رغم ما يحيط البيئة الدولية من غموض وتعقيد يتصل بطبيعة التفاعلات والأدوار التي تؤديها القوى الرئيسة في النظام الدولي، إلا أن أدوار القوى الطامحة أو غير القانعة الهادفة إلى ضرورة تعديل أنماط التفاعل متباينة في سلوكها حيال النظام، سواء أكان ذلك بهدف التأثير في النظام أو إعادة إدراك حركة المتغيرات، فالحدود التي تحاول الدول بلوغها متباينة، بسبب اختلاف المصالح وحجم القوة الذي ترغب بزيادته. فضلاً عن أن طبيعة التفاعل بين القوى الدولية الرئيسة في النظام الدولي تضمن إلى حد كبير مستوى من التفاهم الذي يمكّن هذه القوى من زيادة قوتها دون التأثير في أنماط التفاعلات القائمة بينها.
وبالاستناد إلى فرضيات التوازن في النظام الدولي، فإن الهيمنة كنمط للتفاعلات الدولية تستهدف انكار التوازن بين القوى، وتنتقل بدلاً عن ذلك إلى التوازن في المصالح كشكل للتفاعل يهدف إلى الحفاظ على وضع النظام القائم. إذ أن التوزان في المصالح يعزز من رغبة الدول في الإبقاء على وضع النظام لما فيه من استقرار وضمان لمكانة الدولة في سياق التفاعلات الدولية. رغم أن الاختلال في هذا النمط يتزايد بسبب الشعور المستمر بالتهديد مما يؤثر في إعادة تقييم المصالح ومحاولة تعديل أنماط التفاعل في النظام على نحو جديد.
تعزز حالة الفوضى التي يتسم بها النظام الدولي من الشعور بعدم اليقين، فعدم وجود سلطة عليا يمكن اللجوء اليها لإدارة وتسوية الأزمات بين الدول يزيد من هواجس الدول بالمخاطر والتهديدات، الأمر الذي يدفعها إلى زيادة القوة وتعزيز مكانتها في النظام الدولي لأجل ضمان بقاءها وحماية أمنها القومي. غير أن استراتيجيات التعامل مع هذه المسلمات تتباين بين خيارات التحالف والشراكة أو بناء القوة وفقاً لرؤية الدولة ومنظورها الاستراتيجي بخصوص الأمن القومي والتفاعلات الدولية.
ولغرض فهم الرؤية الصينية للتفاعلات الدولية فلابد من تقييم الاستراتيجيات التي تتبناها للتعامل مع حركة المتغيرات في النظام الدولي، فمن الناحية الشكلية تستهدف الصين إعادة تشكيل مكانتها في النظام على نحو جديد يضمن لها مستوى أكبر من التأثير يتناسب مع طبيعة المقومات التي تمتلكها وحجم التطور الذي تمكنت من تحقيقه خلال الأعوام التي تلت عام 2000.
ومن ثم فإن طبيعة الموارد التي حققتها الصين لزيادة تأثيرها اقتصادياً وتجارياً ضمن بنى النظام الدولي ستستهم في إعادة تقييم مكانتها وموقعها في التفاعلات الدولية، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الانفتاح الذي تتبناه الصين في استراتيجيتها والذي يعد بمثابة الحدود الجيوسياسية لتحديد النطاق الذي تؤدي فيه أدوارها الجديدة مع إعادة توصيف لشكل وطبيعة التفاعلات داخل النظام الدولي.