التحديات التي تواجه إصلاح الإتحاد الأفريقي وكيفية التغلب عليها

قام مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية (ACSS) , بنشر دراسة تحت عنوان ” التحديات التي تواجه إصلاح الإتحاد الأفريقي وكيفية التغلب عليها ” , للكاتبة مارثا باكويسيغا , وهذه الكاتبة تعمل كمستشار أول لسياسات بناء السلام العالمي في معهد الحياة والسلام (LPI)  في نيروبي بكينيا  , وتقود البرنامج الإقليمي للقرن الأفريقي بالمعهد ,  وتشارك بانتظام في حوارات سياسات السلام والأمن الإقليمية والقارية مع الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد) , كما أنها خبيرة في مجال تسوية النزاعات  ، ولديها خبرة تزيد عن 25 عاما في العمل على قضايا السلام والأمن في أفريقيا مع مختلف المنظمات الدولية , وتكتب أيضا في مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية (ACSS) وهو مؤسسة أكاديمية تابعة لوزارة الدفاع الأمريكية أنشأها الكونجرس ومولها لدراسة القضايا الأمنية المتعلقة بأفريقيا ويعمل كمنتدى للأبحاث الثنائية والمتعددة الأطراف  .

ونظرا لأهمية هذه الدراسة فقد قمت بترجمتها إلي اللغة العربية مع إضافة بعض الشروح والتوضيحات علي الدراسة الأصلية , ويدور موضوع هذه الدراسة حول كيفية التغلب علي التحديات التي تواجه عملية إصلاح الإتحاد الأفريقي , ويمكن عرض هذه الدراسة فيما يلي :

مقدمة :

يتعين على الحكومات والمواطنين الأفارقة أن يقرروا نوع الاتحاد الذي تحتاجه أفريقيا لتحقيق تطلعاتهم المتمثلة في إيجاد هيئة إقليمية تعمل على تعزيز السلام , وتوسيع الرخاء , وتمثيل المصالح الأفريقية بشكل فعال في المحافل الدولية .

وقد تعرض الاتحاد الأفريقي لانتقادات كثيرة لافتقاره إلى قيادة فعالة لتسوية الأزمات الكبرى ، مثل أزمة جمهورية الكونغو الديمقراطية ، والأزمة في دولتي السودان ، والكاميرون , بجانب الأزمة في منطقة الساحل , كما أنه من مهام الاتحاد الأفريقي العمل علي تسهيل التكامل الاقتصادي بين دول القارة ، سعيا منه لكسر حواجز التعاون غير المتحققة في الأسواق والتجارة المتنامية داخل القارة الأفريقية التي تضم 54 دولة ويبلغ عدد سكانها 1.5 مليار نسمة , علاوة على ذلك يتطلع الأفارقة إلى الاتحاد الأفريقي ليمثل صوتا جماعيا مؤثرا، يمثل مصالحهم في المحافل الدولية ، أو عندما تقتضي الحاجة استجابات أفريقية سريعة ومنسقة.

إن تنوع القضايا التي يتوقع من الاتحاد الأفريقي أن يقدم فيها القيادة والتنسيق يبرز أهمية هذه الهيئة الأفريقية الشاملة , ومع ذلك فقد طال أمد الدعوات المستمرة لإصلاح الاتحاد الأفريقي في مجالات السلام والأمن ، وتحسين الكفاءة التنظيمية ,  والتعاون الاقتصادي ، والتمثيل العالمي.

إن أي نقاش حول إصلاحات الاتحاد الأفريقي يجب أن يدرك حجم هذه المهمة , حيث كانت منظمة الوحدة الأفريقية ، سلف الاتحاد الأفريقي تمثل حلا وسطًا بين مجموعتين من الدول المستقلة حديثا , حيث أرادت “مجموعة الدار البيضاء” اتحادا سياسيا فوريا للدول الأفريقية بسلطة مركزية واحدة ، وحكومات إقليمية فرعية ، وسياسة خارجية ودفاعية مشتركة ، ومؤسسات مشتركة , بينما أرادت “مجموعة مونروفيا” تحالفا أكثر مرونةً ، قائما على التعاون الاقتصادي الإقليمي التدريجي , مع الحفاظ علي السيادة الوطنية .

أولا : الاتحاد الأفريقي لديه الفرصة ليصبح اتحادا سياسيا قاريا أكثر فعالية وتأثيرا ومتانة مؤسسية :

لا تزال الاختلافات الجوهرية القائمة داخل الاتحاد الأفريقي , تؤثر على قدرته على بناء توافق في الآراء بشأن القضايا الرئيسية ، بما في ذلك قضايا السلام والأمن , ويتمحور جزء كبير من التوتر حول مدى تنازل الدول الأعضاء عن السيادة الوطنية لاتحاد أكثر تمكينا ، مع استعداد بعض الدول أكثر من غيرها لذلك .

وعلى سبيل المثال لنأخذ منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (ACFTA) ، التي تأسست عام 2018 كنموذج لذلك التوتر , حيث أنها تنقل أفريقيا من التعاون الاقتصادي الإقليمي إلى التكامل الاقتصادي العميق كما هو منصوص عليه في مبدأ مجموعة الدار البيضاء ,  ومع ذلك اتسمت عملية تطبيق الاتحاد الجمركي وإزالة الحواجز غير الجمركية بالبطء ، مما يشير إلى مدى أولوية السيادة الوطنية لدي الدول الأعضاء.

كما يوجد كذلك توترات مماثلة حول الإصلاحات التكنوقراطية والسياسية , حيث ترى إحدى المدارس الفكرية أن التركيز حصريا على التحسينات التقنية والإدارية قد يحول الاتحاد الأفريقي إلى “بيروقراطية تكنوقراطية” مثل الأمم المتحدة , ووفقًا لهذا الرأي فإن ما تحتاجه أفريقيا بدلا من ذلك هو تحقيق الأهداف الأفريقية الشاملة التي وضعها الآباء المؤسسون , وهو ما يستلزم منظمةً تحشد جهودا منسقة من الأعضاء، وتضع المواطنين في المقدمة ، وتؤكد علي حماية المصالح الأفريقية وتدافع عنها عالميا.

أما الموقف المضاد فيرى أنه في حين أن الاتحاد الأفريقي بحاجة ماسة إلى صوت جماعي ، إلا أنه يجب عليه أولا إصلاح ضعفه وشلله المؤسسي ليعمل ويقدم أداء أفضل لأفريقيا , ورغم أن هاتين المدرستين لا تتعارضان بالضرورة ، ولكنهما يشكلان ضغوطا متنافسة من أجل الإصلاح .

ثانيا : إرث الماضي يثقل كاهل الحاضر :

إن الدور المهيمن للغاية الذي تلعبه جمعية رؤساء الدول والحكومات على الوظائف اليومية للاتحاد الأفريقي هو مصدر بعض الخلل المؤسسي للهيئة الإقليمية , وهذا نابع من إرث الماضي , حيث تأسست منظمة الوحدة الأفريقية في عام 1963، في خضم الحروب المريرة المناهضة للاستعمار ، عندما كانت 34 دولة أفريقية فقط مستقلة , وقد كان لديها مهمتان مركزيتان تتمثلان في الدفاع عن استقلال الدول الجديدة , وتنسيق إنهاء الاستعمار بالكامل في أفريقيا من خلال تقديم الدعم العسكري لأكثر من عشرين حركة مسلحة , وقد صنعت هذه المهام هيكلا مركزيا وسريا إلى حد كبير وثقيلا في القمة منوطًا بالجمعية.

ومع بدأ الانتقال إلى الاتحاد الأفريقي في عام 1994، بعد سقوط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ، واختيار هيكل أكثر انفتاحا وشفافية ولامركزية , يعكس التغييرات الأساسية في أفريقيا استمرت ثقافة اتخاذ القرارات في منظمة الوحدة الأفريقية التي تعتمد على القمة.

ويوضح الشكل التالي أدوار الهيئات الرئيسية للإتحاد الأفريقي :

ولا تزال القرارات منوطة إلى حد كبير بجمعية رؤساء الدول ، على الرغم من أنها لا تجتمع عادة إلا مرة واحدة في السنة , في الوقت التي لا تتمتع مفوضية الاتحاد الأفريقي (AUC) ، وهي الأمانة المسؤولة عن تنفيذ جدول أعمال الاتحاد الأفريقي على أساس يومي، بصلاحيات كاملة.

كما يظل البرلمان الأفريقي ، الذي ينبغي انتخابه بالاقتراع العام ويتمتع بسلطات تشريعية كاملة ، استشاريا دون سلطة حقيقية , كما أن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي (ECOSOCC) ، الذي من المفترض أن يعطي صوتا لمنظمات المجتمع المدني في قرارات الاتحاد الأفريقي ، يظل عمله استشاري أيضا , وبالمثل فإن المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ، المكلفة بحماية حقوق الإنسان والحد من الإفلات من العقاب مقيدة كذلك ، مع تمتعها بقدرة محدودة على التنفيذ  .

وفي ذات السياق يعيق التوتر بين الجمعية وأجهزة الاتحاد الأفريقي قدرة الاتحاد على الاستجابة للأزمات الخطيرة , فعلى سبيل المثال لم يطبق الاتحاد الأفريقي قواعده الراسخة بشأن التغييرات غير الدستورية للحكومات ، كما يتضح من ردود فعله المتذبذبة تجاه الانقلابات في بوركينا فاسو وغينيا ومالي والنيجر والسودان , كما حدثت حالات ألغت فيها أجهزة رئيسية قراراتها من قبل جهات أخرى , ومن الأمثلة على ذلك قرار مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في ديسمبر 2015 بنشر بعثة الوقاية والحماية الأفريقية في بوروندي (MAPROBU) للحد من العنف المتصاعد الذي أثارته محاولة الرئيس بيير نكورونزيزا آنذاك الترشح لولاية ثالثة محظورة دستوريا , وقد ألغى مؤتمر الاتحاد الأفريقي هذا القرار في الوقت المناسب في قمته في يناير 2016 , وقامت حكومة بوروندي لاحقا بتفكيك اتفاقيات أروشا التي وجهت البلاد في تعافيها من الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1993 و2005، وشهدت بوروندي حالة من عدم الاستقرار المستمر منذ ذلك الحين , وعلاوة على ذلك فتح التحايل على حدود المدة الرئاسية في بوروندي الباب أمام قادة أفارقة آخرين للقيام بالمثل ، مما ساهم في زيادة الضغوط على السلام والأمن في القارة.

صورة توضح أعضاء ميليشيات الشباب الموالية للحكومة في بوروندي وهم يطاردون المتظاهرين في بوجومبورا في مايو 2015، بينما يراقبهم أحد أفراد الشرطة .

وفضلا عما سبق يعود جزء من المشكلة إلى تحديات التنسيق داخل الاتحاد الأفريقي ومحدودية القدرة على متابعة وتنفيذ القرارات الرئيسية ، وهو أمر مستخلف من منظمة الوحدة الأفريقية , وكثيرا ما تفشل أجهزة الاتحاد الأفريقي ، مثل مجلس السلم والأمن ، والآلية الأفريقية لمراجعة النظراء ، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، في تنسيق أنشطتها , وقد قوض هذا بدوره قدرة الاتحاد الأفريقي على التحدث بصوت متماسك بشأن القضايا الهامة .

 ثالثا : برنامج الإصلاح الأخير للاتحاد الأفريقي : إنجازات عديدة وعقبات كثيرة :

لقد أطلقت أحدث نقطة محورية لإصلاح الاتحاد الأفريقي في عام ٢٠١٦ , عندما جمع الاتحاد الأفريقي شخصيات أفريقية بارزة من الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية والوكالات الدولية لإجراء مشاورات واسعة وإعداد توصيات لإصلاح مؤسسي ” عاجل وضروري ” للمنظمة , وقد عين الرئيس الرواندي بول كاجامي لتنسيق الجهود وتقديم تقرير نهائي إلى الجمعية , وعرضت النتائج والمقترحات الرئيسية في قمة استثنائية لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي في نوفمبر ٢٠١٨ , وقد تم تحديد التحديات التي تواجه الإتحاد الأفريقي والمتمثلة فيما يلي :

1-إن الاتحاد الأفريقي مجزأ إلى حد كبير مع وجود العديد من المجالات التي تحتاج التركي عليها .

2-يؤدي الهيكل المعقد للاتحاد الأفريقي والقدرة الإدارية المحدودة له إلى أساليب عمل غير فعالة ، وضعف اتخاذ القرارات ، وانعدام المساءلة.

3-إن الاتحاد الأفريقي ليس مستقلا ماليا ولا قادرا على تحقيق الاكتفاء الذاتي ، بل يعتمد بدلا من ذلك على التمويل من الشركاء في معظم تمويله .

4-إن التنسيق بين الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية محدود.

وقد تم تقديم مقترح إصلاحي شامل لمعالجة هذه التحديات يتمثل فيما يلي :

1-تقليص أولويات الاتحاد الأفريقي وإعادة تنظيم مؤسساته.

2-توسيع مشاركة المواطنين.

3-تحسين الفعالية التشغيلية.

4-تعزيز الاستقلال المالي.

ومن جانبه فقد أشار رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي آنذاك ، موسى فكي محمد إلى أن محدودية قدرة الاتحاد الأفريقي على إسماع صوت أفريقيا الجماعي والدفاع عن مصالحها عالميا , لا تزال تشكل تحديا كبيرا  , وفي إشارة إلى الحالات التي فشل فيها الاتحاد الأفريقي في اتخاذ استجابة فعالة ومنسقة تؤخذ على محمل الجد على المستوى الدولي ، قال: “الوقت ينفد , ندرك أن العالم يتغير، وأننا كأفراد لم نعد نعني شيئا, وإن وتيرة عملنا ليست كافية.

ومنذ ذلك الحين ، تحققت إنجازات هامة ، منها تعيين فريق إدارة جديد ومدراء جدد ، وتقليص عدد لجان وإدارات الاتحاد الأفريقي ، واعتماد نظام التوظيف القائم على الجدارة ، وسن سياسات جديدة للتمثيل الإقليمي ، وتنفيذ تدقيق إلزامي للمهارات , كما يعمل هيكل حوكمة صندوق السلام التابع للاتحاد الأفريقي ، الذي أُنشئ لمساعدة الاتحاد على تحقيق الاكتفاء الذاتي في تمويل عمليات السلام والأمن بكامل طاقته , وبحلول عام ٢٠٢٤ , كان قد جمع ٩٦٪ من الهدف الأولي البالغ ٤٠٠ مليون دولار أمريكي بالكامل من مساهمات الأعضاء.

ومع ذلك لا تزال هناك عقبات كبيرة تتمثل فيما يلي :

فلا تزال قرارات الجمعية الرئيسية عالقة بسبب انقطاع التواصل بين الجمعية ولجنة الممثلين الدائمين ، المؤلفة من جميع الدول الأعضاء والمكلفة بمواءمة أولويات الجمعية مع عمل مفوضية الاتحاد الأفريقي ,  كما يوجد انقطاع في التواصل بين لجنة الممثلين الدائمين وأجهزة الاتحاد الأفريقي الأخرى ، ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى تداخل صلاحيات لجنة الممثلين الدائمين ومفوضية الاتحاد الأفريقي .

صورة توضح سكان شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وهم يفرون من البلاد بعد  سيطرة حركة إم23 المتمردة على المنطقة

كما أنه لم ينفَذ تدقيق المهارات الإلزامي بالكامل ، ويعود ذلك جزئيا إلى تجميد التوظيف عام ٢٠١٨ والصراع الداخلي بين الدول الأعضاء ومفوضية الاتحاد الأفريقي ، حيث اشتكى البعض من التلاعب بالعملية لحرمان مواطنيهم من استمرار خدمتهم ، رغم اجتياز معظمهم لتقييم الكفاءة , وفي الوقت نفسه كشفت عمليات التدقيق عن نتائج مدمرة للمحسوبية والفساد وعدم التحقق من المؤهلات .

وقد أدى تقليص مفوضية الاتحاد الأفريقي من ثماني إدارات إلى ست إدارات إلى توترات تنظيمية حول الأدوار والمسؤوليات , وانتقد الكثيرون دمج إدارة السلام والأمن مع إدارة الشؤون السياسية ، ومن بينهم رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي ، الذي حذر من أن لهذه الإدارات وظائف منفصلة , وسيؤدي دمجها تحت وحدة واحدة إلى إضعاف استجابة الاتحاد الأفريقي للأزمات الأمنية وعمله السياسي في تمثيل المصالح الأفريقية والدفاع عنها على الساحة العالمية.

وعلى الرغم من التقدم المحرز في تحقيق الاكتفاء الذاتي المالي ، فإن بعض الدول الأعضاء لا تسدد اشتراكاتها في الوقت المحدد ، أو لا تسددها على الإطلاق , ففي ميزانية عام ٢٠٢٥، غطت الدول الأعضاء ٩٨٪ من الميزانية التشغيلية للاتحاد الأفريقي ، بينما مولت الجهات المانحة (وخاصة الدول الأوروبية) ٧٨٪ من الميزانية المخصصة لتنفيذ البرامج  , وهذا لا يزال يقوض دور الاتحاد الأفريقي ومسؤوليته عن برامجه.

صورة للرئيس الجنوب أفريقي السابق نيلسون مانديلا يحضر فعالية لدعم البرلمان الأفريقي في عام 2006

وفي تقرير متابعة قدم إلى مؤتمر رؤساء الدول والحكومات في فبراير 2024 ، أشار الرئيس كاجامي إلى غياب الإرادة السياسية وتباين الالتزامات بين الدول الأعضاء تجاه الإصلاح ، وحثّها على عدم التظاهر بعدم وجود هذه الاختلافات  , بل على إيجاد حل وسط , وأشار التقرير إلى الدور المتسلط لمؤتمر الاتحاد الأفريقي ، مشيرا إلى أن جدول أعماله مثقل بالقضايا الرئيسية ، ومطول ، ويتناول قضايا لا تستدعي النظر على مستوى رؤساء الدول , وتعجز المؤسسات المشتركة ، مثل البرلمان الأفريقي والمحكمة الأفريقية ، عن أداء الوظائف المنصوص عليها في القانون التأسيسي ، على الرغم من المقترحات الرامية إلى جعلها مستقلة ومنحها صلاحيات كاملة.

وفي بيانه أمام الجمعية نفسها ، أعرب موسى فكي عن أسفه لأن الميل المحموم إلى اتخاذ القرارات دون إرادة سياسية حقيقية لتنفيذها ، قد تفاقم إلى حد أصبح مدمرا لمصداقيتنا الفردية والجماعية , وأشار إلى أنه بين عامي 2021 و 2023، لم يتم تنفيذ 93% من قرارات الجمعية.

رابعا : دروس تاريخية لجهود الإصلاح الحالية :

فيما يتعلق بمسألة إعلاء صوت الاتحاد الأفريقي على المستوى الدولي ، تقدم تجربة منظمة الوحدة الأفريقية دروسا لليوم , فعلى سبيل المثال ، نسقت منظمة الوحدة الأفريقية حملة مقاطعة أفريقية ناجحة لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا ، مما دفع معظم الأعضاء إلى قطع العلاقات ، بل وإصدار جوازات سفر تمنع السفر إلى جنوب أفريقيا , أما أولئك الذين لم يطبقوا حزمة العقوبات كاملة ,  فقد أثاروا غضب الرأي العام ، وتراجعت مكانتهم بشكل ملحوظ , وقدم العديد منهم تبرعات طوعية للحركة العالمية المناهضة لنظام الفصل العنصري .

كما قدمت منظمة الوحدة الأفريقية قيادة حاسمة في حل النزاعات في جنوب أفريقيا ودول أخرى خرجت من الاستعمار والفصل العنصري ، مثل أنجولا ، والرأس الأخضر ، وموزمبيق ، وناميبيا ، وزيمبابوي ,  ولم تكتف الجهات الفاعلة الدولية ، كالأمم المتحدة والكومنولث والقوى الكبرى ، بأخذ توجيهاتها من منظمة الوحدة الأفريقية ، بل حرصت على تجنب الظهور بمظهر من يتعارض مع مصالحها .

وقد عملت منظمة الوحدة الأفريقية على صياغة رؤية واضحة مشتركة بين الأعضاء ، وأبقت الجمهور مطلعا ومنخرطا , ولتحقيق هذه الإنجازات، صاغت منظمة الوحدة الأفريقية رؤية واضحة مشتركة بين أعضائها ، وأبقت الجمهور مطلعا ومتفاعلا من خلال وكالة الأنباء الأفريقية (PANAPRESS) , واتحاد المنظمات الوطنية للإذاعة والتلفزيون في أفريقيا (URTNA) ، وتعاونت بقوة مع تحالفات أكاديمية مثل مجلس تطوير بحوث العلوم الاجتماعية في أفريقيا (CODESRIA) , كما استفادت من قوة تمثيل أفريقيا في الأمم المتحدة لإطلاق مبادرات مثل اللجنة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بإنهاء الاستعمار ومجلس الأمم المتحدة لناميبيا.

كما برعت منظمة الوحدة الأفريقية في حشد الرأي العام الدولي والحفاظ على تفاعله من خلال العمل مع هذه الجماهير والحكومات والهيئات التشريعية , ورغم اختلاف السياق الحالي ، فإن هذه الدروس بالغة الأهمية وقابلة للتطبيق على الاتحاد الأفريقي في مواجهته للتحديات التي تواجه الدول والمجتمعات الأفريقية في القارة ، ومجتمعات الشتات عموما.

وفيما يتعلق بمسألة مدى تنازل الدول الأفريقية عن سيادتها لبناء اتحاد سياسي حقيقي ، يمكن للاتحاد الأفريقي أيضا أن يستقي دروسا من التاريخ , ففي نوفمبر 2024 ، وقعت الدول الأعضاء السبعة في جماعة شرق أفريقيا (EAC) اتفاقية ووضعت خارطة طريق لتسريع إنشاء اتحاد سياسي كخطوة رابعة وأخيرة في عملية تكامل الجماعة .

حيث تهدف الهيئة الإقليمية لشرق إفريقيا إلى استعادة زخم جماعة شرق إفريقيا الأصلية (قبل أن تؤدي التوترات الداخلية إلى انهيارها في عام 1977) , كانت تلك النسخة من الجماعة في طريقها إلى سلطة واحدة , حيث تقاسم المؤسسون الأصليون ، كينيا وأوغندا وتنزانيا ، شركة طيران وهيئة ميناء وسكك حديدية وخدمة بريدية وبنك تنمية وجامعة (مع ثلاث كليات مكونة لها) واستراتيجية صناعية متكاملة ، بناء على المزايا الفريدة لكل عضو.

كما أدارت هيئة الخدمات المشتركة المؤسسات والخدمات المشتركة ، مما جلب فوائد عملية للمواطنين , فعلى سبيل المثال ، كان يمكن لمواطن في دولة عضو إيداع الأموال في أحد البنوك البريدية وتسليمها في أقل من 10 دقائق إلى مستلم في بنك آخر , وكانت جماعة شرق إفريقيا الأصلية تديرها أمانة عامة ذات طاقم محترف تتكون من كادر من الموظفين الإداريين والفنيين بالإضافة إلى المعينين السياسيين من كل دولة , وقد أخذوا إرشاداتهم من الهيئة ، التي كانت تتمتع بالثقة الكاملة من الدول الأعضاء وبالتالي يمكنها العمل بشكل مستقل ومهني.

وقد كان نجاح هذه التجربة يكمن في تطوير الجماعة للقدرات التكنوقراطية اللازمة لإدارة شؤونها دون فقدان رؤيتها السياسية للوحدة الأفريقية والدفاع عن المصالح الأفريقية , وقد استند هذا إلى فكرة أن وضع سكان شرق أفريقيا أفضل كوحدة واحدة مقارنة بكونهم دولا منفردة .

وأخيرا : التطلع إلى الأمام :

ففي حين تستمر الفوضى وعدم اتساق تنفيذ القرارات ، لا يزال أمام الاتحاد الأفريقي فرصة ليصبح اتحادا سياسيا قاريا أكثر فعالية وتأثيرا وتماسكا مؤسسيا ، كما تصوره الآباء المؤسسون ,  ومع ذلك ، هناك حاجة ملحة لإعادة تقييم عملياته ووظائفه لمنحه معنى وهدفا جديدين , وهذا يتطلب إرادة سياسية ، ورسالة مشتركة ، وتقاسما للسلطة بين المؤسسات الرئيسية ، وشعورا متجددا بالإلحاح , والأهم من ذلك كله ، يتطلب مشاركة قوية من المواطنين وملكية كاملة ، لأن المشاريع الكبرى من هذا النوع تعتمد بشكل كبير على الضغط من القاعدة إلى القمة.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M