- تَعهَّدت الصين بخفض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري إلى ما بين 7% و10% دون مستويات الذروة بحلول عام 2035، مع السعي لفعل المزيد. لكن هذه الأهداف المناخية الصينية الجديدة عدَّها محللون وخبراء غربيون “أقل من التوقعات”.
- أرادت الصين من نشر الحزمة الثالثة من “المساهمات المناخية المحددة وطنياً” تبنّي مقاربة قائمة على الموازنة بين الالتزامات المناخية والنمو الاقتصادي، بحيث تَطرَح فيها الحد الأدنى من الأهداف القادرة على تحقيقها، وليس الحد الأقصى، وهو ما يعكس حذراً سياسياً صينياً متعمداً.
- يعكس سعي الصين المقصود لخفض التوقعات فيما يتعلق بتعهداتها المناخية هيمنة عدم اليقين على المخططين الاقتصاديين الصينيين، وضبابية التوقعات حول أداء الاقتصاد الصيني على مدى العقد المقبل.
- سيكون للتحولات المترتبة على الإعلان الصيني المناخي الجديد تداعيات على قطاعي الطاقة والتصنيع في دول الجنوب العالمي، وخصوصاً دول الخليج. وأحد أهم النتائج المترتبة على ترجيح تحقيق بيجين أهدافها قبل عام 2035 بكثير تراجُع الطلب الصيني العام على النفط، التي تُمثِّل دول الخليج حوالي 45% من إجمالي الواردات الصينية منه.
- أيضاً، قد يحمل التسريع الصيني في زيادة القدرة المركبة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى جانب تسريع وتيرة إنتاج المركبات العاملة بالطاقة الجديدة، خطر إغراق الأسواق الخليجية بالبضائع الصينية الرخيصة، خصوصاً مع تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.
تَعهَّد الرئيس الصيني شي جينبينغ بخفض انبعاثات الصين من غازات الاحتباس الحراري إلى ما بين 7% و10% دون مستويات الذروة بحلول عام 2035، مع السعي لفعل المزيد. وجاءت تعهدات الرئيس الصيني، في 24 سبتمبر، في خلال القائه خطاباً مسجلاً في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وضمن قمة الأمم المتحدة للمناخ التي نظمها الأمين العام للأمم المتحدة. وهذا هو التعهد المناخي الثالث للصين بموجب اتفاقية باريس، ولكنَّه الأول الذي يضع قيوداً صارمة على الانبعاثات في الصين من طريق تحديد هدف “مطلق” لخفضها.
تُحلل هذه الورقة التعهدات الصينية المناخية الجديدة، وأهم محدداتها، وما إذا كانت مناسبة للوصول إلى مستوى 1.5 درجة مئوية، والتداعيات على مصالح دول الخليج.
الحزمة الثالثة من التعهدات المناخية الصينية
تتضمن “المساهمات المناخية المحددة وطنياً” الثانية للصين المعتمدة منذ إعلانها في خلال اجتماعات الجمعية العام للأمم المتحدة عام 2020، الهدف الكربوني المزدوج المتمثل في الوصول إلى ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2030 والحياد الكربوني بحلول عام 2060، وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 65% عن مستويات عام 2005 بحلول عام 2030.
وقد أعلنت الصين أنها ستصدر الأهداف المناخية الجديدة قبيل انعقاد قمة “كوب 30” في البرازيل في نوفمبر المقبل. ويشترط اتفاق باريس تحديد الدول الأهداف المناخية كل خمسة أعوام. لكن، إلى الآن، لم تتوفر تفاصيل أكثر عن هذه الأهداف أكثر من خطاب الرئيس الصيني. ويُنتَظر أن تقدّم الخطة الخمسية الخامسة عشر (2026-2030) تفاصيل أكثر عن هذه التعهدات وخطط الصين لتحقيقها.
وفي المجمل، شملت الأهداف الجديدة ما يلي:
- حددت الصين، لأول مرة على الإطلاق، هدفاً مطلقاً لخفض الكربون يشمل خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة تتراوح بين 7 و10% في كل القطاعات الاقتصادية بحلول عام 2035 من مستويات الذروة. وقال شي إن بيجين ستسعى “إلى تحقيق أداء أفضل” من هذه التعهدات الجديدة. ويمثل الإعلان عن هدف الانبعاثات المطلق تحولاً في سياسة الصين، التي اعتمدت في السابق على تحديد أهداف خفض انبعاثات متخصصة وغامضة وتفصيلية، ركزت بالأساس على خفض كثافة واستهلاك الطاقة في الاقتصاد، وأهداف خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لبعض الصناعات كثيفة الانبعاثات.
- زيادة نسبة الوقود غير الأحفوري في إجمالي استهلاك الطاقة في الصين إلى أكثر من 30% بحلول عام 2035. ويعد هذا الهدف هو الأسهل في التحقق من بين جميع التعهدات التي قدَّمها شي نظراً للمستوى العالي من الطاقة النظيفة في إجمالي استهلاك الطاقة بالفعل. على سبيل المثال، في عام 2024، بلغت نسبة الوقود غير الأحفوري 18.9% من إجمالي استهلاك الطاقة في الصين، في اتساق مع هدف عام 2025 البالغ 20% في الخطة الخمسية الرابعة عشرة (2021-2025). وتعهَّد الرئيس الصيني أيضاً بزيادة القدرة الوطنية لتوليد طاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى ستة أضعاف من مستويات عام 2020، مع السعي للوصول إلى 3600 غيغاوات بحلول عام 2035. وقد بلغ إجمالي القدرة الصينية على إنتاج طاقة الرياح والطاقة الشمسية 530 غيغاوات في عام 2020. يعني ذلك أن الهدف الأدنى المتمثل في “ستة أضعاف مستويات 2020” سيبلغ حوالي 3100 غيغاوات. لكن تجدر الإشارة أيضاً إلى أن شي لم يتطرق في خطابه إلى جهود ضبط الفحم. وفي مساهمتها الوطنية المحددة الثانية، والمركزة على عام 2030، تعهَّدت الصين بـ”فرض رقابة صارمة على مشاريع توليد الطاقة التي تعمل بالفحم”، بالإضافة إلى “الحد الصارم” من استهلاك الفحم بين عامي 2021 و2025، و”التخفيض التدريجي” له بين عامي 2026 و2030، مع التوقف عن بناء مشاريع طاقة جديدة تعمل بالفحم في الخارج.
- زيادة “حجم مخزون الغابات” إلى 24 مليار متر مكعب بحلول عام 2035.
- سيادة “مركبات الطاقة الجديدة” لمبيعات جميع المركبات الجديدة في الصين بحلول عام 2035.
- تبنّي تحوُّل في تطبيق نظام تداول الانبعاثات الوطني وتوسيعه ليشمل جميع الصناعات الرئيسة كثيفة الانبعاثات. ومنذ إقرار نظام الانبعاثات الوطني في عام 2021، انحسرت تغطيته فقط على “وحدات الانبعاثات الرئيسة”. ويعني هذا المصطلح الشركات التي تتجاوز انبعاثاتها السنوية من الغازات الدفيئة 26 ألف طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون. وتشمل التغطية أربعة قطاعات فقط ضمن السياسة التجريبية على مدار الأربع سنوات الماضية، هي: توليد الطاقة، والإسمنت، والصلب، وصهر الألومنيوم. ويغطي النظام الحالي حوالي 7 مليارات طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون، أو نحو 60% من إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصين.
التزامات أقل من المتوقع
تأتي التعهدات المناخية الصينية الجديدة ضمن مسار بدأ عام 2023 منذ صدور البيان المشترك بين الصين والولايات المتحدة، الذي نص آنذاك على أن مساهمات البلدين المحددة وطنياً لعام 2035 “ستشمل الاقتصاد بأكمله، وستشمل جميع غازات الاحتباس الحراري، وستعكس هدف الحفاظ على ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية دون درجتين مئويتين”. وقد تم التوافق على نفس النهج في خلال مؤتمر “كوب 28” في الإمارات.
وأكد نائب رئيس الوزراء ورئيس فريق المناخ الصيني، دينغ تشيوشيانغ، في خلال مؤتمر “كوب 29” في باكو العام الماضي، بأن تعهدات الصين المناخية لعام 2035 ستشمل جميع قطاعات الاقتصاد بأكمله، وسيغطي جميع غازات الاحتباس الحراري. لكنه لم يتطرق إلى التوافق مع هدف 1.5 درجة مئوية. وأكد الرئيس الصيني أيضاً ذلك النهج في خلال اجتماع المناخ بين قادة الدول في أبريل 2025.
لكن هذه التعهُّدات أرست سقفاً مرتفعاً للتوقعات، ومِن ثمَّ فإن المحللين والمتخصصين الغربيين يرون أن الأهداف المناخية الصينية الجديدة أقل من التوقعات.
ففيما يتعلق بهدف خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى، جاءت التعهدات بالخفض بنسبة 7-10% والتي يُنظَر إليها بأنها غير كافية. وبشكل خاص، تتمحور التحفظات حول تواضع نطاق خفض الانبعاثات نسبياً وعدم اليقين الناجم عن تجنُّب سنة أساسية محددة يبنى عليها كقاعدة لحساب الذروة.
ويقول باحثون إن الصين قد تحتاج إلى خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة أعلى بكثير حتى تسهم جهودها في الحفاظ على درجة حرارة الكرة الأرضية عند أقل من درجتين مئويتين. على سبيل المثال، توصلت دراسة بواسطة “معهد سياسات جمعية آسيا” إلى أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الصين “يجب أن تنخفض بنسبة 30% على الأقل من مستوى الذروة حتى عام 2035” من أجل مواكبة ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية. وقالت أيضاً إن الانبعاثات على مستوى الصين قد تكون بالفعل وصلت إلى مرحلة الذروة. وتتسق هذه الاستنتاجات مع توقعات وكالة الطاقة الدولية للاقتصادات الصاعدة أيضا، ومنها الصين.
لكن التقديرات الاكاديمية الصينية تختلف عن ذلك، وتوصي صُنَّاع السياسات بالتعهد بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المرتبطة بالطاقة “بنحو 10% مقارنة بعام 2030″، وتُقدِّر بلوغ الانبعاثات مستوى الذروة “بين عامي 2028 و2029”.
وسيتوقف تحقيق خفض انبعاثات بنسبة 10% على سرعة الوصول لمستوى الذروة. وتفيد تقديرات بأن انخفاض نسبة الانبعاثات بمقدار 1% على أساس سنوي في النصف الأول من عام 2025 في الصين قد يُمهِّد الطريق للوصول لمستوى الذروة هذا العام، بينما تُقدِّر حسابات أخرى أن الصين قد تصل للذروة بحلول عام 2028.
فيما يتعلق بهدف زيادة مساهمة الوقود غير الأحفوري إلى مستوى 30% من إجمالي استهلاك الطاقة، فإنه قد لا يتناسب مع قدرات الصين التي تشير تقديرات إلى إمكانية تحقيقها نسبة 40% من الوقود غير الأحفوري من إجمالي استهلاك الطاقة بحلول 2035.
على سبيل المثال، لتحقيق الهدف الأكثر طموحاً المتمثل في توليد 3600 غيغاوات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بحلول عام 2035، ستحتاج الصين إلى إضافة ما معدله 180 غيغاوات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الجديدة سنوياً بين عامي 2025 و2035، أي بمعدل نمو سنوي يبلغ حوالي 9%. وأضافت بيجين في عام 2024 ما يقرب من 360 غيغاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، منها 212 غيغاوات من الطاقة الشمسية منفردة. وبين عامي 2015 و2024، نما إجمالي الطاقة الإنتاجية لطاقة الرياح والطاقة الشمسية بمعدل نمو سنوي يقارب 20%، أي أكبر بكثير من معدل النمو المطلوب لتحقيق الأهداف الحالية.
تُشير توقعات معهد “سينوبك للأبحاث الاقتصادية والتنموية” إلى أن الطاقة غير الأحفورية قد تمثل 27% من إجمالي استهلاك الطاقة في عام 2030، و36% في عام 2035. وأشارت دراسات أخرى إلى أن بناء ما بين 2910 إلى 3800 غيغاوات من طاقة الرياح والطاقة الشمسية بحلول عام 2035 سيكون متوافقاً مع مسار الاحتباس الحراري بمقدار درجتين مئويتين، وليس 1.5 درجة.
وفيما يتعلق بهدف زيادة “حجم مخزون الغابات” إلى 24 مليار متر مكعب بحلول عام 2035 ثمة ما يُشير إلى تباطؤ في الوتيرة التاريخية أيضاً. ففي الفترة من عام 2000 إلى عام 2024، نمت القيمة الإجمالية للغابات بمعدل نمو سنوي بلغ حوالي 2%. ويتطلب تحقيق هدف عام 2035 معدل نمو سنوي يبلغ حوالي 1.8%، مما يعكس مساراً أبطأ. ويضاعف هذا التباطؤ من الضغط على قطاع الطاقة النظيفة في الحد من الانبعاثات.
وكما كان متوقعاً، ركَّز شي على أحد نقاط القوة الأساسية، وهي قدرات الصين الهائلة في إنتاج المركبات العاملة بالطاقة النظيفة. يسهم قطاع النقل الصيني وحده بنحو 10% من إجمالي انبعاثات الكربون، مما يجعله ثالث أكبر مصدر لثاني أكسيد الكربون، إلى جانب إنتاجه حوالي 19.3 مليون طن من الغازات الملوثة في الهواء عام 2023. وفي 2024، قامت الصين بتصنيع حوالي 12.89 مليون سيارة تعمل بالطاقة الجديدة، بزيادة قدرها 34.4% عن العام 2023. وتعكس لهجة شي المركزة على جعل المركبات الكهربائية الجديدة “المحرك الرئيس” لعمليات شراء المركبات الجديدة، مدى إيمان القيادة الصينية بالقدرات الوطنية والتصنيعية والسياسات المحفزة التي تتبناها بيجين للتشجيع على شراء هذه المركبات. فعلى سبيل المثال، شكلت مبيعات المركبات العاملة بالطاقة الجديدة بالفعل حوالي 40.9% من إجمالي مبيعات المركبات في الصين في 2024، بزيادة قدرها 9.3% عن المبيعات في عام 2023. أي أن الصين اقتربت كثيراً بالفعل من جعل هذه المركبات “المحرك الرئيس” للمبيعات.
وبشكل عام، لوضع قدرات الصين في سياقها الصحيح، ينبغي الأخذ في الاعتبار أنها باتت تصنع أكثر من 80% من ألواح الطاقة الشمسية، ونحو 75% من بطاريات السيارات الكهربائية، وأكثر من 60% من توربينات الرياح في العالم.
إذن، يبدو من البيانات السابقة أن القيادة الصينية تتبنى تعهدات أقل كثيراً من قدراتها وإمكاناتها على تحققها في الأوقات المحددة، بحيث يتوقع قدرتها على الالتزام بغالبيتها أو تخطيها. ويطرح ذلك تساؤلاً حول دوافع الصين من تقديم تعهُّد طاقي متواضع مقارنة بإمكاناتها المثبتة تاريخياً، وهو ما ستتطرق له الورقة في القسم التالي.
تعهُّدات أقل، وتطبيق أسرع
يتضح أن الصين أرادت من نشر الحزمة الثالثة من “المساهمات المناخية المحددة وطنياً” تبنّي مقاربة قائمة على الموازنة بين الالتزامات المناخية والنمو الاقتصادي. بمعنى آخر، سعت الصين، كعادتها ضمن رسم السياسات الاقتصادية، إلى طرح الحد الأدنى من الأهداف القادرة على تحقيقها، وليس الحد الأقصى، وهو ما يعكس حذراً سياسياً متعمداً.
يعود إصرار الصين على الالتزام بتعهُّدات مُحافِظَة للأسباب الآتية:
- السعي للحفاظ على منطقة اقتصادية عازلة تمكن الصين من الالتزام بتحقيق معدل النمو المعلن مسبقاً والمتوقع أن يستمر عند مستوى 5% في خلال الأعوام القليلة المقبلة أيضاً. يتطلب ذلك الأخذ في الاعتبار تداعيات الالتزام بأهداف مناخية طموحة على الأقاليم المعتمدة على الصناعات الثقيلة وكثيفة الانبعاثات، في وقت تعاني فيها غالبية الأقاليم من أزمات أهمها أزمة الديون والسيولة النقدية وتراجع قطاع العقارات بوصفها مصدراً أساسياً للعوائد المالية.
- ضمان أمن الطاقة على المستوى الوطني عبر تجنُّب أزمات ناتجة عن التسريع من التحول الطاقي كتلك التي شهدتها الصين عام 2021 بالتزامن مع التعافي الاقتصادي من أزمة كوفيد-19، وهو ما أدى إلى العودة للاعتماد على الفحم لسد العجز الطاقي.
- التحول في التزامات الولايات المتحدة، تحت إدارة ترمب، بتعهداتها المناخية، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى التباطؤ في تطبيق سياسات مناخية طموحة. أي أن بيجين لا تسعى إلى احتلال موقع القيادة العالمية في محاربة تغير المناخ دون مساهمة الجانب الغربي.
ومع ذلك، من غير المتوقع أن تؤثر هذه العوامل بشكل منهجي وحاسم في قدرات الصين على تحقيق الأهداف المعلنة. ويُبنى هذا الترجيح على سجل الصين في تحقيق الأهداف منذ بداية العقد الحالي.
على سبيل المثال، تجاوزت الصين في عام 2024 هدفها المعلن بزيادة إجمالي القدرة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى 12 غيغاوات بحلول عام 2030 ضمن الحزمة الثانية من “المساهمات المناخية المحددة وطنياً”. إلى جانب ذلك، وفي عام 2024 أيضاً، تخطت الصين بكثير هدف زيادة إجمالي القدرة للطاقة الجديدة إلى 30 غيغاوات، الذي كان محدداً الوصول إليه في عام 2025، إلى 73.7 غيغاوات.
وإذا كان هذا الترجيح واقعياً من حيث استمرارية مستويات إنتاج الطاقة، فلن يعني ذلك تحقيق الصين هدف الطاقة النظيفة فقط، بل أيضاً، وبالتبعية، ترجيح الوصول لذروة انبعاثات الكربون قبل عام 2030.
يُتوقَّع أيضاً ألا تتمكن الصين من تحقيق هدفها المتمثل في خفض كثافة الطاقة بنسبة 13.5% والكربون بنسبة 18% بحلول نهاية هذا العام، وفقاً للخطة الخمسية الرابعة عشرة. ويَرجِع ذلك إلى أزمة الطاقة في مرحلة ما بعد كوفيد. ويشرح هذا الفشل السبب وراء وضع أهداف مناخية أقل من التوقعات، كما هو موضح سابقاً.
التداعيات على مصالح دول الخليج
سيكون للتحولات المترتبة على الإعلان الصيني الجديد تداعيات على قطاعي الطاقة والتصنيع في دول الجنوب العالمي، وخصوصاً دول الخليج التي تملك علاقة اعتماد متبادل عميقة في مجال الطاقة مع الصين.
أحد أهم النتائج المترتبة على ترجيح تحقيق الصين أهدافها قبل عام 2035 بكثير تراجع الطلب الصيني العام على النفط، التي تُمثِّل دول الخليج حوالي 45% من إجمالي الواردات الصينية منه.
ففي ديسمبر الماضي، عدَّلت شركة النفط الصينية سينوبيك من توقعاتها لمستقبل الطلب الصيني على النفط، وقالت إن الاستهلاك الصيني من المقرر أن يصل إلى ذروته بحلول عام 2027، مؤكدةً أن مستوى الطلب قد يصل حينها إلى 800 مليون طن متري، أو ما يعادل 16 مليون برميل يومياً. وقبل ذلك، قالت سينوبيك إن الذروة قد تحدُث بين عامي 2026 و2023. بينما يتوقع معهد أبحاث الاقتصاد والتكنولوجيا التابع لشركة النفط الوطنية الصينية أن الطلب الصيني على النفط سيصل مرحلة الذروة في 2025. ويتسق ذلك مع التراجع في واردات النفط الصينية في 2024. فقد أظهرت بيانات الإدارة العامة للجمارك، في يناير الماضي، أن واردات الصين من النفط انخفضت بنسبة 1.9% في عام 2024، وهو أول انخفاض سنوي في خلال عقدين (إذا اُستُثنيَ التراجع الناجم عن جائحة كورونا). ويعادل ذلك حوالي 553.4 مليون طن متري، أي 11.04 مليون برميل يومياً، في انخفاض عن المستوى القياسي في الواردات لعام 2023 البالغ 11.28 مليون برميل يوميا بحوالي 2%.
إلى جانب ذلك، يتوقع استمرار تركيز الطلب في السوق الصيني على الخام المتوسط من منطقة الخليج على رغم ارتفاع كلفة التكرير مقارنة بالخام الخفيف. ويرجع ذلك إلى تركيز الإستراتيجية الاستثمارية الصينية في قطاع الطاقة في المستقبل على قطاع البتروكيماويات الداعمة لتصنيع تكنولوجيا الطاقة النظيفة. وأظهرت تقارير أن حوالي 25% من صادرات دول الخليج ووارداتها من البتروكيماويات والبوليمارات يتم مع الصين بالفعل، ويخلق ذلك اعتماداً متبادلاً في المستقبل باتجاه تقليل مخاطر تراجُع الطلب على النفط الخام في السوق الصيني. ويشكل ذلك فرصة للمصدرين الخليجيين تتمثل في استقرار التوقعات والعقود طويلة الأجل نظراً لعدم ترجيح أي تغيير جذري على المديين القصير والمتوسط. لكن، على المدى الطويل، يرجح أن يتحول تركيز الطلب في السوق الصيني على سوائل الغاز الطبيعي وغاز البترول المسال والخام الخفيف مع تراجع الطلب الصيني على النفط الخام وخروج مصافي التكرير القديمة من الخدمة.
وقد يحمل التسريع الصيني في زيادة القدرة المركبة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح، إلى جانب تسريع وتيرة إنتاج المركبات العاملة بالطاقة الجديدة، خطر إغراق الأسواق الخليجية بالبضائع الصينية الرخيصة، خصوصاً مع تصاعد الحرب التجارية الأمريكية والصينية بعد تصعيد إدارة ترمب الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية. وقال وزير التجارة الخارجية الإماراتي، ثاني الزيودي، “نشهد إغراقاً هائلاً من الصين في أسواقنا المحلية. يجب أن نضمن حماية صناعاتنا”.
ويمثل الأمر الواقع الحاكم للتعاون الصيني – الخليجي أرضاً خصبة لزيادة الاعتماد الخليجي على الصين. فعلى سبيل المثال، لا يزال أغلب المكونات في سلاسل توريد الطاقة النظيفة في الخليج تأتي في أغلب الأحيان من الصين، بما يشمل ألواح الطاقة الشمسية والمكونات الداعمة لها. وأحد التداعيات الأساسية لذلك وضع قيود على فعالية السياسة الصناعية الخليجية على المدى القصير من طريق ابطاء توطينها ورفع الكلفة الإنتاجية وتقليل العائد.
وحتى في المجال الصناعي، تمارس الشركات الصينية، مثل “جينكو” للطاقة الشمسية، دوراً مركزياً في بناء القاعدة الصناعية الخليجية في مجال الطاقة النظيفة. ويشمل هذا الدور قيام الشركات الصينية بدور المطور والمورد للوحدات، بينما تحظى الشركات الخليجية بنسبة أصغر من الإنفاق على المشاريع الداعمة والمقاولات والمواد والمكونات لتلبية متطلبات المحتوى المحلي.
وتُمثِّل تجربة فتح شركات السيارات الكهربائية الصينية أسواقاً جديدة في الخليج مثالاً على التداعيات السلبية لذلك، والناجمة عن تراجع الكلفة وتأخُّر صناع السيارات الكهربائية الغربيين، مثل تسلا، عن مواكبة نظرائهم الصينيين في التكنولوجيا. ولهذا الأمر تداعيات مباشرة، أهمها انخفاض هوامش الربح للشركات المحلية الخليجية، مثل شركة “سير” السعودية الناشئة، وتراجع الجدوى التجارية من الشراكات الخليجية مع شركات خارجية؛ فعلى سبيل المثال، انخفضت قيمة حصة قطر القابضة في شركة “فولكس فاغن” الألمانية بشكل حاد تحت ضغط هيمنة السيارات الكهربائية الصينية.
ويُرجَّح توسيع دول الخليج القيود لمكافحة الإغراق على بعض المنتجات الصينية لحماية أسواقها المحلية وتنافسية شركاتها. وفرضت دول مجلس التعاون بالفعل رسوماً لمكافحة الإغراق على منتجات بلاط السيراميك والبورسلين من الصين والهند، وطبَّقت رسوماً مماثلة لمدة خمس سنوات ابتداء من يونيو الماضي على واردات المعدات الكهربائية والمفاتيح الكهربائية التي لا تتجاوز 1000 فولت، وفرضت أيضاً رسوما على فئات محددة من واردات الألومنيوم من الصين.
الخلاصة
يعكس سعي الصين المقصود لخفض التوقعات فيما يتعلق بتعهداتها المناخية هيمنة عدم اليقين على المخططين الاقتصاديين الصينيين، وضبابية التوقعات حول أداء الاقتصاد الصيني على مدى العقد المقبل. لكن قدرات بيجين الصناعية الهائلة التي قد تُمكِّنها من تخطي هذه الأهداف بكثير، خصوصاً فيما يتصل بمصادر الطاقة النظيفة والسيارات العاملة بالطاقة الجديدة، ما قد يخلق ضغطاً إضافياً على شركاء الصين التجاريين، ومن بينهم دول الخليج، خصوصاً في بيئة تجارية عالمية تسيطر عليها الحمائية والمواجهات التجارية المستمرة مع الولايات المتحدة.