الإقليم إلى تبني هذا المسار علناً. وعلى رغم واقعية هذا الطرح، فإنَّه يصطدم بعوائق ميدانية حساسة، من أبرزها: مصير ترسانة حزب العمال العسكرية، ورفضه المعلن لتسليم أسلحته إلى خصومه السياسيين، خاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني المتحالف مع تركيا. وحتى الاتحاد الوطني، الذي شهدت علاقته مع حزب العمال مراحل من التقارب والقطيعة، ليس بمنأى عن هذا التحفّظ، ما يُضعِف احتمالات تسليم سَلِس للسيطرة.

 

بالإضافة إلى ذلك، فإن حزب العمال قد أسس مجتمعات سكانية كبيرة في هذه المناطق، يقدرون بعشرات الآلاف من الأكراد الأتراك ويحملون الجنسية التركية وإدارتهم ستكون مهمة معقدة.

 

ويفترض هذا السيناريو بالضرورة تخلّي الجانب التركي عن الأراضي التي يسيطر عليها طوال السنوات الماضية داخل الأراضي العراقية، ولا يبدو هذا الخيار مطروحاً تركياً على الأقل في المرحلة الحالية.

 

ومن بين أبرز المشكلات التي يمكن أن تواجه سلطات الإقليم في حال تولَّت مسؤولية تأمين المنطقة وإعادة استثمارها، ضعف الإمكانيات الاقتصادية في الإقليم، والأزمة المالية المستدامة.

 

ومن بين أبرز العوامل التي يُمكنها ترجيح هذا الخيار الدعم الأمريكي المستند إلى دعم إقليم كردستان العراق، والذي ما زال مستمراً في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة، خصوصاً مع امتلاك الجانب الأمريكي قنصلية كبيرة في أربيل وقاعدة حرير العسكرية ذات الطابع الاستراتيجي، وسيكون تأمين هذه المنطقة جزءاً من الأولويات الأمريكية في حال استمرت الأهمية الاستراتيجية لإقليم كردستان في واشنطن. إن تحقيق هذا السيناريو يحتاج إلى دعم سياسي ومالي وأمني لسلطات إقليم كردستان، لتقوية موقفها التفاوضي وإعادة فرض سيطرتها على المنطقة.

 

السيناريو الثاني: التدويل الجزئي عبر التنسيق الثلاثي

يضمن هذا السيناريو بقاء الجيش التركي بالتنسيق مع السلطات الاتحادية العراقية وحكومة إقليم كردستان في محيط هذه المناطق، لتجنُّب تحوّلها إلى ملاذ جديد لتنظيمات كردية مسلحة بأسماء جديدة. وقد ألمح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خلال زيارته إلى العاصمة الأذربيجانية باكو إلى هذا الاتجاه، حين تحدّث عن تنسيق مستمر مع بغداد وأربيل بخصوص نزع أسلحة حزب العمال.

 

ويعني هذا الخيار أن تنتشر قوات حرس الحدود العراقية على الخط الحدودي، في حين تبقى نقاط المراقبة التركية ضمن الشريط الأمني، بعمق داخل الأراضي العراقية، لضمان أمن الحدود ومنع إعادة تشكُّل الحزب أو تحوّل المنطقة إلى مصدر تهديد مستقبلي.

 

واستمرار بقاء القوات التركية داخل الأراضي العراقية حتى بعد تسوية قضية حزب العمال سيكون مثيراً للاعتراضات الشعبية والسياسية، سواء في بغداد أو في إقليم كردستان، وأيضاً من قبل إيران التي لم تضمن حتى الآن تسوية مماثلة مع الجناح الإيراني لحزب العمال (بجاك) وسوف تعمل بواسطة أذرعها في المليشيات العراقية على إدامة الاضطراب في هذه المنطقة، عبر دعم انشقاقات داخل حزب العمال وتسليح المنشقين لضمان استمرار سيطرتهم على منطقة قنديل. وأيضاً، فإنّ نشر قوات حرس حدود تابعة لسلطة بغداد لن يكون من أولويات حكومة إقليم كردستان إلا في حال كانت تلك القوات كردية.

 

استمرار بقاء القوات التركية داخل الأراضي العراقية بعد تسوية قضية حزب العمال سيكون مثيراً للاعتراضات الشعبية والسياسية (شترستوك)

 

السيناريو الثالث: تحوُّل المنطقة إلى قاعدة بديلة لأجنحة مسلحة أخرى

يَفترِض هذا السيناريو أن تبقى مجموعات من حزب العمال في المنطقة بعد انشقاقها وتشكيلها مجموعات جديدة، خصوصاً مَنْ يعجزون عن العودة إلى تركيا خشية الملاحقة القضائية. وهنا يبرز جناح الحزب الإيراني المعروف بـ”PJAK” (بجاك). ويمكن لتركيا أن تغضّ الطرف عن نشاط الأجنحة المعارضة لإيران داخل “بجاك” في سياق التنافس الإقليمي، واستخدامه ورقة ضغط ضد طهران، كما ستسعى الأخيرة التي دعمت في السنوات الأخيرة، سواء بشكل مباشر أو عبر المليشيات في العراق، حزب العمال التركي ومكَّنته من الاستمرار في القتال، إلى تشجيع الأجنحة الأكثر تطرفاً في الحزب لرفض إلقاء السلاح والاستمرار في العمل المسلح.

 

لكن هذا السيناريو يُنذِر بخطورة بالغة، إذ من الممكن أن تتحول المنطقة إلى مساحة رخوة أمنياً تستقطب مليشيات متصارعة من كل الاتجاهات بينها بقايا تنظيمات متطرفة إسلامية مثل “داعش” و”أنصار الإسلام” التي يمكنها الوصول والاستقرار في هذه المناطق.

 

السيناريو الرابع: استمرار الوجود الرمزي لحزب العمال تحت ستار السَّلام

يَفترِض هذا السيناريو بقاء حزب العمال حاضراً في المناطق الجبلية، حتى لو أُعلن رسمياً عن حلّه ونزع سلاحه. وقد عبَّر عدد من قادة الحزب عن تحفُّظهم على قرار الحلّ، ولوَّحوا بأنهم لن يلقوا السلاح بينما الجيش التركي على بُعد أمتار من مواقعهم. ووفقاً لهذا السيناريو، فإن مسلحي الحزب سيظلون في الجبال، دون خوض اشتباكات، بانتظار اتضاح مصير التسوية. ومن المحتمل أن يُسمَح لقادة بارزين بالبقاء هناك، كنوعٍ من “المنفى الاختياري” بديلاً عن العودة إلى تركيا، تجنُّباً للملاحقات والمواجهات المتوقعة.

 

ويرتبط تحقق هذا السيناريو، من عدمه، بمدى جدية الجانب التركي في التأسيس لقواعد تسوية دائمة، إذ من الممكن في حال حدوث أي انتكاسة على صعيد إجراءات التسوية على الأرض أن يعاد تفعيل العمل المسلح للأجنحة الباقية في قنديل، وهذا ما لا تريده تركيا التي ستعمل حسب إعلاناتها على حلول جذرية لهذه المسألة.

 

خلاصة واستنتاجات

لا يمكن الجزم بمآلات ما يمكن تسميته بـ “إقليم البككة”، لكن المؤكد أن هذه الرقعة الجغرافية – على رغم وعورتها – لن تبقى على هامش الجغرافيا السياسية، بل قد تتحوَّل إلى بؤرة اختبار حقيقي لإمكانية إنهاء أطول صراع مسلح في تاريخ تركيا الحديثة.

 

ويظل مستقبل هذه المنطقة مفتوحاً على احتمالات متعددة، تعكس تعقيدات الصراع التاريخي بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية، وتَداخُل النفوذ الإقليمي والعراقي الداخلي. ويعتمد المسار المطروح حتى الآن على القدرة على إيجاد تفاهُم سياسي وأمني متوازن بين بغداد وأربيل وأنقرة، يضمن إعادة دمج القرى الحدودية ضمن هياكل الدولة، ولكن تُشكِّل المخاطر المرتبطة بانتقال المخزونات العسكرية والأنفاق وتحوُّلات ولاءات المقاتلين تحدياً رئيساً لأي عملية تسوية، ما يستوجب آليات صارمة لنزع السلاح ومراقبة التنفيذ.

 

ويُمثِّل حلّ حزب العمال فرصة نادرة لانتقال المنطقة من حالة الصراع إلى حالة الاستقرار، شريطة تضافر جهود الدولة التركية والحكومة العراقية وحكومة الإقليم، بدعم دولي ملموس، وهو أمر غير مضمون حتى الآن.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M