- خلّفت المواجهة العسكرية بين طهران وتل أبيب مناخًا مُختلفًا عن ذلك الذي كان يدفع كُلًّا من طهران وواشنطن نحو ضرورة إجراء المفاوضات المُكثَّفة، كما أدّت تلك المواجهة والواقع الجديد الناجم عنها إلى بلورة مطالب وتوقُّعات جديدة لدى مختلف الأطراف تختلف جوهريًّا عن تلك المطالب التي كانت ترسم الإطار العام لطاولة المفاوضات النووية في هيئتها التقليدية.
- قد تؤدي الفجوة بين الموقفين الأمريكي والإيراني تجاه أجندة المفاوضات إلى جمود في المفاوضات حتى العثور على أرضية مشتركة.
- من غير المرجح عودة الجانبين الإيراني والأمريكي بشكلٍ سريعٍ إلى طاولة المفاوضات، في مرحلةٍ تكاد تكون “انتقالية” بين واقعٍ تقليديّ نشأت على أساسه المفاوضات النووية وواقعٍ جديد أنتجته المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل في يونيو الماضي، وخرجت فيه هذه المفاوضات من قائمة الضرورات الملحّة والأولويّات.
- خلال هذه الفترة الانتقالية، من المرجّح أنْ تعمل طهران على العودة إلى العتبة النووية، أو على الأقل، إعادة الاعتبار لمفاهيم تعود إلى زمن العتبة النووية. لكنّها في الحين ذاته، ستكون أمام معضلة “آلية الزناد” التي يرى الأوروبيون أنفسهم مضطرين إلى تفعيلها قبل نهاية أغسطس؛ ما يفتح الملف النووي الإيراني على احتمالات جديدة.
لا تزال المفاوضات النووية تُشكِّل المحرك الأهمّ الذي يدفع السياسة الخارجية الإيرانية، ويرسم معالمها، وتوجهاتها الرئيسة. غير أنّ التطورات التي رسمت معالم المشهد السياسي الإيراني غداة حرب الاثني عشر يومًا، تعمل على إقصاء خيار الانخراط في المفاوضات حول البرنامج النووي لفترة غير محددة من الزمن. وعلى الرغم من إرادة الجهاز الدبلوماسي لحكومة الرئيس مسعود بزشكيان بمواصلة الحوار النووي، إلّا أن المواجهة العسكرية بين طهران وتل أبيب خلّفت مناخًا مُختلفًا عن ذلك الذي كان يدفع كُلًّا من طهران وواشنطن نحو ضرورة إجراء المفاوضات المُكثَّفة، كما أدّت تلك المواجهة والواقع الجديد الناجم عنها إلى بلورة مطالب وتوقُّعات جديدة لدى مُختلف الأطراف، تختلف جوهريًّا عن تلك المطالب التي كانت ترسم الإطار العام لطاولة المفاوضات النووية في هيئتها التقليدية.
طهران وواشنطن تبدوان غير مكترثتين بإجراء المفاوضات على نحو السُّرعة
لن تخرج المفاوضات النووية على الأغلب من صميم مشهد سياسة إيران الخارجية في الفترة القادمة، وستلقي بظلالها على طبيعة القرارات الإيرانية سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي، خصوصًا في ضوء حكومة بزشكيان التي رفعت منذ تشكيلها في أغسطس من العام الفائت شعار فضّ الخلافات مع المجتمع الدولي والانخراط في مفاوضات حول الملف النووي، بل اختارت وجوهًا معروفة بميولها نحو المفاوضات لقيادة دفتها الدبلوماسية. لكنّ الاعتقاد بإقصاء خيار العودة إلى طاولة “المفاوضات النووية” خلال هذه المرحلة يأتي نتيجة قناعات صاعدة على الجانبين الأمريكي والإيراني، تختلف عن تلك القناعات التي كانت قد دفعتهما قبل عدة أشهر إلى الانخراط في مفاوضات مكثفة.
وعلى الرغم من أن الرئيس دونالد ترمب أعلن غداة الهجوم على المنشآت النووية الإيراني في 22 يونيو الماضي، أنّ واشنطن مستعدة للعودة إلى المفاوضات مع إيران فإنّ المواقف التي صدرت بعد ذلك عن الإدارة الأمريكية، وعن شخص الرئيس ترمب، أظهرت أنّ واشنطن دخلت مرحلة عدم الاكتراث بالمفاوضات النووية مع الجانب الإيراني، أو على الأقل عدم الاقتناع بضرورة العودة السريعة إلى طاولة المفاوضات.
ولعلّ أول أسباب عدم الاكتراث الأمريكي بالعودة السريعة إلى المفاوضات، يأتي من منطلق قناعة أمريكية بأنّ الهجمات التي استخدمت فيها واشنطن طائرات (B2) الاستراتيجية، واستهدفت على وجه التحديد منشأة “فوردو” المركزية في البرنامج النووي الإيراني بقنابل (GBU-57)، أدّت إلى تحييدٍ مُؤثّرٍ للبرنامج النووي، وإعادته إلى الوراء لفترة طويلة من الزمن، إنْ لم نقل إنّها قضت على المشروع بالكامل. ورغم التّشكيك الذي أبدته الصحافة الأمريكية والأطراف الأوروبية بخصوص هذه الرؤية فإنّ الرئيس ترمب وإدارته ظلوا متمسكين بها حتى الآن، لتتمخض عن ذلك قناعة بأنّ المفاوضات النووية أصبحت من دون موضوع، بعد القضاء على البرنامج النووي الإيراني بالحل العسكري، خصوصًا أنّ وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي كان قد أكّد في أكثر من موقف قضاء الهجمات على البرنامج النووي لبلاده؛ ففي ظل التخلُّص من هذا البرنامج الذي كان محور المفاوضات ومُحرّكها الأساسي لن يكون للحوار جدوى أو ضرورة تحُثّ الإدارة الأمريكية على القيام به أو وضعه على لائحة الأولويّات.
وحتّى على افتراض أنّ الهجمات الأمريكية والإسرائيلية لم تؤدِّ إلى تدميرٍ كاملٍ للبرنامج النووي الإيراني فإن هناك ما يُشبه الإجماع على أنّ “زمن الهروب النووي”، الذي يعني المهلة التي تفصل إيران عن الحصول على القنبلة النووية، قد زاد بشكلٍ يسمح بإدارة المفاوضات بعقلٍ بارد من دون استعجال؛ ما يعني خروج البرنامج النووي الإيراني عمومًا من حالة الفوريّة التي كان يحتلُّها في الأجندة الأمريكية والأوروبية، إذْ كانت هواجس “البرنامج النووي الإيراني المُتطوّر والواسع” تدفع الأطراف الدولية نحو التفاوض حوله لإيجاد معالجة دبلوماسية توقف البرنامج أو تضعه ضمن أطر دوليّة شفافة. وكانت الأطراف الدولية تُقدّر “زمن الهروب النووي” بنحو بضعة أيام؛ وهو ما كان يشكّل الدافع الأساسي وراء الإسراع في إجراء مفاوضات مكثفة من أجل التوصل إلى معالجة دبلوماسية تُبعِد إيران عن العتبة النووية التي كان يعتقد الجميع أنّ طهران بلغتها. لكنّ الهجوم الذي استهدف المنشآت النووية الإيرانية بوجه عام، ومنشأة “فوردو” المحصنة تحت الأرض تحديدًا، أخرج البرنامج النووي من مرحلة العيش على العتبة النووية من خلال المعالجة العسكرية، وأنهى الحاجة إلى الانخراط السريع في مفاوضات مكثفة.
وكان من نتائج حرب الاثني عشر يومًا أنها دعمت موقف “الصقور” المطالبين بالمواجهة الصلبة مع النظام الإيراني في الإدارة الأمريكية، على حساب الحمائم الذين يفضلون المسار الدبلوماسي لفضّ العقدة الإيرانية، خاصّة بعد انكشاف الأجواء الإيرانية بالكامل أمام القوات الجوية الإسرائيلية والأمريكية. ويعمل هذا الوضع الجديد إلى جانب السببين المذكورين قبله، على دفع الإدارة الأمريكية نحو تبني خيار “عدم الاكتراث” حيال مسألة العودة أو العودة السريعة على الأقل إلى طاولة المفاوضات النووية مع إيران.
وعلى الصعيد الإيراني أيضًا، أنتجت حرب الاثني عشر يومًا وضعًا مُتصلِّبًا في المشهد السياسي الإيراني حيال المفاوضات النووية، والعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية. ونتيجة لهذا الوضع المتصلّب الجديد، لا تُبدي إيران حماسًا للعودة إلى طاولة المفاوضات، ولكنّ عدم الاكتراث الإيراني من منطلقات مختلفة؛ إذ أدّت المواجهة العسكرية إلى استفحال الخطاب المتشدّد من جديد، وهيمنته على المشهد السياسي الإيراني. وكانت حكومة الرئيس الإصلاحي مسعود بزشكيان قد أخذت من القائد الإيراني الأعلى على مضض، تفويضًا بصلاحيات هشّة لإجراء مفاوضات نووية غير مباشرة مع واشنطن، بعد أنْ كان مكتب القائد الأعلى، ومؤسسات الدولة العميقة التي يهمين عليها المتشدّدون، يُبدون رفضًا لفكرة المفاوضات مع الولايات المتحدة. لكنّ المواجهة العسكرية بين طهران وتل أبيب أدّت إلى تراجع الخيارات الدبلوماسية التي اعتمدتها الحكومة، مقابل صعود الخطاب المتشدّد الذي يرفض بشكل واضح خيار الانخراط في المفاوضات، ويعتبرها تراجعًا عن مبادئ الثورة، داعيًا إلى اعتماد خطّ تصعيدي، مآلُه اعتراف المجتمع الدولي بقدرات إيران النووية، وإعادة ضبط منظومة الردع الاستراتيجي الإيراني التي أصبحت تعاني من عطب كبير بعد الهجمات الإسرائيلية. وبهذا الخصوص، يُمكن الإشارة إلى عودة القائد الأعلى إلى إصدار المواقف الرافضة للمفاوضات، وعودة البرلمان إلى اعتماد خطوات تصعيدية جديدة من خلال إقرار مشروع وقف التعاون مع “الوكالة الدولة للطاقة الذرية”، وطرد مفتشيها، والتلميح بالانسحاب في المرحلة التالية من “معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية”.
غير أنّ الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة إلى المنشآت النووية الإيرانية، أدّت إلى نشوء وعي جديد لدى صانع القرار الإيراني من شأنه أنْ يعزز خيار عدم الاكتراث بفكرة المفاوضات أو تأجيلها حتى إشعار آخر؛ فقد أدت الهجمات من خلال تدمير منشآت البرنامج النووي، أو على الأقلّ، تأخير البرنامج لفترة غير محددة، إلى تشكيل وعي لدى صُنّاع القرار في طهران بأنّ المفاوضات حول البرنامج النووي لن تكون واردةً، وأنّ الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين باتوا أقرب إلى تبني مفاوضات شاملة، تتضمّن بحث كافّة الملفات الخلافية، بما فيها البرنامج الإيراني للصواريخ والمُسيَّرات، وهو ما يرفضه صانع القرار السياسي في إيران حتى الآن.
وقد تؤدي هذه الفجوة المتوافرة بين “لائين” (إذ تعتمد واشنطن مبدأ “لا للمفاوضات التي تقتصر على البرنامج النووي” وتعتمد طهران مبدأ “لا للمفاوضات الشاملة التي تتضمن الملفات الأخرى”) إلى سكتة في المفاوضات، حتى حين العثور على أرضية مشتركة. وتحاول طهران سدّ الفجوة، والعودة إلى الأرضية السابقة التي انطلقت على أساسها المفاوضات النووية، وذلك من خلال خطوات تُعيد الحياة، والجدوى إلى البرنامج النووي. وفي هذا السياق يأتي التركيز على المخزون الذي كانت تمتلكه طهران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة، والذي أصبح مصيره مجهولًا بعد الهجمات الأمريكية/الإسرائيلية؛ إذْ تحاول إيران التأكيد على وجوده في مكان آمن من أجل استخدامه ليكون منطلقًا يضيف جدوىً إلى أية مفاوضات تقتصر على البرنامج النووي. ولا تكتفي طهران بذلك فحسب، وإنما تعتمد خطوات تصعيدية تتمثّل في وقف التعاون مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” من أجل تعتيم المشهد النووي الإيراني، وإضفاء مزيدٍ من الغموض عليه. كما تسعى الدولة العميقة في إيران، من خلال وسائلها الإعلامية المقربة إلى الترويج لفكرة أنها تمتلك مواقع سرّية لتخصيب اليورانيوم، لا تقل أهميّةً عن تلك التي دمّرتها الهجمات الأمريكية/الإسرائيلية. وتستهدف كل تلك الخطوات سدّ الفجوة بين اللائين، وإعادة المشهد إلى سياقاته التقليدية، حيث ثمّة جدوى حقيقية لمفاوضاتٍ تقتصرُ على الملف النووي. لكنّ هذه الخطوات تتطلّب وقتًا حتى تُؤتي ثمارها المرجوّة، ولن ترغب إيران خلال هذا الوقت بالعودة إلى المفاوضات لأنّ عودتها سوف تعني الجلوس بيدين فارغتين، في طاولة مفاوضاتٍ تأخُذ منها أكثرَ ممّا تُعطيها.
وهناك مسألة جانبيّة أُخرى تُعزّز توجُّه طهران إلى تأجيل الانخراط في المفاوضات مع واشنطن؛ إذْ في المرحلة الراهنة، ترى طهران أنّ الضرورة الملحة هي لعقد مفاوضات مع الثلاثي الأوروبي من أجل معالجة إشكاليّة “آلية الزناد” التي يتضمنها الاتفاق النووي؛ فالآلية التي بات يُؤكّد الأوروبيون أنّهم مُصمّمون على استخدامها في فرصة لا تتجاوز نهاية أغسطس القادم، باتت أكثر أهمية في نظر صانع القرار الإيراني من طاولة المفاوضات النووية نفسها، لأن من شأن تفعيل “آلية الزناد” أن يُطيح بكل المكتسبات التي قد تتضمنها المفاوضات النووية، ويعيد الملف النووي الإيراني برمّته إلى نقطة الصفر التي انطلقت منها المفاوضات قبل نحو عقدين من الزمان. وفي حين يعيش الاتفاق النووي الذي أبرمته إيران مع “مجموعة 5+1” حالة الاحتضار منذ عدة أعوام، غداة انسحاب واشنطن منه في مايو 2018، فإن هذا الجسد المحتضر قد وفّر إلى الآن، حاضنةً لعقد مفاوضاتٍ حول البرنامج النووي الإيراني. لكنّ تفعيل “آلية الزناد” سيعني القضاء على هذا الاتفاق المحتضر، ليفتقر الحوار على البرنامج النووي بعدها إلى أيّ قاعدة قانونيّة متاحة، تكون ركيزةً يستند عليها المفاوضون. هذا فضلًا عن أنّ تفعيل “آلية الزناد” التي يرى الأوروبيون أنفسهم مرغمين على تفعيلها من أجل ضمان دور لهم في معالجة الهاجس الإيراني، يعني خضوع إيران إلى عقوبات دولية، قد لا يكون الاقتصاد الإيراني المرهق أساسًا بفعل العقوبات الأمريكية قادرًا على تحمّلها. واستنادًا إلى ذلك، يرى صانع القرار الإيراني أنّ الأولوية القصوى في اللحظة الراهنة هي التوصُّل إلى معالجة/توافق مع المجموعة الأوروبية حول “آلية الزناد”، تضمن للأوروبيين حصيلةً ملموسة، وتُجنِّب إيران خطر العودة إلى العقوبات الدوليّة، كما تُحافظ على حياة الاتفاق النووي باعتباره البنية المتوفرة التي لا يمكن لأية مفاوضات أنْ تجرى إلّا بالاستناد إليها.
وتعمل هذه الأسباب مجتمعة على تعزيز حالة عدم الاكتراث حيال العودة إلى طاولة المفاوضات مع واشنطن في المشهد السياسي الإيراني، وتدعم احتمال تأجيل المفاوضات، سواء جاءت في سياق مفاوضات شاملة، أو حتى في سياق مفاوضات تقتصر على البرنامج النووي.
الحصيلة: مفاوضات مُؤجّلة بانتظار نشوء واقعٍ جديد
لم يعُد مُرجّحًا توقُّع عودة الجانبين الإيراني والأمريكي بشكلٍ سريعٍ إلى طاولة المفاوضات، في مرحلةٍ تكاد تكون “مرحلة انتقالية” بين واقعٍ تقليديّ نشأت على أساسه المفاوضات النووية باعتبارها مفاوضاتٍ ذات جدوى حول ملف ساخن، وواقعٍ جديد أنتجته المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل في يونيو الماضي، وخرجت فيه هذه المفاوضات من قائمة الضرورات الملحّة والأولويّات. وتُحاول الولايات المتحدة اليوم تكريس هذا الواقع الجديد بما يتناسب مع فكرة المفاوضات الشاملة، بداعي أنّ المفاوضات النووية باتت غير ذات جدوى، بعد القضاء على موضوعها النووي، أو تأجيله إلى فترة غير محددة. وتسعى طهران من خلال عدة خطوات – تصعيدية – إلى إعادة الاعتبار إلى البرنامج النووي، أملًا في أن تقتصر أيّة مفاوضات قادمة على الملف النووي، باعتبارها مفاوضات مجدية، وذات معنى.
وخلال هذه الفترة الانتقالية، من المرجّح أنْ تعمل طهران على العودة إلى العتبة النووية، أو على الأقل، إعادة الاعتبار لمفاهيم تعود إلى زمن العتبة النووية. لكنّها في الحين ذاته، ستكون أمام معضلة “آلية الزناد” التي يرى الأوروبيون أنفسهم مضطرين إلى تفعيلها قبل نهاية أغسطس. وترى إيران أنّها مضطرة إلى التوصُّل إلى صيغة تفاهم مع أوروبا للحفاظ على هذه الآلية من دون تفعيلها. ويعني ذلك أنّنا أمام فترة انتقالية، يسودُ فيها عدم اكتراث الجانبين الإيراني والأمريكي بالعودة إلى طاولة مفاوضاتهما، كما يسودُ فيها الحوار بين طهران والثلاثي الأوروبي حول مصير “آلية الزناد”. ويكون الملف النووي الإيراني خلالها منكشفًا على عدة احتمالات:
الاحتمال الأول: هو أنْ يقرر الجانبان، الإيراني والأمريكي العودة الفوريّة إلى طاولة المفاوضات؛ لكن هذا الاحتمال سيكون مستبعدًا خلال الفترة الانتقالية، والتي ستسبق سدّ الفجوة بين الرؤية الأمريكية التي تعتبر المفاوضات النووية غير ذات جدوى، بعد القضاء على البرنامج النووي الإيراني، وتدعو إلى مفاوضات شاملة، والرؤية الإيرانية التي ترفض فكرة المفاوضات الشاملة، وتعمل على إعادة الاعتبار إلى برنامجها النووي، لجعل المفاوضات النووية ذات معنى. ولن يكون خيار العودة إلى المفاوضات في المرحلة الراهنة واردًا إلّا إذا افترضنا أنْ تقبل إيران بخيار المفاوضات الشاملة، وهو خيارٌ غير واردٍ حتى الآن، أو لا مؤشّرات حقيقيّة تدعمه.
الاحتمال الثاني: أنْ تفشل المفاوضات بين طهران والثلاثي الأوروبي حول “آلية الزناد”. ومن منطلق هذا الاحتمال، ستكون الفترة القادمة فترة العودة إلى زمن العقوبات الدولية، وانهيار الاتفاق النووي باعتباره حاضنة لأية مفاوضات ممكنة حول الملف النووي الإيراني. وفي حال عودة العقوبات الدولية، وعودة إيران إلى الفصل السابع من منشور الأمم المتحدة، وانهيار الاتفاق النووي الذي كان يمثل الإجماع الدولي فإن مسار أية مفاوضات بين طهران والولايات المتحدة سيكون مُعقّدا للغاية، وسيستغرق وقتًا طويلًا، إنْ لم يؤدِّ الأمر إلى واقع جديد كليًّا، مثل تطبيق أجندة تغيير النظام في إيران، سواءً كان ذلك نتيجة اضطرابات اجتماعية/سياسية ناجمة عن الوضع الاقتصادي المتردي، أم عبر استئناف الهجمات الإسرائيلية والأمريكية. وفي هذا السياق أيضًا، يبقى من الممكن نظريًّا على الأقلّ، أنْ تُبادر طهران إلى خطوةٍ نوويّة تدخلها نادي القوى النووية، وإنْ على حساب اقتصادها، كما هو الحال مع كوريا الشمالية.
الاحتمال الثالث: أنْ تتوصّل إيران والأطراف الأوروبية إلى توافقٍ يقضي بتمديدِ فاعليّة “آلية الزناد”؛ وذلك بُغية المحافظة على الاتفاق النووي لعام 2015، باعتباره الحاضنة القانونيّة، والواقعيّة لأيّة مفاوضات بين إيران والمجتمع الدولي. وبغضّ النظر عن نتائج تلك المفاوضات التي ستكون هي الأخرى متأرجحة بين خيار المفاوضات الشاملة، وخيار العودة إلى المفاوضات النووية التقليدية، فإنّ ذلك يعني أنّنا خلال الشّهر القادم، سنكون أمام مفاوضات إيرانية – أوروبية، وليس أمام مفاوضات إيرانية – أمريكية يُرجَّحُ أنّه سيتم تأجيلُها إلى ما بعد ذلك.