تقديم : –
عندما يشعر الإنسان بالحاجة إلى الأمن ، فهذا يدل أنه يعيش في حالة خوف، وهلع ، واضطراب فكرى .
فالأمن ينزع الشعور بالخوف والاضطراب والهلع لدى الإنسان فالشعور بالأمن الفكرى يشير إلى ان منظومة التفكير لدى الفرد والمجتمع تسير في الاتجاه الصحيح وفقاً لمبادئ وأهداف الإنسانية .
أي العمل والتنمية والإعمار والإنجاز والإبداع حيث أن الله عز وجل جعل الإنسان خليفة في الأرض من أجل تحقيق الأهداف السابقة لا التخريب أو نزع الأمن والأمان من البشر وإحساسهم بالخوف على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم ومجتمعهم .
والتمكن من التعليم الحقيقى المبنى على الحوار العقلانى ، والموضوعية في التفكير بالأدلة والحجج المنطقية ، وتحويل الأفكار والتصورات الذهنية إلى ممارسات فعلية منتجة ومثمرة على أرض الواقع يعد من أهم أدوات وتقنيات تحقيق الأمن الفكرى داخل أي مجتمع .
إذ لا يمكن أن يتحقق الأمن الفكرى داخل الفرد أو المجتمع أو العالم بدون الوعى والتعليم الحقيقى ، وأقصد بالتعليم الحقيقى هنا هو رسوخ قيم ومبادئ التعليم في الذهن كى يتحول إلى واقع وممارسات عملية سلمية . وليس التعليم التخريبى الذى يستخدمه أتباعه ومنتجيه في التدمير وقهر الأفراد وإرهابهم وشعورهم بالخوف والهلع.
نعم التعليم الحقيقى الذى يفتح الطريق للنقاش والتفاهم والحوار والمشاركة في عالم انسانى لكل الأفراد والجماعات والمجتمعات أدواراً فيه وممارسات وانجازات وأعمال ، وليس لفئات أو مجتمعات بعينها دون الأخرى .
فلم تخلق الأفراد ولا المجتمعات كى تتبع مجتمعات أخرى في التفكير والعمل والتنمية . وإنما خلقنا جميعاً من أجل التكاتف والعمل سوياً والتنمية العالمية والإقليمية والمحلية .
لهذا فالأمن الفكرى مرتبط بالتعليم الحقيقى الذى يؤتى ثماراً في أفراده وفى الممارسات داخل المجتمع . فليس بكافِ أن نطلق على أشخاص قادة ومثقفين ومبدعين في مجالات العلوم والطب والهندسة والتعليم والسياسة والفنون وغيرها ، ولكن تكتمل الصورة عندما نقول أنهم مبدعين في إنسانيتهم وتعاملاتهم ودافعيتهم للتنمية والانجاز والعمل وجذب جميع الأطراف في شراكات إنسانية دافعة للتطوير والتنمية لا للتنافسية والحروب واغتصاب حقوق المجتمعات ونزع الأمن والأمان لتحقيق مآرب ومصالح تتسم بالأنوية والنرجسية والهيمنة .
ولعل الباعث لكتابة هذا المؤلف هو أن العالم الآن بحاجة أكثر من أي وقت مضى للأمن بكافة أنماطه القومى والوطنى والمجتمعى والغذائى لاسيما الفكرى . إذ أن كاتبة هذه السطور على قناعة بأنه متى تحقق الأمن على مستوى الفكر والذهن ستتحقق كافة أنماط الأمن الأخرى على المستوى الوطنى والقومى والمجتمعى والغذائى والمائى وغيره ذلك لأن طريقة التفكير هي المحرك الأساس لتحقيق الأمن بمعايير إنسانية وقيمية .
والتعليم المستند إلى القيم والأخلاقيات الإنسانية في ممارسات فعلية وحوارات ونقاشات مستمرة وأنشطة اجتماعية وبيئية ، وتصحيح مستمر للمفاهيم المغلوطة يعد من أكثر المقومات لتحقيق الأمن الفكرى واعتدال الفكر الإنسانى الذى يتبعه سلوك بشرى بالمثل .
ومن ثم يقع الكتاب الحالي في ثمانية فصول رئيسة الفصل الأول يتناول الأصول التاريخية أو جينالوجية الأمن الفكرى ، والفصل الثانى يتناول منهجيات الأمن الفكرى في التعليم ، والفصل الثالث يعرض منهجيات التعليم في الأمن الفكرى ، والفصل الرابع يتناول فلسفة التعليم والأمن الفكرى ، والفصل الخامس يتناول سيكولوجية الأمن الفكرى ، والفصل السادس يعرض سوسيولوجيا الأمن الفكرى ، والفصل السابع يتناول الجغرافيا السياسية أو جيوسياسية الأمن الفكرى، والفصل الأخير يتناول زمانية الأمن الفكرى الماضى والحاضر والمستقبل .
وقد اهتمت الكاتبة بتراتبية التسلسل المنطقى للأفكار لفصول الكتاب من أجل شحذ ذهن القارئ بأهمية تناول الأبعاد المختلفة المؤثرة على الأمن الفكرى في التعليم .