انهيار أسعار النفط وتداعياته على الاقتصاد العراقي

مركز اضواء/متابعة

بقلم : الدكتور حيدر حسين آل طعمة

باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء

على الرغم من نجاح الحكومة في زيادة إنتاج النفط العراقي إلا أن انخفاض أسعار النفط العالمية أثار مخاوف الاقتصاديين والمختصين؛ كون الاقتصاد الوطني يعتمد على الإيرادات النفطية بشكل مذهل،

مما دفع الحكومة العراقية إلى اللجوء لتنفيذ سياسة التقشف من أجل تجنب أزمة مالية محققة.ويتفق اقتصاديون عراقيون مع مخاوف صندوق النقد الدولي من تأثير هبوط أسعار النفط على موازنة العراق للعام 2015، منتقدين الحكومة العراقية لعدم إعداد الخطط والاستراتيجيات اللازمة، في السنوات السابقة، بشكل يساهم في تطوير القطاعات الإنتاجية الأخرى. إن هبوطأسعار النفط خلال الأشهر الأربعة الماضيةإلى ما دون عتبة الستين دولار للبرميل، للمرّة الأولى منذ أعوام، بدلا من المستوى الذي تراوحت عليه طيلة السنوات الأربع الماضية 100-115، ما بدا أنّه “انهيار” متواصل في سعر النفط العالمي، ولّد كثيراً من التحليلات حول الأسباب الاقتصادية والسياسية لهذا الهبوط الدراماتيكي والسريع لأسعار النفط،وما يمثله من تحدٍ للعراق الذي يواجه حربين، الأولى داخلية مع “داعش”، والثانية خارجية معأسعار النفط. تحاول هذه الورقة مناقشة أبرز العوامل الكامنة خلف الانهيار المفاجئ لأسعار النفط، وتقديم بعض المقترحات الممكنة لخروج العراق من هذه الأزمة من خلال المحاور الآتية:

أولاً:- الأسباب الكامنة وراء انهيار أسعار النفط.

ثانياً:- مستقبل أسعار النفط.

ثالثاً:- الاقتصادالعراقيوانخفاضأسعارالنفط.

رابعاً:- سبل مواجهة هبوط المورد النفطي.

أولاً:- الأسباب الكامنة خلف انهيار أسعار النفط

لا تعكس أسعار النفط العالمية حاليا تغيرات جوهرية في عوامل السوق (العرض والطلب) بقدر ما تعكس تأثيرات كبيرة لعمليات المضاربة، فقد شهدت بورصات النفط العالمية مؤخراً هبوطا حادا للعقود المستقبلية للنفط الخام وبشكل مبالغ فيه انعكس بشكل مباشر في هبوط أسعار النفط في السوق الفورية، ورغم اتفاق معظم محللي أسواق المال والمختصين بأن حمّى المضاربة كانت محيرة ومبالغ بها؛ كونها افقدت برميل النفط الخام نصف قيمته خلال مدة محدودة، إلا أن هناك عدد من العوامل التي اسهمت في انزلاق أسعار النفط بهذا الشكل، لعل أبرزها:

1-انخفاض الطلب العالمي على النفط الخام:

فقد خفضت وكالة الطاقة الدولية – التي تقدم المشورة للدول الصناعية بخصوص سياسات الطاقة – توقعاتها للنمو في الطلب العالمي على النفط في عام 2015، وعزت ذلك إلى بقاء التحسن الاقتصادي محدودا على الرغم من تدهور أسعارالنفط في الأسواق العالمية منذ أشهر. وبحسب الوكالة سينمو استهلاك النفط بواقع (900) الف برميل يوميا العام المقبل ليبلغ (93.3) مليون برميل يوميا، مقابل توقعات سابقة قدرها (93.6) مليون برميل يوميا. ويعود ذلك إلى الانكماش الاقتصادي في كل من أوروبا والصين واليابان، وهي أسواق استهلاكية ضخمة للنفط الخام. وفي هذا السياق بلغت تقديرات صندوق النقد الدولي لمعدل النمو الاقتصادي العالمي المتوقع للعام 2015 فقط (3.6 %)، مقابل (3.2 %) للعام 2014، ما يعني أن زيادة الطلب على النفط ستكون ضئيلة وفي حدود (1.1) مليون برميل يوميّا فقط، ما أحدث مضاربة كبيرة على الانخفاض، ومنافسة شديدة بين كبار البائعين، حتى أن شركة “أرامكو” السعودية منحت تخفيضا قدره دولارا عن كل برميل للمشترين في آسيا، و(40) سنتا عن كل برميل للولايات المتحدة.

2-ارتفاع حجم الخزين الاستراتيجي الأمريكي من النفط الخام:

أفصحت بيانات صادرة عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية مؤخرا أن مخزون النفط الأمريكي قد ازداد بمعدل (5) مليون برميل “مخزون النفط الخام الأمريكي الإجمالي تبلغ قيمته (361.7) مليون برميل”. وأورد معهد النفط الأمريكي زيادة مشابهة في مخزون النفط الخام بقيمة (5.1) مليون برميل. وغالبا ما تقود الزيادة في المخزونات الاستراتيجيةللنفط إلى هبوط أسعاره؛ بسبب تلويح الادارة الأمريكية لأكثر من مرة باستخدام هذا المخزون في مواجهة الصدمات النفطية المفاجئة.

3-تخمة أسواق النفط العالمية: 

سببت إمدادات النفط الفائضة انخفاضاً في أسعاره بلغ نحو (50 %) في الأشهر الستة الماضية، والمنتجون عالقون الآن في معركة حول من سيخفض الإنتاج لإعادة التوازن إلى سوق النفط. وقد كان لثورة النفط والغاز الصخري وما ولدته من تخمة في أسواق النفط العالمية دورا هاما في انخفاض مستويات الأسعار. إن ارتفاع مستوى أسعار النفط منذ بداية الألفية الثالثة أسهم في تحفيز الشركات النفطية على الولوج إلى هذه الصناعة المكلفة، وأدى استقرار أسعار النفط حول عتبة الـ(100$) – باستثناء العام 2009 حيث هبطت الأسعار بشدة بسبب الأزمة المالية العالمية -إلى نمو وازدهار إنتاج هذا النوع من النفط غير التقليدي، وقد أدى ذلك إلى استحواذ النفط الصخري على قرابة خمس السوق النفطية، وما سببه ذلك من زيادة في المعروض النفطي ومن ثم هبوط مستويات الأسعار.فإنتاج النفط الصخري في أمريكا الشمالية في ارتفاع مستمر، بنحو مليون برميل يوميا في السنة “إذ سجل معدل الإنتاج في أمريكا الشمالية نحو (18.1) مليون برميل يوميا في عام 2013، ونحو (19.6) مليون برميل يوميا في عام 2014، ومن المتوقع ارتفاع الإنتاجإلى نحو (20.7) مليون برميل يوميا في عام 2015″. في حين تقدر الطاقة الإنتاجية لجميع دول الأوبك قرابة (31) مليون برميل يوميا.

4-انحسار دور المنتج المرجح:

ساعدت ردود الفعل الصادرة عن منظمة أوبك في هبوط سريع للأسعار. فالعادة هي أن تبادر هذه الدول بتبني دور المنتج المرجح، أي تخفيض الإنتاج عند تدهور الأسعار، أو زيادته عند ارتفاع الأسعار. وترتكز سياسة المنتج المرجح التي اعتمدتها السعودية والإمارات والكويت في العقود السابقة، على تبني هذه السياسة أولاً، ومن ثم التفاوض مع بقية الأقطار الأعضاء في أوبك، للتنسيق وتبني سياسة مماثلة، فإذا تم تخفيض الإنتاج، تتحمل جميع الدول الأعضاء في أوبك هذه المسؤولية، وإن كان ذلك بنسب مختلفة في بعض الأحيان، لكن الملفت للنظر الآن ، أن الدول المنتجة الكبرى قررت التريث وعدم تخفيض إنتاجها. من جانب آخر، هناك ثلاثة بلدان أعضاء في أوبك غير مستعدين لتخفيض الإنتاج: فليبيا، مثلا، هي بصدد زيادة إنتاجها وليس تخفيضه. ومن المتوقعأن تعتذر ليبيا عن تخفيض الإنتاج بعد أن انخفض معدله إلى نحو (200) ألف برميل يوميا خلال الأشهر الأخيرة.فهي تحاول الآن زيادة الإنتاج عن مستواه الحالي البالغ نحو (900) ألف برميل يوميا، رغم الفوضى السياسية هناك. كما أن إيران تحاول الانعتاق من الحصار الدولي المفروض عليها بسبب برنامجها النووي الذي خفض صادراتها إلى أقل من مليون برميل يوميا مقارنة بنحو (2.5) مليون برميل يوميا قبل الحصار. والعراق يحاول بدوره زيادة إنتاجه للتعويض عن تقلص وتوقف الإنتاج لسنوات طويلة، فضلا عن الحاجة الماسة لإعادةالإعمار والتصدي للإرهاب، ناهيك عن الالتزامات والعقود مع الشركات النفطية الدولية التي تتطلب زيادة الإنتاج.

5-  موقف المملكة العربية السعودية من تدهور أسعار النفط

في السياق الاقتصادي يرى عدد من المختصين أن عدم تبني المملكة العربية السعودية لأي قرار بشان التخفيض ناجم عن التحدي الجديد الذي فرضه إنتاج النفط الصخري في أمريكا الشمالية، فالمملكة تدرك بأن السوق النفطي يعاني من تخمة في المعروض، وأن أي محاولة لتخفيض سقف الإنتاج لن يكتب لها النجاح إذا استخدمت الولايات المتحدة خزينها الاستراتيجي أو إذا لم تتعاون شركات النفط الغربية بالمثل في خفض إنتاجها “وهو أمر مستبعد”. لذا فإن العواقب ستكون وخيمة على المملكة، وقد تخسر جزءا كبيرا من السوق النفطية، في الوقت الذي يمكن أن يُسد النقص في الإنتاج السعودي بسهولة ويسر من قبل عدة أطراف. وثمة راي آخر يشكك في حسن نوايا المملكة الرامية إلى دعم أسعار نفط منخفضة لدعم النمو الاقتصادي العالمي، حيث يجد فريق من الباحثين أن السعودية ترمي إلى مزيد من هبوط الأسعارلأجلإزاحة المنتج العالمي الجديد من السوق النفطية، إذ يشكل النفط غير التقليدي معضلة لدول أوبك النفطية الكبرى. إلا أن كلفة إنتاج البرميل الواحد من النفط الصخري تتراوح بين (40- 70) دولار، ولن تتمكن شركات النفط الصخري في الأمد القصير من الصمود كثيرا بوجه تدهور الأسعارإلى دون الـ(60) دولار، وهكذا فإن تحجيم دور النفط الصخري في خريطة الطاقة الدولية لن يعيد زمام المبادرة في تحديد الأسعار العالمية للنفط إلى المملكة وحسب وإنما سيعمل في المستقبل على إحكام الهيمنة السعودية مجددا على صادرات الطاقة إلى الولايات المتحدة وغيرها من بلدان العالم.

المصدر : مصدر الاخبار

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M