تجربة إماراتية جديدة في إدماج الذكاء الاصطناعي في المدارس: ما المنظور الأوسع؟

  • يُمثّل تحديث الإمارات لفصولها الدراسية هذا العام، عبر البدء بإدماج الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية بمراحلها كافة، فرصةً مهمّةً تحاول الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي في إحداث نقلة نوعية في التعليم، وجعل التكنولوجيا عاملَ قوةٍ ودعم للجهد البشري والتواصل الإنساني.
  • مع دخول مرحلة تدريس الذكاء الاصطناعي في المدارس الإماراتية، من المهم معالجة تحدي كفاية الكادر التعليمي المؤهل لتطبيق هذه التجربة الجديدة، وتوفير البنية التحتية والأدوات والوسائل اللازمة لكل ذلك.
  • عبر تجربتها الجديدة، تواصل دولة الإمارات إرساء معايير إقليمية رائدة في دمج تعليم الذكاء الاصطناعي مع أهداف بناء الدولة على المدى الطويل. ويُرجَّح أن تُحفِّز التجربة الإماراتية هذه دول الخليج الأخرى لاستلهامها وتَمَثُّلِها، ما يُمهِّد لانتشارها مستقبلاً في عموم المنطقة.

 

بدأت دولة الإمارات هذا العام عاماً دراسياً مختلفاً؛ لجهة إقرار تجربة جديدة تتعلق ببدء إدماج الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية، بدءاً من الروضة حتى الثانوية العامة. تُعَدُّ الصين الدولة الوحيدة الأخرى التي أعلنت عن سياسة تعليمية شاملة مماثلة للذكاء الاصطناعي، والتي ستُدخل تعليم الذكاء الاصطناعي في جميع المدارس بدءاً من الأول من سبتمبر من هذا العام.

 

يُمثّل تحديث الإمارات لفصولها الدراسية هذا العام فرصة مهمّة تحاول الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي في إحداث نقلة نوعية في التعليم، وجعل التكنولوجيا عاملَ قوةٍ ومساندةٍ ودعمٍ للجهد البشري والتواصل الإنساني. هذا يعني إدراك أن المقصود ليس استبدالاً للعنصر البشري وإنما تمكينه ورفده بالحلول والتجارب والبيانات التي تخلق بيئة تعليمية أكثر ازدهاراً وإنتاجية، وبالتالي تقديم تعلّم تكيّفي أكثر مرونة وإبداعاً.

 

يُغطي منهج الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات سبعة مجالات رئيسة: المفاهيم الأساسية، والبيانات والخوارزميات، وتطبيقات البرمجيات، والوعي الأخلاقي، والتطبيقات العملية، والابتكار وتصميم المشاريع، بالإضافة إلى السياسات والمشاركة المجتمعية.

 

ومع بدء تنفيذ هذه التجربة الرائدة الجديدة ستكون هناك تفاعلات وملاحظات ونقاشات من شأنها أن تمنح الجميع، بمن فيهم الطلاب وأولياء الأمور والمعلمون والمسؤولون التربويون والمنخرطون في إدارة هذا القطاع، تغذيةً راجعة ثمينة لتطوير التجربة وإثرائها ومعالجة تحدياتها ونقلها خطوات إلى الأمام.

 

اعتمدت الإمارات المنهاج الدراسي النهائي لاستحداث مادة الذكاء الاصطناعي في جميع مراحل التعليم الحكومي في الدولة (شترستوك)

 

إدماج الذكاء الاصطناعي في جميع القطاعات

تمضي دولة الإمارات في ترسيخ مكانتها الإقليمية الرائدة في الاستثمار في التقنيات الفائقة وتبنّيها وتطويرها، وسعت إلى إدماج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في جميع قطاعات الدولة والمجتمع: التعليم، والصحة، والنقل، والمصارف، والتجارة، والدفاع، والأمن، والبنية التحتية. ولدى الإمارات إرادة وطموح وتحرّك سريع لأنْ تكون رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي ليس على المستوى الإقليمي، وهو واقع بالفعل، بل على الساحة الدولية، وبالتالي ترسيخ مكانتها بوصفها “مركزاً للأبحاث المتطورة والتنمية المستدامة”، وفقاً لسمو الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبو ظبي مستشار الأمن الوطني لدولة الإمارات ورئيس مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة.

 

وسبق أن أطلقت الحكومة الإماراتية، في عام 2022، استراتيجية الاقتصاد الرقمي، التي تهدف إلى زيادة مساهمة السلع والخدمات المتعلقة بالإنترنت والتكنولوجيا من 11.7% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021 إلى أكثر من 20.0% بحلول عام 2031. ومن بين الجهات الاستثمارية والشركات الإماراتية التي تدفع التقدُّم نحو هذا الهدف: مجموعة G42 والشركات التابعة لها، ومُشغِّل الاتصالات الوطني e& (“اتصالات” سابقاً).

 

وفي حين أنشأت دولة الإمارات العربية المتحدة مجلساً اتحادياً للاقتصاد الرقمي، أنشأت جميع الإمارات السبع تقريباً هيئات حوكمة ومتنزهات تكنولوجية ذات صلة لتشجيع الابتكار (على سبيل المثال: Hub71 في أبوظبي، وحديقة دبي الرقمية ومدينة الإنترنت، وحديقة الشارقة للبحوث والتكنولوجيا والابتكار). وفي أبريل 2025، أكد وزير الدولة الإماراتي للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد، عمر العلماء، أنه “سيتم تقييم كل دائرة حكومية وتصنيفها بناءً على مدى نجاحها في استخدام الذكاء الاصطناعي وفائدته لجهة عملها”.

 

وفي مايو 2025، اعتمدت الإمارات المنهاج الدراسي النهائي لاستحداث مادة الذكاء الاصطناعي في جميع مراحل التعليم الحكومي في دولة الإمارات من رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر (الأخير من المرحلة الثانوية) بدءاً من العام الدراسي 2025-2026.

 

وفي هذا العام أيضاً، بدأت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي بتقديم برامج البكالوريوس، بعد أن كانت تقتصر في السابق على طلاب الدراسات العليا. وهذا بحد ذاته يُظهر تحولاً سريعاً في نظام التعليم الثانوي، مُلبياً الطلب المُتزايد على مُتخصصي الذكاء الاصطناعي في المستقبل. وعلى مستوى التعليم الابتدائي، لم يمضِ وقت طويل قبل أن يُدخل الذكاء الاصطناعي في التعليم.

 

ويُظهِر كل هذا، أن دولة الإمارات العربية المتحدة تعمل بجدٍّ لتكييف نظام تعليمي كامل حول الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح لا غنى عنه بشكل متزايد في الحياة العصرية. لذا، من المُناسب أن يبدأ الطلاب، من هذا الفصل الدراسي فصاعداً، في الاستعداد وتزويدهم بالمهارات اللازمة للتعامل مع هذا المفهوم الديناميكي الذي لا يزال المُعلمون وأولياء الأمور يتعلمون عنه.

 

وتحظى كل هذه الاستراتيجيات المتكاملة بأولوية محورية لدى القيادة الإماراتية العليا، ما يعكس الفهم المتنامي لدى القوى المتوسطة بأهمية التكنولوجيا في عصر جديد، اختلفت فيه أنماط القوة، وزادت حصة التكنولوجيا، بشكل غير مسبوق، في حقول الأمن والدفاع والاقتصاد والتجارة والطاقة والتعليم وغيرها. ولهذا، أصبحت “دبلوماسية البنية التحتية الرقمية تشكل جانباً متزايد الوضوح من السياسة الخارجية الإماراتية”.

 

ستكون تجربة الذكاء الاصطناعي في المدارس الإماراتية، هذا العام، أكثر اتساعاً وشمولاً (مكتب أبوظبي الإعلامي)

 

نموذج “ألف للتعليم” ومبادرات عالمية مُماثِلة

من النماذج التعليمية الناشئة المهمة في هذا الحقل، تتصدّر تجربة “ألف للتعليم” بوصفها تجربة تزداد غنى في داخل الإمارات وبعض الدول خارجها، التي توسّعت فيها “ألف للتعليم”. ووفق الموقع الإلكتروني لـ “ألف للتعليم” فإنه على الرغم من وجود أدلة على تأثير منصات التعلّم التكيفي القائمة على الذكاء الاصطناعي، إلا أن اعتمادها على نطاق واسع في المدارس بطيء في أحسن الأحوال.

 

وتُعرِّف “ألف للتعليم” نفسها بأنها شركة رائدة في مجال تكنولوجيا التعليم من مرحلة الروضة حتى الصف الثاني عشر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يقع مقرها الرئيس في الإمارات، ولها مكاتب في الولايات المتحدة وإندونيسيا والأردن. وتسعى الشركة إلى تحسين النتائج التعليمية من طريق التعلم الشخصي المدعوم بالذكاء الاصطناعي وأحدث الأطر التربوية المتجذرة في علم البيانات. وقد وُلدت فكرة ألف للتعليم في عام 2016 بصفتها مفهوماً تعليمياً قائماً على التكنولوجيا، طُوِّرَ لتلبية احتياجات نظام المدارس الحكومية في الإمارات، ثم توسعت بحيث بات أكثر من مليون طالب في أكثر من 14000 مدرسة في الإمارات والولايات المتحدة وإندونيسيا والمغرب يستخدمون منصة ألف.

 

وإذا كانت شمولية المبادرة الإماراتية تجعلها رائدة وفريدة وسبّاقة، لكن ثمة مبادرات جزئية لدول أخرى. فمثلاً، أطلقت الهند مبادرة “SOAR” للصفوف من السادس إلى الثاني عشر لتعزيز معرفة الذكاء الاصطناعي؛ وأدرجت سنغافورة وحدات الذكاء الاصطناعي في دورات علوم الحاسوب في المرحلة الابتدائية؛ وتبنَّت أستراليا إطاراً وطنياً للذكاء الاصطناعي في المدارس؛ وأطلقت المملكة المتحدة برنامج “TECHFIRST” لتدريب مليون طالب ثانوي على مهارات الذكاء الاصطناعي. وقد أدخلَ العديدُ من الدول الأفريقية، بما في ذلك رواندا، مفاهيم الذكاء الاصطناعي في مناهج التكنولوجيا المدرسية، بينما أعلنت مصر أن الذكاء الاصطناعي والبرمجة سيُصبحان مادتين إلزاميتين لطلاب الصف الأول الثانوي بدءاً من هذا العام الدراسي.

 

المنظور الإماراتي الأوسع

في عموم المناطق في دولة الإمارات، هناك طلب متزايد على تعليم أعلى جودة، ويأتي هذا متزامناً مع زيادة في عدد السكان، لاسيما في إمارتي أبوظبي ودبي. ويفرض هذا الأمر ضرورة الاستجابة الفعالة للتحولات الحيوية التي يعيشها المشهد التعليمي في دولة الإمارات؛ والذي لا ينفصل عن صورة أكبر تتعلق بالاشتغال على تطوير التنمية البشرية والإنسانية وتحقيق مستهدفات الرؤى والخطط الاستراتيجية الإماراتية، وخصوصاً مواءمة المبادرة الجديدة مع استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031.

 

ومع دخول مرحلة تدريس الذكاء الاصطناعي في المدارس الإماراتية، من المهم معالجة تحدي كفاية الكادر التعليمي المؤهل في المدارس الإماراتية لتطبيق هذه التجربة الجديدة.وفي هذا الإطار، أكدت وزارة التعليم الإماراتية أنَّه تم تدريب نحو 1000 معلّم لتقديم منهج الذكاء الاصطناعي الجديد في البلاد لجميع المراحل الدراسية، ويستهدف البرنامج تزويد الطلاب بالمهارات التقنية وإطار عمل لاستخدام الذكاء الاصطناعي بمسؤولية وأخلاق في الحياة اليومية.

 

تؤكد الحكومة الإماراتية، أيضاً، على التعليم الشامل، وضمان حصول الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة على الدعم الذي يحتاجونه. ويمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي مثل ChatGPT، وMicrosoft Copilot، وMagicSchool.ai مساعدة المعلمين في وضع خطط الدروس، والتقييم، وتقديم ملاحظات شخصية. وفي ذات المسار، سيتم دمج محو أمية الذكاء الاصطناعي في مواد دراسية متعددة، ما يعزز التعلّم متعدد التخصصات، ويضمن إلمام الطلاب بأساسيات الذكاء الاصطناعي وقدرتهم على تطبيقها في الحياة اليومية. وكانت دائرة التعليم والمعرفة في أبوظبي (ADEK)، قد أطلقت بالتعاون مع مدرسة البرمجة 42 أبوظبي، برنامج “الذكاء الاصطناعي للمعلمين”، لتزويد المعلمين باستراتيجيات تدريس قائمة على الذكاء الاصطناعي.

 

تعمل الإمارات بجدٍّ لتكييف نظامها التعليمي حول الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح لا غنى عنه في الحياة العصرية اليوم (شترستوك)

 

إلى جانب هذا، يتعيّن توفير البنية التحتية والأدوات والوسائل اللازمة لكل ذلك، الأمر الذي سيمنح شركات ومؤسسات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي الإماراتية فرصة للعمل على تلبية الحاجات الناشئة عن التوسّع الإماراتي في المراهنة على الذكاء الاصطناعي في تطوير التنمية البشرية والإنسانية، وصقل مهارات الطلاب التكنولوجية والإبداعية؛ كي تكون مؤهلة لسوق عمل مستقبليّ ابتكاري وتنافسي.

 

يبدو الأمر في صورته الأكبر بوصفه ضرورة أساسية لمواءمة التعليم مع سوق العمل، وتطوير الإدارة التربوية لتنسجم مع متطلباتِ عمليةٍ تعليمية تقوم أكثر فأكثر مع الوقت على التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، والاستفادة المثلى من البيانات والبحث، وتوفير تجارب تعليمية مُخصصة تتكيف مع وتيرة كل طالب وأسلوبه واحتياجاته، بحيث تُخصص هذه الحلول المُدعمة بالذكاء الاصطناعي المحتوى، وتُمكِّن الطلاب والمعلمين عبر أدوات قابلة للتطوير وقائمة على البيانات. وفي المحصلة سيصبّ هذا في طموح دولة الإمارات في أن تكون رائدة في الذكاء الاصطناعي، ويجعلها تحتل مكانة مميزة في التنافس العالمي عليه.

 

استنتاجات

هذا العام ستكون تجربة الذكاء الاصطناعي في المدارس الإماراتية أكثر اتساعاً وشمولاً. ومن الحيوي، من ثمَّ، إيلاء المرونة واستراتيجيات التكيّف والدعم حظّها الأكبر في تسهيل هذه الانتقالة النوعية في النظام التعليمي الإماراتي. ويحتّم هذا إغناء حوكمة هذه التجربة وتأطيرها ووضع مزيد من القواعد الناظمة، والآليات التفصيلية التي تساعد على الألفة مع استخدام مستدام للذكاء الاصطناعي في تطوير معرفة الطلاب وإبداعهم وتطوير تجاربهم الشخصية، وتجهيزهم لمستقبلٍ يتوسّع باطّراد في احتضان التقنية واستخدامها بشكل لا غنى عنه.

 

وعلى الأرجح، فإنّ هذه الخطوة الإماراتية ستكون حافزاً لدول الخليج الأخرى لاستلهامها وتَمَثُّلِها، وبالتالي انتشارها مع الوقت في عموم المنطقة. ومع انطلاق هذه التجربة، تواصل دولة الإمارات إرساء معايير إقليمية رائدة في دمج تعليم الذكاء الاصطناعي مع أهداف بناء الدولة على المدى الطويل.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M