انتخابات مجلس الشعب السوري: العملية، والنتائج، والرِّهانات

  • أُجريت في سورية أول انتخابات برلمانية في المرحلة التي تلت سقوط نظام الأسد، نتج عنها شغل 119 مقعداً في مجلس الشعب، وبقي 21 مقعداً شاغراً عن محافظات السويداء والرقة والحسكة، التي اُستُثنيَت من العملية الانتخابية بسبب الظروف الأمنية.
  • صُمِّمَت العملية الانتخابية لمجلس الشعب السوري بعناية، لضمان الوصول إلى مخرجات مناسبة، فلم تستند العملية إلى اقتراع شعبي مباشر، بل مثَّلت صيغة هجينة تمزج بين انتخابات مقيدة ضمن أطر معينة، وتعيينات مباشرة من قبل الرئيس الشرع (70 مقعداً من إجمالي 210 مقاعد).
  • عبَّرت انتخابات مجلس الشعب عن رغبة النظام الحاكم الجديد في سورية في ترسيخ شرعيته، وإرسال صورة إيجابية إلى الخارج عن قدرة النظام على تنفيذ الاستحقاقات السياسية والاقتصادية. 
  • مع أن تركيبة مجلس الشعب الجديد أظهرت وصول العديد من التكنوقراط المؤيدين لتوجهات نظام الحكم ومواقفه تجاه القضايا الأساسية في هذه المرحلة، مع استبعاد المتشددين وأصحاب الخطاب المتطرف، إلا أن العملية كشفت إلى حدٍّ بعيدٍ مدى ترسُّخ الهويات التقليدية والعشائرية ما بعد الحرب.

 

أُجريت في سورية في 4 أكتوبر 2025 أول انتخابات برلمانية في المرحلة التي تلت سقوط نظام الأسد، وسط ظروف معقدة نتيجة عدم سيطرة الحكومة الانتقالية على أجزاء واسعة من البلاد، وفي ظل رهانات كبيرة على نجاح هذه العملية بوصفها استكمالاً لإجراءات شرعنة الحكم في سورية.

 

تتناول هذه الورقة انتخابات مجلس الشعب ضمن المرحلة الانتقالية، ودور المجلس في تشكيل الحالة السورية المستقبلية، ونتائج الانتخابات وتقييم العملية الانتخابية.

 

تصميم العملية الانتخابية

كلّف “مؤتمرُ النصر”، الذي عقدته الفصائل التي شاركت في عملية “ردع العدوان” في 29 يناير، الرئيس أحمد الشرع بتشكيل مجلس شعب انتقالي، لكن الشرع، وبعد الاجتماع مع لجنة صياغة الإعلان الدستوري ، قرّر إجراء شكل من أشكال الانتخاب لاختيار أعضاء مجلس الشعب. ومع أن الرئيس، وفق ما جاء في الإعلان الدستوري المعلن في 13 مارس، مُنِحَ صلاحية التشريع بالمراسيم، إلا أنه فضّل خيار الانتخابات، التي على رغم محدوديتها، سواء لجهة نسبة المشاركة أو عدم شموليتها لأجزاء من البلاد، فإنها تضخ بعض الشرعية في شرايين النظام الحاكم، فضلاً عن الحاجة إلى مجلس الشعب لإقرار حزم القوانين المنتظرة.

 

وعلى ضوء ذلك، جرى تصميم عملية انتخابية يتم التحكم بمدخلاتها لضمان الوصول إلى مخرجات مناسبة، ومن هنا لم تستند العملية إلى اقتراع شعبي مباشر بل هي عبارة عن صيغة هجينة تمزج بين انتخابات مقيدة ضمن أطر معينة (اللجان بمختلف مستوياتها) وتعيينات مباشرة من قبل الرئيس أحمد الشرع (يُعين الرئيس 70 مقعداً من إجمالي 210 مقاعد). وسُوِّغَ اللجوء لهذه الطريقة بنقص البيانات السكانية الموثوقة ونزوح ملايين السكان بسبب الحرب، ليكون المجلس الجديد أقرب إلى مجلس شيوخ، وبخاصة بعد اعتماد تقسيم المترشحين إلى فئتَي الكفاءات (70%) والأعيان (30%)، بحيث يكون بين أعضاء المجلس انسجام أكبر وتلبية متطلبات سرعة الإنجاز لمهام المجلس.

 

وعلى رغم ما أُشيع عن أن التجربة الانتخابية الجديدة مستوحاة من تجربة المرحلة الانتقالية في جنوب أفريقيا، فإن الواقع يؤكد أنها محاكاة لتجربة حصلت في إدلب، حيث انعقد المؤتمر السوري العام في إدلب عام 2017، بهدف تشكيل مجلس شورى يكون بمنزلة مرجعية لحكومة الإنقاذ وغطاءً مدنياً لهيئة “تحرير الشام”، وقد اُنتُخِبَ المندوبون من طريق مجالس محلية مختارة ونخب اجتماعية محدّدة.

 

كانت العملية الانتخابية لمجلس الشعب الجديد مُصمّمة إلى حد بعيد، عبر التحكم بآلياتها واختيار الهيئات الناخبة والمرشحين للمجلس (أ.ف.ب)

 

وبناءً على ذلك، جرى تصميم عملية انتخابية تقوم على ثلاث مراحل، وفق الآتي:

 

المرحلة الأولى: تشكيل لجنة عليا للانتخابات تتألف من 11 عضواً،  بقرار صادر عن الشرع في 13 يونيو الماضي، بمهام الإشراف على العملية الانتخابية، وتنص آليات عملها على قيامها بتسمية أعضاء المجمع الانتخابي الفرعي، الأمر الذي يمنحها نوعاً من الوصاية المسبقة على العملية الانتخابية، عبر تحديد الأشخاص الذين يحقّ لهم المشاركة في المجمّع الانتخابي، ثم مشاركتهم بالترشّح والانتخاب.

 

المرحلة الثانية: أنشأت اللجنة العليا لجاناً انتخابية فرعية على مستوى الدوائر الخمسين التي تم تحديدها، بحيث تضم كل لجنة ثلاثة أعضاء على الأقل، ويُشترط في هذه المرحلة الاطلاع على كفاءات وأعيان البلدات، وعدم وجود عداوات ظاهرة مع المجتمع المحلي، ويجري الاختيار عبر ما يُعرف بـ”الفرز المجتمعي” بالتشاور مع الفعاليات الرسمية والمجتمعية والرموز الوطنية. ولا يحق لأعضاء اللجان الفرعية الترشح لمجلس الشعب، حيث سيكون أعضاء هذه اللجان ممثلين رسميين للجنة العليا في الدوائر الانتخابية.

 

المرحلة الثالثة: تُكلّف اللجان الفرعية هيئات ناخبة في مناطقها، وتضم كل هيئة بين 30 و50 عضواً، ويتم اختيار الأعضاء من هذه الهيئات، وقد بلغ عدد الأعضاء 6000 عضو شكلوا الهيئة الناخبة، وبلغت نسبة النساء بينهم 14%.

 

ووُضِعَت معايير لقبول أعضاء اللجان في المرحلتين الثانية والثالثة، بحيث ألا يكون العضو قد ترشح لانتخابات مجلس الشعب عام 2011، وألا يكون منتمياً للنظام السابق أو داعماً له، أو منتمياً للمنظمات الإرهابية، أو من دعاة الانفصال والتقسيم أو الاستقواء بالخارج، دون تقديم تعريف قانوني لهذه المصطلحات أو وضع معايير موضوعية لإثباتها، الأمر الذي حوّلها إلى أداة بيد السلطة السياسية لمنع وصول أي مُعارض لها للمجلس.

 

ووُزِّعَت المقاعد البرلمانية على المحافظات على الشكل الآتي: حلب: 32 مقعداً؛ وريف دمشق: 12؛ ودمشق: 10؛ وحمص: 12؛ وحماة: 12؛ والحسكة: 10؛ واللاذقية: 7؛ وطرطوس: 5؛ ودير الزور: 10؛ والرقة: 6؛ ودرعا: 6 مقاعد؛ وإدلب: 12؛ والسويداء: 3؛ والقنيطرة: 3.

 

أهمية الانتخابات والدور المطلوب من مجلس الشعب

يمثّل تشكيل السلطة التشريعية الخطوة الأخيرة لنظام الحكم الجديد في ترسيخ المؤسسات التي ستقود المرحلة الانتقالية التي حُددت بخمس سنوات، كما أنها تعدّ مقياساً عملياً لتقييم مدى التزام النظام السوري بالإصلاحات السياسية، واختباراً عملياً لنواياه في اتخاذ مسار سياسي شامل يُراعي مشاركة جميع مكونات المجتمع السوري وأطيافه. وتكمُن أهمية الانتخابات التشريعية في كونها تعطي صورة عن حالة الاستقرار في سورية، يمكن أن تُسهِم في إقناع المجتمع الدولي بأن سورية تسير بالاتجاه الصحيح، ما يُحفِّز الأطراف الدولية على دعم وحدة البلاد واستقرارها وجهود إعادة الإعمار، وتسريع عملية دمج سورية في المنظومتين الإقليمية والدولية.

 

وتنتظر مجلس الشعب السوري قضايا مُستعجلة ومُلحَّة، ولعل من أهمها إقرار مجموعة من القوانين الجديدة التي تسعى الحكومة المؤقتة من طريقها إلى تحويل الدولة التي كانت أقرب إلى الاقتصاد الاشتراكي إلى دولة واقتصاد رأسمالي عالمي التوجه والانفتاح، في إطار ما يسمى الإصلاح الاقتصادي. كما يتوقع من المجلس التصديق على الاتفاقيات الدولية التي تسعى الحكومة المؤقتة إلى الانضمام إليها، والمعاهدات الجديدة، والتي ربما الأهم من بينها الاتفاقية الأمنية مع إسرائيل، إذ سيُعطي تصديق مجلس الشعب شرعية لهذا الإجراء الذي من دونه لن تتمكن الحكومة، بصفتها المؤقتة، من القيام بمثل هذه الخطوة. كما سيتولى المجلس دوراً تأسيسياً عبر تشكيل لجنة لإعداد دستور دائم من المفترض حين اكتماله أن يُعرَض على استفتاء عام، ويلي ذلك انتخابات برلمانية ورئاسية.

 

ومن الواضح أن المطلوب من مجلس الشعب الجديد هو المصادقة على تشكيل سورية السياسي والاقتصادي، وحتى الاجتماعي، وصياغة معايير للدولة الجديدة، وفق ما ترتئيه السلطة الجديدة، الأمر الذي يعني أن تركيبة المجلس الجديد خضعت لغربلة دقيقة لعضويته، وستغلب عليه صفة الواجهة، حيث سيكون مطلوباً من أعضائه المساعدة في تمرير المرحلة الحالية، وهو ما دفع الكثير من الشخصيات الوازنة في المشهد السياسي إلى رفض الترشح للانتخابات.

 

وبما أن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة للإعمار وتدفقات استثمارية خارجية وتوزيع الموارد، وهو ما سُتشِرف عليه الحكومة التي شكّلها الشرع، أو التي سيُشكّلها في بداية العام المقبل وفق تصريحات المبعوث الأمريكي توماس برّاك، يمكن فهم أحد أهم أسباب التصميم الانتخابي، والعناية باختيار أعضاء ينسجمون مع توجهات إدارة الشرع، بما يضمن نزع أو تشذيب أهم دور للبرلمان والمتمثل بالرقابة والمحاسبة، ولاسيما في قضايا الشفافية والمحاسبة، في ظل اتهامات بوجود دائرة في القصر يقودها شقيق الشرع، تدير عملية اقتصادية في الظل، بالإضافة إلى دور مهم لشخصيات مقربة من الشرع في إدارة الاقتصاد.

 

جاءت نسبة النساء المنتخبات في مجلس الشعب السوري متدنية، على رغم وجود ما يشبه “رغبة” من السلطة الجديدة في وصول أعداد أكبر من النساء إلى المجلس (أ.ف.ب)

 

نتائج الانتخابات ودلالاتها

أعلنت اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب النتائج النهائية، فقد تم شغل 119 مقعداً، وبقي 21 مقعداً شاغراً عن محافظات السويداء والرقة والحسكة، التي قررت اللجنة استثناءها من العملية الانتخابية بسبب الظروف الأمنية.

 

يُلاحظ أن نسبة النساء المنتخبات جاءت متدنية (4% فقط)، فقد فازت 6 نائبات، 4 منهن يمثلن أقليات دينية (مسيحية، وسمعولية [إسماعيلية]، واثنتان من الطائفة العلوية)، على رغم وجود ما يشبه “رغبة” من السلطة في وصول أعداد أكبر من النساء إلى المجلس، للظهور بمظهر الحكم الحداثي الذي يمنح للمرأة دوراً فاعلاً في العمل البرلماني والحكومي، في حين أن النتائج جاءت متوافقة أصلاً مع تركيبة الهيئات الناخبة التي ضمَّت شخصيات محافظة، كما أنها تعكس طبيعة المجتمع السوري، ولاسيما الأكثرية منه، فهو مجتمع محافظ وذكوري، بالإضافة إلى هيمنة الهويات التقليدية والعشائرية التي تُفضِّل المرشحين الذكور.

 

ويلاحظ أن الفئات الأعلى تمثيلاً ضمن الكفاءات، هم العاملون في القطاعات الطبية والهندسية والحقوقية، وهذا انعكاس لارتباط هذه الفئات بالمجتمعات المحلية من طريق ما تقدّمه من خدمات وفوائد، كما تعكس ارتفاع نسبة الأكاديميين والاقتصاديين والحقوقيين رغبة المجتمعات السورية في وجود نخبة من التكنوقراط القادرة على النهوض بالبلاد في المرحلة المقبلة بعيداً عن مُعتنقي الأيديولوجيات الصلبة.

 

وعلى صعيد التمثيل العمري، يُلاحظ أن الفئات العمرية ما دون الستين عاماً تشكل الأغلبية في المجلس، وهم في الأغلب الفئة التي كان لها نشاط في خلال الثورة على صُعُد مختلفة، ويؤشر ذلك أيضاً إلى دور الشباب في الحياة السياسية السورية.

 

أما فيما يخص نسبة التمثيل العرقي والطائفي، فيُلاحظ أن النسب لا تعكس التوازنات الحقيقية بقدر ما تعكس صورة المقاطعة التي أقدم عليها الكرد والدروز والشيعة وغالبية العلويين وجزء كبير من المسيحيين، وهذا ما جعل العرب السُّنَّة يحصلون على 103 مقاعد من أصل 119 مقعداً. وعلى رغم أن الإسماعيليين يعدون أصغر الطوائف في سورية (أقل من 1%)، فإن فوزهم بثلاث مقاعد ينطوي على تفسيرين: إما محاباة للسلطة لهم نتيجة مواقفهم منها، أو أنهم حصلوا على مقاعد في مناطق وجودهم في طرطوس واللاذقية “مصياف” نتيجة مقاطعة العلويين للعملية الانتخابية. ومع أن مدينتي صحنايا والأشرفية وأجزاء من قطنا يُفترض أنها تابعة لريف دمشق، إلا أن القوائم النهائية لم تتضمن دروزاً، على رغم أن تصميم العملية الانتخابية جرى على أساس عدم هيمنة الغالبية على مقاعد الأقليات في المناطق ذات الوجود المشترك، ما يُرجح أن دروز ريف دمشق قاطعوا الانتخابات منذ بدايتها ولم يشاركوا في تركيبة الهيئات الناخبة تضامناً مع دروز السويداء.

 

وبخصوص التركيبة الأيديولوجية، يغلب على الفائزين في انتخابات المجلس الطابع المحافظ، ويمكن تصنيف غالبية المجلس بيمين الوسط، وهو انعكاس لتركيبة المجتمع السوري بعد الحرب، والتحولات البنيوية السياسية والاجتماعية.

 

وطبقاً للتقديرات التي تناولت توزيع القوى داخل البرلمان، فقد كانت على الشكل التالي: 60% من الكفاءات المدنية (مهنيون ونشطاء وممثلو المهجرين)، و20% من الإسلاميين المعتدلين، و15% من الأقليات. وشكّلت انتخابات حلب نموذجاً كاشفاً للمزاج السياسي السوري في هذه المرحلة، فقد فاز في الانتخابات التيار المحافظ المعتدل والليبراليون الاقتصاديون. ومع أن جماعة الإخوان المسلمين، الأكثر تنظيماً في سورية، نجحت في إيصال عدد محدود من حلفائها إلى المجلس، إلا أنه يظل عدداً محدوداً وغير متناسب مع ما تتطلع إليه الجماعة.

 

ومن المؤكد، أن إدارة الشرع، التي صمّمت العملية الانتخابية بدقة متناهية، قد مارست دوراً في وصول هذه التركيبة لمساعدتها في تحقيق الأهداف التي تسعى لها. وستُعزَّز هذه التركيبة بعد إضافة الحصة التي سيعينها الشرع، والتي ستعمل على تعزيز التوازنات في المجلس عبر زيادة العنصر النسائي والأقليات والمهمشين، ومن المتوقع أن يغلب على حصة الشرع شخصيات تتقاطع مع نظام الحكم في الرؤية السياسية لإدارة المرحلة المقبلة وشكل الدولة ونظام الحكم.

 

صَممت إدارة الرئيس أحمد الشرع العملية الانتخابية بدقة متناهية حتى تضمن تعزيز البرلمان لشرعيتها الداخلية وصورتها أمام المجتمع الدولي (أ.ف.ب)

 

تقييم العملية الانتخابية

انقسم الرأي بين الخبراء والمهتمين بالانتخابات البرلمانية في تقييم العملية ونتائجها، فقد عَدَّها البعض ضرورة لتسيير شؤون الدولة واكتمال مؤسساتها الشرعية، وهي تجسيد للانتقال من شرعية الثورة إلى شرعية الدولة، وفرصةً -في حال استطاع الشرع تحقيق التوازنات داخل المجلس عبر تعيين شخصيات مناسبة وتمثيل عادل للمكونات- للخروج من حالة الانقسام الحالية. كما يعتقد البعض أنَّه بالرغم من أن العملية مصمَّمة إلى حد بعيد، إلا أن نتائجها كانت إيجابية، عبر تهميشها للمتشددين وإيصال أكبر عدد من الخبرات والتكنوقراط إلى المجلس.

 

بيد أن العملية طاولتها انتقادات واسعة، من أهمها:

 

أولاً، بخصوص دور مجلس الشعب: فهذا المجلس سيتولى دوراً تأسيسياً من طريق تشكيل لجنة لإعداد الدستور، حيث سيتم على أساسه تقرير صلاحيات الرئيس، وتشكيل الحياة السياسية في سورية، وتشريع قوانين إنشاء الأحزاب السياسية والإعلام وطبيعة التوجهات الاقتصادية، بمعنى أن القيادة الحالية، وعبر أدواتها المُختارة بعناية، ستتحكم بمخرجات المجلس وتوجهها بما يتفق مع مصالحها وضمان استمرارها في السلطة لاحقاً.

 

ثانياً، في صلاحيات المجلس: نزعَ الإعلانُ الدستوري عن مجلس الشعب أهم صلاحياته وهو مراقبة الحكومة ومساءلتها، ما يحوّل المجلس إلى أداة لتشريع ما يريده النظام الحاكم، بمعنى أن يكون مجرد واجهة تُمرِّر عبره السلطة ما تريده من تشريعات وقوانين.

 

ثالثاً، التبعية للسلطة التنفيذية: أدت السلطة التنفيذية دوراً أساسياً في تشكيل اللجان الفرعية والهيئات الناخبة، فقد كان للأمانة العامة للشؤون السياسية التابعة لوزارة الخارجية، بالتعاون مع المحافظين والقادة العسكريين، دوراً أساسياً في اختيار الأعضاء المُراد إيصالهم إلى المجلس، وبإضافة الـ70 عضواً الذين سيختارهم الشرع تتأكد هيمنة السلطة التنفيذية على المجلس بشكل جلي.

 

رابعاً، إغراق العملية الانتخابية بالتفاصيل الشكلية على حساب المضمون: حيث عملت السلطة على صناعة آليات للعملية الانتخابية ذات طبيعة شكلانية، عبر ترسيم العديد من الإجراءات وخلق أُطُر للعملية بهدف خلق نوع من المصداقية، مثل تخصيص مقاعد للأقاليم طبقاً لعدد السكان، وتحديد مراحل للطعن والاعتراض، وتشكيل لجان محلية للإشراف على اختيار ممثلي الانتخابات، لكن في الممارسة العملية كانت كل هذه التفاصيل مُصمَّمة من قبل اللجنة العليا للانتخابات لهندسة المشهد الانتخابي وضمان مخرجاته، بحيث تَصِل شخصيات محدّدة للمجلس، إما مفحوصة سلفاً من قبل السلطة أو مضمونة الولاء.

 

الخلاصة

عبَّرت انتخابات مجلس الشعب عن رغبة النظام الحاكم الجديد في سورية في ترسيخ شرعيته، وإرسال صورة إيجابية إلى الخارج عن قدرة النظام على تنفيذ الاستحقاقات السياسية. وكانت العملية الانتخابية مصمّمة إلى حد بعيد، عبر التحكم بآلياتها واختيار الهيئات الناخبة والمرشحين للمجلس. وصحيح أن تركيبة المجلس أظهرت وصول العديد من التكنوقراط المؤيدين لتوجهات نظام الحكم ومواقفه تجاه القضايا الأساسية في هذه المرحلة، مع استبعاد المتشددين وأصحاب الخطاب المتطرف، إلا أن العملية كشفت إلى حدٍّ بعيدٍ مدى ترسُّخ الهويات التقليدية والعشائرية ما بعد الحرب، كما أثارت المخاوف من أن تسهم الانتخابات في ترسيخ الانقسام في سورية، وبخاصة مع عدم مشاركة ثلاثة محافظات ذات مكونات عرقية مهمة في الانتخابات.

 

المصدر

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M