- يبدو أن إدارة ترامب تُبقي على الغموض بخصوص موقفها النهائي من الاتفاق الذي أبرمته إدارة الرئيس بايدن عام 2024 مع الحكومة العراقية بخصوص الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من العراق.
- مع أن الاتفاق نص على الانتقال إلى “شراكة أمنية دائمة بين العراق والولايات المتحدة”، إلا أنه حتى الآن لم يتم تفسير طبيعة وآليات وحدود وتوقيتات الانتقال إلى هذه الشراكة بين البلدين.
- تنظر المليشيات الموالية لإيران بعين الشك إلى مسألة الانسحاب الأمريكي، وبخاصة مع التهديدات الأمريكية ضدها، ورفض واشنطن تمرير قانون “الحشد الشعبي” في البرلمان.
- ترتبط قضية الانسحاب الأمريكي بتحديات كبيرة، منها احتمالات تجدد المواجهة العسكرية الإسرائيلية والأمريكية مع إيران، والحفاظ على أمن إقليم كردستان أمام هجمات المليشيات، بالإضافة إلى تحدي عودة تنظيم “داعش”.
- من المرجح تقليص عديد القوات الأمريكية في قاعدة “عين الأسد”، وإعادة انتشارها في قاعدتي “حرير” في إقليم كردستان و”التنف” في سوريا، وتغيير مهام هذه القوات بانتظار التوصل إلى تعريف شامل لطبيعة “الشراكة الأمنية” المستقبلية بين بغداد وواشنطن.
لم تُعلن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن موقف واضح تجاه الاتفاق الذي أبرمته إدارة الرئيس السابق جو بايدن مع الحكومة العراقية في سبتمبر 2024، والذي تضمن جداول زمنية لانسحاب القوات الأمريكية بشكل تدريجي من العراق، مع أن عمليات إعادة الانتشار وتبديل القوات تتواصل فعلياً على الأرض، متزامنةً مع تصعيد واشنطن لهجتها ضد المليشيات المسلحة التي تعد الرابح الأكبر من الانسحاب الأمريكي. وفي ضوء تداعيات الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل، تتعدد القراءات والسيناريوهات لشكل الانسحاب الأمريكي، ودور واشنطن في العراق خلال المرحلة المقبلة.
هل بدأ الانسحاب الأمريكي؟
في سبتمبر 2024 أعلن وزير الدفاع العراقي التوصل إلى جدول زمني للانسحاب الأمريكي من العراق على مرحلتين، تتضمن الأولى إكمال الانسحاب من قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار في سبتمبر 2025، فيما تشمل الثانية إكمال الانسحاب من قاعدة حرير في إقليم كردستان في الشهر نفسه من عام 2026، وهو الجدول الذي أكدته وزارة الدفاع الأمريكية في 27 سبتمبر 2024.
ورغم أن إدارة الرئيس ترامب لم تعلّق على هذا الاتفاق الذي أُبرم في عهد إدارة بايدن، فإن إجراءات الانسحاب تواصلت في قاعدة “عين الأسد”، بحسب المسؤولين العراقيين الذين يؤكدون استلام الجيش العراقي مناطق واسعة في القاعدة التي تبلغ مساحتها نحو ثلاثة كلومترات مربعة، بالإضافة إلى استلام معدات ومسؤوليات أمريكية لإدارة القاعدة مع اقتراب موعد التسليم النهائي. لكن ذلك لا يكشف الغموض حول طبيعة التحركات العسكرية الأمريكية الفعلية، خصوصاً مع تسريب معلومات من مصادر عسكرية أمريكية عن استبدال القوات السابقة الموجودة في القاعدة، والتي كانت مخصصة لتدريب قوات الجيش العراقي، بأخرى من وحدات النخبة القتالية.
واللافت للنظر أن موقف الحكومة العراقية قد انتقل تدريجياً من الاحتفاء بهذا الاتفاق، بل محاولة تسويقه كمنجز حكومي لاحتواء الضغوط الإيرانية والمليشياوية، إلى التريث في قراءة نتائجه خصوصاً بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا وعودة المخاوف من انتعاش تنظيم “داعش”، وانفجار الحرب الإسرائيلية-الإيرانية، فقد كان للوجود العسكري الأمريكي دور أساسي في منع إسرائيل من نقل هجماتها إلى داخل الأراضي العراقية. وفي الفترة الأخيرة ظهرت رغبة في تمديد وجود هذه القوات لدى بعض قوى “الإطار التنسيقي” التي كانت تخشى من تمدد الحالة السورية إلى المناطق السنية في العراق أو التي تبحث عن صفقة تمكّنها من الانسجام مع وضع محلي وإقليمي جديد ليس لإيران اليد الطولى فيه.
والملاحظ حتى الآن أن الإدارة الأمريكية لا تتواصل بشكل فاعل مع الحكومة العراقية حول مراجعة اتفاق الانسحاب أو الترتيبات الأمنية لما بعد ذلك، في ضوء الاضطرابات الإقليمية الأخيرة. وكان متوقعاً أن تحدد الإدارة الأمريكية موعداً لزيارة جديدة لرئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني إلى واشنطن لبحث هذه القضايا، لكن المعلومات حتى الآن تشير إلى عدم تحديد موعد للزيارة رغم الطلبات العراقية العديدة المقدمة منذ بداية العام.
ومؤخراً هددت مليشيا “كتائب حزب الله”، الأكثر التصاقاً بالقرار الإيراني، الحكومة والقوات الأمريكية في حال عدم الالتزام بجدول الانسحاب المعلن. ويبدو أن عدم وجود تأكيدات أمريكية واضحة حول إكمال عملية الانسحاب الأمريكي من قاعدة “عين الأسد” ثم من إقليم كردستان وفق الجداول المعلنة، يرتبط بالظروف والتحديات الإقليمية المعقدة، والأولويات التي انشغلت بها تلك الإدارة منذ توليها السلطة بداية العام الحالي، لكن الباب لا يزال مفتوحاً كما يبدو لإجراء مراجعات وتقديم توضيحات حول هذا الموضوع تستند إلى بعض النقاط التي استمرت غامضة طوال الفترة الماضية، من بينها:
- استخدام المخاطبات والبيانات الرسمية الأمريكية مصطلح “انتهاء مهمة التحالف الدولي لمحاربة داعش”، في الإشارة إلى عمل اللجان العسكرية وجداول تسليم المهمات، وهو ما أعلنه أيضاً رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، من دون توضيح ما إذا كان هذا المصطلح يعني بشكل صريح انسحاب القوات الأمريكية تحديداً أم إنهاء مهمة التحالف الدولي ضد داعش، والذي يضم بدوره دولاً مختلفة. في حين أن استخدام مصطلح “التحالف الدولي” في لقاء السوداني مع الرئيس الأمريكي جو بايدن بواشنطن في أبريل 2024، ارتبط بإشارة إلى انتقال العلاقة بين العراق والولايات المتحدة إلى الشراكة الأمنية الثنائية الدائمة، بالنص على أن “الرئيسين سيراجعان متى وكيف ستنتهي مهمة التحالف الدولي في العراق، والانتقال بطريقة منظمة إلى شراكات أمنية ثنائية دائمة، وفقاً للدستور العراقي واتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة”.
- خلال الشهور التي أعقبت زيارة السوداني إلى واشنطن، واجتماعات اللجان العسكرية المشتركة، لم يُجرَ الإعلان عن آليات وطبيعة وتوقيت الانتقال إلى “الشراكة الأمنية الدائمة” رغم إعلانها عن مواعيد إنهاء مهام قوات التحالف، فيما لم يتم -منذ مجيئ الرئيس ترامب- الحديث عن مقتضى وحدود “الشراكة”، ونوع القوات الأمريكية التي ستكون موجودة في العراق لضمان تنفيذها، وأيضاً طبيعة القوات المتبقية حالياً التي كانت مهماتها تتعلق بتدريب وتأهيل قوات الجيش والشرطة المحلية.
- في نوفمبر 2024 أعلن الزعيم الكردي مسعود بارزاني رفض إقليم كردستان الصريح انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وهذا الموقف تصاعدت حدته بعد الحرب الإسرائيلية-الإيرانية في الفترة 13-24 يونيو، وتعرض الإقليم لسلسلة من الهجمات بالطائرات المسيرة المشتبه بها فصائل موالية لإيران. لكن حكومة الإقليم لم توضح بشكل رسمي حتى الآن موقفها من إعلان انسحاب القوات الأمريكية من قاعدة “الحرير” المقرر في سبتمبر 2026، فهل السبب أن الوقت مازال مبكراً لذلك، أم لوجود اتفاق مسبق حول إمكانية طلب حكومة الإقليم استمرار الوجود الأمريكي في قاعدة الحرير بمعزل عن اتفاق بغداد مع واشنطن؟
- يبلغ عديد القوات الأمريكية في العراق نحو 2500 مقاتل يتمركز معظمهم في قاعدتي “عين الأسد” و”حرير”، فيما تتمركز بعض القوات الأمريكية في قاعدة “فكتوريا” قرب مطار بغداد، بهدف تأمين حركة النقل من وإلى السفارة الأمريكية ومعظم السفارات الغربية الأخرى، بالإضافة إلى قوات أخرى ضمن “قيادة العمليات المشتركة” في المنطقة الخضراء تشرف على حماية السفارة الأمريكية من خلال منصات الدفاع الجوي، ولم يتم الإشارة في الاتفاق الأمريكي-العراقي إلى مصير هذه القوات.
المليشيات وإعادة التمركز الإيراني
تنظر المليشيات العراقية الأكثر قرباً من إيران إلى التحركات العسكرية الأمريكية الأخيرة، حتى تلك التي تشير إلى تقليص عدد الجنود الأمريكيين في القواعد العسكرية، بعين الريبة، خصوصاً أن هذه المليشيات تخشى من وجود مخططات أمريكية-إسرائيلية لتصفية قادتها وضرب مفاصل قوتها. لكن المخاوف الأبرز التي تشغل المليشيات العراقية حالياً تتعلق باحتمال تعرضها لانقلاب من حلفائها الشيعة بضغط أمريكي أو بمباركة من شخصيات مؤثرة، مثل المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
وكان لافتاً للنظر أخيراً أن تتحرك الإدارة الأمريكية بشكل فعّال وغير مسبوق لمنع إقرار قانون “الحشد الشعبي” في مجلس النواب العراقي، الذي تعتمد عليه المليشيات كغطاء قانوني يوفر لها الحماية المطلوبة للمرحلة المقبلة، ولم يكن التحرك الأمريكي مقتصراً على الرسائل الدبلوماسية، فقد أعلنت السفارة الأمريكية بشكل رسمي رفضها للقانون، كما حذّر منه وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في اتصال مع رئيس الحكومة العراقي محمد شياع السوداني، قائلاً إن القانون سيؤدي إلى “ترسيخ النفوذ الإيراني والجماعات المسلحة الإرهابية التي تقوض سيادة العراق”.
واللهجة الأمريكية المتصاعدة ضد المليشيات و”الحشد الشعبي” تتزامن مع نبرة احتجاج كبيرة انفجرت في وسائل الإعلام العراقية ووسائل التواصل الاجتماعي ضد المليشيات في العراق بسبب أعمالها المنتهكة للقانون والموجهة ضد الناس، فقد تم الكشف أخيراً عن سلسلة من الوثائق التي تدين “كتائب حزب الله” وقياداتها باغتيال الباحث هشام الهاشمي عام 2020. كما وقع في مديرية الزراعة بمنطقة الدورة شمالي بغداد في 27 يوليو، اشتباكٌ مسلح بين مليشيا كتائب حزب الله والقوات الأمنية العراقية أدى إلى مقتل مدني ورجل شرطة، والذي نشب بعد تدخل المليشيا لمنع تولي مدير المؤسسة المعين حديثاً وفرض استمرار المدير السابق المسؤول، بحسب تأكيدات رسمية وتقارير إعلامية، عن نقل ملكية غير قانوني لمساحات زراعية شاسعة في حزام بغداد إلى شركات تابعة للمليشيا وأحزاب سياسية مختلفة خلال الأعوام الماضية.
وأدى تتالي الأعمال غير القانونية للميلشيات إلى زيادة الضغط الداخلي والخارجي على الحكومة لحل الميليشيات ونزع سلاحها، وهو ما دفع السوداني إلى التصريح بأنه “لا أحد فوق القانون، ولا أحد يمكن أن يحل محل الدولة”، وأن “حصر السلاح بيد الدولة أصبح ركيزة أساسية لدولة قوية وذات هيبة”.
وهذا التطور يعكس انقساماً سياسياً بدأ يتصاعد داخل قوى “الإطار التنسيقي” الشيعية والمليشيات المرتبطة بها قبيل انتخابات برلمانية ستكون مفصلية في تحديد وزن كل طرف في الحكومة المقبلة التي يسعى رئيس الوزراء محمد شياع السوداني والقوى الحليفة له انتخابياً إلى نيل ولايتها الثانية، وهم يستعينون بخطاب “الدولة” ضد القوى الخارجة على الدولة من أجل تحقيق هذا الهدف.
ومن جهة أخرى، فإن الضغوط السياسية والأمنية والاقتصادية الأمريكية المتواصلة على قوى الإطار والفصائل المسلحة والممثليات الاقتصادية المرتبطة بها، من خلال سلسلة العقوبات والتهديد بالتدخل العسكري المباشر، والضغوط المقابلة التي تتعرض لها من طرف إيران لجرها إلى الانخراط الكامل في المواجهة التي مازالت محتملة مع إسرائيل وأمريكا، عمّقت الانقسام السياسي والمليشياوي الذي قد يعبّر عن نفسه بشكل أكثر حدة خلال المرحلة المقبلة.
ويلاحظ أنه برغم الانتقاد الشعبي والرسمي الذي واجهته المليشيات المقربة من إيران أخيراً، فإن نشاطها الذي ركز منذ نهاية الحرب الإسرائيلية-الإيرانية على قصف منظومات رادار الجيش وحقول نفط إقليم كردستان لم يتوقف، فقد أعلنت حكومة إقليم كردستان عن تواصل الهجمات بطائرات مسيرة، فيما أكد رئيس الوزراء العراقي إحباط هجمات من داخل الأراضي العراقية ضد إسرائيل.
إن سعي طهران إلى تثبيت نقطة تمركزها أمنياً وسياسياً واقتصادياً في العراق ما بعد الحرب، ظهر واضحاً من خلال زيارات معلنة وسرية مستمرة قامت بها قيادات في الحرس الثوري وأخرى حكومية استهدفت -بحسب المصادر- ضبط إيقاع المليشيات والقوى السياسية الشيعية ومنع انفراطها تحت الضغط الأمريكي، بما في ذلك فرض إقرار قانون “الحشد الشعبي” قبل نهاية الدورة البرلمانية الحالية، والاستمرار في ربط معادلة الحكم العراقية وتوازنات الحكومة والبرلمان الحاليَّين والمقبلين، وقبل ذلك اختبار جدية المرحلة الأولى من اتفاق سحب واشنطن لقواتها من العراق.
سيناريوهات الانسحاب الأمريكي
السيناريو الأول: الانسحاب الكامل بحسب الجداول المعلنة
تدعم تحركات القوات الأمريكية في تسليم بعض المواقع والمعدات في قاعدة عين الأسد إلى الجانب العراقي هذا السيناريو، وسبق أن نفّذت واشنطن ما يشبه الإخلاء لدبلوماسيين وقيادات عسكرية ميدانية ومعدات من هذه القاعدة باتجاه قاعدتي “حرير” في أربيل” و”التنف” في المثلث الحدودي العراقي-الأردني-السوري خلال الحرب الإيرانية-الإسرائيلية الأخيرة. كما أن الانسحاب الأمريكي من العراق يمنح واشنطن حرية التعامل مع الأطراف المسلحة في هذا البلد ومن دون ضغوط تتصل بالحفاظ على حياة جنودها.
لكن ما يجعل هذا السيناريو مستبعداً هو أن توقيتاته لا تنسجم مع احتمالات تجدد المواجهة العسكرية الإسرائيلية والأمريكية مع إيران، والتحديات التي يفرضها تمكُّن إيران من استخدام الأراضي العراقية كساحة معركة ضد إسرائيل، الأمر الذي -إن حدث- سيدفع بالعراق من جديد إلى العزلة الدبلوماسية والاقتصادية، ويزجه بشكل كامل باتجاه المعسكر الإيراني. ويواجه هذا السيناريو أيضاً تحديات الحفاظ على أمن إقليم كردستان أمام هجمات المليشيات، والاحتمالات المفتوحة لعودة نشاط تنظيم “داعش” في المناطق السنية، وبخاصة مع استمرار الاضطرابات في سوريا المجاورة.
السناريو الثاني: تقليص للقوات وتغيير مهمتها
يُعد هذا السناريو أكثر ترجيحاً حتى الآن في ضوء التحديات المشار إليها أعلاه، وبحسب المعطيات فإن واشنطن وبغداد ستتركان قضية توصيف “الشراكة الأمنية الدائمة” للبحث المطول والتفصيلي مستقبلاً، والذي سيكون منفصلاً عن اتفاق إنهاء مهمات “التحالف الدولي ضد داعش” والمتعلق حالياً بتدريب وتأهيل القوات العراقية.
وعلى هذا الأساس، فإن قاعدة “التنف” في الأراضي السورية التي تتمتع بموقع استراتيجي مهم، والتي هي غير بعيدة عن قاعدة عين الأسد (نحو 150 كيلومتراً)، ستصبح القاعدة الرئيسية للقوات الأمريكية، في مقابل وحدات عسكرية متقدمة مكونة من قوات النخبة تتمركز في معسكر أصغر داخل قاعدة “عين الأسد” وأخرى مشابهة لها في “فكتوريا” وقرب السفارة الأمريكية، مع تركز الثقل العسكري الآخر في قاعدة “حرير” في أربيل التي لم تشهد أي تحركات عسكرية حالياً وإنما تشير المعلومات إلى انتقال عدد إضافي من معدات الدفاع الجوي والمروحيات إليها، وقد تندرج بدورها ضمن خطة تقليص الجنود الأمريكيين فيها خلال عام 2026.
وما يعزز هذا السيناريو، توجهات الإدارة الأمريكية الحالية بتقليص الانتشار العسكري الأمريكي في الخارج، بما يشمل قواعد عسكرية مختلفة حول العالم، في مقابل الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا العسكرية الجديدة والنخب القتالية الأكثر تدريباً.
الاستنتاجات
يتزامن تصاعد نشاط المليشيات المسلحة في العراق أخيراً مع ثلاثة عوامل مترابطة في دلالاتها، هي:
- تصاعد التكهنات باحتمال تجدد المواجهة العسكرية بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة وإيران من جهة ثانية.
- اقتراب موعد الانتخابات العراقية في نوفمبر من هذا العام، والتي سيترتب عليها تحديد شكل الحكومة المقبلة واختبار مستوى النفوذ الإيراني المستقبلي في العراق.
- تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق إنهاء مهمة “التحالف الدولي ضد داعش” في العراق، والتي تخص انسحاب قوات التحالف من قاعدة “عين الأسد” في الأنبار في سبتمبر المقبل، وتحديد مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في هذا البلد.
وهذه العوامل تؤثر في الانقسام السياسي -بشكل خاص- داخل قوى “الإطار التنسيقي” والمليشيات المرتبطة بها، سواء الأكثر قرباً من إيران أو التي تحاول الانسجام مع الحكومة الحالية. وإيران التي تراقب بحذر جديّة الانسحاب الأمريكي، ركزت أخيراً جهودها لضبط إيقاع القوى الشيعية المختلفة، من أجل حفظ تماسكها ومنع انفراطها، استعداداً لاحتمالات استئناف الحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة، وتتوقع أن ينخرط حلفاؤها الإقليميون هذه المرة في ساحة المعركة لمساندتها.
ومن ناحيتها، وجدت الإدارة الأمريكية الحالية اتفاقاً موقعاً من قبل سابقتها مع الحكومة العراقية يتضمن جدولاً للانسحاب من العراق ينتهي في سبتمبر 2026، لكنها لم تعلق عليه، على عكس معظم ردود فعلها تجاه إجراءات إدارة بايدن، ما يشير ضمناً إلى أن الاتفاق يحظى بقبول الإدارة الحالية، إما بسبب سعي هذه الإدارة الحثيث لتقليص الانتشار العسكري عبر العالم، أو أن بند “الانتقال إلى الشراكة الأمنية الدائمة” يترك الوقت والترتيبات مفتوحة لإعادة انتشار القوات الأمريكية في العراق بما يضمن تقليص عديدها ونفقاتها، من دون أن يؤثر في مستوى النفوذ الأمريكي على المشهدين الأمني والسياسي العراقي.