- تُجادِل الترويكا الأوروبية بأن إعادة فرض العقوبات على إيران خطوة مُسوَّغة دبلوماسياً وضرورة استراتيجية في ظل انهيار الاتفاق النووي وغياب بديل لضبط برنامج إيران النووي، وهو ما يُفهَم في طهران وبيجين وموسكو باعتباره اتساقاً مع سياسة “الضغط الأقصى” الأمريكية بعد فشل المفاوضات.
- تشمل خيارات الصين إزاء مساعي الترويكا الأوروبية لتفعيل «آلية الزناد» ضد إيران، حزمتين من التدابير: التعاون مع روسيا في مجلس الأمن لتعطيل العملية الإجرائية وعرقلة إعادة فرض العقوبات، وخطوات على المستوى الثنائي تهدف لتخفيف تداعيات العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على إيران.
- بالنسبة للصين، يُعد الحل الدبلوماسي للملف النووي الإيراني ركيزة الاستقرار الإقليمي. وتخشى بيجين أن يؤدي احتمال انسحاب إيران من معاهدة الانتشار النووي إلى اهتزاز نظام الحد من الانتشار وتراجُع مصداقيته، وانسحاب دول إضافية في المستقبل أو سعي دول أخرى للحصول على السلاح النووي.
- على رغم فاعلية بعض الإجراءات الدبلوماسية الصينية، بالتعاون مع روسيا، لتعطيل أو إبطاء العملية الناتجة عن تفعيل “آلية الزناد”، فإنها غير كافية لإزالة مفعولها بشكل كامل. ويُضيِّق هذا نطاق الهدف الصيني والروسي في حدود تحصين إيران دبلوماسياً عبر محاولة كسب الوقت وحشد الدعم الدولي لتمديد فترة تعليق العقوبات ونزع المصداقية عن العقوبات الأممية.
في 28 أغسطس 2025 أعلنت الدول الأوروبية الثلاث الأعضاء في اتفاق خطة العمل الشاملة المشتركة، بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إخطار مجلس الأمن لتفعيل آلية إعادة فرض العقوبات الأممية، المعروفة بـ«آلية الزناد»، على إيران. واتهمت الدول الثلاث طهران بأنها “لا تؤدي التزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة بشكل كبير”. لكن الصين وروسيا أعلنتا معارضتهما للقرار، ودفعتا باتجاه تأجيل إعادة فرض العقوبات، لمنح فرصة للمفاوضات بين إيران والولايات المتحدة.
تُحلل الورقة هذه الآلية ومنظور الصين تجاهها، والسياسات الصينية لتعطيلها أو إبطائها أو إزالة مفعول التداعيات الناجمة عنها دبلوماسياً واقتصادياً على إيران، إلى جانب التوقعات المستقبلية حول الآليات التي قد تلجأ لها بيجين لتحقيق ذلك.
الترويكا الأوروبية تسحب الزناد
في يوليو 2015، أبرمت إيران مع ست دول أخرى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)، وصادق مجلس الأمن الدولي بالإجماع على هذا الاتفاق من طريق القرار 2231. ومثّل القرار الآلية القانونية التي أضفت شرعية دولية على الاتفاق، وتضمّن ما يعرف بـ”آلية الزناد” (آلية إعادة العقوبات)، التي تمنح الأطراف الستة المقابلة لإيران، ضمن إطار مجموعة 5+1، صلاحية إعادة فرض العقوبات الأممية في حال عَدَّت أن إيران أخلّت بالتزاماتها. وبموجب القرار، يحق لأي دولة مشاركة في الاتفاق أن تجادل بوقوع “إخلال جوهري بالالتزامات”، ومن ثمّ تفعِّل “آلية الزناد” بما يشمل ستة قرارات صادرة عن مجلس الأمن بين عامي 2006 و2010، كانت قد ألغيت بفعل اتفاق عام 2015. تشمل العقوبات حظر الأسلحة وتخصيب اليورانيوم وإطلاق الصواريخ الباليستية ونقل تقنياتها، إلى جانب تجميد الأصول وحظر السفر على أفراد وكيانات إيرانية. وتفوض العقوبات الدول بتفتيش شحنات شركات الشحن الإيرانية بحثاً عن بضائع محظورة.
وأرسى القرار 2231 آلية مغايرة لقواعد التصويت في مجلس الأمن، عبر إتاحة الفرصة أمام أي دولة عضو في الاتفاق أن تبادر منفردة إلى تفعيل إعادة تطبيق القرارات المجمدة. وبموجب المادة 37 من الاتفاق النووي، والفقرتين التنفيذيتين 11 و12 من القرار 2231، فإن التفعيل يبدأ بمجرد قيام إحدى الدول المشاركة بإخطار مجلس الأمن بعدم الامتثال. ومن تلك اللحظة، وفي خلال 30 يوماً، يمكن لأعضاء المجلس طرح مشروع قرار لمواصلة تعليق العقوبات التي رُفعت عام 2015، غير أن أي عضو دائم يمتلك حق نقض هذا المشروع، ما يجعل إعادة فرض العقوبات أمراً تلقائياً.
إذا فُرضت العقوبات، يُتوقع أن يكون لها تداعيات اقتصادية كبيرة أهمها تعميق الحصار الاقتصادي المفروض على إيران، وإضعاف معنويات المستثمرين، وإضعاف الريال الإيراني بشكل أكبر. كما ستكون التأثيرات الرمزية والنفسية لحصار إيران وعزلتها على المستوى الدولي كبيرة أيضاً.
إن موقف الترويكا الأوروبية مبني على منظور أن إعادة فرض العقوبات على إيران خطوة مُسوَّغة دبلوماسياً وضرورة استراتيجية في ظل انهيار الاتفاق النووي وغياب بديل لضبط البرنامج النووي، وهو ما يُفهم في طهران وبيجين وموسكو باعتباره اتساقاً مع سياسة “الضغط الأقصى” الأمريكية بعد فشل المفاوضات. وتَرى العواصم الأوروبية أن مفاوضات فيينا 2021-2022 التي فشلت كانت الخطوة الأولى الضرورية قانوناً لإعادة تفعيل “آلية الزناد”. ويُعزز تقرير مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول عدم الامتثال موقفها. ومن ثمَّ فإن الدول الثلاث تعتبر شهر أكتوبر موعداً حاسماً للضغط على إيران لتقديم تنازلات أو إعادة عقوبات ما قبل 2015. ووضعت القوى الأوروبية ثلاثة شروط أمام إيران للموافقة على تمديد تعليق العقوبات لمدة ستة أشهر عبر تمرير قرار جديد في مجلس الأمن تشمل السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالعودة لتفتيش المواقع النووية الإيرانية (وهو ما توصلت إيران مع الوكالة إلى اتفاق بخصوصه بوساطة مصرية)، والكشف عن مصير اليورانيوم عالي التخصيب بعد الضربات الإسرائيلية والأمريكية على المنشآت النووية في يونيو الماضي، والعودة لطاولة التفاوض مع الإدارة الأمريكية على اتفاق نووي جديد.
تحدي الصين للسياسات الغربية
في 28 أغسطس، نشر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي رسالة موقعة من قبل وزراء خارجية الصين وروسيا وإيران تقول إن تفعيل “آلية الزناد” من قبل بريطانيا وفرنسا وألمانيا لاستعادة العقوبات تلقائياً كانت “مَعيبة من الناحيتين القانونية والإجرائية”، وأن الترويكا الأوروبية “أساءت استخدام سلطة ووظائف مجلس الأمن”. وعكس ذلك التنسيق عالي المستوى بين الصين وإيران إلى جانب روسيا التعاون بشأن مواجهة تداعيات “آلية الزناد” في الأمم المتحدة. على سبيل المثال، استقبل الرئيس شي جينبنغ نظيره الإيراني مسعود بزشكيان في 2 سبتمبر على هامش قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي انعقدت في مدينة تيانجين. وكرر البيان الصيني الصادر عن الاجتماع أن الصين “تحترم حق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة النووية” في إشارة إلى معارضة بيجين لمبدأ إنهاء التخصيب بوصفه شرطاً للاتفاق مع الولايات المتحدة. لكنها أيضاً تبنَّت خطوة بعيدة عن طهران عبر تأكيد احترامها “العمل على إيجاد حل للقضية النووية الإيرانية يراعي المخاوف المشروعة لجميع الأطراف”، في إشارة إلى الولايات المتحدة والقوى الأوروبية ودول الخليج.
ويوضح ذلك الموقف الصيني، المتوافق مع موقف روسيا أيضاً، بشأن تفعيل “آلية الزناد”. ويُبنى هذا الموقف على أن دول الترويكا الأوروبية لم تلتزم بالخطوات القانونية والإجرائية المنصوص عليها في الاتفاق والتي تُعد شرطاً لتفعيل الآلية، وأهمها القيام بكل الإجراءات التي تنص عليها “آلية فض المنازعات” أولاً باعتبارها شرطاً لتفعيل “آلية الزناد”. وتُسانِد الدولتان أيضاً مزاعم إيران بأن الدول الأوروبية تخلَّت عن وضع المشارك في الاتفاق بعد ارتكابها “انتهاكات صارخة” لالتزاماتها في الاتفاق، مما يجعل أي لجوء إلى آلية إعادة فرض العقوبات “باطلاً ولاغياً”. ويُشير عراقجي بشكل خاص إلى الالتزامات المتصلة بالمكاسب الاقتصادية لإيران التي نص عليها بعد رفع العقوبات، عقب انسحاب الولايات المتحدة في 2018. وقد حذر مسؤولون إيرانيون في يوليو من أن تفعيل “آلية الزناد” قد يدفع طهران إلى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وهو ما يمثل أسوأ السيناريوهات من وجهة نظر بيجين.
وبالتزامن مع زيارة بزشكيان للصين، كتب المرشد الأعلى علي خامنئي باللغتين الصينية والإنجليزية على منصة إكس، أن إيران والصين “لديهما القدرة على خلق التحوُّل في المنطقة والعالم”. وليس هذا مستغرباً، إذ تُعوّل إيران على الدعم الصيني (والروسي) في هذا الملف. وقد ظهرت ملامح هذا الدعم في معارضة بيجين وموسكو قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي صاغته الترويكا الأوروبية في يونيو، الذي توصل إلى أن إيران لا تمتثل لالتزاماتها المتعلقة بالضمانات بموجب معاهدة منع الانتشار النووي.
لكن أحد التحديات التي تواجه الصين وروسيا هو اختلاف الديناميات السياسية ضمن “آلية الزناد”. ففي خلال ولاية ترمب الأولى، حاولت الولايات المتحدة تفعيل آلية إعادة فرض العقوبات ضمن سياسة “الضغط الأقصى”، لكنها واجهت مقاومة من أربعة أعضاء دائمين في مجلس الأمن، منهم بريطانيا وفرنسا. هذه المرة، فإن الصين وروسيا تواجهان جبهة غربية موحدة، إلى جانب استعداد الإدارة الأمريكية لتوظيف الضغط العسكري لإجبار إيران على توقيع اتفاق جديد، وهو مكون تردَّد ترمب في استخدامه بعد انسحابه من الاتفاق.
خيارات الصين
تنقسم خيارات الصين إلى حزمتين: التعاون مع روسيا في مجلس الأمن لتعطيل العملية الإجرائية وعرقلة إعادة فرض العقوبات، وخطوات على المستوى الثنائي تهدف لتخفيف تداعيات العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على إيران.
تشمل الحزمة الأولى عدة خطوات، أوّلها محاولة تعليق “آلية الزناد” مؤقتاً من طريق التقدُّم بمشروع قرار يستفيد من تمديد القرار 2231 وتأجيل إعادة فرض العقوبات لمدة ستة أشهر إلى 18 ابريل 2026 مع إمكانية التمديد لمدة أخرى مماثلة سعياً لكسب الوقت ومنح فرصة للتفاوض بين إيران والولايات المتحدة. وقد حاولت روسيا، في 26 أغسطس، القيام بذلك بالفعل عبر التقدم بمشروع قرار بـ”الأزرق” (بالأزرق يعني أن النص قد وصل إلى صيغته النهائية الرسمية ووُزِّعَ على أعضاء المجلس، بما يشير إلى أنه جاهز لطرحه للتصويت). لكن مشروع القرار واجه معارضة من قبل الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية، بسبب بند ينص على “تعليق أي نظر موضوعي في أي مسائل تتعلق بتنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة أو القرار 2231، طوال فترة التمديد”. وجادلت هذه الدول بأن مشروع القرار يمنح إيران تمديداً غير مشروط ويفكك القرار 2231 فعلياً. وقد عادت الصين وروسيا لتقديم مشروع قرار جديد في 2 سبتمبر بهدف التأجيل بعد حذف هذا البند. وحالياً، تجري مناقشات بين إيران والترويكا الأوروبية من أجل التوصل إلى اتفاق حول التمديد قبل انتهاء شهر سبتمبر. وإذا حدث ذلك، يُرجح قبول مشروع القرار الصيني-الروسي، أو التصويت على مشروع قرار مماثل مقدم من القوى الأوروبية قريب في الصياغة من هذا المشروع.
وثاني الخطوات ضمن الحزمة الأولى تتضمن طعن الصين وروسيا في إعادة تشكيل لجنة العقوبات المنبثقة عن القرار 1737 لعام 2006، والتي تم حلها مع دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ في 2015، في حال أُعيدَ فرض العقوبات. إلى جانب ذلك، قد تلجأ الصين وروسيا إلى عرقلة تعيين رئيس للجنة 1737 أو مقاطعة مشاوراتها. إلى جانب ذلك، يُرجح أن تسعى الدولتان إلى عرقلة إعادة تشكيل لجنة الخبراء المستقلة التابعة لمكتب الأمين العام للأمم المتحدة والمشرفة على مراقبة تنفيذ العقوبات والتي أُقرّت بموجب القرار 1929 لعام 2010 وحُلَّت عام 2015 أيضاً. وإذا نجحت هذه الجهود، فقد تعقّد عملية التنفيذ حتى لو ظلت الإجراءات ملزمة قانوناً.
أما ثالث الخيارات فتشمل حشد الدعم في صفوف الجمعية العامة للأمم المتحدة بين الدول المعارضة لإعادة فرض العقوبات على قاعدة عدم قانونية الخطوة، واعتبارها جزءاً من الإجراءات “القسرية” التي تتبناها القوى الغربية لإجبار إيران على التوقيع على اتفاق لا يتفق مع مصالحها الوطنية.
وتتضمن الحزمة الثانية الاستمرار في تحدي العقوبات الأممية والغربية، عبر الاستمرار باستيراد النفط الإيراني من طريق المصافي الصينية غير الحكومية لضمان استمرار تدفق العوائد المالية على طهران. إلى جانب ذلك، قد تلجأ الصين وروسيا إلى تعزيز روابطها السياسية والأمنية مع إيران بشكل لا يستفز الولايات المتحدة ودول الخليج. قد تشمل هذه الخيارات زيادة عدد المناورات العسكرية البحرية الثلاثية والزيارات العسكرية والمشاورات الدبلوماسية بهدف إعاقة فرض عزلة دولية على إيران.
التوقعات المستقبلية
رحَّبت الصين بالاتفاق بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في القاهرة في 9 سبتمبر الجاري. ويُتوقع أن تدعم الصين سياسة إيران لربط وصول مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفاهمات الدبلوماسية على القضايا الأوسع مع الأوروبيين، وأهمها العقوبات. ربما يتم ذلك عبر تصميم نظام وصول جزئي وتدريجي للمواقع النووية مرتبط بالتنازلات الأوروبية فيما يخص المفاوضات حول تفعيل “آلية الزناد”. وقد بدأت ملامح هذه السياسة تتضح بالفعل من طريق الخلاف بين إيران والوكالة حول تفسير بنود الوثيقة الموقعة في القاهرة. لكن بات واضحاً أن موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني جاءت بشرط منح المفتشين تصريحاً مسبقاً قبل القيام بتفتيش أيٍّ من المنشآت، وهو ما يفرض قيوداً غير مباشرة على عمل المنظمة.
إحدى المخاوف التي يُعبِّر عنها خبراء ومحللون صينيون توظيف الولايات المتحدة للوكالة لإضفاء شرعية على الإجراءات الدبلوماسية والعسكرية واستمرار العقوبات ضد إيران. على سبيل المثال، تدور نقاشات محددة حول أن تقرير مجلس محافظي الوكالة، الذي أعلن انتهاك إيران لالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي، مهَّد الطريق بشكل غير مباشر للقصف الإسرائيلي عبر منح تل أبيب مبرراً/غطاءً سياسياً. ومن ثمّ، فإن بيجين ترى في عودة مفتشي الوكالة ليس مطلباً تقنياً أو قانونياً فحسب، ولكنه أحد ركائز الأمن والاستقرار في المنطقة.
وتتعمق المخاوف المرتبطة بعودة القصف مرة أخرى بتفعيل “آلية الزناد”، إذ قد تخلق عودة العقوبات انطباعاً بأن إيران لا تمتلك الإرادة للعودة لالتزاماتها النووية، وهو ما يمهّد الطريق لاستئناف الحرب. وقد عبَّرت بيجين عن قلقها من أن عودة القتال قد يؤدي لزعزعة استقرار المنطقة بأكملها.
وعلى رغم تعارض مهلة الثلاثين يوماً مع اجتماعات الجمعية العامة، يُرجح أن تستغل الصين وروسيا هذا التزامن لحشد الدعم الدبلوماسي لإيران في مواجهة الترويكا الأوروبية. في الوقت نفسه، ستُشجع البلَدان طهران على التفاوض ومحاولة التوصل لاتفاق يفضي إلى تمديد فترة السماح وتعليق تفعيل “آلية الزناد” قبل انتهاء المهلة في 27 سبتمبر ولمدة ستة أشهر من أجل التوصل في خلالها لاتفاق مع الولايات المتحدة. ومع أن فرص التوصل لاتفاق لعطيل تفعيل الآلية تبدو صعبة، يُرجَّح ممارسة بيجين وموسكو ضغوطاً على طهران لدفعها باتجاه تقديم تنازلات قد تفضي إلى اتفاق.
إذا تم الاتفاق على التأجيل وتواصلت المفاوضات بين طهران وواشنطن حول حق إيران الاستمرار في تخصيب اليورانيوم، يُرجح تمسّك الصين بموقفها الداعم لتخصيب اليورانيوم للاستخدامات السلمية. لكنها قد تشجع إيران على القبول بحلول وسط تُرضي القوى الغربية وتحفظ ماء وجه القيادة الإيرانية. على سبيل المثال، نقل اليورانيوم أو تصنيع أجهزة الطرد المركزي إلى الخارج، أو الدخول مع دول الخليج في تحالف للاستخدامات السلمية للطاقة النووية تحت إشراف الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية يكون مقره خارج طهران.
وبشكلٍ خاص، فإن الحل الدبلوماسي للملف النووي بالنسبة للصين هو ركيزة الاستقرار الإقليمي. ففي السيناريو الأسوأ، قد يفشل الجانبان في التوصل لاتفاق لتأجيل تفعيل “آلية الزناد”. وربما يترتب على ذلك إلغاء إيران اتفاق التفتيش مع الوكالة والبدء بإجراءات الانسحاب من معاهدة الحد من الانتشار النووي. في هذه الحالة، قد تكون الجولة الثانية من الحرب الإيرانية-الإسرائيلية حتمية. يترك ذلك الاستنتاج أن الصين تُعارض منع المفتشين وانسحاب إيران من المعاهدة؛ باعتبارهما خطوتين قد تؤدي لعودة القتال وتوسيع دائرة الصراع الإقليمي. وقد يؤدي انسحاب إيران أيضاً إلى إسراعها لتطوير سلاح نووي، وهو ما تُعارضه بيجين أيضاً. وتخشى الصين بشكل خاص من أن يؤدي احتمال انسحاب إيران إلى اهتزاز نظام الحد من الانتشار على المستوى العالمي وتراجُع مصداقيته، وانسحاب دول إضافية في المستقبل أو سعي دول أخرى، مثل السعودية، للحصول على السلاح النووي، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الصيني وانغ يي صراحةً في خلال اجتماع وزراء خارجية منظمة شنغهاي للتعاون في يوليو الماضي.
ويُرجح كذلك تجاهُل الصين وروسيا تطبيق العقوبات الصادرة عن مجلس الأمن إذا لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق على أساس موقفهما القانوني بأن دول الترويكا الأوروبية ليس لديها السلطة لتفعيل “آلية الزناد”. أحد أهم مظاهر هذا التجاهل الزيادة الفعلية في واردات الصين من النفط الإيراني. وتظهر بيانات “كبلر” أن حجم النفط الإيراني الذي تم تفريغه في الموانئ الصينية في أغسطس بلغ 1.68 مليون برميل يومياً، بزيادة قدرها 23% عن يوليو. وتُظهر البيانات أيضاً أن غالبية شحنات النفط الجديدة جاءت من النفط الإيراني المخزن في المحيط بالقرب من ماليزيا، حيث أظهرت انخفاض المخزونات العائمة إلى 15 مليون برميل بحلول 7 سبتمبر، مقارنة بـ30 مليون برميل في أوائل أغسطس.
لكن التأثير الأهم من هذا التجاهل إضعاف مصداقية مجلس الأمن، باعتبار الصين وروسيا عضوين دائمين، وتقويض قدرته على التطبيق الفعال للعقوبات في الصراعات المستقبلية.
استنتاجات
على رغم فاعلية بعض الإجراءات الدبلوماسية الصينية، بالتعاون مع روسيا، لتعطيل أو إبطاء العملية الناتجة عن تفعيل “آلية الزناد”، فإنها لا تزال غير كافية لإزالة مفعولها بشكل كامل. يُضيِّق ذلك نطاق الهدف الصيني والروسي في حدود تحصين إيران دبلوماسياً عبر محاولة كسب الوقت وحشد الدعم في مجلس الأمن والجمعية العامة، لتمديد فترة تعليق العقوبات ونزع المصداقية عن العقوبات الأممية. لكن سياسة الجانبين أيضاً لا تخلو من الضغط على إيران لتقديم تنازلات، وهو ما بدأ يتضح من طريق الاتفاق التقني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول عودة المفتشين.
أهم استنتاج يمكن تسليط الضوء عليه هو أهداف الصين من وراء الدفع باتجاه التوصل لاتفاق جيد: إحباط محاولة اتخاذ “آلية الزناد” مُسوِّغاً سياسياً لإعادة قصف إيران من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، ومن ثمّ احتمال توسع نطاق الحرب على المستوى الإقليمي، بما يشمل تقويض مصالح الصين التجارية في المنطقة. في المقابل، لا ترغب الصين أن تُوظِّف إيران عودة العقوبات للحصول على السلاح النووي.